- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (016) سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة المؤمنون:
الآية الثالثة من سورة النحل وهي قوله تعالى:
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) ﴾
أولاً هذه الآية تتكرر كثيراً في القرآن الكريم.
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾
يقولوا المفسرون: إن خلق السماوات والأرض لابسه الحق، أو إن الحق لابس خلق السماوات والأرض، كلام يحتاج إلى توضيح، كلمة الحق، كلمة كثيراً ما تتكرر في كتاب الله، بل إن هذه الآية بالذات، تتكرر كثيراً.
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾
أضرب لكم مثلاً:
لو أردنا أن نشيد بناءً، درسنا خصائص الإسمنت، الإسمنت يتحمل أعلى درجة من قوى الضغط، يعني سانتي متر مكعب من الإسمنت يتحمل ثلاثمائة كيلو، لكن على أساس الشد لا يتحمل خمسة كيلو، إذاً يحتاج إلى تسليح بالحديد، لو أننا أنشأنا بناءً وفق مواصفات المهندسين، هذا البناء يبقى، لأنه أنشأ بالحق يبقى، البقاء ما سببه ؟ أنه وفق خصائص الإسمنت والحديد، وفق عوامل الضغط والشد، فكل شيء بني على أساس، فيه عوامل البقاء والاستمرار، الحق الشيء المستقر، الشيء الثابت، يعني إذا أردت أن يستمر هذا الزواج، وأن يبقَ، أقيمه على أسس الحق، أقيمه على منهج الله، إذا أردت أن تدوم هذه الشراكة بينك وبين فلان، أقيمها على الحق، أقيمها على منهج الله كل شيء بني على أصول ثابتة، يبقى، ويستمر، فالبقاء، والاستمرار أساسه أنه بني على أصول، قال تعالى:
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)﴾
معناها الحق الشيء الثابت، وأوضح مثل إذا أقمت بناءً وفق أصول البناء، وفق معايير الإسمنت، وأسس الحديد، هذا البناء يبقى أما إذا لم تضع في المتر المكعب إلا كيسين أسمنت، ولم تسلح هذا البناء هذا البناء في عوامل انهدامه، فالبناء إما أن يكون في عوامل بقائه، إذا بني وفق أسس، أو في عوامل انهدامه، فالكون خلق بالحق ؛ أي خلق ليبقى، وما سوى منهج الله باطل، وكل تشريع باطل، في عوامل إلغائه، وأنتم لاحظوا أي تشريع أصدره إنسان خلافاً لمنهج الله، هذا التشريع بعد حين يُعدل، ثم يُعدل، ثم يلغى، ثم يطوى هذا القانون، إذاً كلمة الحق كلمة كبيرة جداً، يعني الشيء الباقي، الشيء المستقر.
إذا الإنسان اعتنق الحق، آمن بالحق وهو الله عز وجل، نفذ منهج الحق، إذاً هو مع البقاء والاستمرار، أولاً: هناك آيتان، الآية الأولى، ربنا عز وجل عرف الحق بأنه ليس باطلاً قال:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)﴾
خلقناهما بالحق إذاً الحق عكس الباطل، وقال:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)﴾
إذاً الحق عكس اللعب، اللعب ؛ الشيء العابث، غير الهادف والحق الشيء الثابت، المستقر غير الزائل، فالباطل زائل، والباطل عابث، والحق ثابت، والحق هادف، فالحق الشيء الهادف، والثابت أسباب ثباته أنه مبني على علم، مبني على أصول، مبني على منهج فلذلك أي تشريعٍ يستمد من منهج الله مستمر، أي تشريع يستمد من تشريع أرضي يزول، والله عز وجل قال:
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81)﴾
إذاً خلق السماوات والأرض بالحق ؛ أي خلق هذا الكون ليبقى والإنسان خلق ليبقى، يعني إذا أردت أن تتصل نعم الدنيا بنعم الآخرة فكن على الحق، الحياة فيها نعم، نعمة الأمن نعمة، ونعمة الصحة نعمة، ونعمة السكينة نعمة، هذه النعم العظمة، إذا أردت أن تستمر بعد الموت، فكن على الحق، إذا أردت الزواج اجعلوه وفق الحق، إذا أردت أن تشارك اجعل هذه الشراكة وفق الحق، إذا أردت أن تتاجر، إذا أردت أن تدرس، إذا تحركت في حياتك وفق منهج الله، هذه الحركة ثابتة، ومتنامية، ومستقرة، ومتصلة إلى الدار الآخرة، أما إذا أردت الانهدام، والانهيار، والسقوط، والإحباط، فليكن الباطل في سلوكك، اسمه باطل، فلان، أبطلنا هذه القاعدة، معنى أبطلنا ؛ يعني ألغينا، الباطل في عوامل السقوط، الآن أنت عمر حائط مائل بلا شاقول وضع الإسمنت قليل جداً، هذا الحائط لابد من أن يسقط، هذا هو الباطل، في عوامل سقوطه، عوامل انهياره.
فإذا أردت الحياة أن تزدهر، اجعلها وفق منهج الله، إذا أردت الحياة أن تنهار اجعلها على خلاف منهج الله، إذا أردت بزواجك أن يستمر، نسب الطلاق في أمريكة 62 % يعني كل مائة حالة زواج ينتهي منها 62 % إلى الطلاق، نسبة الطلاق بألمانيا 36 %، نسبة الطلاق في بلاد المسلمين 3 بالألف، هذا كلام القاضي الشرعي، سألته قال لي 3 بالألف، معنى ذلك ؛ أن الزواج الإسلامي مبني على الحق، أما إذا كان واحد رفع النسبة، غض بصره، وما سمح بالاختلاط أبداً، ولا سمح لأجهزة اللهو أن تغزو بيته، وما سمح لنفسه أن يمتع نظره بامرأة لا تحل له، يصبح مو نسب الطلاق، يصبح نسب السعادة الزوجية، في إنسان لا يطلق، لكنه ليس سعيد ببيته، في مخالفة، يجب أن تعلم أنه ما من خروج عن منهج الله إلا يرافقه شقاء، فإذا أردت لكل شيء أن يكون في أرق مستوى اجعله وفق منهج الله عز وجل، فهذه الآية:
﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾
الكون مقهور، الكون خلق بالحق، ما في فساد أبداً، لأنه من فعل الله مباشرةً، أما الإنسان مخير، فهو إما أن يفسد، وإما أن يرقَ يفسد بمخالفته لمنهج الله عز وجل، الفساد أن يخرج الماء عن خصائصه، خصائص الماء ؛ لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة، فإذا أضفت إليه مادةً ملوثة عكرة صفائه، وغيرة طعمه، وأفسدت رائحته، أنت الآن أفسدته، فأي نشاط إنساني إذا خرج عن منهج الله نشاط فاسد.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)﴾
فالموضوع دقيق ومتداخل، أنت مخير، بإمكانك أن تجعل حياتك مستقرة، ومستمرة، إذا وفرت لها عوامل الاستمرار.
مرة سمعت أن هناك سهرة، استمرت سبعة عشرة عاماً، كل ثلاثاء في لقاء بين بعض الأصدقاء، فسأل أحدهم ما سر هذا الاستمرار قال ليس في هذا المجلس غيبة، ولا فيه امرأةٌ، هذه عوامل الاستمرار.
فأنت إذا أردت لهذا الزواج أن يستمر، أردت لهذه الشركة أن تستمر، أردت لهذه التجارة أن تستمر، أردت لهذه العلاقة أن تتنامى أردت إلى هذه السعادة أن تستمر، أردت إلى هذه السعادة أن تتصل بسعادة الآخرة، أقم حياتك على أسس الحق، كلمة حق الشيء الثابت الباطل الشيء الزائل، وضع ببالك هاذين المثلين، إذا أنشأنا بناء وفق الأصول، وضعنا نسب الإسمنت الكافية، الحديد بشكل دقيق، هذا البناء بني ليبقى، حق، أما إذا أهملنا النسب، وأهملنا الحديد، وأهملنا الشاقول، هذا البناء بني لينهدم، البناء الأول في عوامل بقائه، والبناء الثاني في عوامل انهدامه فأي شيء باطل في عوامل انهياره، هو هو أي شيء باطل في هذا الشيء عوامل انهياره، وأي شيء مبني على الحق في عوامل بقائه، لذلك الإنسان يذوق الموت ولا يموت، قال تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)﴾
الإنسان خلق ليبقى، أيام نحن ننشئ بناء لرآسة الوزارة، تلاقي الحجر رخام، هذا البناء أنشئ ليبقى، أما أيام ننشئ بالمعرض جناح من القماش أسبوعين فقط، هذا البناء أنشئ ليزول بعد حين.
الحق الشيء الثابت، والدائم، والمستقر، والمستمر، والهادف والباطل الشيء المنهدم، والزائل، والعابث، لازم تعرف ما هو الحق وما هو الباطل، الباطل ليس له هدف.
حفلة انتخاب ملكة جمال، خير إن شاء الله، باطل هذه، يعني أشياء ما لها علاقة بأهداف الإنسان الكبرى، أما نريد أن نجتمع لنفهم كتاب الله، هذا منهجنا إلى طوال حياتنا، وسبب سعادتنا بعد الموت إذاً اجتماعنا حق، إذا اجتمعنا اجتماع فيه اختلاط، وفيه غيبة ونميمة هذا اجتماع باطل، هذا بعد حين ينتهي، يصير فيه عدوات، ويصير فيه أحقاد، ينتهي، إذا اجتمعنا وتدارسنا كتاب الله، هذا الاجتماع يستقر ويستمر، لذلك: " ما جلس قومٌ مجلساً ذكروا الله فيه، أو تدارسوا كتاب الله، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار "، ما في رائحة بالأرض أشد وأقسى من رائحة اللحم المتفسخ، فهذه الآية دقيقة جداً، الحق كتاب الله، وسنة رسول الله، تبني عليه زواجك يستمر، تبني عليه تجارتك تزدهر، تبني عليه علاقاتك يرفع الله لك ذكرك، تبني عليه صحتك تتمتع بصحتك إلى يوم الوفاة، " ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا "، النبي ذكر تعليمات كثيرة بالطعام، والشراب، إذا أردت الاستمرار، والرقي، كلمة حق، شيء مستمر، و يصعد، الثبات من جهة، والرقي من جهة ثانية، الشيء الثابت والهادف هو الحق والشيء الزائل، والعابث هو الباطل، فإيانا جميعاً أن نتعلق بالباطل.
﴿نَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81)﴾
لو عاش سبعين سنة في النهاية ينهار، وكل شيء مبني على أسس باطلة، مصيره الانهيار، وكل شيء مبني على أسس صحيحة، مصيره الاستمرار والدوام، الكون بالحق، لذلك منتظم ما فيه مشكلة، لأن فعل الله مباشرة، لكن نحن مخيرون، فنحن إما أن نأخذ بالحق فنستقر، ونستمر، ونرقى، ونسعد، وإما أن نأخذ بالباطل فنهوي مع الباطل.
" من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها " ـ بالباطل يعني ـ " أتلفه الله "، يعني إذا ربط مصيرك مع الحق أنت في أمنٍ، ودعةٍ، وسلامٍ، واستقرارٍ، ورقيٍ، وازدهار، وإذا ربطت مصيرك بالباطل، الباطل زائل.
في رئيس وزارة بفرنسا انتحر قبل سنة، كتبت حول انتحاره مائة مقالة، شيء بحير، من أرقى عوائل باريس، غني، له سمعة طيبة، ففي صحفي واحد وفق إلى سر انتحاره، لأنه هذا كان مؤمن بالباطل، مؤمن بمبدأ إلحادي، فبعد سبعين سنة وجد نفسه غلطان، وجد نفسه، وكل حياته، وكل طاقاته، سخرها بمبدأ ما له أساس من الصحة، في مسلم عنده مفاجأة بحياته ؟ خلال آلاف السنوات ظهرت حقيقة علمية نقضت الدين ؟ أبداً، أنت بالدين مع الحق، والحق ثابت، إذا أنت اعتنقت الإسلام، وأمنت به والتزمته، ما في عندك مفاجأة إطلاقاً أما أصحاب النظريات الموضوعة في عندهم مفاجأة قاتلة، يكتشفون بعد فوات الأوان أن مذهبهم باطل، ماله أساس من الصحة، انهار كبيت العنكبوت، هذا شيء يهز أركان الإنسان، إذا أنت اعتقدت بالحق الحق مستمر، وباقي، ومزدهر، وراقي، إذا أمنت بالباطل الباطل زائل، شوف كلمة زهوق، زهوق صيغة مبالغة اسم الفاعل، الله ما قال إن الباطل كان زاهقاً قال:
﴿كَانَ زَهُوقاً (81)﴾
يعني شديد الزهوق، مهما تعدد الباطل الباطل زاهق، ومهما كبر زاهق، صيغة مبالغة اسم الفاعل تعني الكم أو النوع، مثلاً:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾
الظلام شديد الظلم، أو متعدد الظلم، صيغة مبالغة اسم الفاعل تعني الكم أو النوع، فربنا عز وجل قال:
﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81)﴾
يعني الباطل مهما كان كبير زاهق، ومهما كان متعدد زاهق.
الحق: الشيء المستقر، والمستمر، والثابت، والمزدهر والهادف، لأنه في عوامل استقراره، وازدهاره، والباطل الشيء الزائل والعابث، لأنه في عوامل انهياره، وعوامل احتقاره، والسعيد من ربط منهجه بالحق، زواجه إسلامي، بيعه شرعي، بيته إسلامي، نزهته إسلامية، ما في اختلاط بالمقاهي، وغناء، نزهته إسلامية، أفراحه إسلامية، أتراحه إسلامية، لذلك يزدهر، الآن نحن في نعمة، إذا أردتم أن تتصل نعم الدنيا بعم الآخرة، فعليكم بطاعة الله، كونوا على الحق، والحق مستمر لأنه.
آخر كلمة: المؤمن خطه البياني صاعد، صعود مستمر والموت نقطة على هذا الخط، لو مات الإنسان صعوده مستمر، لأن الموت خلعت الثوب لترتدي أثواب، فإذا الإنسان آمن، ووفق حياته وفق منهج الله، ضبط بيته، وضبط عمله، ضبط جوارحه، أعضائه حواسه، دخله، إنفاقه، على الحق، إذا في ثبات، واستمرار، أنت في خير، تحب أن الله لا يغير عليك ؟ لا تتغير ما بغير، مزعوج من قضية غير ليغير، قلناها مرة سابقاً، إذا كنت ببحبوحة لا تغير ما بغير مزعوج غير ليغير، الحق هذا معناه الشيء الثابت والمستمر، والباطل الشيء الزائل والعابث.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.