- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (018) سورة الكهف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام، وردت في سورة الكهف، وينبغي أن نعلم علم اليقين، أن أية قصة في القرآن الكريم ليست مقصودة لذاتها، إنما هي مقصودة للقواعد التي تستنبط منها فالقصة معروفة لا تحتاج إلى تفاصيل، ولكن ماذا يمكن أن نستنبط منها ؟.
أيها الأخوة: من الثابت أن الأنبياء الكرام جاءوا بالشريعة وسيدنا موسى نبيٌ كريم من أولي العزم، وهو يمثل أمر الله التكليفي التشريعي، لكن هذا الرجل الصالح الذي هو في أرجح الأقوال نبي وهناك أدلة على ذلك، سيدنا الخضر، هذا لا يمثل الأمر التشريعي إنما يمثل الأمر التكويني.
يعني الله عز وجل له أمر، وله فعل، الأمر التشريعي أمره، أما الأمر التكويني فعله، يعني مثلاً طريق نكتب عليه لوحة حمراء فيها مستطيل أبيض، في وسطها ممنوع المرور، هذا أمر تكليفي، أما حينما نأتي بقطع إسمنتية ارتفاعها متر، وفيها حديد مسلح، نضعها على عرض الطريق، هذا أمر تكويني، هنا نهينا، أما هنا منعنا، فرق كبير بين المنع وبين النهي، فأفعاله منع، أما أوامره، العبد حر، عنده حرية اختيار، يطبق أو لا يطبق، سيدنا موسى يمثل الأمر التكليفي التشريعي، بينما الخضر يمثل الأمر التكويني، فعل الخضر أشياء على ميزان العقل غير مقبولة، إنسان ركب سفينة ضيافة، فهذا الضيف خرقها، هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ ثم تبين أن هذه السفينة سوف تصادر من قبل ملك ظالم، فلما راءها قد خرقت لن يصادرها، وهكذا أفعال الله كلها، لذلك أفعال سيدنا الخضر تلخصها آية كريمة:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
هذا الغلام قتل ! وقتله خير له ولوالديه، هذا الجدار بني بلا ثمن.
﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78)﴾
هذا العمل غير منطقي، يعني من هو المؤمن ؟ هو المستسلم لأمر الله عز وجل، بناء الجدار، تحت هذا الجدار كنز لهما.
﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾
﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82)﴾
لو دققنا في الآيات، نجد أن بعض أفعال الخضر.
﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾
﴿فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81)﴾
﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾
واحدة باجتهاد الخضر، والثانية بأمر من الله، والثالثة باجتهاد وأمر مجتمعين، نحن نريد من هذه القصة أن نستثمرها في حياتينا اليومية.
أخوانا الكرام:
كل شيء وقع أراده الله، هذا فعل الله التكويني، وفعل الله التكويني فيه أسماء الله كلها، لماذا قال الله عز وجل:
﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾
لماذا قال الله إنني أنا ؟ بضمير المتكلم المفرد، ولماذا قال ؟
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾
لماذا جاء الحديث عن الله عز وجل مرة بضمير المفرد، ومرة بضمير الجمع، العلماء قالوا حينما يتحدث ربنا عن ذاته.
﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
يستخدم ضمير المتكلم المفرد، أما حينما يتحدث عن أفعاله، يستخدم ضمير الجمع، لأن أفعاله فيها كل أسمائه، يعني كل أفعاله، فيها عدل، وفيها رحمة وفيها حكمة، وفيها لطف، وفيها رائفة، وفيها علم، وفيها من كل أسمائه.
لذلك الإنسان، كل ما تعمق بالدين، يرى أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، بس هذا، ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، يعني أنت كطبيب، أفضل شيء للإنسان معه التهاب زائدة، في عملية جراحية أن تأخذه إلى مستشفى، وأن تخدره، وأن تفتح بطنه، وأن تستأصل هذه الزائدة، هذا شيء غير محبب للإنسان، وإنسان صحيح، البنية قد تأخذه إلى نزهة، فربنا عز وجل حكيم، يعطي كل بحسب حاله، فلذلك النبي الكريم كان أديباً مع الله جل جلاله، حينما كان يدعو ويقول:
(( اللهم أنا نسألك موجبات رحمتك ))
موجبات رحمتك لأنه رحمة الله عز وجل تحتاج إلى ثمن، أدفع ثمنها وخذها.
ما من قصة في كتاب الله عز وجل تتلى إلى يوم القيامة، إلا القصد منها القواعد التي يمكن أن تستنبط منها، أما القصة وقعت وانتهت، ماذا يعنينا أنه فعل كذا وكذا، سيدنا موسى، وأن سيدنا الخضر قال له كذا وكذا، هذا قرآن كتاب هداية، نتلوه إلى يوم القيامة لكن يعنينا، أنه إذا جاءت الأمور على غير ما تحب، فقل كما قال النبي:
(( الحمد لله على كل حال ))
وإذا جاءت الأمور كما تحب، فقل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ))
والإنسان لا يبدو إيمانه إلا في مكروه القضاء، القضاء نوعان، قضاء مكره، وقضاء محبب، إذا واحد قضى الله له أن يتزوج امرأة صالحة هذا قضاء لكنه محبب، قضى له أن يجعله غنياً، قضى له أن يجعله صحيحاً، هذا قضاء محبب، القضاء المحبب لا يكشف حقيقة إيمانك، يتوافق مع الطبيعة، مع طبع الإنسان، أي قضاء يكشف حقيقة إيمانك ؟ القضاء المكروه، لهذا قال سيدنا علي كرم الله وجهه: " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين "، إيمانك الحقيقي يظهر حينما تأتي الأمور على غير ما تحب، وتبقى راضياً وصابراً، ومستسلماً، وشاكراً، إذا احب الله عبده ابتلاه، فإن صبر اجتباه، فإن شكر أقتناه.
أيها الأخوة:
لو عملتم حق العلم، أن الله عز وجل حينما يعالج إنساناً، هذا دليل أن الإنسان مطلوب، في خير، في عنده إمكانية يتوب، هذا جبر لخاطره، لما ربنا عز وجل يتابعك، حكيت كلمة غلط تابعك، أدبك، أنفقت إنفاق غير صحيح ضيق عليك، تجاوزت حدك مع إنسان ضعيف أدبك في اليوم الثاني، إذا شعرت أن الله يتابعك، فهذا دليل أن فيك خيراً وفي إمكانية تتوب، من هو الذي يجب إن يبكي على نفسه، هو الذي يهمله الله عز وجل، يعصيه ويمده، هؤلاء الذين يعصون الله ويمدهم بالقوة والصحة والمال والذكاء والجمال، هؤلاء أبغض خلق الله لله عز وجل، لأن الله سبحانه وتعالى في أحاديث صحيحة كثيرة، يخبرنا عنها النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إذا أحب الله عبده ابتلاه، إذا أحب الله عبده عجل له بالعقوبة، إذا أحب الله عبده عاتبه في منامه، إذا أحب الله عبده ضيق عليه أحياناً، أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي وتضيقي وتمرري، على أوليائي حتى يحب لقائي ))
يعني إذا أنت مسكن واحد بالبيت، وأردت أن تنقله إلى حي راقي جداً، يعني الحكمة تقتضي أن تكره في هذا البيت، لو حببت في ما عاد يطلع منه، من حكمة الله عز وجل أن الله يحب عبده المؤمن، يحب عبده لكن العبد متشبث بالدنيا، فلما الله عز وجل يكره إنسان بالدنيا دليل أن يحبه، حتى ينقل إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
في شيء ثاني، يعني كان من الممكن أن يعيش الإنسان في أعلى درجات الصحة حتى الموت، ممكن، أيام تصنع طاولة، ما تفنى يعني فيها احتياط كبير جداً، الكاسة، ما وزن هذا الكأس ؟ ما وزن هذه القطعة من الخشب ؟ ما وزن هذا المصحف ؟ لكن هذه الطاولة تتحمل مائتين كيلوا وزن، معناها فيها احتياط كبير، ما دام فيها احتياط كبير لن تتكسر، كان من الممكن، أن يكون خلق الإنسان هكذا، في احتياط كبير، لا يمرض أبدا، ولا يشيب شعره، ولا يضعف بصره، ولا ينحي ظهره، ولا تضعف قوته، لكنه لو فعل الله ذلك، لأخذنا بغتة إلا أن ضعف البصر، وانحناء الظهر، وشيب الشعر، وبعض الأمراض، هذه كلها إشارات لطيفة جدا، جداً، جداً من الله، أن يا عبدي قد اقترب اللقاء فهل أنت مستعد له، صفي علاقاتك، عليك ديون دفعتها، في حسابات، في ذمم، في أشياء، لذلك السعيد دائماً، هو الذي يعد لهذه الساعة عدتها، هي ساعة الموت النبي الكريم يقول:
(( ما رأيت يقين أشبه بالشك من الموت ))
هو يقين تجد الناس لا يعبئون به ولا يدخلونه في حساباتهم، يحلف يمين كذب، اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للبركة، يأخذ ما ليس له، يعتدي على أعراض النساء ولو بالنظر، يعتدي، هذا عدوان هذا، هذه ليست لك، إذا هي سافرة تصطفل، هي التي خرجت عن منهج الله عز وجل، فلما الإنسان يضع ساعة الموت وساعة الحساب بين عينيه، يستقيم على أمر الله.
فلذلك سيدنا الخضر، يمثل الأمر التكويني، وسيدنا موسى يمثل الأمر التشريعي، حينما كشف لهذا النبي الكريم، سيدنا موسى ما فعله الخضر، استسلم ورضي، أن أصبحت حكمة، يعني مثلاً، بالنظام الداخلي، لا يسمح النظام الداخلي، بأن ينخفض صف الطالب من الأعلى إلى الأسفل، في نجاح أو رسوب بس ما في تنزيل، بالنظام الداخلي، أحياناً المعلم، يسلك أسلوب تربوي، يهدد الطالب بإنزاله إلى الصف الأدنى، يخاف الطالب يدرس، هذا خلاف النظام بس فيه حكمة ربنا أحياناً يفقر، يغني، يعطي، يمنع، يرفع، بعز، بذل، بخوف هي كلها معالجة لهذا الإنسان، فلذلك هذه القصة ملخصها:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
أرض بقضاء الله وقدره تكن أسعد الناس، لا المال يسعد، ولا اللذائذ تسعد، لكن الذي يسعد، أن تشعر أن الله راضي عنك، لما الله عز قال للصحابة الكرام في القرآن الكريم:
﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (18)﴾
ماذا شعر هؤلاء المؤمنين ؟ لما قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10)﴾
بماذا شعر هؤلاء ؟ يعني أعظم مكسب تصله، أن تشعر أن الله راضي عنك، وأن الله يحبك.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمن ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.