وضع داكن
29-03-2024
Logo
موضوعات في التربية - الدرس : 001 - الحجاب - أحاديث - إني...- الصحابي نعيم بن مسعود
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنَّك أنت العليم الحكيم، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الإخوة الكرام كنا قد علمنا فيه السابق بفضل الله وتوفيقه موضوعات كثيرة وصلنا في هذه الموضوعات إلى موضوع التبرج، التبرج: إظهار ما يجب إخفاؤه، إظهار محاسن المرأة التي أمر الله بإخفائها، الآية القرآنية التي تتحدث عن التبرج قوله تعالى:

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾

(سورة الأحزاب: الآية 33)

 في هذه الآية أسئلة كثيرة، أول شيء: حينما يذكر الله عزَّ وجلَّ شيئاً في كتابه الكريم، فمعنى ذلك أن هذا الشيء أساسي في سلامة المرء وسعادته في الدنيا والآخرة، لا يظن أحد الناس أنه إذا الله عزَّ وجلَّ ذكر آية في القرآن الكريم فيها توجيه اجتماعي أن هذه الآية من الثانويات ما دام الله عزَّ وجلَّ قال: وقرن في بيوتكن، معنى ذلك أن بقاء المرأة في بيتها نظام اجتماعي أمثل تنتظم به الحياة ويسعد به الرجال وتسعد به النساء ويسعد به الناس في الدنيا والآخرة، المرأة إذا خرجت من بيتها وخالطت الرجال سببت فساداً كبيراً، لأن المرأة محببة إلى الرجال، هذه فطرة:

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

 

 

(سورة آل عمران: الآية 14)

 كيف أن البارود يشتعل بالنار، من خصائصه.. من خصائص هذه المادة اشتعاله السريع بالنار، فإذا منعت النار عن البارود فهذا مبنيٍ على علمٍ كبير، ربنا عزَّ وجلَّ قال: وقرن في بيوتكن، فلمّا خرجتا ابنتا سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لسقي الغنم:\

(سورة القصص: من الآية 23 )

﴿ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير﴾

ٌ

 

 

 يعني لم يخرجن إلا لسببٍ قاهر، أما من غير سبب قاهر، فينبغي أن تبقى المرأة في بيتها، وليس معنى ذلك أن تبقى جاهلة، بعض الجهلة يقرنَّ بين بقاء المرأة في بيتها وبين الجهل، يجب أن تبقى في بيتها وهي في قمة الفهم والتأدُّب بأخلاق الإسلام والتفقه في الدين وفهم كتاب الله واتباع سنة رسول الله، فربنا عزَّ وجلَّ يقول

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

 ليس هنالك حاجة لمزيدٍ من التفصيل لأنَّ كلّكم تعرفون ذلك.
 لو إن امرأةً متبرجةً تعمل في مكانٍ يراها الرجال كلّ يوم وكل ساعة، الرجال على أنواع.. بعضهم كالذئب بعضهم كالثعلب بعضهم مريض النفس بعضهم يشتهي ما ليس عنده، أي أنّ هذا شيء طبيعي أن يتقرّب الرجال إليها، فإذا تقرب الرجال إليها شعرت بقيمتها وبخطورة جمالها في الحياة، لذلك فتجدها مستعلية على زوجها في البيت، فتفسد علاقتها مع زوجها، وتفسد علاقة الأزواج مع زوجاتهم، وتحتل مكان رجل في العمل لو عيّن مكانها لتزوج.. إذاً فهي قد عطّلت مكاناً لرجل وعطلت زواجاً لأنثى، ورزقها مضمون على أبيها أو زوجها، هذا نظام الإسلام.. فربنا عزَّ وجلَّ حينما قال: وقرن في بيوتكن أي النظام الأمثل: أن تتفرّغ المرأة لرعاية زوجها وأولادها، وأن تكون عالمةً بأمر دينها وبحقوق زوجها..

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾

 السؤال الدقيق: لماذا قرَن الله عز وجل بين أمرهِ الشريف العظيم

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

 وبين أمره الآخر وكلمة: ولا.. أو نهيه الآخر:

﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾

 

 

إذاً لماذا قرنهم مع بعضهم؟.. الأصل أن تبقى المرأة في البيت.
يا بنيتي يا فاطمة هكذا قال عليه الصلاة والسلام: ما خير ما تفعله المرأة ؟
 قالت: الآ تُرى وألآ تَرى. ألآ ترى، وألآ ترى، صلاة المرأة في دارها خير من صلاتها في مسجدها، وصلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في دارها، الدار مجمل الغرف مع الساحة السماوية، مع الفناء.. أما البيت: الغرفة - وصلاتها في قعر بيتها خير من صلاتها في بيتها _إذاً في غرفتين، غرفة مطلة على الفناء، فناء الدار، وغرفة داخلية _ لأن المرأة كلّها فتنة، صوتها فتنة، حركتها، مشيتها.

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾

 ما علاقة النهي الثاني: فإذا خرجتنّ لأمر ضروري.. لا تبرجنَ.. فإذا قلنا لأحد: لا تأكل كما يأكل النهم، فهل نحن ننهاه عن الأكل ؟ لا.. لا تأكل كما يأكل النهم، لا تقوموا لي كما يقوم الأعاجم، الأعاجم يقومون تعظيما لملوكهم، أما إذا قام الصحابة الكرام لنبيّهم فهذا التعظيم ليس لذاته بل لحقيقته العظمى، إذاً النهي ليس نهياً مطلقاً.
 ولا تبرجن: المرأة لا بد من أن تتبرّج لزوجها، فإذا تركت التبرج لزوجها أثمت، لأنها إذا تبرّجت لزوجها كان تبرُّجها لزوجها أغضَّ لبصره وأحصن لنفسه، لكن المرأة غير المسلمة تتبرج لغير زوجها، للأجانب، في الطرقات تظهر مفاتنها لمن ليس له علاقة بها، تبرز مفاتنها لمن لا يجوز له أن يرى مفاتنها، تبرز مفاتنها فتفسد علاقة الأزواج بزوجاتهم، أو تفسد علاقة الشباب بربّهم، أو تفسد علاقة المجتمع بعضه ببعض.

 

﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ﴾

 

 

 

: يعني هذه الفتنة، هذا الجمال الذي منحه الله للمرأة، حينما منحه من أجل أن يكون عوناً لها على أن يحبها زوجها من أجل الوفاق الزوجي، يعني المرأة محببة، لو أنها تقوم بتربية الأولاد، وتقوم بالوضع وبالحمل وبالرضاع وبالخدمة وبالطبخ وليس لها شكل مقبول لم تستقم الحياة الزوجية، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لها هذا الشكل المحبب وقال:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

 

(سورة آل عمران: آية " 14 " )

 من أجل أن تكون ألألفة بينهما.. وقد قال تعالى:

 

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

 

 

( سورة الروم: آية: "21 " )

 هذه مودة تأتي من أنها محببة للرجل، هذا الشيء الذي منحها الله إيّاه لعلة واضحة إذا استخدمت في غير ما خلقت له فقد فسدت وأفسدت.

 

﴿ بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾

 

 

 .. في الجاهلية كانت النساء تتبرّج، لا بقصد إرضاء أزواجهنّ، بل بقصد إظهار مفاتنهنّ، لذلك هذه الآية أصل في تفرغ المرأة لزوجها، وفي صونها لنفسها، وأثمن ما تملك المرأة شرفها وعرضها وعفافها، فإذا عرضت هذا الشيء الثمين لأنظار الناس كلّهم فقد أثارت حولها الذئاب،.. الجوهرة المكنونة توضع في علبة مخملية وفي صندوق، أما الشيء التافه الذي لا قيمة له تراه ملقيا في الطريق.

 

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾

  ومن كلمة الأولى يفهم أنّ هناك جاهلية أمرّ وأدهى سوف تأتي في آخر الزمان.
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما.

 

 

(سورة الأحزاب: آية "59 " )

 أكثر المفسرين فسّروا هذه الآية: أنّ الجلباب يجب أن يستر جسد المرأة كله من رأسها إلى أخمصها، هذا هو الجلباب، وسمح أن تبقى عين واحدة مكشوفة كي ترى طريقها.

 

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)﴾

 

( سورة الأحزاب: آية "59 " )

 والآن أنظر إلى امرأة لا يرى الناس وجهها لا يستطيع أحد مهما بلغ فسقه أن يسمعها كلمة لا تليق في الطريق، ولا أن يتحرّش بها ولا أن يصف شكلها، ولا أن يتكلّم كلاماً يؤذيها، لأنّه لا يراها، فإذا بَدَى الوجه وهو موطن الفتنة في المرأة كانت التعليقات، إن كان فاتناً علّق الناس تعليقاً خاصاً، فإن لم يعلّقوا أضمروا في نفوسهم ما لا تحمد عُقباه، وإن نظروا وإن كان في الوجه دمامة تكلّموا بكلمات تعقِّد هذه المرأة، لذلك ربنا عزَّ وجلَّ قال:

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)﴾

 

 

( سورة الأحزاب: آية "59 " )

 معنى المرأة التي تظهر مفاتنها قد تؤذي وقد تؤذى، تؤذي بإثارة الشهوات، وقد تؤذى ببعض الكلمات التي تجرح شعورها إن بقي عندها شعور.
على كلٍ.. الآية الثانية:

 

﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) ﴾

 

(سورة النور: آية " 31 " )

 المفسرون قالوا: الذي يظهر من زينة المرأة، طولها.. هل تستطيع أن تخفي طولها ؟، كونها ممتلئة الجسم أم نحيلة، هذا شيء لا تستطيع أن تخفيه، لذلك الآية الكريمة تقول: ولا يبدين

﴿زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ ﴾

 

 

أما الوجه.. لو أنّ الوجه مستثنى من هذه الآية فتأتي الآية: إلا ما أظهرن.. أي بيدها أن تظهره أو أن لا تظهره، أمّا قوله تعالى: إلا ما ظهر وليس: إلا ما أظهرن منها.. الوجه إلا ما أظهرن، والمعصم إلا ما أظهرن، والرقبة إلا ما أظهرن، كل هذه الأعضاء يمكن ستره إلا ما ظهر من دون قصد ومن دون إرادة ومن دون إمكان إلا ما ظهر منها قالوا: طولها.. وقالوا: ثيابها.

﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾

 

 

: الجيب فتحة الصدر، يضربن بخمرهنّ.. والخمار الرداء الذي تختمر به المرأة، والخمر تستر عقل الإنسان.. والخمار يستر المرأة، ولتضرب خمارها من رأسها على جيبها مرورا بوجهها..

﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾

. وإلى آخر الآية.
 والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها. أي أنّ إذا بلغت المرأة سنّ البلوغ لا ينبغي أن يراها الأجنبيّ، لأنها إذا رآها زرعت الشهوة في قلب من يراها.
ويقول عليه الصلاة والسلام: إنّ المرأة إذا أقبلت، أقبلت ومعها شيطان، وإذا أدبرت أدبرت ومعها شيطان.
أي أنَّك لو رأيتها مقبلة بزينتها حرَّكت الشهوة، وإذا رأيتها مدبرة حرَّكت الشهوة.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
ويقول عليه الصلاة والسلام: صنفان من أهل النار لم أرهم، رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات.
 أي أن شفّ الثوب عن لون الجلد فهذا ليس بثوب، إنها بهذه الثياب كاسية عارية،أي أنّ القماش الرقيق الذي يظهر ملامح الجسد.. هذا يدخل في هذا الحديث، كاسية عارية.. والثياب الثخينة، إذا كانت ضيّقه فوصفت حجم العضو، كاسية عارية.. كاسيات عاريات مائلات مميلات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليشم من مسافة كذا وكذا،
فكيف أفهم أنَّ امرأة مؤمنة تظهر مفاتنها للأجنبي ؟ لا.. الإيمان بقلبها كبير، لا تدع الصلاة..أي أنّ غطاء رأسها تحمله معها في حقيبتها، لكن أن تقول: مضطرة !! هذا كلام مرفوض.. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أب سأل بناته لماذا أنتنّ متحجبات ؟ فأجابت كل فتاة بكلمة حسب مستواها.. قالت إحداهن: لأن الله أمر بذلك. قال: جيد. وقالت أخرى: لأنني بهذا أرضي الله عزَّ وجلَّ. وقالت ثالثة: أنا متحجبة لئلا أؤذي عباد الله.
إذا كان شاباً في مقتبل حياته، أي ملتهب إذا رأى فتاتاً وكان منظرها مثيراً لشهوته، فماذا يفعل بنفسه ؟ وهو جاهل ليس له مجلس علم يعلمه غضّ البصر، ليس له معلّماً يعلمه الدين الصحيح ليس له تعلُّق بالآخرة، فلا بدّ من أن يفسق، وينحرف ويبتغي وراء ذلك كما قال الله عزَّ وجلَّ.
 ولو قيل أنها شريفة لم يستطع الحديث معها ولا تكلّم أساساً وتمشي ونظرها بالأرض!. لكن: قد زرعت الفتنة بنفسه، فإذا لبست المرأة لباس حديث وفق أحدث الموضات معنى ذلك أنّها تدعو الناس إلى النظر إليها، تدعو الناس إلى التهامها بعيونهم، وتقول: إنها شريفة !! أين شرفها ؟! لو أنها شريفة لحجبت مفاتنها عن الذئاب، أقول: الذئاب بالذات.. لحجبت مفاتنها عن الذئاب.
 مثال مضحك: إذا ركب أحدكم سيارةً عامةً تجد أبوابها منزوعة، لها وضع خاص هي لأنّها عامة، أمّا السيارة الخاصة تلاقيها منتظمة. كذلك عندما تظهر المرأة مفاتنها أصبحت عمومي ولم تصبح خصوصي، أي مستهلكة من الجميع، يستمتع بها الجميع، ولا شأن لها عند الله عزَّ وجلَّ.
 أما هذه المرأة التي خلقها الله لتكون لزوجها عند إذٍ يرزقها الله بهاءً إلى أمدٍ طويل، سبحان الله المرأة التي تصون نفسها.. تجدها بالخمسينات مشرقة، والتي يراها الأجنبيّ صباحاً ومساءً.. فتجدها وهي في عمرٍ مبكرٍ يذهب رونقها ويذهب جمالها لأنها استهلكت،.. استهلكت وأهلكت.
 وعن موسى بن يسار رضي الله عنه قال: مرَّت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف، _ الآن أين ما مشيت، على بعد ثلاث أمتار تشم ريحة المرأة، فالناس تدفع على العطورات مبالغ طائلة، النساء في الطريق إذا الواحد ليس منتبه يشعر برائحة نسائية.. فينظر.. طبعا أهل الدنيا _ فسيّدنا أبي هريرة مرَّ بامرأة وريحها تعصف، فقال لها: أين تريدين يا أمة ؟. قالت: إلى المسجد. فقال: وتتطيبين !. قالت: نعم. قال: فأرجعي فاغتسلي. _أي أنّه إذا خرجت المرأة متعطِّرة خرجت زانية _ قال: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يقبل الله صلاة من امرأة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل.
 أي أنّ الموضوع حساس ودقيق وكل منا يعرف أبعاده ويعرف أنه كم من طلاق تم بسبب الاختلاط، كم من شقاء وقع في بيت بسبب التبرُّج، كم من انحراف وقع من زوج أو من زوجة بسبب الاختلاط، تعرض علي في هذا المسجد مشاكل كثيرة، أشياء لا تذكر..
 رجل متغيّب عن زوجته، وقد دخلت إلى بيت الجار في غيبته، طبعا في إهمال للشرع، هذا الشرع إذا طبقته كان وقاية لك من المشكلات ومن المفاجئات ومن الأمور التي لا تحتملها، فإذا طبّقته ولم تكن عالماً بمضار الاختلاط نجوت،.. جاء رجل إليّ والله في هذا المسجد قصة حدثت منذ ثماني سنوات، بعد ما انتهاء خطبة الجمعة قال لي: والله زوجتي وجدتها تخونني مع رجل، وعندي منها خمسة أولاد.
قلت له: فما السبب ؟.... قال لي: هذا جارنا.. القصة قالها لي من أولها.. قال لي والله قد دخل هذا الجار للبيت ليزورني، فقلت لها: يا أم فلان تعالي أحضري لنا القهوة فجارنا مثل أخاكي.
 فهذا جاهل بما يكون من من عواقب الاختلاط، فالإنسان الذي يحب نفسه، يحب أن يقضي عمره كلّه مع زوجته في هدوء ودعة واطمئنان إلى أخلاقها وإلى استقامتها ووفائها، لا يعرِّض نفسه إلى المهالك بسبب جهله بالدين.
شخصٌ آخر دعى زوجته إلى العمل خارج المنزل بوظيفة حساسة لها علاقة بضرائب معينة، فجاءتها الهدايا، وجاءتها الأموال، اشترت بيت آخر، غابت عن البيت، استعلت على زوجها، فشعر انّه كما قيل بالمثل _ على نفسها جنت براقش _ ثمّ تركته بعد إذٍ.. فمن هو أمامها؟! هو معجب بها وبقيمتها وبدخلها ولكن على نفسها جنت براقش.. أحدهم نفخ قربة وتعلَّق بها بالنهر، وفي منتصف الطريق فرغ هوائها فغرق.. فقال له بعضهم: ( يداك أوكتا، وفوك نفخ.)، أنت نفختها وأنت ربطتها، ربك لم يرد ذلك !!، ( يداك أوكتا ) يعني ربطتا ( وفوك نفخ ).
هذا من صنعك.
 اسمع أيام إنه: لازم تظهري على أخواتي كلّهم من دون شيء هؤلاء أخواتي، ما هذا ؟ هل هذا الكلام آية أم حديث ؟!! من أين جئت بهذا ؟! جهل.. أيام الأهل يشترطوا على الزوج إن ابنتهم تختلط مع إخوة زوجها، شرط قد شرطوه.. ويقولون له: لا تعمل لنا تفرقه بالعائلة نحن قد تربينا معاً، شيء جميل.. فما هذه العادات !!.
 صنف آخر من الناس.. أين فلانة فإنني قد قمت بتربيتها، قد أصبحت زوجة، لا يجوز أن تحجبها عني فأنا الذي ربيتها.. فما هذا الكلام !! كلام جهل وتجد مضاعفات وانحرافات وغمز ولمز، ويفاجئوا بعضهم بأوضاع غير سليمة ويشتكوا من بعضهم ويخونوا بعضهم وتحدث العداوة بينهم، هذه كلها منافذ الشيطان، فإذا أردت أن تحيى سليما من هذه المشكلات فطبّق كتاب الله.
الآن إذا قام شخص بشراء آلة، اشترى سيارة فيوجد معها نشرة، السيارات الحديثة معها نشرة بالعربي.. قرأتها بكاملها بلغت حوالي الستين أو السبعين صفحة، وفيها متى يجب أن تضع الزيت، كيف تمسح الزجاج.. فإن مسحته من دون ماء فيتجرّح مثلا، لازم تفحصها من أسفلها كل فترة لكي تعزلها بالزفت وإلا يتآكل الهيكل، فقد وجدت أشياء ضرورية جدا، من الجهة التي على درايةً عالية وتعطيك النصائح الصحيحة لصيانة السيارة؟.. المعمل.. أما إذا كانت سألت من ليس له علاقة بهذه المصلحة إطلاقا يعطيك نصائح غير صحيحة، لا تديرها فترة بالصباح.. تحمّيها.. فلا يوجد وقت فقائل ذلك لا يفهم.
فعندما يتلقى الإنسان نصائح بأمور حياته من جهات غير خبيرة..فسوف يدفع الثمن، أما إذا كان تلقى النصيحة من الخبير:

﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾

( سورة الملك: آية " 14 " )

 نحن من خلقه.. نحن خلقناه، وهذا الكتاب: القرآن الكريم.. هو دستورنا في الحياة.. فإن لم تطبّقه تخاف من دفع الثمن.
 كنت أقول دائما: إذا الإنسان لمسَ مدفأة فاحترقت يده، العلاقة بين لمسها واحتراق اليد.. هذه علاقة سبب بنتيجة.. أي فهي علاقة علميّة، أما إذا كان الأب اشترى درّاجة لأبنه لنجاحه في الفحص.. فهذه علاقة حكميّة.. أي أنّ الأب قال له: إن نجحت فسأشتري لك درّاجة، هذه علاقة ليست بالضرورة.. علاقة قد وضعها الأب.. فعندما نجح الابن نجح جاء له بالدراجة.
 علاقة المعصية بنتائجها علاقة علميّة.. أي أنّ كل معصية يوجد فيها بذور نتائجها، من غير أن يتدخّل الله، نفس المعصية فيها،.. تيار ثلاثة آلاف فولت _ خطر الموت _ فهل لا يوجد خطر إن مسكه أحد ؟ يأتي المسؤول يكتبه ضبط ويخالفه بالموت !! لا.. فسيموت من نفسه منه، من دون تدخّل الدولة، إذا واحد مسك تيار ذو فولت عالي وخالف هذه اللوحة الّتي رسمت عليها.. جمجمة وعضمتين.. فإنّه سيتفحّم على الفور فلا توجد حاجة أن يكتبه مخالفة ويحال على القضاء ويجعله فحماً بالقضاء، فلا حاجة لذلك فمسك التيار نفسه يجعل صاحبه فحماً على الفور.
 يجب أن تفهم الدين بهذا الشكل، الاختلاط يسبب خراب البيوت، التبرُّج يسبب فساد العلاقة بين كلّ الأزواج، كل معصية لله عزَّ وجلَّ تتسبب في فساد الحياة، من دون أن يتدخّل الله لا يعاقب أحد،فهو سبحانه وتعالى قد قام بعمل نظام دقيق فإن خالفت فستقع، الآن إذا واحد حرّك المقود على اليمين فجأة ويمينه ويوجد وادي هل توجد حاجة لأحد لأن يدفعه في الوادي ؟!.لا.. سيقع من نفسه بالوادي هذا التحريك للمقود بحدّ ذاته توجد فيه بزور الوقوع في الوادي.. هكذا الشرع، لذلك أوامر الشرع ليست قيوداً للإنسان ولكنها ضمان لسلامته.
لا أقول لكم من باب المبالغة: إذا أحبَّ الإنسان نفسه يستقيم على أمر الله، يحب أن يعيش حياة هادئة مع زوجته.. يقول لك: والله عشت معها خمسة وأربعين سنة ما رأيت منها شيئاً أكرهه، معنى ذلك انّك قد حصّنتها وحصّنت نفسك، أما المفاجئات لا يعلمها إلا الله،.. فأنا لا أريد أن أخوض في هذه الموضوعات كثيراً لأنني سمعت قصصاً والله يقشعر منها البدن بسبب الاختلاط.
قال أحدهم لأستاذ في المدرسة: أخي عنده ست أولاد من كل أخ واحد.. فله مني واحد ومن أخوه الثاني واحد ومنه واحد.. اختلاط، يقول هذا مثل أخي، لا ! ( الحمو الموت.) الذي حرّمه الله فهو حرام، سبحان الله تجد عائلات في قمة الجهل.. الجهل ما له قمة.. بل في حضيض الجهل، أي إذا كان أراد الشاب أن يطبّق الشرع يقيموا عليه النكير، لماذا ؟ يقولون: من أين جاء بهذا الدين !؟ هذا قرآن كريم.. وحديث رسول الله، فهل لا يعجبكم كلام الله عزَّ وجلَّ:

 

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾

 

 

( سورة الأحزاب: آية " 33 " )

 وقال تعالى كذلك:

 

﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)﴾

 

 

(سورة النور: آية " 31 " )

 معدودين سبعة لا يوجد غيرهنّ أمّا هذا أبن عمها.. فمن أبن عمها ؟ بالآية لم يرد ذكره، يقولوا: يا أخي هكذا نحن..هكذا تربينا، وكذلك لم يرد بالآية أبن خالتها وأخوا الزوجة، وخال زوجها، فبذلك يخالفون الشرع.. فتقع المشاكل.
 والآن إلى بعض الأحاديث الشريفة التي درجنا قبل رمضان على شرحها بفضل الله وتوفيقه.. يمكن أن يكون الحق مر أو الحق قاسي على بعض الناس، ولكن هذا هو الحق.. إن نحن قلنا أن النسب النظامية للكلسترول بالدم بهذا القدر، فإذا كان عندك نسبةً أعلى، تقول: أنا لا أشعر بشيء،لا.. يجب عليك أن تعلم أنّك مصاباً بحالة مرضية، فإذا الواحد انحرف عن الشرع هذه حالة مرضية والعلاج حتميّ، فإما أن يعالج نفسه قبل أن يعالجه الله عزَّ وجلَّ.. حتمية المعالجة.. رحمة الله عزَّ وجلَّ تقتضي أن يعالج كلّ العباد، يقول لك:لم يحدث شيء معنا، نحنا نخالف لم يحدث لنا شيء، هذا الكلام فيه جهل كذلك.. توجد أمراض دورة حضانتها ثلاثين سنة، وبعض الأمراض حضانتها عشر سنوات، وأمراض خمس سنوات.
 إذا وضع أحد للأساسات بدلاً من سبع أكياس خمس أكياس فقط، لا.. لم يحدث شيء، بالضبط لم يحدث شيء.. لا بل انتبه فهذا الطابق الخامس أصبح في خطر.. هذا الحديث، صدق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. لما سيدنا حنظلة كان يبكي في الطريق ورآه سيّدنا الصديق وقال له: ما لك يا حنظلة تبكي؟. قال: نافق حنظله. فقال له: لما يا أخي ؟. قال: نكون مع رسول الله ونحن والجنّة كهاتين، فإذا عافسنا الأهل ننسى.، قال له: أنا كذلك يا أخي، انطلق بنا إلى رسول الله.، عند النبي الكريم قالا له ما قالا، فقال عليه الصلاة والسلام:
 أما نحن معاشر الأنبياء فتنام أعيننا ولا تنام قلوبنا، وأما أنتم يا أخي فساعةً وساعة، لو بقيتم على الحال الذي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة ولزارتكم في بيوتكم.
الإنسان كلّ ما ارتقى إيمانه تشفّ نفسه، يصبح يرى ما لا يراه الناس. الآن إذا شعر أحد بنزول المطر.. يجوز واحد من أهل الدنيا، مطر قالوا اليوم في مطر.. اعرف لنا كم ميللي نازلة اليوم يأتي في نفسه المطر نزلت ومقدارها، وكان يجب أن لا تمطر لأنّ عنده شيء تاركه من دون تغطية مثلاً.. عنده أكياس من الإسمنت من دون ما يغطيهم.. هذا تفكيره ؛ أمّا المؤمن يرى المطر تنزل.. يراها رحمة من الله عزَّ وجلَّ يرى يد الله تنزلها، يرى استجابة الله لعباده،.. يخطر في باله معاني قد يبكي منها، كل هذه المعاني لا تخطر في بال الكافر أبدا.
 عندما يأكل المؤمن الفاكهة يرى الّذي خلقها بهذا القوام بهذا الشكل بهذه الرائحة بهذا الطعم بهذا السعر بهذه الكمية بهذه الغزارة.. تراب في بستان يزرع فيه أشجار من الأجاص والتّفاح والخوخ والمشمش، أثمار متفاوتة في الأشكال والألوان والطعوم، هذه حامضة وهذه كثيرة الحلاوة، هذه هلامية هذه قاسية، هذه لها قشرة هذه ليس لها قشرة، هذه شكلها كمثرىّ هذه مربّعة الشكل، هذه شكلها كروي هذه شكلها دائري، هذه كبيرة هذه صغيرة،..يرى رحمة الله عزَّ وجلَّ، لذلك المؤمن يرى ما لا يراه الناس، لو كبر إيمانه أكثر يحس أن هذه المخلوقات تسبِّح الله عزَّ وجلَّ.
 إذا إنسان رأى زهرة، والله تجد أنّه قد اقشعرَّ بدنه، كائن جميل الله خلقه تسبح بحمد الله، يتجنب أن يدعس على زهرة في الطريق، وإذا ارتقى المؤمن أكثر.. فيشعر كأنها تخاطبه ويخاطبها.
 واحد صالح بقي بالطعام حبّة من الأرز في الصحن فأكلها قال: سمعتها تقول ربي لا تزرني فردا وألحقني بالصالحين.، الله خلقها هكذا من أجلك أيها الإنسان لما تتركها هكذا هملا ؟.. خلقت من أجلك.. فكلّ ما شفت نفس الإنسان يرى ويسمع ما لا يراه الناس وما لا يسمعون.. أمّا الأنبياء: أعرف حجرا بمكة كان يسلِّم عليّ.
 دخل على بستان اللهمّ صلّي عليه فرأى جملاً فلما رآه حنّ.. بكي الجمل.. فتقدَّم منه ومسح ظفريه وقال: من صاحب هذا الجمل ؟. فقالوا: فتى من الأنصار. فقال: أدعوه إليّ فلما جاءوا به، قال: أيها الفتى.. ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إيّاها، فإنه شكى إليّ أنّك تجيعه وتذئبه.
 فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتذئبه.. لا تنكر على العلماء الكبار، لا تنكر على العارفين بالله أحوالهم.. شفافية نفوسهم.. وكشوفاتهم قل: الله أعلم. فهذا القول: يا سارية الجبل الجبل ؟ هل أنت في مستوى سيّدنا عمر ؟.. وقال سارية: أسمع صوت أمير المؤمنين يحذّرني الجبل.، قال: يا سارية الجبل الجبل. فإذا سمع أحد هذه الحادثة من عالم.. دكتور في الجامعة.. يقول: هذه حقيقة علمية..كم نحن مخدّرين، دخل عندنا دكتور ونحن بالجامعة فقال لنا: هذه الحادثة اسمها التخاطر النفسي.
 النفس لا تزال كائن مجهول لها شعاع، توجد حوادث سجّلها العلماء.. امرأة بإيطاليا ابنها في باريس، رأت وهي في المطبخ أن ابنها قد داسته سيارة، بعينها رأته.. هذه اسمها أحلام اليقظة.. بعد أربعة أيام جاء ابنها في نعش مع تقرير موته بنفس الدقيقة..هذه حادثة علميّة ثابتة اسمها _ التخاطر النفسي _ صعب تفسيرها لكنها واقعة، عندما يقولها دكتور بالجامعة فعند إذٍ تصبح حادثة.. يا سارية الجبل الجبل ) صحيحة.. وإذا لم يقولها الدكتور فهي غير صحيحة.، هذا هو الجهل.. فأنت لازم إذا وجدت شيء بالعلم يوافق الدين تقبله وليس إذ كان الدين يوافق العلم تقبل الدين، الأصل هو الدين، الأصل ما جاء به كتاب الله.
بعض العلماء قالوا: الحقائق نوعان.. حقائق تنحدر إلينا عن طريق الوحي للأنبياء، وحقائق نكشفها عن طريق التجربة، مصدرها واحد..، ربنا عز وجل قال:

