- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠1تربية الأولاد 1994م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيّها الأخوة الكرام مع الدرس السابع عشر من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولازلنا مع مسؤوليّة الآباء عن تربية أولادهم التربية الاجتماعيّة.
تعريف الإسلام ليس عبادات وإنما هو معاملات:
قد تحدثنا في الدرس الماضي عن تعريف الأبناء بحقوق الوالدين، واليوم ننتقل لتعريف الأبناء بحقوق الأرحام.
موضوع الأرحام موضوعٌ دقيقٌ جداً لكثرة ما في النصوص النبويّة الصحيحة من حثٍ على صلة الرحم، وحسبكم أنّ النجاشي ملك الحبشة حينما سأل سيدنا جعفر بن أبي طالب عن الإسلام ؟ قال: أيُّها الملك كنا قوماً أهل جاهليّة نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته، وصدقه، وعفافه، ونسبه، فدعانا إلى الله لنعبده ونوحّده، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفِّ عن المحارم والدماء.
هذه هي الجاهليّة، وهذا هو الإسلام، بتعريفٍ بليغٍ موجزٍ جامعٍ مانعٍ، والعجيب أيُّها الأخوة أنّ تعريف الإسلام في نظر هذا الصحابيّ الجليل ليس عباداتٍ إنّما هو معاملات، فهل هذا واضح ؟ تعريف الإسلام ليس عبادات، إنما هو معاملات.
لذلك العبادات نوعان: عباداتٌ شعائريّة، وعباداتٌ تعامليّة، ولا قيمة للعبادات الشعائريّة ما لم تصحّ العبادات التعامليّة، أتحبون الدليل.
أدلة من القرآن والسُّنة على أنه لا قيمة للعبادات الشعائريّة ما لم تصحّ العبادات التعامليّة:
قال تعالى:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) ﴾
في الحديث الشريف:
((مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من الله إلا بعداً.))
في الصيام قال تعالى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
في الحديث الشريف:
((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))
الزكاة قال تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) ﴾
وكذلك في الآية الشريفة قوله تعالى:
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) ﴾
في الحج قال تعالى:
﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾
في الحديث الشريف:
(( من حج بمال حرام فقال: لبيك اللهم لبيك، قال الله له: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك))
كلامٌ واضحٌ كالشمس.
الفرق بين الأسر المتماسكة والأسر المتباغضة كالفرق بين الجنة والنار:
العبادات الشعائرية لا قيمة لها إطلاقاً ما لم تصحَّ العبادات التعامليّة، صدق، أمانة، عفّة، استقامة، وفاء الوعد، إنجاز العهد، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ))
ليس عنده إيمان، المؤمن الصادق تأمنه على روحك، وعلى مالك، وعلى عرضك، هذا هو المؤمن، مطمئن إلى أقصى درجة، ولا دين لمن لا عهد له فأذكر لكم مثلاً أعيده كثيراً:
تسعة أشهر دراسة، وست ساعات فحص، وهذه الست ساعات هي الصلاة أو الصيام أو الحج، فإذا لم تكن الدراسة موجودة فلن ينجح، فلو أن طالباً معه ستة أقلام حبر احتياطاً ورغيفان من الخبز، ودواء مسكن، وقليلاً من الماء البارد، والسيّارة أوصلته لمكان الفحص والسائق في انتظاره ولكنه لم يقرأ من المقرر شيئاً، فما قيمة كلّ ذلك ؟ الامتحان ليس له قيمة أبداً.
يا أيُّها الأخوة، يجب أن نربّي أولادنا على رعاية حقِّ الأرحام، والشيء الملاحظ أنّ هناك أُسراً والله أعتزُّ بها لما عندهم من الترابط، تجد الأب والأولاد في محبّة وتعاون وتضحية ومؤاثرة، وسبحان الله في النهاية ترى هذه الأسرة بأكملها في المسجد، لشدّة الصلة بينهم، وللتعاون، فإذا انساق أحدهم إلى أهل الحقّ جرَّ معه الآخرين، وهناك أسر بالمحاكم، يقول لك: أربعون سنة ولم يتكلّم مع أخيه، وبالقضاء، أسر كثيرة جداً.
أي بين الجنّة والنار، أسرة متماسكة، ومتعاطفة، ومتعاونة، ومتآزرة، كأنّهم في جنّة، وأسرة متباغضة، متحاسدة، شقاق بينهم، عداوة، بغضاء، محاكم، طلب نفقة، فهل هذه الحياة حياة !
الرحم كلُّ من ترتبط بهم بالقرابة أو النسب:
لذلك النبيّ عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة جداً حضَّ على صلة الرحم، من هم الرحم ؟ الرحم كلُّ من ترتبط بهم بالقرابة أو النسب، بعض الناس يظنون الرحم فقط أقرباء الأم، لا، الرحم كلُّ أقربائك من جهة الأب أو من جهة الأم، والعلماء سلسلوا هؤلاء الأقرباء على الشكل التالي:
الآباء والأمّهات أي الأُصول، الأجداد والجدّات مهما علوا، الأخوة والأخوات، الأعمام والعمّات، أولاد الأخ وأولاد الأُخت، الأخوال والخالات، ثمّ من يليهم من الأقرباء الأقرب فالأقرب.
أي آباؤك، وأجدادك، وأولادك، وأحفادك، و(أُخوتُك) إخوتُك وأَخواتك، وأولاد إخوتك، وأولاد أخواتك، وأعمامك، وأخوالك، وأولاد أعمامك، وأولاد أخوالك، وعمّاتك، وخالاتك، أي كلّ أقربائك دخلوا في كلمة الرحم.
الحقيقة أنّ سبب تسمية الرحم هكذا قال: لاشتقاق الرحم من اسم الرحمن، وقد قال بعض علماء التوحيد: الرحمن اسم الله الأعظم والدليل قوله تعالى:
﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110) ﴾
لذلك في المصاحف الشريفة في الطبعات الحديثة تجد مكتوباً بالأحمر الله، الرحمن، إله، هو، الرحمن اسم الله الأعظم.
الرحم مشتقّة من الرحمن:
الرحم مشتقّة من الرحمن، ربّنا عزَّ وجلَّ خلق الخلق ليرحمهم فقد قال تعالى:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾
خلق الخلق ليرحمهم:
(( أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ))
ألا يكفي هذا الحديث، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته، مثلاً: له أخت متزوّجة بالمخيّم ومن سنتين لم يذهب لعندها لأنّها فقيرة، زوجها فقير، أمّا هو عنده ولائم وسهرات، وأدوار، وأشياء مرتّبة، وبيوت فخمة، وطعام نفيس، وهذه الأخت فقيرة، من وصلها فقد وصلته، ومن قطعها فقد قطعته، ألا تعرف أحياناً عندما تزور أختك فتنتعش وتسرّ بتلك الزيارة، وتعطيها حماساً وترفع شأنها أمام زوجها.
والله يوجد أخ من أخواننا كنت لا أعرفه سابقاً، قال لي: أنا أحضر عندك منذ ست سنوات، وسألني سؤالاً أنّ له أختاً معذّبة مع زوجها، فقال لي: أنا أزورها كل أسبوع مرتين أو ثلاث وأُواسيها، وأخفف عنها، وأحاول مساعدتها، والله يشهد أنّ هذا الأخ كبر في نظري إلى درجة لا تصدّق، فمن لها غير أخيها ؟ إذا زارها أخوها ونصحها، أحياناً يصبّرها ويخفف عنها، وأحياناً يمدح لها زوجها، قد لا يعجبها زوجها، لكن لم تنتبه لبعض المميزات والأشياء الجيدة فيه أنّه شريف مثلاً، ماله حلال، وأخلاقه عالية، وسمعته طيّبة، ولكن بيته صغير، ودخله قليل، أحياناً الأخ بعلمه يبيّن لأخته قيمة زوجها.
لذلك أفضل شفاعةٍ أن تشفع بين اثنين في نكاح، وهي أفضل شفاعة على الإطلاق، أي تقنّع الزوجة بزوجها، وتقنِّع الزوج بزوجته.
صلة الرحم أولها زيارة وثانيها مساعدة وثالثها هدى:
يوجد أقرباء والعياذ بالله، قال لي أحدهم: شكوت زوجتي لأخيها فقال لي: طلَّقها فهذا أفضل لك، هذا الأخ ـ أخ الزوجة ـ نصح زوجها بتطليقها، هذا أخ ! ولكن يوجد أخ ثانٍ على مستوى راقٍ.
أنت عندما تزور أختك، أو تزور ابنة أخيك، أو ابنة أختك مثلاً، أو ابن عمك زرته، وطبعاً الكبراء يُزارون ولكن يوجد من ورائهم مكسب، بزيارتهم تزداد عزاً ويحتفل بك بضيافة من الدرجة الأولى، لكن بطولتك ليست مع الكبراء، أن تكون أنت كبير ولك قريب صغير، أو مهمل، أو على هامش الحياة فإذا زرته أنعشته.
إذاً:
(( أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته ))
هذا الحديث يجب أن يحضّنا جميعاً، على كل شخص أن يعيّن يوماً كالجمعة مثلاً وفي الشتاء الليل طويل، ومن المغرب حتى العاشرة مساءً لزيارة الرحم ولو ربع ساعة، فلا تستحِ من إعطاء القليل فإنّ الحرمان أقلّ منه، أو أحياناً اتصالاً هاتفياً والسؤال عن صحة أختك وحالها وسؤالها عما تحتاجه ؟ وبثها شوقه، وأن يطلبها للمجيء لعنده، ثمّ يسلّم عليها ويودّعها، فهذه المخابرة منعشة، لأنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّنا أن نكون على قلبٍ واحد، يحبُّنا أن نكون يداً واحدة، صلة الرحم تدعم التكافل الاجتماعي.
بعد قليل سأقول لكم ما معنى صلة الرحم، أكثر الناس يظنون أنها زيارةٌ فقط، فأولها زيارة، وثانيها مساعدة، وثالثها هدى.
أوّل شيء تزور، فإن وجدت حاجة إلى مساعدة، أو دفع مبلغ من المال، فإنني أروي قصّة نموذجيّة لأحد أخواننا لعلي قلتها سابقاً، ذات مرّة زار أحد الأخوة أخته فوجد خصومة بينها وبين زوجها على مبلغ من المال تطلبه منه كلّ شهر وهو يأبى أن يعطيها إيّاه، هذا الأخ له دخل محدود لكن أراد أن يتقرّب إلى الله، فقال لها: يا أختي هذا المبلغ عليّ وأنهوا هذه المشكلة، وأصبح كلّ أول شهر يدفع لها ثلاثمئة ليرة وهذا المبلغ هو سبب خلافها مع زوجها كسوة لها، ولكن زوجها دخله محدود ولا يكفيه معاشه وليس معه وهي مصرّة على الثلاثمئة ليرة فتحمّل دفعها هذا الأخ، فطرق عليها في اليوم الأول من الشهر الأول ودفع لها المبلغ، وكذلك فعل في الشهر الثاني والثالث.
قال لي هذا الأخ الكريم: في الشهر السادس طلبت أخته منه درساً دينياً لبناتها، ثم بعد ذلك حضر كلّ من بنات الأخت وبنات الأخت الثانية، فقام بتدريس بنات أخواته كلهن درساً أسبوعياً، وقال لي: وأنا على قدر معلوماتي، أية آية سمعتها من أحد الدروس، أو حديثاً، أو حكماً فقهياً، أو قصّة عن الصحابة، فالدرس أنعشني، وشعرت بقيمتي.
العلم يزكو على الإنفاق وزكاة العلم نشره:
عندما يدعو الإنسان إلى الله عزَّ وجلَّ يشعر بقيمته، وأنا لا أكتمكم أنّ أول مستفيد من الدعوة هو الداعي نفسه، أول من يستفيد من الدرس هو المدرس، أول من يستفيد من الدرس هو المعلم، الموجه، المرشد، الداعي نفسه، لأنّ العلم أيُّها الأخوة زكاته بإنفاقه، فكلّ شيء إذا أنفقت منه يقل إلا العلم يزكو على الإنفاق، وزكاة العلم نشره، والنبيُّ عليه الصلاة والسلام يقول:
(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))
بلغوا عني، فأنا الآن أدعوكم، فأنت تحضر خطبة جمعة، وهي ساعة إلا ربعاً فلم يثبت بذهنك آيةٌ واحدةٌ أو حديث هل هذا معقول ؟ إلا إذا كان ـ لا سمح الله ـ النفاق موجوداً، فالمنافق عندما كان يحضر عند رسول الله إذا انفض من عنده قال كما ورد في القرآن الكريم:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) ﴾
قد يقول أحد الأشخاص: والله لم أذكر شيئاً من الدرس، فأنا دائماً أقول: إذا لم يكن الإنسان صادقاً في طلب الحق يصبح مثل آلة التصوير من غير فيلمٍ بداخلها، ولو كانت غالية الثمن، ولو انتقى المنظر الجميل، وضبط كل من المسافة والسرعة والفتحة، وضغط على الزر ولكن لا يوجد فيلم بداخلها، لأنّه لا يطلب الحق فلا يظل أو يثبت شيء مما يستمع إليه، فلو حضر الإنسان واستمع إلى خطبة جمعة، أو درس في التفسير، أو درس في الحديث أو في السيرة فهل من المعقول أن لا يبقى شيء مما استمع له ؟!
اجعل هذا الشيء الذي استمعت له مدار الحديث طوال الأسبوع، إن دعيت لغداء فأخبر الموجودين أو المدعوين عن الخطبة وماذا قال فيها الخطيب، فهذا كلام جميل، وإن دعيت لسهرة، أحياناً يكون عقد للقران، أو حل لمشكلة، أو زيارات دوريّة للأصدقاء أو الأقارب، ففي كلّ لقاءاتك بلّغ، هكذا النبيّ قال:
(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ))
نشر الحق والتواصي به ركن من أركان النجاة:
أنت حينما تخرج من ذاتك إلى خدمة الخلق تشعر بسعادة الداعية، فلا تصدّق، قد يبذل الدعاة جهداً جهيداً، ويعملون ليلاً ونهاراً ولكن والله هم أسعد الناس، يحس بإنسانيته وأنّه في خدمة الحق.
أقول دائماً الدعوة ليست حكراً على الدعاة، فكلّ مسلمٍ ينبغي أن يكون داعية.
أحد الأخوة أعجبني فقد قال لي: أنا لا أعرف أن أتكلّم ولكنني آخذ أشرطة وأقوم بتوزيعها، وبهذه الطريقة حضر للدروس حوالي عشرة إخوة يستمعون إليك.
هذا شيء جميل، فالآن الوسائل ميسّرة، فأنت لا تستطيع أن تتكلّم فيوجد من يتكلّم عنك، لكن يجب عليك أن تنشر الحق، لأن الحق إذا لم ينتشر فسينتشر الباطل وسيحاصر الحق، أنت ربما تظن الآن أنك تنشر الحق لكي ينمو، لا، بل للحفاظ على وجودك، والدليل: الله قد جعل نشر الحق والتواصي به أحد أربع أركان النجاة فقد قال تعالى:
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
هذا اللسان يجب أن يكون طليقاً بذكر الله، عوّد نفسك أن يكون كلامك من عملك والعمل محاسب عليه أينما جلست، فالحديث عن الدنيا يفرِّق، والحديث عن الآخرة يجمع، قد يكون بالجلسة تاجر أو مهندس أو موظف أو طبيب، فإذا تكلّم التاجر عن تجارته ودخله وأرباحه، تجد الكل ساكتاً لأن بعض الجالسين راتبه لا يكفيه خمسة أيام بالشهر، وسمع من أحد الحاضرين أنّه بصفقة واحدة كسب أربعمئة ألف، فيتضايق، ويقول في نفسه ما هذا الراتب الذي أتقاضاه فأنا أعيش على هامش الحياة، فإذا كان الحديث الدائر عن الدنيا يحدث الانقباض، أما إذا كان الحديث عن الله عزَّ وجلَّ تجد كل القلوب تستمع إليه، لذلك اذكر الله دائماً، وليكن لسانك رطباً بذكر الله.
كيفية بر الوالدين بعد موتهما:
إذا أردت أن يكون لك ابن يصل رحمه أول شيء كن أنت قدوة له، قل له: قم يا بني لنزور عمّتك، أو خالتك، أو نزور أختك اليوم فمنذ شهر لم نرها، أو لنتحدث معها هاتفياً، فإذا رأى الابن أن أباه يزور أقاربه، وأساساً عندما سأل أحدهم النبيّ صلى الله عليه وسلم:
(( يا رسول الله، هل بقي عليّ من برِّ والديّ شيء من بعدهما أبرهما ؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما فهذا الذي بقي عليك من برّهما بعد موتهما.))
هذا الذي بقي عليك من برّهما بعد موتهما، أن تصل الرحم التي لم يكن لها صلةٌ إلا بهما.
يجب أن نقول: أولاً زيارة، ثانياً تفقّد الأحوال، فاستمعوا إلى الآية الكريمة، فمن هو الذي يستحقُّ الصدقة ؟ هل هو السائل ؟ لا، الذي يلح كثيراًَ ؟ لا، اسمعوا القرآن الكريم، قال تعالى:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) ﴾
الذي ينبغي أن تساعده لن يسألك، ولن يطلب منك، هو أعفُّ من ذلك، إذاً ماذا لزاماً عليك أنت أن تفعل ؟ عليك أن تتفقّده، فما دام هو لن يقول لك أعطني لأنّه عفيف وعزيز النفس، فماذا تعني صلة الرحم ؟ تعني تفقّد الأحوال، تسأل عن أخبارهم، وأوضاعهم، تسأل أختك: المدارس حان موعدها فهل يلزمك شيء ؟ بالطبع يلزمها ألبسة وخلافه، وإن كان الجو بارداً فيلزمها ثمن وقود للتدفئة، فاسألهم هل عبأتم خزان الوقود ؟ أنت في حالة ماديّة جيّدة وهي لم تعبئه.
الصلة تعني الزيارة، إنعاش اجتماعي، وتعني ثانياً التفقّد، فتوجد مواسم للمدارس، أو التدفئة بالوقود، أو الألبسة، أو في الأعياد، أما الصلة الثالثة هي: الهداية.
عندما تتفقدهم بالزيارات، وتتفقدهم بالمعونات أصبح لك مكانة كبيرة عندهم والآن أصبحت كلمتك مسموعة، وتوجيهك مقبولاً على العين والرأس، لكن لا يوجد أصعب من توجيه الغني للفقير، فالفقير يتلوّى من جوعه والغني يحدّثه بالقيم، شيء يغيظ تماماً، أما إذا عاونته وقدمت له المساعدة فالآن كلامك أصبح مسموعاً وتوجيهك مقبولاً، فوطّنوا أنفسكم على أنّ صلة الرحم تعني: الزيارة الإنعاشية، والتفقّد الاقتصادي، ثمّ الدعوة إلى الله هذا أعظم عمل، فيا ترى من أحقّ الناس بحسن صحابتك ؟ أقرباؤك.
اتقوا الله أن تعصوه واتقوا الأرحام أن تقطعوها:
أنا أقول دائماً كلمة: الناس العاديّون أنت لهم وغيرك لهم، أما أرحامك من لهم غيرك ؟ لهذا علماء الفقه قالوا: " لا تقبل زكاة المسلم وفي أقربائه محاويج ". فبادئ ذي بدء تفقّد أقرباءك الذين لا يعرفهم أحد إلا أنت، اسمعوا الآيات الكريمة:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) ﴾
أي اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها هكذا المعنى المراد، لكن توجد بالآية كلمة لطيفة جداً فما معناها وهي: واتقوا الله الذي تساءلون به، فأنت سائر في الطريق، ومرّ شخص هل تستطيع أن تمسك به وتطلب منه أن يعطيك مئتين من الليرات ؟ سوف ينظر لك بازورار، لماذا الابن يسأل أباه بإلحاح وجرأة ؟ لأنّه يعلم أنّ الله أودع في قلب أبيه رحمةً به، تجد شخصاً له مكانة كبيرة والجميع يهابونه إلا ابنه يطلب منه بإلحاح، فمن له غيرك ؟ فلولا أنّ الله أودع في قلب الآباء هذه الرحمة لما تجرّأ الابن وقال لأبيه: أعطني، دليل الرحمة فقد قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ (1) ﴾
لولا هذه الرحمة التي أودعها الله في قلوب الآباء والأمهات، فأحياناً يكون مع الأم في حقيبتها مبلغ من المال فيأخذ ابنها منه قسماً فلا ينشأ من هذا الفعل شيء يغضبها لأنها أمه، يوجد مودّة ورحمة ومحبّة، ويحسّ الإنسان أنّ الأم والابن شيء واحد وكذلك الأب والابن، فهذا معنى الآية:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) ﴾
الدعوة إلى قطيعة الرحم من الكبائر:
الآية الثانية قال تعالى:
﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) ﴾
بالمقابل تقول الآية:
﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) ﴾
أي الدعوة إلى قطيعة الرحم من الكبائر، وقطيعة الرحم من الكبائر، فإذا قلت لأحد الأشخاص: لا تزر. فهذه كبيرة، فالدعوة كبيرة والقطيعة كبيرة.
الإنسان كلّما كان عظيماً لا ينسى الفضل:
يقول لي أحدهم إن لي أقرباء غير منضبطين ؟ فأجيبه بقولي: إنّك إذا لم تزرهم سيزدادون تفلّتاً، فإذا زرتهم ونصحتهم بالحسنى والحكمة ربما انضبطوا، أو ربما أوقفتهم عند حد، إذاً زيارتك مهمة جداً قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾
وقال تعالى:
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) ﴾
والله أيها الأخوة لو قرأتم ما في السيرة النبويّة من إكرام النبي لمرضعته حليمة السعديّة لاقشعرّ جلدكم، كان يمدُّ لها الرداء، وقد أكرم قومها بأن أطلق كلّ أسراهم، أعطاهم كلّ سؤلهم لأنّ حليمة السعديّة أرضعته.
الإنسان كلّما كان عظيماً لا ينسى الفضل، ولا ينسى الفضل إلا عديم الأخلاق والإيمان.
ثمرات صلة الرحم:
الآن ثمرات صلة الرحم ودققوا فيها جيداً:
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ))
1ـ من لوازم الإيمان صلة الرحم:
أي أنّ من لوازم الإيمان صلة الرحم، أي إن لم تصل رحمك فهناك شكٌ في إيمانك، في أصل إيمانك أو في كمال إيمانك على اختلافٍ بين العلماء، فأحياناً تجد شخصاً ذا رزق وفير أي زائد، فدقق تجد أنّه يصل رحمه لأخته أو ابنة أخته عند زواجها أهداها غسالة أو برّاداً، وهذه أقرضها وهذه أعطى لابنها بدلاً، دفع الأموال إلى الأقرباء هذا مما يستدعي الرزق.
2ـ صلة الرحم تزيد في العمر وتوسّع في الرزق:
روى الشيخان أي البخاري ومسلم وهذا الحديث من أعلى درجات الحديث أي ما اتفق عليه الشيخان:
(( من أحبَّ أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ))
أحد أسباب زيادة الرزق صلة الرحم، فإنّك عندما تنوي زيارة أقربائك وتقدّم لهم المساعدة فالله يحاسب عنك، يجعل المساعدة على حسابه، فيدفع لك.
أحد الأخوة قال لي: اتصلت بي أختي هاتفياً وطلبت مني خمسة آلاف ليرة، وكان الوقت صعباً جداً فلم يكن معي فالإنسان عسر ويسر، دخلت في صراع مع نفسي، معي مبلغ ولكن له مصارف ذات أهميّة كبرى، وبعد صراع طويل قررت أن أعطيها خمسة آلاف، فذهبت إلى بيتها وأعطيتها المبلغ، ونزلت إلى المحل التجاري بالبزورية، فجاءني تاجر من السعوديّة يريد شراء قمر الدين، والقصة قديمة، فقلت له: ليس عندي. فقال لي: دلني، فقلت له: في المحل الفلاني وكيلٌ للمعمل، فقال لي: خذني معك وأوصلني لعنده، فقلت له: تفضل، فأوصلته وقلت له هذا يريد شراء قمر الدين، وفي المساء بعث البائع لي ظرفاً به عشرة آلاف من الليرات وهو لا ينسى هذه القصة، طبعاً إذا أضافها على الزبون فهذا حرام، وذلك دون ذكر لتفاصيل الحكم الشرعي، أما إذا أعطاها من ربحه فلا شيء في ذلك.
إذا أعطيت إنساناً كان سبباً لصفقة ما، كان سبباً وبذل جهداً فأعطيته مبلغاً من ربحك فلا مانع في ذلك، أما إذا أضفته على الزبون فهذا العمل لا يجوز فعله.
أخ ثانٍ كان له صديقٌ مصاب بانزلاق غضروفي ويجب أن يستلقي على فراش خشبي لمدة شهر، وهو ذو دخل يومي وليس راتباً، فيحتاج إلى مبلغٍ طوال هذا الشهر، فألزم نفسه بتأمين المبلغ له أثناء فترة مرضه، ولكنه ظلّ مريضاً شهرين ودفع له فيهما عشرين ألفاً والقصة طويلة، فقال لي: والله كانت هناك عمليّة معيّنة خارج اهتمامي وخارج كل توقعاتي الله رزقني منها أربعين ألف ليرة، القصص كثيرة جداً:
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
إذاً صلة الرحم تزيد في العمر وتوسّع في الرزق، كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان:
(( من أحبَّ أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره ـ أي يزاد له في عمره ـ فليصل رحمه ))
3ـ صلة الرحم تدفع عن الواصل ميتة السوء:
صلة الرحم تدفع عن الواصل ميتة السوء، فذات مرّة كنت في طريقي إلى عملي فوجدت أمام القصر العدلي إنساناً ملقىً على الطريق ومغطىً بقطعة من القماش، فسألت ؟ فقالوا: والله مات هنا، فذهبت لفترة ثماني ساعات ورجعت وهو في مكانه والناس عليه وفوقه ينظرون.
أهذه ميتة !! ويوجد رجل من أهل العلم جلست معه في تعزية وخرجنا معاً، شاهد إنساناً له سيّارة خاصّة فطلب من هذا العالم أن يوصله، فما أن خرج من بيت التعزية حتى عرض عليه هذا الأخ الكريم وبالطبع العالم محترم فقال له: الله يرضى عليك شكراً، فأوصله لبيته، والبيت في الطابق الرابع، وصعد إليه، ودخل إلى غرفته، وخلع جبته، وقلع عمامته، واستلقى على الفراش، وأسلم الأمانة إلى بارئها، وهذا من تكريم الله له فلو أحبّ أن يأخذ تاكسي لمات فيه وأُخذ إلى المشفى ووضع في البراد أليس كذلك ؟ لكن الله ألقى في قلب هذا الأخ ـ وهو لا يعرفه ـ بأن يوصله، وهذا الأخ بيته بجانب البيت المقام فيه العزاء وليس على درب الشيخ وأراد أن يكرمه بهذا التوصيل، فقال لي ابن العالم: أنت آخر من كلّمه، ولم يكلّم أحداً بعدك، فصلة الرحم تدفع عن الواصل ميتة السوء لما روي عن أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله أنّه قال:
(( إنّ الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر، ويدفع بهما ميتة السوء، والمكروه والمحذور.))
كذلك هناك ميتة على قدر عالٍ، كأن يموت بين أهله وأولاده معززاً ومكرّماً، وتقام له تعزية رسميّة والدليل قوله تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) ﴾
هناك ميتة راقية جداً، ويوجد إنسان يموت بالمرحاض، فشخص بالهند ادّعى أنّه المسيح المنتظر وكان هناك وباء الكوليرا متفشياً وكان يقول: أنا من معجزاتي أنني لن أُصاب بهذا المرض، فلم يمت إلا مصاباً بهذا المرض وفي المرحاض، توجد ميتة سوء.
4ـ صلة الرحم تعمّر الديار وتثمّر الأموال:
صلة الرحم تعمّر الديار وتثمّر الأموال:
(( إنّ الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمّر لهم الأموال. فقيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال: بصلتهم الرحم ))
أحياناً تجد إنساناً ماله مبارك، يشتري بيتاً، أو يشتري محلاً، يشتري مزرعة أحياناً وترتفع الأسعار، ويزوّج أولاده ويسكّن أولاده بالبيوت وهو قد بدأ من الصفر، فمن أين له ذلك ؟ فيه بركة ونماء، وتجد إنساناً آخر أينما تحرّك لا يأتي بخير، يقول لك: جميع الطرق مغلقة أمامي.
(( إنّ الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمّر لهم الأموال. فقيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال: بصلتهم الرحم ))
هذا هو الحديث الرابع.
5ـ صلة الرحم تغفر الذنوب وتكفِّر الخطايا:
صلة الرحم تغفر الذنوب وتكفِّر الخطايا.
(( أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل. فقال: إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة ؟؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل لك من أم ؟ قال: لا. قال: هل لك من خالة ؟ قال: نعم. قال: فبرّها ))
معنى ذلك أنّ الخالة في منزلة الأم:
(( قال: هل لك من أم ؟ قال: لا. قال: هل لك من خالة ؟ قال: نعم. قال: فبرّها ))
أي ببرها يغفر ذنبك.
6ـ صلة الرحم تيسّر الحساب وتدخل صاحبها الجنّة:
صلة الرحم تيسّر الحساب وتدخل صاحبها الجنّة:
(( ثلاثٌ من كنّ فيه حاسبه الله حساباً يسيراً وأدخله الجنّة برحمته. قالوا: وما هي يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ قال: تعطي من حرمك، وتصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، فإذا فعلت ذلك يدخلك الله الجنّة ))
7ـ لا يدخل الجنة قاطع رحم:
أما الشيء الخطير:
(( لا يدخل الجنّة قاطع رحم.))
ماذا ينبغي أن نفعل بعد هذا الدرس ؟قبل أن تعلّم أولادك كن أنت في هذا المستوى، اعمل جرداً لأقربائك، وحاول أن تعمل زيارة أسبوعيّة، فإذا لم تتمكن فلتكن الزيارة نصف شهرية، وإذا لم تتمكن فلتكن زيارة شهرية، أما أدنى حد على الإطلاق فبالأعياد الرسمية، عيدي الأضحى والفطر، هذا العيد للرحم، هذا الحد الأدنى، ولو بعدت المسافات، بطرف المدينة أو بقرية من قرى الغوطة.
ادع إلى الله تكن سبباً في هداية الناس:
لا بدّ من أن تزور رحمك أولاً، وأن تتفقد أحوالهم ثانياً، وأن تدلّهم على الله ثالثاً، والأكمل من ذلك أنت طالب علم ورائد من روّاد المسجد، وتحضر أربعة أو خمسة دروس أسبوعياً مع الخطبة، عليك أن تعطي درساً صغيراً لأخواتك البنات، وأولاد أخواتك البنات فهؤلاء مجموعة، أعطهم درساً وقم بتحضيره أولاً قبل يومٍ من اجتماعكم، تفسيراً لآية، وحديثاً له علاقة بالآية، وحكماً فقهياً وقصّة من قصص الصحابة، اجمعهم وقم بإكرامهم، فهذا الدرس ينعشك لأنّك كنت سبباً في هداية الناس، الآن يوجد ضياع فإن تركتهم فسيتربون بوسائل لا ترضي الله عزَّ وجلَّ.
أنا أقترح على كل أخ من أخواننا الكرام أن يدعو، فلا تقل أنا لست داعية، فمن قال لك أنّك داعية بل ينبغي أن تكون داعية شئت أم أبيت، فادع بناتك أو بنات أخواتك، أعطِ درساً للإناث إذا كان لك أخٌ مشغول، تاجر وغارق في تجارته وعنده عدد من الأولاد فيهم من الخير فادعهم لعندك وحدد لهم يوماً في الأسبوع، فإذا وجدوا درساً محضّراً وجيداً، آية، حديثاً، حكمة، قصة أحياناً، " صور من حياة الصحابة " سبعة أجزاء وهو كتاب لطيف جداً، اقرأ لهم قصّة عن الصحابة، تروي لهم حُكماً فقهياً، دعابة، تقدم لهم ضيافة، فالضيافة تجذبهم وهي لله عزَّ وجلَّ.
إذا تمكنت من أن تحيط هؤلاء الشباب أولاد أخيك بالرعاية وتوجّههم، وكذلك أولاد أختك، وبنات أختك هؤلاء رحمك، فأنت كن داعية لأقربائك، بعد عدة أشهر تجد بنات أخواتك قد تحجّبن بعدما اقتنعن بالدين، وأولاد أخواتك أصبحوا يصلون، ثم بعد ذلك حضروا معك إلى الجامع، ثمّ أصبحوا مؤمنين، وأصبحوا قرّة عين لأوليائهم هذا عمل عظيم.
صلة الرحم ترفع الواصل إلى الدرجات العليا يوم القيامة:
هذا الذي قال عنه النبيُّ الكريم لسيّدنا علي كرّم الله وجهه:
(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))
(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))
(( خير لك من الدنيا وما فيها ))
إذا أراد أحدكم أن يترجم هذا الدرس إلى مجلس علم صغير ضمن أسرته فهم رحمك، وأقرب الناس لك هم أخواتك الذكور والإناث، وأولاد أخواتك ذكوراً وإناثاً، درس أسبوعي ثابت، آية وحديث وقصّة أو تحفيظ للقرآن، يقرأ كل واحد من الحضور نصف صفحة واستمع إليه، فإن كنت متقناً للتجويد علّمته التجويد، وتفسير آية أو اثنتين، وحديثاً اجتماعياً للنبي، وقصة قصيرة في خلال ساعة من الزمن، فشعرت بقيمتك وأنّك إنسان وصاحب لرسالة، وشعرت بأنّك أصبحت في قلوب الآخرين، هذا الذي أتمنّاه عليكم من هذا الدرس، هذا الدرس ينبغي أن يترجم عملياً.
ما من أحدٍ أصغر من أن يرشد الناس، وما من أحدٍ أكبر من أن يستمع إلى النصيحة، أي ما من أحد أصغر من أن يَنصح، وما من أحد أكبر من أن يُنصح، لذلك أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدرس مفتاح خير لنا جميعاً في دعوة أقاربنا ورحمنا إلى الله عزَّ وجلَّ، لكن الإحسان قبل البيان، افتح قلوبهم بالإحسان قبل أن تطالب آذانهم أن تفتح لك بالبيان، افتح قلوبهم بالإحسان، وكل شيء تقوم بإنفاقه في سبيل جلب القلوب لا يعلم إلا الله كم أجره ؟ فالهديّة رسول، فإذا كان لك ابن أخ وهو بحاجة إلى هديّة وقدّمتها له أحياناً قلم، وكلّ إنسان بحسب إمكاناته، فالقلم يفتح له قلبه تجاهك، أو دفتر، أو كتاب يكون بحاجة له، أو بذلة فتوّة أول موسم الدراسة، إذا أنت حاولت أن تهدي أقرباءك هدايا ثمينة وهم بحاجة لها فبذلك فتحت لهم قلوبهم، وهذا الدرس هذه هي ترجمته.
إذا استطاع كل منكم أن يقنع أحد أقاربه بالاستقامة ومعرفة الله يكون بذلك قد حقق هذا الدرس، صلة الرحم ترفع الواصل إلى الدرجات العليا يوم القيامة:
فقد روى عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:
(( ألا أدُلُّكم على ما يرفع الله به الدرجات ؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تحلُم على من جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك ))
درءُ المفاسد مقدّم على جلب المصالح:
الآن لنا تعليق لطيف جداً، حديث يقول فيه النبيّ الكريم:
(( ليس الواصل بالمكافئ؛ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.))
أي أن فلاناً زارك فتزوره، له عندي زيارة، هذه ليست صلة للرحم، أما صلة الرحم أن يكون الموصول إنساناً قطعك فوصلته، أو حرمك فأعطيته، ظلمك فأنصفته، هذه أخلاق المؤمن، أما المعاملة بالمثل هذا أسلوبٌ غريبٌ، لكن المؤمن لا يتقيّد بهذه القاعدة بل يصل من قطعه، ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه.
فقد قال الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم:
(( أمرني ربي بتسع خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة ))
يوجد تحفُّظ واحد إذا كان بيت خالته فيه بنات سافرات متفلّتات، فذهبنا لصلة الرحم فاستأنسنا بهؤلاء الفتيات، وجلسنا جلسة لطيفة جداً حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، وخرجنا وقلنا: الحمد لله اليوم قمنا بصلة الرحم، لا، لا تصدّق نفسك، فالقاعدة الفقهيّة تقول: دع خيراً عليه الشرُّ يربو، وكذلك: درءُ المفاسد مقدّم على جلب المصالح.
أحياناً تكون في النيّة صلة رحم ثم تصبح بعد ذلك صلة أُخرى من نوع آخر، فهذا غير مقبول على الإطلاق، هذه طاعة، والطاعة يجب أن تكون نظيفة من كلّ مخالفة.
أي لك خالة فخالتك فقط، فإذا كانوا لا يتقيّدون فلا نزور، ولكن يمكن مخابرتها هاتفيّاً، فإذا لم تتقيّد خالتك بعد إخراج بناتها أمامك، معنى ذلك أنهم لم يعتبروك أو يهتموا بك، عندئذٍ: دع خيراً عليه الشر يربو، فإذا لم تتقيّد بنات عمّتك ولم يتحجّبن منك وجلسن معك سافرات كاسيات عاريات وقُلن لك: أصبحت شيخاً يا فلان، كذلك يمزحن معك، هذه الصلة لا نريدها فاحفظ قدرك وامكث في بيتك، نحن نصل من يقدّر اتجاهك، من يقدّر دينك وورعك وعلمك، وهذه الصلة ليس فيها معصية أبداً، بل طاعة لله، فهي عمّتك أو خالتك، أما إذا وجد الاختلاط أو النظر فالآن دخلنا في موضوع آخر غير الصلة المشروعة وليس لنا علاقة به على الإطلاق.
لذلك ضع هذه القاعدة في ذهنك: درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المنافع، وكذلك: دع خيراً عليه الشرّ يربو.
كل إنسان له نقطة ضعف والكل له مأخذ:
عندئذٍ هذا ليس صلة رحم ولكنّه معصية، فالشيطان في بعض الأحيان يعمل لك مداخلات ويقول لك: ما هذا ألا يوجد عندك دين ؟؟ أليسوا هؤلاء بنات عمّتك وقاطعتهم إلى الآن شهراً ؟! هؤلاء نساءٌ أجنبيّات عنك ولا يحقُّ لك أن تنظر إليهنّ أبداً، والنظر إليهنّ مفسدة، والحديث معهنّ مفسدة أكبر، والسهرة معهن أكثر.
إذاً فلنا تحفُّظٌ وحيدٌ، لأنّ كثيراً من الأخوان يقولون لي: أثناء الزيارة حدثت المفسدة، فإذا كان هناك من الضمانات أن تزور خالتك من دون بناتها، وعمّتك من دون بناتها، ولا يوجد اختلاط ولا نظر، فلا مانع في ذلك بل بالعكس هو واجبٌ عليك، وإذا وجد الاختلاط ففي هذه الساعة تتصل بها هاتفيّاً، أو تدق على عمتك مثلاً الباب وتخبرها أنك مستعجلٌ وهل يلزمها شيء منك ؟ أي بحكمة، فقد قمت بالصلة وأعطيت درساً في الوقت نفسه، إذا وجدت الضمانات فلا مانع من الزيارة.
بصراحة أقول لكم: إنّ كل إنسان له نقطة ضعف والكل له مأخذ، فالتجار ربما تكون نقطة ضعفهم المال، في عقد صفقة ربح ثلاثمئة في المئة، لو قلت له إن فيها شبهة، يقول لك: لا تدقق، فمن أين أُخذ ؟ من المال كان مأخذه.
أما الشاب في ريعان شبابه وفي مقتبل حياته من أين يؤخذ ؟ يؤخذ من النساء، لذلك أخطر شيء على الشاب، النساء، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ ))
النساء حبائل الشيطان، اتقوا الله في النساء، هذا ليس تزمُّتاً ولكن مبالغة في الحيطة، فالشاب من هنا يؤخذ، وكثير من الشباب من قبل النساء زلّت أقدامهم، وبالطبع إذا لم تكن المرأة منضبطة فهي شيطانة، شيطانة في ثوب إنسان، لهذا ربنا عزَّ وجل قال:
قدّم الزانية على الزاني لأنّها أقدر على إغرائه من غيره.
هذا درس صلة الرحم، وإن شاء الله الدرس القادم عن حقوق الجار، وبعدها حقوق المعلمين، هكذا يجب أن تربي ابنك على معرفة حقوق الآباء والأمّهات، وحقوق الرحم، وحقوق الجيران، وحقوق المربيّن، هذا جزء من التربية الاجتماعيّة لأولادك، والحقيقة إنّ أبلغ تربية أن تكون أنت في هذا المستوى، عندئذٍ يتعلّم أولادك بالتقليد، فالقدوة هي أفعل طريقة تربويّة، كن أنت قدوةً عندئذٍ يأتمر أولادك بما تفعل.
والحمد لله رب العالمين