- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (016) سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
الآية الخامسة بعد المائة من سورة النحل وهي قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) ﴾
أحد العلماء الكبار يرى، أنه ما من حديث شريف، نطق به النبي عليه الصلاة والسلام، إلا وهو مستنبط من آيات الله، لأنه كما هو ثابت أعلى فهماً على الإطلاق، لكتاب الله، هو فهم رسول الله، لذلك جاءت السنة النبوية القولية، والعملية، تبياناً، وتوضيحاً، وتفسيراً وبسطاً لكلام الله عز وجل.
((عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ. ))
وهذا الحديث يعد من السبق العلمي لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الآن في علم النفس، علم جديد، اسمه علم الطباع، بتلاقي إنسان حاد الطبع، إنسان هادئ، إنسان اجتماعي، إنسان منعزل، إنسان متفائل، إنسان متشائم، إنسان إدراكه كلي، إنسان معنى بالتفاصيل، " يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا "، وكل هذه الخلال على العين والرأس، تنوع، أيام الأب يرى أن ولديه كل منهما بطبع، ولد جاد، ولد هازل دائماً، ولد، يعني يؤخذ بالقيم، ولد يؤخذ بالمصالح.
(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا ))
هكذا قال النبي:
(( إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
فإذا كذب فليس مؤمناً، من أين استنبط النبي هذا الحديث ؟ من هذه الآية:
﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
يعني ممكن يقع الإنسان بألف غلطة، وهو مؤمن، لأنه، كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون، أما أن يكذب، معنى ذلك ليس مؤمناً، لذلك المؤمن لا يكذب لا في الصغائر، ولا في الكبائر، لا في العلاقات الشخصية، ولا في العلاقات الموضعية، لا يكذب، والإنسان يوطن نفسه أن يكون صادقاً، وكل مقولة يقولها بعض الناس، يا أخي إذا ما كذبنا لا نعيش هذا كلام أركله بقدمك، بتعيش كريم وغني، لأن الله عز وجل قال:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
مستحيل، لو أن الذي يعمل السيئات، ساوه الله مع الذي يعمل الصالحات، فما كان لهذا الدين من قيمة، لما كان لخلق الإنسان من فائدة، لكان خلق الإنسان عبثاً، وإنزال الكتب لعباً، وإرسال الأنبياء لهواً.
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
الإنسان لا يكذب، لا في بيعه، و لا في شرائه ولا في علاقاته، حتى مع زوجته، هذه الفرية هي، الوهم، المنتشر بين الناس، الكذب على الزوجة جائز، هو جائز بس في حالات نادرة جداً، لو سألته أتحبني ؟ ما بحبها هو، لازم يحكي الصدق ويخرب علاقة الاجتماعية ؟ لو قال لها إني أحبك، ما كذب، لأنه جبر خاطرها وملئ قلبها ثقة بنفسها، ما كل زواج يبنى على الحب، لو سألها زوجها أتحبني ؟ قالت نعم، أنت زوجي، وأنت قرة عيني، ما كذبت، فقط في هذا الموضوع، أما في الأسعار نكذب، الكذب على الزوجة جائز فقدت مصداقيتك، كلامك ما عاد له قيمة أمام زوجتك، وإذا كذبت عليك تكرها أنت، فهذا الكذب الذي أباحه الفقهاء فقط لو سألته الزوجة أتحبني ؟ السيدة عائشة سألت النبي عليه الصلاة والسلام كيف حبك لي ؟ قال كعقدة الحبل ؛ يعني عقدة متينة، فأصبح هناك بينهما شفرة، تسأله من حين إلى آخر كيف العقدة ؟ يقول على حالها، الإنسان من علامة نجاحه أن يكون ناجح في زواجه، الزوجة تحتاج إلى حكمة، إلى رحمة إلى حلم، إلى تصرف ذكي، أما والله لا أحبك، أنا ما رأيت أحمق من الزوج الذي يصف زوجته بالصفات التي يكرهها منها، لو كنت على أطول، لو كنت كذا، حطمها، حطم سعادته بيده، ما في غيرها أمامه أصلاً، فالأولى في هذا الموضوع لو كذب ما في مانع، فقط حصراً لذلك:
﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾
اسمعوا الآن الآية يا أخوان الكرام:
أكثر الناس يقولون الله غفور رحيم، كلما قلت له يا أخي استقيم اضبط لسانك، اضبط بيتك، اضبط نسائك، يقول أخي الله غفور رحيم يعني أخذوا شطر من آية اسمعوا هذه الآية، أعتقد في مثيل لها أربع آيات في القرآن الكريم.
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)﴾
الآية الثانية:
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)﴾
هذا القرآن بين أيدينا، وينبغي أن نقرأه قراءة تدبر، الله عز وجل غفور رحيم بعد أن تتوب، غفور رحيم بعد أن تصلح، غفور رحيم بعد أن تستقيم، غفور رحيم بعد أن تجاهد نفسك وهواك، غفور رحيم بعد أن تنفق مما أعطاك الله، غفور رحيم إذا أصلحت الماضي، أما إذا كان أقمنا على المخالفات، وعلى المعاصي، وقلنا إن الله غفور رحيم، هذه كلمة حق أريد بها باطل، هو غفور رحيم لكن ليس لهؤلاء الآية الأخيرة في هذه السورة يقول الله عز وجل:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾
تفوت إلى بيت أحياناً تلاقي فيه صورة مثلاً، يكون البيت فيه ألف مخالفة، ألف معصية، يمسك الصورة ويكبرها، يا أخي هذا عمل غير إسلامي، ما يجوز أن تضعوا صور، في أشياء أهم منها تاركها هو، ابدأ بالأولويات، الإنسان يحتاج إلى حكمة، إذا الإنسان المنحرف المتفلت، بلغته بكل أخطائه دفعةً واحدة، زهد في الدين، يعني ما بقي في أمل، الله عز وجل أعطانا درس بليغ في تحريم الخمر، كيف حرمت الخمرة ؟ حرمت تدريجاً، فإذا أنت تعاملت مع إنسان متفلت دينه ضعيف، عقيدته زائغة، لا تدقق بالتفاصيل، لأن هذه تنفره، ابحث بالكليات، وربنا عز وجل علمنا بالقرآن الكريم أنه خاطب الناس بأصول الدين، وخاطب المؤمنين بفروع الدين، قال:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
أما لما خاطب المؤمنين، قال:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
إذا أنت تتعامل مع إنسان بعيد عن الدين، من السذاجة وعدم الحكمة، أن تدخل بتفاصيل الدين، وتحاسبه عليها، هو بالأصل ليس مأمن بها، أصل الدين في شك منه، فليس من الحكمة أن تصل، بعدين الإنسان الداعي ما هو قاضي، هو داعي، الداعي شيء، والقاضي شيء، يعني أنت لا تدخل إلى أعماق الإنسان، وتحاسبه، وتنصب نفسك وصي عليه.
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾
أما الآية الدقيقة جداً في هذا المجال، الله عز وجل قال:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
أي في رحمة استقرت في قلبك، كنت ليناً لهم، يعني اتصالك بالله نتج عنه أن استقرت الرحمة في قلبك، فكنت ليناً لهم، فأحبوك، أربع مراحل، اتصال بالله، لين، محبة.
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
لو لم تستقر الرحمة من قلبك، لكنت فظاً معهم.
﴿غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾
إذاً:
﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
هذا قانون، أتحب أن يجتمع الناس إليك كن ليناً معهم، أتحب أن ينفضوا عنك، كن قاسياً معهم، واحد نصح أمير قال له سأنصحك وأغلظ عليك، فكان الأمير أحكم من الناصح، قال له وما الغلظة يا أخي، لقد أرسل الله من خير منك، إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون.
﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾
فالنبي عليه الصلاة والسلام مع أنه رسول، ونبي، ويوحى إليه ومعه القرآن، ومعه معجزات، والسماء تؤيده، والله عصمه، كل الميزات هي، قال له:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾
تحتاج للطف والمودة، والحكمة، مع أولادك، مع زوجتك، مع جيرانك، مع شركائك، مع أقاربك، لا يكون الرفق في شيء إلا زان، ولا ينزع من شيء إلا شان.
((عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ. ))
وقال:
(( علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))
الإنسان لما بعلم ما بعنف، يكسب مهابة كبيرة جداً، فهذه المهابة تعينه على التعليم، أما إذا كان دقق في التفاصيل، وكان عنيف وقمعي، تكلم بكلمات قاسية، صار معنف، والمعنف مبغوض لا يحبه أحد، فالنبي علمنا قال:
(( علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))
وقال:
(( إن الله رفيقٌ يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على سواه ))
وقال:
(( لا يكون الرفق في شيء إلا زان، ولا ينزع من شيء إلا شان ))
والله عز وجل يقول:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
دخل على أبي حنيفة النعمان خارجيان، ومعهما سيفاهما ليقتلاه وقبل أن يقتلاه، سألوه سؤال مما يختلفون معه فيه، أول سؤال: أن فلان ارتكب الكبائر، زنى، وسرق، هل هو مسلم ؟ فالخوارج يكفرون بالصغيرة، فهو وجد السيفين في يديهما، والسؤال محرج، فقال هاذين الرجلان أهما نصرانيان ؟ قالا: لا، قال أهما يهوديان ؟ قالا: لا، قالا هما مسلمان، قال: هذا هو الجواب، انتزع الجواب من فمهما.
دخل مرة أبو حنيفة النعمان على المنصور، فإذا عنده قاض من ألد أعدائه، فهذا القاضي أراد أن يحرجه، قال له يا إمام: إذا أمرني الخليفة بقتل امرئٍ أأقتله أم أتريث ؟ فلعله مظلوم ؟ والخليفة قاعد، قال له: الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ أجبني، قال له: على الحق، قال له: كن مع الحق، وانتهى الأمر، فلما خرج قال أراد أن يقيدني فربطه، يعني ما في أروع من الجواب الشافي، الذكي في الوقت المناسب، بالحكمة تؤلف القلوب، بالحكمة تقرب الناس إلى الله عز وجل.
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
شوف أحسن اسم تفضيل، يعني إذا في مائة عبارة، يجب أن تنتقي أحسن عبارة من هذه العبارات:
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
أخي ما بتفهم أنت، هذا ليس بالتي هي أحسن، أنا أعتقد أن هذه الفكرة تفتقر للدليل، هي معنى ما بتفهم، أعتقد أن هذه الفكرة تفتقر إلى دليل، أنا عندي فكرة أخرى فيها دليل قطعي، هذا نقاش جميل، حوار، أما ما فهمك أنت بهذا الموضوع، هذا أصبح سباب، إذا الإنسان يريد أن يحاور، وسلك سبيل السباب انتهى الحوار، صار معركة قذرة، فالله عز وجل أمرنا أن ندع إليه بالحكمة، والموعظة الحسنة، ومرة النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليه رجل شرير، لان معه قليلاً السيدة عائشة استغربت، قالت أتلين مع هذا ؟ قال لها يا عائشة:
((شر الناس من اتقاه الناس مخافة شره.))
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.