 

﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)﴾

 

 

( سورة النحل: آية " 68، 69 " )

 العسل فيه شفاء للناس.. هذا كلام الله، حقيقة ثابتة قطعيّة،.. يجوز أن يكون العلماء الآن قد كشفوا للعسل مليون فائدة، وألَّفوا عنه الكتب.. هذا العلم جاءنا عن طريق التجربة، وكلمة: فيه شفاء للناس. هذا عن طريق الوحي،.. العلم الذي جاءنا عن طريق التجربة علم ناقص أحياناً يعتريه الشك والخطأ والنسيان، وأما العلم الذي جاءنا عن طريق الوحي، فكامل مكمّل.
 أي إنّك إذا مسكت مذياع ونزعت منه صمّام، فتوقف الصوت.. قلت: هذا من أجل الصوت، قد يكون على طريق الصوت الصمام.. من أجل شيء آخر، أما إذا كان قال لك مخترع الجهاز: هذا الصمام من أجل ثلاثين فائدة.. هي كذا وكذا وكذا، هذا علم كامل من مخترع الجهاز، أمّا أنت إذا نزعت صمام ورأيت آثار نزعه.. غاب الصوت. قلت: هذا من أجل الصوت، فهذا خطأ، هذا علم ناقص.. قد يكون هذا على طريق الصوت.. أما هو مهمته تصفية الصوت لا إحداث الصوت.
العلم التجريبي علم له قيمته لكن يظلّ ناقص، أما علم الأنبياء كامل.. عندما قال ربنا:

 

﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)﴾

 

 

(سورة الأحزاب آية " 33 " )

 الآن العلماء الأجانب يقترحون إنشاء جامعات للفتيات وجامعات للذكور، في أمريكا نفسها، سبعة وعشرين ألف لقيط في الحدائق وجدوهم ملقون، فيه بلاد نصف سكانها لقطاء.. نصف سكانها، الآن عند الأجانب بدافع علمي بحت يقترحون أن تكون جامعات للفتيات وجامعات للذكور.
والآن إلى قصة لصحابيٍ جليل رضي الله عنه وأرضاه
 فقد قام بعمل كبير جداً.. هذه القصة مفادها أن المؤمن يجب أن يكون ذكياً، والله المؤمنين كلهم مكرمين، ولكن فيه مؤمن محدود.. وفيه مؤمن متّقد الذكاء، هذا المتّقد الذكاء.. فالله يجري على يده خيراً كثيراً.
قال: نعيم بن مسعود فتى يقظ الفؤاد المعيّ الذكاء خرّاج _ يفوت هون يطلع من هون.. أي أنّه برم باللغة العامية _ لا تعوقه معضلة ولا تعجزه مشكلة، يمثّل ابن الصحراء من كل ما حباه الله من صحّة الحدث وسرعة البديهة وشدّة الدهاء، لكنه كان صاحب صبوة..
 _أي له ميول_ وخدين متعة، كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب _ هذا طبعا قبل أن يسلم _ فكان كل ما تاقت نفسه لقينة أو غفى سمعه لوتر شد رحاله إلى منازل قومه بنجد، ويمّم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها بسخاء ليبذلوا له المتعة بسخاء أكثر، ومن هنا كان نعيم بن مسعود كثير التردد على يثرب، وثيق الصلة بمن فيها من اليهود وبخاصة بني قريظة. ولما أكرم الله الإنسانية برسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان نعيم بن مسعود مرخي لنفسه العنان، _ لسه على كيفه ماشي _ فأعرض عن هذا الدين الجديد أشدّ الإعراض خوفاً من أن يحول هذا الدين بينه وبين متَعه ولذّاته،_أيام تجد شخص ليس له خلاف مع الدين عقائدي.. خلافه ليس أيدلوجي مع الدين، خلاف تضارب مصالح.. فهو له بعض من الشهوات مستمتع بها وخائف من أنّه إذا تدين ينحرم منها، يقول لك: لأ ما بدي يا أخي أنا بكير يا حوينتي أنا بكير علي هذا سيدنا نعيم كان من هذا القبيل، ثم ما لبس أن وجد نفسه.. وجد نفسه مسوقاً إلى الانضمام إلى خصوم الإسلام، أنضمّ إلى الخصوم.. كان على الحياد فانضم إلى الخصوم.. مدفوعاً دفعاً إلى إشهار السيف في وجه المسلمين.
 لكنّ نعيم بن مسعود فتح لنفسه يوم غزوة الأحزاب صفحة جديدة في تاريخ الدعوة الإسلامية وخط في هذه الصفحة قصة من روائع قصص مكايد الحروب، الحقيقة مذهلة.. قصة مثيرة جداً، قصة ما يزال يرويها التاريخ بكثير من الانبهار بفصولها المحكمة، والإعجاب
ببطلها الأريب اللبيب.
 فقبيل غزوة الأحزاب بقليل هبّت طائفة من يهود بني النضير في يثرب، وطفق زعماؤهم يحزّبون الأحزاب لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والقضاء على دينه،فقدموا على قريش من بني النضيروحرضوهم على قتال المسلمين، وعاهدوهم على الانضمام إليهم عند وصولهم إلى المدينة، وضربوا لذلك موعداً لا يخلفونه، ثم تركوهم وانطلقوا إلى غطفان في نجد فأثاروهم ضد الإسلام ونبيّه، ودعوهم إلى استئصال الدين الجديد من جذوره، وأسرّوا إليهم بما تمّ بينهم وبين قريش،_ أي أن وفداً من بني النضير ذهبوا إلى قريش وحرضوهم على قتال المسلمين، لكن ليس قتال استئصال.. بل حرب إبادة، إنهاء الإسلام كله _ وانطلقوا بعدها إلى غطفان وحرّضوهم كذلك، وعاهدوهم على ما عاهدوهم عليه وآذنوهم بالموعد المتّفق عليه.
 خرجت قريش من مكة بقضّدها وقضيدها.. كما يقولون..، وخيلها ورجلها، بقيادة زعيمها سفيان بن حرب متجهةً شطر المدينة كما خرجت غطفان من نجد بعدّتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصين الغطفاني، وكان في طليعة رجال غطفان بطل قصتنا نعيم بن مسعود،
 خرج مع الأحزاب ليحارب رسول الله، كان في القمّة، فلما بلغ الرسول صلوات الله عليه نبأ خروجهم، جمع أصحابه الكرام وشاورهم في الأمر، فقرّ قرارهم على أن يحفروا خندقاً حول المدينة ليصدّوا عنها هذا الزحف غير المقدس _ طبعا _ الكبير الذي لا طاقة لها به، وليقف الخندق في وجه الجيش الكثيف الغازي،.. هذا كله معروف لديكم.
 وما كاد الجيشان الزاحفان من مكة ونجد يقتربان من مشارف المدينة حتى مضى زعماء يهود بني النضير _ انتبهوا دقيقاً _ إلى زعماء يهود بني قريظة القاطنين في المدينة _ الآن مؤامرة ثالثة._ زعماء بني النضير ذهبوا إلى زعماء بني قريظة وهم يسكنون في المدينة نفسها، وجعلوا يحرضونهم على الدخول في حرب النبيّ، ويحضونهم على مؤازرة الجيشين القادمين من مكة ونجد فقال لهم زعماء بني قريظة: لقد دعوتمونا إلى ما نحبّ ونبغي،ولكنّكم تعلمون أننا بيننا وبين محمداً ميثاقاً _أي في عهد بيننا _ على أن نسالمه ونوادعه لقاء أن نعيش في المدينة آمنين مطمئنّين، وأنتم تدرون أن مداد ميثاقنا معه لم يجفّ بعد _ أي فالحبر طري _ ونحن نخشى إذا انتصر محمد في هذه الحرب أن يبطش بنا بطشةً جبارةً، وأن يستأصلنا من المدينة استئصالا جزاء غدرنا به _ فهي عمليّة خطرة جداً _لكن زعماء بني النضير مازالوا يغرونهم بنقض العهد ويزيّنون لهم الغدر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ويؤكّدون لهم بأن الدائرة ستدور عليه في هذه المرّة لا محالة _أي يعني لا تغلطوا _ ويشدون عزمهم بقدوم الجيشين الكبيرين، فما لبث يهود بني قريظة أن لانوا لهم ونقضوا عهدهم مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ومزّقوا الصحيفة التي بينهم وبينه، وأعلنوا انضمامهم إلى الأحزاب في حربهم _ لكنّ النبي الكريم حفر الخندق تجاه الجيش الغازي أما قريظة في ظهره يسكنون فوقع الخبر على المسلمين وقوع الصاعقة، حاصرت جيوش الأحزاب المدينة وقطعت عن أهلها الميرة والقوت، _ أصبحت محاصرة _ وشعر النبي صلوات الله عليه أنه وقع بين فكّي عدوّين ؛ قريش وغطفان وبني قريظة وبني النضير، فقريش وغطفان معسكرون قبالة المسلمين من خارج المدينة وبنوا قريظة متربّصون متأهّبون خلف المسلمون في داخل المدينة، ثم إن المنافقين الذين في قلوبهم مرض أخذوا يكشفون عن مخبّئات نفوسهم ويقولون: كان محمد يعدنا بأن نملك كنوز كسرى وقيصر، وها نحن اليوم لا يأمن الواحد منا على نفسه أن يذهب إلى بيت الخلاء لقضاء حاجته،كنا نريد أن نصل لقيصر وكسرى الآن نريد أن نقضي حاجتنا لكن لا نستطيع _ ثم طفقوا ينفضّون عن النبيّ جماعة إثر جماعة بحجة الخوف على نسائهم وأولادهم وبيوتهم من هجمة يشنها عليهم بني قريظة إذا نشب القتال حتى لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى بضع مئات من المؤمنين الصادقين، _ أعتقد هذه النقطة أخطر نقطة مر بها المسلمون _ وفي ذات ليلة من ليالي الحصار الذي دام قريباً من عشرين يوماً، لجأ النبيّ صلوات الله وسلامه عليه إلى ربّه، وجعل يدعوه دعاء المضطر ويقول:
اللهمّ إنّي أنشدك عهدك ووعدك، اللهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك..في ذلك تعليم لنا إذا الإنسان وقع في مأزق حرج وكبير وتقطّعت به الآمال يلتجئ لله عزَّ وجلَّ، فهذا الّذي حدث بحسب الظاهر وبحسب التفكير العادي انتهى الإسلام.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور