- ندوات إذاعية
- /
- ٠02 برنامج من نور الإيمان - إذاعة دمشق
مقدمة :
المذيع :أيها الأخوة والأخوات ؛ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، في هذا اللقاء الطيب إن شاء الله الذي نلتقي من خلاله مع حضراتكم ، يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، في كلية الشريعة وأصول الدين ، أيضاً خطيب جامع النابلسي بدمشق ، سماحة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته أستاذ جمال .
المذيع :
سماحة الشيخ ، الله عز وجل إله واحد ، خالق كل شيء ، رب كل شيء ، له الخلق والأمر وإليه المصير ، في السماء إله واحد ، وفي الأرض إله واحد ، كيف نتحدث في هذه اللحظات المباركات من شهر رمضان المبارك عن الله سبحانه الذي يملأ القلب دائماً ؟
الدين توحيد وعبادة :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ جمال قيل : ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد هو لب الإسلام ، بل هو محور رسالات السماء ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
يمكن أن نضغط الدين كله في كلمتين : توحيد وعبادة ، والتوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية العمل ، إله واحد ؛ خالق كل شيء ، رب كل شيء ، له الخلق والأمر ، وإليه المصير ، في السماء إله ، وفي الأرض إله ، فعّال لما يريد :﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
ووحده الجدير أن يعبد فلا يجحد ، و أن يشكر فلا يكفر ، وأن يطاع فلا يعصى .روى الشيخان في البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنتُ رِدْيفَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا معاذَ ، ما حقُّ الله على العباد وما حقُّ العباد على الله ؟ قلت : الله ورسوله أعلم - وهذا من أدبه الجم - قال عليه الصلاة والسلام : حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ، لأن العبادة هي علة وجودهم :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
(( ما حقُّ العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم ، قال : حقُّ العباد على الله ألا يعذِّبهم ))
لوازم التوحيد :
أيها الأخوة المستمعون ؛ تحدثت عن تعريف التوحيد ، وهأنذا أنتقل إلى لوازم التوحيد.
من لوازم التوحيد ألا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظمه كما يعظم الله :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾
فلو اعتقد أن جهة غير الله يمكن أن تعطي أو أن تمنع ، يمكن أن تخفض أو أن ترفع ، يمكن أن تعز أو تذل - مستقلة عن إرادة الله - فقد أشرك :﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
ومن لوازم التوحيد أيضاً ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً ، يحبه كحب الله :﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وأ بْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
أستاذ جمال ، جزاك الله خيراً على هذه الندوات ،ـ ومن لوازم التوحيد أيضاً ألا يتخذ الإنسان من دون الله حكماً ، يطيعه كما يطيع الله :﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً﴾
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾
المذيع :فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الحديث جميل وشيق حول عبادة الله سبحانه وتعالى ، من ثمار الإيمان وثمار التوحيد هناك ثمار يانعة تعود في الواقع على الإنسان الذي هو المبتغى دائماً ؟
ثمار التوحيد :
الدكتور راتب :
في الحقيقة أن التوحيد له تعريف ؛ وقد سبق أن عرفته ، وله لوازم وقد تحدثت عنها ملياً ، بقي كما تفضلتم ما ثمار التوحيد ؟
من ثمار التوحيد اليانعة أن التوحيد هو في الواقع تحرير للإنسان من كل عبودية ، إلا لربه الواحد الديان ، الذي خلقه فسواه وكرمه ، التوحيد تحرير لعقله من الخرافات والأوهام ، التوحيد تحرير لضميره من الخضوع والذل والاستسلام ، التوحيد تحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين ، ومن ثمار التوحيد اليانعة أيضاً أن التوحيد يعين على تكوين الشخصية المتزنة التي توضحت في الحياة وجهتها ، وتوحدت غايتها ، وتحدد طريقها ، فليس لها إلا إله واحد تتجه إليه في الخلوة والجلوة ، وتدعوه في السراء والضراء ، وتعمل على ما يرضيه في الصغيرة والكبيرة ، ففي القرآن :
﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾
وفي آية أخرى :﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
وأضيف ومن ثمار التوحيد أيضاً يملأ نفس صاحبه أمناً وطمأنينة ، فلا تستبد بها المخاوف التي تتسلط على أهل الشرك ، فقد سد الموحد منافذ الخوف التي يفتحها الناس على أنفسهم ، الخوف على الرزق ، والخوف على الأجل ، والخوف على النفس ، والخوف على الأهل والأولاد ، والخوف من الأنس ، والخوف من الجن ، والخوف من الموت ، والخوف مما بعد الموت .المذيع :
إذاً دكتور محمد راتب النابلسي من ثمار التوحيد أنه يعود نفعاً على الأخ المؤمن ، المسلم ، الموحد ، الذي عشق ربه ، الذي عشق الله سبحانه وتعالى ، هذا ينعكس على بناء نفسية الإنسان ، ثم على بناء مجتمعه ؟
انعكاس ثمار التوحيد على نفسية الإنسان ثم على بناء مجتمعه :
الدكتور راتب :
هو صحة نفسية ، أي المؤمن الصادق الموحد لا يخاف إلا الله ، ولا يخشى إلا الله ، ولا يرجو غير الله ، لهذا تراه آمناً إذا خاف الناس ، مطمئناً إذا قلق الناس ، هادئاً إذا اضطرب الناس :
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
قال تعالى :﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
أحد أكبر أسباب العذاب النفسي الشرك بالله .ومن ثمار التوحيد اليانعة أيضاً أن التوحيد مصدر لقوة النفس إذ يمنح التوحيد صاحبه قوة نفسية هائلة ، حيث تمتلئ نفسه من الرجاء بالله تعالى ، والثقة به ، والتوكل عليه ، والرضا بقضائه ، والصبر على بلائه ، و الاستغناء به عن خلقه ، هو راسخ كالجبل لا تزحزحه الحوادث ، ولا تزعزعه الكوارث :
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
ومن ثمار التوحيد أيضاً أن التوحيد أساس الأخوة الإنسانية ، والمساواة البشرية ، لأن الأخوة والمساواة لا تتحققان في حياة الناس ، إذا كان بعضهم أرباباً لبعض ، أما إن كان الناس جميعاً عباداً لله ، والله فوق الخلق ، هو الخالق ، والمربي ، والمسير ، والرازق ، هو الحكم، إليه المصير عندئذ تتحقق المساواة بين الناس ، ويأتلف بعضهم لبعض ، وهذه بعض ثمار التوحيد ، وقد قيل : ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، وقيل أيضاً : نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى ، والتوحيد هو لب الإسلام ، بل هو محور رسالات السماء . قال تعالى :﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
يمكن أن نضغط الدين كله في كلمتين : توحيد وعبادة ، والتوحيد نهاية العلم ، والعبادة نهاية العمل ، إله واحد ، خالق كل شيء ، رب كل شيء له الخلق والأمر وإليه المصير، في السماء إله ، وفي الأرض إله .المذيع :
فضيلة الشيخ الدكتور راتب النابلسي ، أنت أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، في كليات الشريعة وأصول الدين ، ماذا وكيف نتحدث عن آيات الله عز وجل في الآفاق؟ كنتم قد تحدثتم في حلقات سابقة عن تكوين الإنسان ، كيف نتحدث عن آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق ؟
آيات الله سبحانه وتعالى في الآفاق :
الدكتور راتب :
جزاك الله خيراً على هذه الندوة .
في القرآن الكريم آية يقول الله فيها :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
إن الأرض تدور حول الشمس في مسار إهليلجي - أي بيضوي - ومعلوم أن المسار الإهليلجي له قطران ؛ قطر أكبر ، وقطر أصغر ، فسرعة الأرض - كما تحدثت في حلقة سابقة -ـ ثلاثون كيلومتراً في الثانية ، فحينما تتجه الأرض إلى القطر الأصغر تقل المسافة بينها وبين الشمس ، ومعلوم أن قانون الجاذبية يتعلق بالكتلة ، وبمربع المسافة بين الكتلتين ، فكلما قلت المسافة بين كتلتين ازداد جذب الكتلة الأكبر إلى الكتلة الأصغر ، إذاً هناك احتمال كبير أن ترتطم الأرض بالشمس ، وأن تتبخر في ثانية واحدة ، لأن الشمس حرارتها على سطحها ستة آلاف درجة ، أما في مركزها فعشرون مليون درجة فالأرض يمكن أن تتبخر في ثانية واحدة، ما الذي يمنع انجذاب الأرض إلى الشمس وانتهاء الحياة على سطحها ؟ لأن المسافة قلّت في أثناء دورانها حول الشمس . الله جل جلاله يرفع سرعة الأرض بحيث ينشأ عن هذه السرعة الجديدة قوة نابذة جديدة تكافئ القوة الجاذبة الجديدة فتبقى في مسارها :﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
تتابع الأرض سيرها ، فإذا وصلت إلى القطر الأكبر ، ما معنى وصلت إلى القطر الأكبر؟ أن المسافة بينها وبين الشمس زادت ، ومع ازدياد المسافة تضعف الجاذبية ، فهناك احتمال كبير أن تتفلت الأرض من مسارها حول الشمس ، وتمشي في الفضاء الخارجي ، عندئذ تصبح حرارتها مئتين وسبعين تحت الصفر ، وتنتهي الحياة أيضاً ، فإذا قال الله عز وجل :﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
الزوال الأول انحرافها عن مسارها ، أما الزوال الثاني فتلاشيها ، إذا وصلت إلى الشمس تبخرت في ثانية ، وإذا ابتعدت عن مسارها حول الشمس تجمدت وانتهت الحياة من على سطحها .خاتمة وتوديع :
المذيع :
إذاً أهم شيء في هذه الدنيا أن نعرف الله عز وجل .
سماحة الشيخ دكتور محمد راتب النابلسي أستاذ مادة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، في كليات الشريعة وأصول الدين نشكركم الشكر الجزيل على هذا الفيض المعطاء ، العلم الثر ، أهلا وسهلاً بك ، و السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
الدكتور راتب :
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته .