- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (016) سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المؤمنون:
الآية العاشرة وما بعدها من سورة النحل تلفت النظر، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)﴾
﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)﴾
لو أحصينا الآيات التي تشير إلى آلاء الله في الكون لوجدناها كثيرة جداً تقترب من ربع القرآن، هذه الآيات لماذا كانت ؟ و لماذا أنزلت ؟ أجعلُ هذا السؤال منطلقاً لهذا الموضوع الدقيق، هناك في الكون مخلوقات، ولله أمر، ونهي، قال الإمام الغزالي: " هناك علم بخلقه، وهناك علم بأمره، وهناك علم به ".
فالعلم بخلقه، جامعات الغرب تفوقت تفوقاً كبيراً جداً، الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والطب البشري، والصيدلة، والفلك، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم التاريخ، وعلم الجغرافيا والتكنولوجيا، والصناعة، والزراعة.. الخ، فكل هذه العلوم المادية، أو العصرية، هي علم بخلق الله.
وأما العلم بأمره فهو علم الشريعة، الحلال، الحرام، أحكام البيوع، أحكام الزواج، الطلاق، الحوالة، الكفالة، الرهن.. الخ.
لكن الذي يجمع بين علم خلق الله، وعلم أمر الله، أن هذين العلمين يحتاجاني إلى مدارسة، يعني إلى قراءة، إلى حفظ، إلى تذكر إلى بحث، إلى درس، والذي أوتي مقدرة فكرية عالية يستوعب هذه العلوم، ويحفظها، لكنه في واد، وعلمه في واد آخر.
أم العلم بالله، هنا التقصير في العالم الإسلامي، العلم بالله أن تعرف الله، وأن تعرفه من خلال خلقه، ومن خلال أمره، ومن خلال أفعاله، معرفة الله شيء، ومعرفة أمر الله شيء آخر، معرفة أمر الله هذا الشيء يحتاج إلى مدارسة، إلى قراءة، إلى حضور دروس، إلى إمساك بالكتاب، إلى قراءة كتاب، إلى وضع خطوط، إلى تلخيص على الحواشي، إلى حفظ، إلى تذكر، والذي أوتي مقدرة فكرية عالية يتفوق في هذه العلوم، إن في علوم خلق الله ؛ كعلوم الغرب، أو في علوم أمر الله ؛ كعلوم الشريعة، ولكن العلم بالله شيء آخر، لا يحتاج إلى مدارسة، بل يحتاج إلى مجاهدة، إذا تفكرت في خلق السماوات والأرض، فأنت في الطريق إلى معرفة الله، إذا تفكرت في أفعال الله عز وجل.
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
فأنت في طريق معرفة الله عز وجل، إذا درست حكمة أمره، فأنت في طريق معرفة الله عز وجل، النبي عليه الصلاة والسلام، بقي مع أصحابه في مكة المكرمة، ثلاثة عشر عام يعرفهم بالله عز وجل، فلما تمكنت هذه المعرفة، جاء التشريع، أما نحن إذا اختصرنا على تعريف الناس بأمر الله، ولن نعرفهم بالله عز وجل، هذا الأمر لا يطبق، لأن قيمة الأمر من قيمة الآمر، فلذلك حيث ما قرأتم مثل هذه الآيات الكونية، في القرآن هذه من أجل أن تكون عنوانات، وهذا الجمع صحيح، هو الأصح، مو عناوين، عنوانات، عنوانات لموضوعات في التفكر، الله عز وجل يقول لك:
﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ﴾
هذا المطر لنا.
﴿مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ﴾
لكم بالذات.
﴿بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾
جعل الله الليل لباس، وجعل النهار معاش، جعل الليل مظلماً ساكناً، وجعل النهار مضيئاً، نشيطاً.
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ﴾
أنواع الأزهار.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾
هذا المحار، حيوان بحري، إذا شعر أن في محاره شيئاً غريباً، ولو ذرة كالهباب، يفرز عليها مادة كلسيه فسفورية، كي يحاصرها، هذه المادة الفسفورية الكلسية هي اللؤلؤ، لذلك الآن في لؤلؤ زراعي، ولؤلؤ طبيعي، ولؤلؤ صناعي، صناعي لا قيمة له إطلاقاً، أم الزراعي يأتون بهذا الحيوان خارج البحر يضعون فيها حبة رمل صغيرة، ويضعونه في صناديق خشبية، ويعيدونه إلى البحر، بعد حين يفتحونه فيه لؤلؤه، ألم يضعوا له ذرة رمل غريبة، هو أفرز مادة كلسيه فسفورية أحاطت بهذه الذرة، لكن يبقى مستوى اللؤلؤ الزراعي أقل بكثير من مستوى اللؤلؤ الطبيعي.
﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ﴾
لو هذا القانون أرخميدس، أن الماء يدفع الأجسام المنغمسة فيه إلى الأعلى، ما كان في ملاحة بحرية في الأرض، وأصبح البحر أداة فصل بين القارات.
﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾
يعني أوضح مثل على ذلك الإنسان أحياناً يذهب إلى بعض الأشخاص بقلك رفرفت الدولاب، الدولاب الجديد على الدوران السريع يضطرب، في أجهزة إلكترونية تحدد مكان في العجلة ضع هنا خمسة غرامات، هذه الغرامات الخمسة، مع الدوران السريع تجعله منتظماً، فربنا قال:
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾
هي الجبال موضع بشكل دقيق جداً، لأن الأرض تدور حول نفسها، بسرعة ألف وستمائة كيلومتر بالساعة، النقطة على خط الاستواء تدور بسرعة ألف وستمائة كيلومتر بالساعة، يعني إذا ركبنا طائرة، وسرعتها ألف وستمائة كيلومتر بالساعة، واتجهنا نحو الغرب يتوقف الزمن، لأنه سارت مع الأرض، هذه السرعة العالية في الدوران، تحتاج إلى انتظام.
﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ﴾
مرة قلت لكم سألنا أخ ضمن حقل بطيخ ثلاثة أشهر، قال لي ثلاثة أشهر كل يوم حوش سيارة، قلت له شيء جميل، فكيف تعرف هذه الثمرة الخضراء الجميلة أنها نضجت، قال لي كل الثمار الخضراء بلون واحد، لكن لو فتحت واحدة بيضاء، لم تنضج بعد، والثانية حمراء، مثل السكر تماماً، كيف تعرف أن هذه نضجت، قال لي الله عز وجل جعل إلى جانب ذنب البطيخة حلزون، طوله ثلاثة سانتي، فإذا الإنسان أمسكه بيده وفتله إذا انكسر، يكون نضجت البطيخة، إذا بقي طري يكون ما استوت، الله قال:
﴿وَعَلَامَاتٍ﴾
عمل لك علامة أي مرض داخلي له علامة ظاهرية، حرارة، قيئ، وجع في الرأس، لو ما في علامات، الناس كانوا ماتوا، إذا كان السن انتخر في علامة يتألم منه، أي شيء له علامة، أي خلل في الجسم له علامة، أي خلل في الفاكة له علامة، بقلك هي الفواكه لونها ما عجبني، معناها ناقصها حديد، ناقصها بوتاس، ناقصها كذا، لولا العلامات لتاه الإنسان في هذا الكون، إذاً: كلما قرأت آية كونية، يجب أن تجعلها موضوع للتفكر، لأنك إذا تفكرت في خلق السماوات والأرض، أنت في طريق معرفة الله، أما إذا قرأت أمره ونهيه، أنت في طريق معرفة أمره، معرفة الله تحتاج إلى تفكر، وإلى مجاهدة، إلى تفكر في خلقه، وتفكر في أفعاله، وتفكر في أوامره، وإلى مجاهدة النفس والهوى، فإذا تفكرت وجاهدة نفسك وهواك، عرفت طرف من كمال الله، فإذا عرفته بادرت إلى تطبيق أمره، إذا عرفته بادرت إلى تطبيق أمره، وإذا رأيت رجل، يعرف أوامر الله ونواهي، ولا يفعل الأوامر ولا ينتهي عن النواهي، فاعلم أن معرفته بالأوامر جيدة، لكن معرفته بالله ضعيفة، إن لم تعرف الله تشرك به، إن لم تعرف الله تنافق، إن لن تعرف الله تخاف إن لم تعرف الله تحاذي، إن لن تعرف الله تظلم، مشكلة العالم الإسلامي اليوم لا من نقص معرفته بأمر الله، لا، أمر الله مبذول، كم معهد شرعي بالأرض، يعلم أمر الله، نحن نحتاج إلى معرفة بالله ومعرفة الله عن طريق خلقه، تفكروا بالمخلوقات، ولا تفكروا بالخالق فتهلكوا، لذلك هي سورة النحل معظمها آيات كونية، وأنا أتمنى على أخوة الكرام، إذا قرأت القرآن، ووقفت عند آية كونية لا تقرأها فقط، أجعلها موضوع للتفكر، إذا الله قال لك:
﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)﴾
للماء، يعني بعد صلاة الفجر ممكن تعمل موضوع التفكر حول خزن الماء، هل تستطيع تخزين الماء لعام، لما ربنا خزنه لك بالجبال يعني أرادت مصلحة مياه عين الفيجة، أن تقيم مستودع في شروط جيدة فكان عمقه تحت الأرض أربعمائة متر، لكي تقلد مستودعات الماء عند ربنا، تقليد، هذا الجبل الذي فيه هذه المياه، بعدي في صخور، وفي مياه فيها كلسيوم، و منغنزيوم، وحديد، وبتاسيوم، يقول لك مياه معدنية، يقول لك هي مفيدة جداً، ومياه التحلية في الحجاز هي غير صالحة للشرب، إلا إذا خلطت بمياه الآبار، فإذا أنت عملت كل ما أتيح لك وقت، أو بعد صلاة الفجر، أن تفكر في آية من آيات الله، فكلما ازدادت معرفتك بالله، ازددت محبة له، وتعظيماً له، وخوف منه، ورغبة في تطبيق أمره، قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
فهذا المقطع الكوني الكبير، وأي مقطع كوني في القرآن الكريم ما ذكره الله لنا كي نقرأه فقط، كي نجعله عنوانات لموضوعات التفكر وليس في الأرض عبادة أرقى من التفكر، وتفكر ساعة خير من أن تعبد الله ثمانين عاماً.
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)﴾
ثمانين عام عبادة، تعدلها ساعة تفكر بالله، لأنك إذا عرفت الله أحببته، وإذا عرفت الله عظمته، وإذا عرفت الله أطعته، وإذا عرفت الله خفت منه، وإذا عرفت الله اتقيت أن تعصيه، وإذا عرفت الله أقبلت عليه، وإذا عرفت الله اتصلت به، وإذا عرفت الله سعدت في الدنيا والآخرة، هي الآيات الكونية أرجو الله عز وجل ألا تمروا عليها مروراً سريعاً، قفوا عندها، اجعلوها موضوعات للتفكر، هذا الفكر البشري جهاز يعمل بلا كلل ولا ملل، يعني لا يليق بها أن يعمل لكسب المال فقط، وللإيقاع بين الناس فقط، يليق بها أن يعمل في معرفة الله، والله أعطاك موضوعات، العلم حرف التكرار أنت، هذه كلها موضوعات للتفكر، الليل والنهار، والشمس والقمر، المطر، السحاب الجبال، الأنهار، الينابيع، البحيرات، الطعام، الله قال لك:
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)﴾
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
المخلص: أن هناك ثلاث علوم، علم بخلقه، برعة به أوروبا وأمريكة، وعلم بأمره، برعة به كليات الشرعية في العالم الإسلامي، وعلم به، وهذا ما نحتاج إليه، علم به، أن تتفكر في خلقه، وأن تجاهد نفسك وهواك، فإذا عرفت طبقت أمره.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.