- ندوات إذاعية
- /
- ٠02 برنامج من نور الإيمان - إذاعة دمشق
مقدمة :
المذيع :
أيها الأخوة والأخوات ؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، برنامج من نور الإيمان يسعده أن يستضيف سماحة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي .
سماحة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المذيع :
فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي أنت أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، في كليات الشريعة وأصول الدين ، ماذا وكيف نتحدث عن آيات الله عز وجل في الآفاق ؟
كنتم قد تحدثتم في حلقات سابقة عن تكوين الإنسان ، كيف نتحدث عن آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق ؟
آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ جمال ، جزاك الله خيراً على هذه الندوة في القرآن الكريم ، آية يقول الله فيها :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
الحقيقة أن الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي- أي بيضوي- ومعلوم أن المسار الإهليلجي له قطران ، قطر أكبر ، وقطر أصغر ، فالأرض سرعتها - كما تحدثت في حلقة سابقة - ثلاثون كيلو متراً في الثانية ، فعندما تتجه الأرض إلى القطر الأصغر تقل المسافة بينها وبين الشمس ، ومعلوم أن قانون الجاذبية يتعلق بالكتلة وبمربع المسافة بين الكتلتين ، فكلما قلت المسافة بين كتلتين ازداد جذب الكتلة الأكبر إلى الكتلة الأصغر ، إذاً هناك احتمال كبير أن ترتطم الأرض بالشمس ، وأن تتبخر في ثانية واحدة ، لأن الشمس حرارتها على سطحها ستة آلاف درجة ، أما في مركزها فعشرون مليون درجة ، فالأرض يمكن أن تتبخر في ثانية واحدة ، ما الذي يمنع انجذاب الأرض إلى الشمس وانتهاء الحياة من على سطحها ؟ لأن المسافة قلت في أثناء دورانها حول الشمس .الله جل جلاله لحكمة بالغة يرفع سرعة الأرض بحيث ينشأ عن هذه السرعة الجديدة قوة نابذة جديدة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة فتبقى في مسارها :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
تتابع الأرض سيرها ، فإذا وصلت إلى القطر الأكبر ؛ ما معنى وصلت إلى القطر الأكبر؟ أن المسافة بينها وبين الشمس زادت ، ومع ازدياد المسافة تضعف الجاذبية ، فهناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من مسارها حول الشمس ، وتمشي في الفضاء الخارجي ، عندئذ تصبح حرارتها مئتين وسبعين تحت الصفر ، وتنتهي الحياة أيضاً ، فإذا قال الله عز وجل :﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
الزوال الأول انحرافها عن مسارها ، أما الزوال الثاني فتلاشيها ، إذا وصلت إلى الشمس تبخرت في ثانية ، وإذا ابتعدت عن مسارها حول الشمس تجمدت ، وانتهت الحياة من على سطحها .أية قدرة تمسك الأرض بجبالها وبحارها وقاراتها الخمس على مسارها ؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
ماذا تفعل الأرض عندما تصل إلى القطر الأكبر ؟ لابد من أن تخفض سرعنها ، كي ينشأ من تخفيض سرعتها قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل ، شيء دقيق جداً ، لكن الشيء الذي يلفت النظر أن هذه الأرض لو رفعت سرعتها فجأة لانهدم كل ما عليها ، ولو خفضت سرعتها فجأة لانهدم كل ما عليها ، لذلك قال العلماء : تسارعها بطيء ، و تباطؤها بطيء ، وهذا من معاني اسم "اللطيف" .لو أن سائقاً أقلع بسرعة فائقة لهز ركاب السيارة ، لو أنه أوقفها فجأة لارتطموا بالزجاج ، لذلك القائد الماهر للسيارة يرفع سرعتها بالتدريج ، ويخفضها بالتدريج ، وهذا مما يدل على لطف الله عز وجل .
المذيع :
﴿إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾
الدكتور راتب :أستاذ جمال لو أن الأرض افتراضاً خرجت من مسارها ، وبعدت عن مسارها حول الشمس ، لو أردنا افتراضاً أن نعيدها إلى مسارها حول الشمس ، قال العلماء : لاحتجنا إلى مليون مليون كبل فولاذي .
المذيع :
الله أكبر .
الدكتور راتب :
قطر كل حبل خمسة أمتار ، مليون مليون حبل فولاذي ، ومعلوم لديكم أن أمتن عنصر في الكون هو الفولاذ المضفور ، ومنه تصنع أسلاك المصاعد والتلفريك ، فالفولاذ المضفور أمتن عنصر ، من أجل أن نعيد الأرض إلى مسارها حول الشمس نحتاج إلى مليون مليون حبل ، هذا الحبل الفولاذي كيف نتعامل معه ميكانيكياً ؟ أي كم يتحمل من قوى الشد ؟ قال: يتحمل مليوني طن . أي أن الأرض منجذبة إلى الشمس بمليونين ضرب مليون مليون طن، كل هذه القوة المذهلة ؛ مليونان ضرب مليون مليون طن قوة انجذاب الأرض إلى الشمس ، من أجل أن تحرف مسارها حول الشمس بشكل منحن ثلاث مليمترات كل ثانية ، و من أجل أن تبقى على مسارها ، ومن أجل أن يبقى مسارها مغلقاً حول الشمس :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
قدرة الله في رفع السماوات بغير عمد آية أخرى من آياته العظيمة :
الآن يوجد آية ثانية ، يقول الله عز وجل :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
قال علماء التفسير : أي بعمد لا ترونها .المؤدى واحد . الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها أي بعمد لا ترونها ، إنها قوى التجاذب ، الآن لو أردنا أن نغرس على سطح الأرض المواجه للشمس مليون مليون حبل ، قطر الحبل خمسة أمتار ، وكل حبل عنده تحمل لقوى الشد بمقدار مليوني طن ، ما الذي يحصل؟ يبقى بين كل حبلين مسافة حبل واحد .
المذيع :
الله أكبر .
الدكتور راتب :
نحن أمام غابة من الحبال ، تمنع أشعة الشمس ، تمنع البناء ، تمنع الحركة ، تمنع السفن ، تمنع المركبات ، تمنع كل شيء . .
المذيع :
انعدمت الحياة .
الدكتور راتب :
لكن لطف الله عز وجل :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
إذاً الزوال الأول انحرافها عن مسارها ، و الزوال الثاني تلاشيها ، الله عز وجل يقول:﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾
أستاذ جمال ؛ بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب لها أربع سنوات ضوئية ، ماذا تعني عند الأخوة المستمعين أربع سنوات ضوئية ؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب ستين ، كم يقطع في الساعة ؟ ضرب ستين ، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب أربع وعشرين ، كم يقطع في العام ؟ ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، هذا أقرب نجم ملتهب على الإطلاق ، يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية ، هذا الرقم بإمكان طالب في الإعدادي أن يستخرجه ، أي ثلاثمئة ألف ضرب ستين ، ضرب ستين ، ضرب أربع وعشرين ، ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، ضرب أربع ، هذا الرقم لو قسمناه على مئة ، أي لو أردنا أن نصل لهذا الكوكب ، لهذا النجم الذي يبتعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية بسيارة سرعتها مئة كيلومتر بالساعة ، ما الذي يحصل؟قسمنا هذا الرقم على مئة كم ساعة ، ثم قسمناها على أربع وعشرين ، ثم قسمناه على ثلاثمئة وخمسة وستين ، كم سنة ، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عاماً ، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟
المذيع :
الله . .
﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
الدكتور راتب :ومتى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ؟ ومتى نصل إلى أحدث مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ الآن ندقق . .
المذيع :
نعم .
الدكتور راتب :
لو أن عالم فلك قرأ هذه الآية لخر ساجداً لله ، من كلمة واحدة ، ما الكلمة ؟
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾
من كلمة مواقع - النجوم متحركة - أي هذه المجرة التي تبعد عنا عشرين مليار سنة كانت بهذا المكان قبل عشرين مليار سنة ، وانبعث منها الضوء ، وبقي الضوء يمشي عبر الفضاء عشرين مليار سنة حتى وصل إلينا ، لكن المجرة التي صدر منها هذا الضوء سرعتها حوالي مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية . .المذيع :
الله .
الدكتور راتب :
أين هي الآن ؟ لو فرضاً قرأنا هذا النص : فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ، ليس قرآناً .
المذيع :
نعم ، نعم .
الدكتور راتب :
أن صاحب الموقع ليس بالموقع .
المذيع :
الله .
الدكتور راتب :
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾
أنواع العلم :
لذلك الله عز وجل قال :
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
ما من نعمة يتمتع بها الإنسان كالعلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك كله إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .لذلك قالوا هناك علم بالله ، وهناك علم بأمره ، وهناك علم بخلقه ، فالعلم بخلقه من اختصاص الجامعات في شتى بقاع الأرض ؛ علم فيزياء ، وكيمياء ، ورياضيات ، وفلك ، وتاريخ، وجغرافية ، وفيزياء نووية ، وكيمياء عضوية ، وعلم اجتماع ، وعلم نفس ، وطب ، وهندسة ، إلخ . . .هذا علم بخلقه ، أما العلم بأمره فهو من اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي ، افعل ولا تفعل ، بينما العلم به فهذا شيء متميز ، العلم به نتائجه باهرة لكن ثمنه باهظ ، قال الإمام الغزالي : جاهد تشاهد ، بإمكانك أن تكون عالماً بالشريعة ، أو عالماً بالخليقة، دون أن تكون مضطراً إلى الالتزام بسلوك ما ، أما إذا كنت عالماً بالله فلابد من أن تكون ملتزماً بمنهج الله ، لأنك عرفت الله .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
إذاً أهم شيء في هذه الدنيا أن نعرف الله عز وجل .
سماحة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين نشكركم الشكر الجزيل على هذا الفيض المعطاء من نبع العلم الثر ، أهلاً وسهلاً بك ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .