- محاضرات خارجية / ٠27ندوات مختلفة - فرنسا
- /
- ندوات مختلفة - فرنسا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
الإنسان عند الله المخلوق الأول رتبة والمكرم والمكلف :
أيها الأخوة الأكارم؛ لو كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أو كان معنا ما المغزى من هذه العبارة؟ أن نفهم الإسلام كما أراد الله.
بادئ ذي بدء كلمة اقرأ التي كانت عنواناً لهذا اللقاء الطيب، هي أول كلمة في أول آية في أول سورة من القرآن الكريم، وماذا تعني كلمة اقرأ؟ تعني اطلب العلم، ذلك لأن الجماد جعله الله جسماً يشغل حيزاً، وله وزن، وله أبعادٌ ثلاثة، بينما النبات كائنٌ له وزن، ويشغل حيزاً، وله أبعادٌ ثلاثة، لكنه ينمو، الحيوان مثلهما ولكنه يتحرك، أما الإنسان فالله عز وجل جعله المخلوق الأول، والمكرم، والمكلف، أما الأول فحينما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾
فلما قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول.
أيها الأخ الكريم، أيتها الأخت الكريمة؛ لأننا من بني البشر نحن عند الله في المرتبة الأولى، سيدنا علي رضي الله عنه يقول: رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، وركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. يؤكد هذا القرآن الكريم:
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
أي خير ما برأ الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾
فالإنسان بين أن يكون فوق الملائكة، وبين أن يكون دون أحقر حيوان.
خضوع الإنسان لمنهج الله عز وجل :
لذلك أول نقطة في هذا اللقاء الطيب يجب أن نعلم علم اليقين أن الإنسان هو عند الله المخلوق الأول رتبة، والمخلوق المكرم، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
وهو المخلوق المكلف، هذه العبادات الشعائرية أما العبادة بالمفهوم الواسع فأن تخضع لمنهج الله خضوعاً تاماً، وهذا المنهج تفصيلي، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان وهو فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فلأن الإنسان مخلوق مكرم، ومخلوق أول، ومخلوق مكلف، العبادة هذه أن تخضع لمنهج الله في حلك وترحالك، في سلمك وحربك، في بيتك وفي عملك، في كل شؤونك هناك منهج تفصيلي، ولا أريد أن أثقل عليكم قد يصل إلى خمسين ألف بند، كيف تكسب المال، كيف تنفق المال، كيف تختار زوجتك، كيف تربي أولادك، كيف تعامل جيرانك، كيف تكون في حالة الرخاء، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، لذلك أنت لماذا خلقت؟ هنا حينما تطوف أرجاء العالم الغربي ترى أنهم يعيشون لحظتهم، وهدفهم الرخاء، مهما طفت في أرجاء العالم المتقدم الغني الصناعي، يعيشون لحظتهم، وهدفهم الرفاه، لكن المؤمن خلق لجنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
لذلك أيها الأخوة الكرام؛ الشيء الدقيق جداً أن تؤمن أن الإنسان خلق لجنة عرضها السموات والأرض.
الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك :
شيء آخر من هو الإنسان؟ عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، إذاً لا بد من أن أغذي عقلي، ومن أن أغذي قلبي، ومن أن أغذي جسمي، فإذا غذيت العقل والقلب والجسم معاً تفوقت، وإذا اكتفيت بواحدة تطرفت.
لذلك أول نقطة دقيقة وحقيقية وعميقة جداً أنك عند الله المخلوق الأول رتبة، والله عز وجل خلقك لا لهذه الدنيا، خلقك لجنة عرضها السموات والأرض، هذه الدنيا محدودة، والحقيقة الدقيقة أن فيها لذائذ، لكن السعادة ادخرت للمؤمن، هذه اللذائذ تحتاج إلى شروط ثلاثة مع الأسف الشديد دائماً ينقص الإنسان أحد هذه الشروط، في البدايات صحته طيبة، وقته طويل، لكن لا يوجد مال، في منتصف الحياة الصحة طيبة، وهناك مال، لكن لا يوجد وقت، بعد أن سلم العمل لأولاده صار عنده وقت وعنده مال ولكن لا يوجد صحة، فدائماً نفتقد أحد الثلاثة، لأن الدنيا ليست دار أمل دار عمل، ليست دار جزاء دار تكليف، ليست دار تشريف دار تكليف، فحينما نفهم حقيقة الدنيا نتحرك حركة صحيحة، أول نقطة الإنسان مخلوق أول، مكرم، مكلف بعبادة الله، والعبادة طاعة، خضوع، لكنها طوعية، الذي خلقنا حياتنا بيده، رزقنا بيده، من فوقنا بيده، من تحتنا بيده، الأقوياء بيده، ما أراد أن نعبده إكراهاً قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
أراد أن نأتيه محبين، أراد أن تكون العلاقة بينه وبين عباده المؤمنين عبادة حب، قال تعالى:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
الله عز وجل قادر أن يسوقنا جميعاً إلى طاعته، لكن ما أراد طاعة قسرية، أرادها طاعة طوعية، فلذلك العبادة هي طاعة لكنها طوعية وليست قسرية، ممزوجة بمحبة قلبية، فما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
هذا التعريف الدقيق فيه جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي، إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني والله لا أبالغ إذا عرفت الله.
(( ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
إن لم تقل: أنا أسعد الناس هناك مشكلة في الإيمان، لأنك مع القوي، مع الغني، مع الرحيم، مع الجميل، هل من سعادة أبلغ من أن تكون مع الله؟ الإنسان ماذا يريد من هذه الدنيا؟ يريد النوال والكمال والجمال، والنوال عند الله، والجمال عند الله، والكمال عند الله.
حرص الإنسان على سلامة و كمال و استمرار وجوده :
لذلك أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، حريص، على سطح الأرض الآن سبعة مليارت ومئتا مليون إنسان، ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامته، من يحب المرض؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ من يحب فقد حريته؟ مستحيل، لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا حريص على سلامته وعلى سعادته، يحب زوجة ترضيه، وبيتاً واسعاً، وأولاداً أبراراً، وحريص على استمرار وجوده، يتمنى الإنسان لو يعمر ألف سنة، سلامة وجودك بالاستقامة، وكمال وجودك بالإقبال على الله، واستمرار وجودك بتربية أولادك، هؤلاء الأولاد استمرار لك قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾
أكاد أقول لكم سامحوني أخوتنا الكرام أفراد الجاليات الإسلامية في بلاد الغرب والشرق البعيد، في أستراليا، وفي أمريكا، وفي أوربا، المشكلة الأولى التي تقلق أولاده، لأنك إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، قلت: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس. فلذلك الإنسان حريص على سلامته، سلامته باتباع تعليمات الصانع وهو الله عز وجل، الجهة الوحيدة الخبيرة بما يسعدك الله عز وجل، فانطلاقاً من حرصك على سلامتك، ومن حرصك على سعادتك، ومن حرصك على استمرار وجودك، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع، الدين ليس وردة تضعها أو لا تضعها، الدين هواء تستنشقه، الحاجة إلى الدين كالحاجة إلى الهواء.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
لذلك أيها الأخوة؛ لا بد من أن نقف موقفاً جاداً واقعياً، موقفاً خطيراً من هذا الدين العظيم لأنه سرّ سعادتنا، وسرّ نجاتنا، وسرّ فوزنا، وسرّ دخول الجنة، قال تعالى:
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام؛ أنت كفرد كيف تحقق سلامتك؟ قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
لأن هذا الكون حينما عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال في عالم الأزل أبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان، فلما قبِل حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول، ولأنه المخلوق الأول، قال تعالى:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
تسخير تعريف وتكريم، موقف الإنسان من تسخير التعريف أن يؤمن، وموقفه من تسخير التكريم أن يشكر، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده، وعندئذ تتوقف كل المعالجات الأرضية، طالبوني بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
تطبيق سنة النبي مأمن من عذاب الله :
الكون مسخر تسخير تكريم، وتسخير تعريف، موقفك من تسخير التعريف أن تؤمن، ومن تسخير التكريم أن تشكر، قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
فأنت كمواطن، كإنسان، كفرد، إذا آمنت و شكرت حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات، أما كأمة فقد قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي يا محمد ما دامت سنتك، منهجك، التشريع الذي جاءك من الله، قائماً في حياة أمتك لن يعذبوا، هم في مأمن من عذاب الله:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
إذاً سلامتك كفرد أن تؤمن، وأن تشكر، ولك معاملة خاصة، وسلامة الأمة كأمة أن تطبق منهج رسول الله في حياتها، فلذلك نحن في بحبوحتين بحبوحة تطبيق المنهج، وبحبوحة الاستغفار، قال تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
العقيدة هي الكلية الأولى في الدين :
أيها الأخوة الكرام؛ مرة سافرت إلى أمريكا دعاني أحد الأخوة إلى زيارة أضخم معمل سيارات، قال لي الدليل: هذه السيارة مؤلفة من ثلاثمئة ألف قطعة، أما أنا كراكب سيارة فأرى أنها غلاف معدني ومقاعد و مقود وعجلات ومحرك ووقود، أنا إذا أردت أن أضغط الدين الذي فيه مليون موضوع، مليون كتاب مؤلّف، أرى ما يلي: أولاً: الكلية الأولى في هذا الدين العقيدة، التصور، لذلك لن يقبل الله من عباده عقيدة بالتقليد، قال تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، هل تعلم أن لا إله إلا الله فيها كل شيء، أنت حينما تؤمن أنه لا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا معز إلا الله، ولا مذل إلا الله، ولا رافع إلا الله، ولا خافض إلا الله، أنت حينما ترى يد الله تعمل وحدها، حينما ترى أن الله عز وجل في السماء إله، وفي الأرض إله، أمرك بيده، رزقك بيده، أهلك بيده، أولادك بيده، من حولك بيده، الأقوياء بيده، الطغاة بيده، الصالحون بيده، لن تعبد غيره، فلذلك اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من أقام أمر الله فيما يملك كفاه الله ما لا يملك، أقم أمر الله فيما تملك، أنت ماذا تملك؟ تملك نفسك؟ أقم الإسلام في نفسك عقيدة وسلوكاً وعملاً وتذوقاً، وأقم هذا الإسلام في بيتك، وأقم هذا الإسلام في عملك، وتنتهي مهمتك، وتنتهي مسؤوليتك، أما المجتمع فأنت تسهم بشكل أو بآخر بما تستطيع في إصلاحه، أما كمسؤولية فأنت مسؤول على أن تقيم الإسلام في نفسك أولاً، وفي بيتك ثانياً، وفي عملك ثالثاً.
معاني كلمة اقرأ :
أيها الأخوة الكرام؛ اقرأ عنوان هذا اللقاء الطيب، اقرأ لها معان عديدة، أحد هذه المعاني، قراءة البحث والإيمان، وقراءة الشكر والعرفان، وقراءة الوحي والإذعان، وقراءة الطغيان والعدوان، واحدة واحدة، أما قراءة البحث والإيمان فينبغي أن تفكر أن تقرأ أي أن تطلب العلم، أن تقرأ، أن تبحث عن الحقيقة، أن تقرأ، أن تبحث عن سرّ وجودك، أن تقرأ، أن تبحث عن غاية وجودك، أن تقرأ، أن تبحث عن حقيقة الذات الإلهية والكون والحياة والآخرة، أي هناك تجاوز للهموم اليومية، نحن في مرض خطير اسمه الغرق بالجزئيات، يموت الإنسان وعنده مئة عمل لم يتمه، لكنه نسي سرّ وجوده، وغاية وجوده، لو أن أحدهم أرسل ابنه إلى الجامعة، فاهتم الطالب بمكان إقامته، اهتم بطعامه، بشرابه، برفاقه، ببعض السفرات، ونسي سرّ وجوده، يجب أن تعلم سر وجودك أنت في الدنيا من أجل أن تعبد الله، ومن أجل أن تدفع ثمن الجنة، إذاً كيف تعرف الله؟ هنا السؤال؛ ابن آدم اطلبني تجدني، إذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت أمره ولم تعرفه تفننت في معصيته.
ومضات من آيات الله في الآفاق :
لقطات من معرفة الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ﴾
في الكون، بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، وتعلمون يقيناً أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، ابنك الصغير مع آلة حاسبة، في الدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، أربع سنوات ضرب أربع، هذه المسافة بالكيلو مترات بيننا وبين أقرب نجم ملتهب، لو أردنا أن نصل إليه بمركبة وتوجهت إلى هذا النجم متى تصل؟ بعد خمسين مليون عام، خمسون مليون عام من أجل أن نقطع أربع سنوات ضوئية، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية؟ متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد مليوني سنة ضوئية؟ متى نصل إلى أحدث مجرة مكتشفة تبعد عنا ثلاثة عشر ألف مليون سنة ضوئية؟ افتح القرآن:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم، فقد جهل.
أيها الأخوة الكرام؛ بين الأرض والشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، قال تعالى:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
البروج جمع برج، والأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، وفي هذا البرج نجم صغير أحمر اللون متألق اسمه قلب العقرب، وهذا النجم يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما. هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لـمن يحب يطيع
* * *
أيها الأخوة الكرام؛ الأرض في دورتها حول الشمس تدور بمسار إهليلجي، أي بيضوي، له قطران، أصغر، وأطول، فالأرض على القطر الطويل، وهي باتجاه القطر القصير، وصلت إلى القطر الأصغر، يحكم حركة النجوم قانون الجاذبية، وهذا القانون من عوامله المسافة والكتلة، فكلما كبرت الكتلة ازداد جذب ما حولها إليها، وكلما قلّت المسافة ازداد الجذب، جَذب الأصغر إلى الأكبر، وإذا انجذبت الأرض إلى الشمس تبخرت في ثانية، لأن الحرارة في الشمس في مركزها عشرون مليون درجة، وتنتهي الحياة، ما الذي يحصل؟ يرفع الله سرعة الأرض إذا اقتربت من القطر الأصغر، يتأتى من رفع هذه السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقى على مسارها. اقرأ القرآن الكريم:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
ما الذي يبقي الأرض على مسارها دون أن تنجذب إلى الشمس؟ إذا وصلت الأرض إلى القطر الأطول المسافة طالت والجاذبية ضعفت، وهناك احتمال كبير جداً يقيني أن تتفلت من جاذبية الشمس، فإذا تفلتت من جاذبية الشمس أصبحت الحرارة مئتين وستين تحت الصفر، وانتهت الحياة، تنتهي الحياة إذا انجذبت، وتنتهي الحياة إذا تفلتت، إذاً هذا الإله العظيم بيده ملكوت السموات والأرض، قال تعالى:
﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
هو مسير، هو رب، هو خالق، أسماؤه حسنى، صفاته فضلى.
شيء آخر أيها الأخوة الكرام؛ هذا العالم الغربي اكتشف سرعة الضوء، وعدها السرعة المطلقة في الكون، ثلاثمئة ألف كيلو متر، هل تصدقون في مؤتمر الإعجاز العلمي السادس الذي عقد في موسكو طرح موضوع بثمانين صفحة، أقدم لكم منه ملامح، القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، لو وصلنا خطاً بين مركز الأرض ومركز القمر، هذا الخط هو نصف قطر الدائرة التي هي مسار القمر حول الأرض، لو ضربنا هذا الرقم باثنين، لكان القطر، لو ضربناه بالبي 3,14 لكان المحيط، ابنك الصغير بآلة حاسبة بدقائق يحسب لك كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض في شهر، ضرب اثني عشر في اثني عشر شهراً، ضرب ألف في ألف سنة، صار معك المسافة التي يقطعها القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام، لو قسمت المسافة على الزمن نحصل على السرعة، سرعة الأرض في العام تقسيم ثلاثمئة وخمسة وستين سرعة الأرض في اليوم، تقسيم أربع وعشرين سرعة الأرض في الساعة، تقسيم ستين في الدقيقة، تقسيم ستين في الثانية، إنها سرعة الضوء بالضبط – مئتان و تسعة و تسعون ألفاً و ستمئة و اثنان و خمسون- بآية واحدة نظرية أنشتاين الذي تاه بها على العالم، اكتشف السرعة المطلقة في الكون، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾
أي ما يقطعه القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام يقطعه الضوء في يوم واحد، هذه سرعة الضوء التي جاء بها أنشتاين.
أيها الأخوة الكرام؛ لذلك قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاق ﴾
ذكرت لكم أربع ومضات من آيات الله في الآفاق، قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
ومضات من آيات الله في النفس :
مثلاً من يصدق أن في الدماغ مئة وأربعين مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد حتى الآن، وعلى القشرة أربعة عشر مليار خلية قشرية، الذاكرة بمكان، والمحاكمة بمكان، والذاكرة حجمها كحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، بحوث طويلة جداً، قال تعالى:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام؛ يوجد غدة صغيرة جانب القلب لو فتحت كل كتب الطب قبل عشرين سنة يقال: هذه الغدة لا وظيفة لها، اسمها التايموس، كنت في أمريكا أطلعوني على بحث مترجم حول التايموس، تبين أنها أخطر غدة في الإنسان هذه الغدة مدرسة حربية، تدخلها الكريات البيضاء وتبقى فيها سنتين، تتعلم من هو الصديق، ومن هو العدو، ولا تتخرج إلا بامتحان، تعطى هذه الكرية الممتحنة عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب وتقتل، وإذا لم تقتله تنجح وتتخرج، ثم تمتحن مرة ثانية تعطى عنصراً عدواً فإذا لم تقتله ترسب وتقتل، وإذا قتلته تنجح وتتخرج، الخريجات هي الكريات البيضاء المثقفة التي عرفت من الصديق ومن العدو، الكرية البيضاء جندي، معه سلاح فتاك، لكنه كان جاهلاً فعلمناه، هذه التايموس مدرسة حربية، الآن الخريجون يتولون تعليم الأجيال الصاعدة، وتنتهي مهمتها وتضمر كلياً، وكأنها لم توجد، لذلك توهم الأطباء سابقاً أنها ليس لها وظيفة، وهي الآن أخطر وظيفة على الإطلاق.
أيها الأخوة الكرام؛ هذا القلب مضخة، فيه بطينان وأذينان، لكن الطفل في رحم أمه لا يوجد هواء، ونقل الدم للرئتين مستحيل، وفي الرئتين لا يوجد هواء، لا يوجد أوكسجين، لا يوجد تجديد للأوكسجين، لا يوجد طرح لغاز الفحم، إذاً الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة فتح ثقباً بين الأذينين، اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، الطفل في رحم أمه فقط بدل أن يذهب الدم إلى الدماغ ليتخلى عن غاز الفحم ويأخذ الأوكسجين، ينتقل هذا الدم من أذين إلى أذين، اكتشفه عالم فرنسي اسمه بوتال، الشيء الذي لا يصدق الطفل حينما يولد هكذا قال الأطباء تأتي جلطة وتغلق هذا الثقب، يد من؟ حكمة من؟ علم من؟ رحمة من؟ هذا الثقب لو لم يغلق الإنسان يحتاج أن يعمل عملية لابنه، عملية قلب مفتوح تكلف خمسمئة ألف، لأنها عملية معقدة جداً، طفل رضيع، وقلبه لا ينقل الأوكسجين يأخذ الأوكسجين من الرئتين.
أيها الأخوة الكرام؛ في الإنسان دقائق يصعب شرحها.
شيء آخر؛ هذا الماء ماء العين كلكم يعلم الماء يتجمد بدرجة صفر، أهل روسيا وفلندا والقطبين كيف يعيشون؟ يجب أن تتجمد مياه عيونهم، الله أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد، يد من؟ حكمة من؟ رحمة من؟
شيء آخر؛ الطبقة الأولى في العين هذه طبقة شفافة شفافية مطلقة، تغذية الأنسجة في الجسم عن طريق الشعريات، فلو غذيت هذه الطبقة الشفافة الأولى بالشعريات لرأيت ضمن شبكة، لكن الله عز وجل قال:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
الطبقة الأولى في العين تتغذى بطريقة فريدة عن طريق الحلول، فالخلية تتغذى وتأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وتدفع غذاء جارتها إلى خلية جانبها، هذه طريقة تغذية الخلايا التي تتألف منها الطبقة الأولى من العين.
شيء آخر؛ أنت في الأرض عندك عدسة – الطلاب يدرسونها بالفيزياء - ائت بعدسة و ضعها فوق ورقة من الورق مقوى تحت أشعة الشمس، وحركها لوقت ليس بقليل، حتى تحترق في مكان معين هذا المكان اسمه المحرق، فالمحرق ثابت، بين العدسة والمحرق مسافة ثابتة، أما أنت حين ترى السيارات تتحرك، والطائرة تطير، والأشخاص أمامك بمسافات متباينة، فما الذي يحصل؟ أقسم لكم بالله لو اجتمع أطباء الأرض على أن يعملوا هذا العمل لن يستطيعوا، يوجد عضلات هدبية فوق العدسة فإذا الشخص كان بعيداً تضغط هذه العضلات الجسم البلوري فيزداد احتدابه، فيأتي الخيال على الشبكية، وإذا اقترب تسحب هذا الاحتداب يكون أكثر انبساطاً فيأتي الخيال على الشبكية، هذه العملية اسمها المطابقة، اسألوا عنها أطباء العيون، أعقد عملية بالإنسان، ولا يستطيع بنو البشر مجتمعين أن يقوموا بها، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ*وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ *فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾
هذا الشعر برأس الإنسان تقريباً برأس كل إنسان ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعضلة، وعصب، وغدة دهنية، وغدة صبغية، يد من؟ ولحكمة بالغةٍ ليس في الشعر أعصاب حس، ولو كان في الشعر أعصاب حس أين ذاهب؟ لأجري عملية في المستشفى اسمها عملية الحلاقة، لكن ليس في الشعر أعصاب حس ولا في الأظافر أعصاب حس، الله جميل يحب الجمال عندما ألغى أعصاب الحس بالشعر وبالأظافر كي تقلم أظافرك وتحلق شعرك.
المرأة حينما تلد ينزل مع المولود قرصاً لحمياً، نحن نسميه بالشام الخلاص، يسمى عند الأطباء المشيمة، والله في المشيمة حقائق أقسم لكم بالله الإنسان لا يملك إلا أن يخر لله ساجداً، في هذا القرص تجتمع دورة دم الأم مع دورة دم الجنين، لو أعطينا إنساناً دماً من زمرة غير زمرته لمات فوراً بانحلال الدم، يجتمع في هذه المشيمة دم الجنين ودم الأم ولا يختلطان، ما السبب؟ بينهما غشاء سماه الأطباء الغشاء العاقل، لأنه يقوم بأعمال تعجز عنها العقلاء، هذا الغشاء يأخذ من دم الأم الأوكسجين، ويأخذ السكر، والأنسولين، ويطرحه في دم الجنين، صار في دم الجنين أوكسجين، وسكر، وأنسولين، يحترق السكر بفعل الأوكسجين عن طريق الأنسولين، تنشأ طاقة، حرارة الجنين سبع وثلاثون، الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم مناعتها، يضعها في دم الجنين، الجنين محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه.
الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم عشرات آلاف العناصر بنسب تتغير كل ساعة، وهذا العمل أيضاً يعجز عنه الأطباء، يأخذ البروتين والشحوم الثلاثية والسكريات حوالي عشرة آلاف عنصر في الدم، الغشاء العاقل يأخذ هذه العناصر من دم الأم يضعها في دم الجنين، عناصر متناسبة من نمو الطفل، مع حاجاته، وهذا أيضاً مما يعجز عنه الأطباء لذلك سمي الغشاء العاقل.
لكن عندنا في الشام حالة تصيب الأم الحامل اسمها الوحام ، تشتهي أكلات معينة، هذا الجنين لزمه بوتاس، والأم لا تأكل طعاماً فيه بوتاس تشتهي الأم أكلات أثناء الحمل فيها بوتاس، تلبية لحاجة الجنين، يد من؟ حكمة من؟ علم من؟ رحمة من؟ قدرة من؟ إنه الله.
أيها الأخوة الكرام؛ الحقيقة والله هذا شيء بسيط جداً، قال تعالى:
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
فكر بشعرك، بأوعيتك الدموية، بقلبك الذي ينبض وهو في الرحم حتى يحين الحين، والله هناك مؤتمر عقد في أمريكا، بيّن أن هناك خمسة وعشرين اختصاصاً يدرس عن القلب، فقد يسافر الطبيب لبلاد بعيدة ليأخذ اختصاصاً من خمسة وعشرين اختصاصاً بالقلب، نبض القلب، كهرباء القلب، عضلة القلب إلى آخره.
النعم التي منحها الله للإنسان :
أيها الأخوة الكرام؛ يوجد شيء آخر؛ اقرأ قراءة بحث وإيمان، اقرأ قراءة شكر وعرفان، من أين أتت؟ قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.
نعمة الإيجاد، قال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
هل مسكت كتاباً مرة وقرأت بأول صفحة متى نضد؟ إذا كان هذا الكتاب قد نضد قبل ولادتك أثناء تنضيد الكتاب أين كنت؟ ليس لك وجود إطلاقاً، أنت حادث، قال تعالى:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
إذاً الله أوجدك، لا يكفي أوجدك، أمدك، قال تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
والله ما شاهدت أماً تقبّل ابنها وتعطف عليه وتحضنه إلا دمعت عيني، هذه رحمة الله أودعها في قلب أمه، تروي بعض الكتب أن نبياً كريماً مرّ بامرأة تخبز على التنور، وقد وضعت ابنها على إحدى طرفي التنور، وكلما وضعت الرغيف في التنور ضمت هذا الصغير وشمته وقبلته، تعجب هذا النبي، قال: يا رب ما هذه الرحمة! هي رحمة الله عز وجل، الله عز وجل قال: سأنزعها، فلما نزع الرحمة من قلب الأم بكى هذا الطفل فألقته في التنور.
فنحن نتراحم برحمة الله، رحمة الأم والأب رحمة الله، أودعت في قلب أمه وأبيه وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
أيها الأخوة الكرام؛ منّ الله علينا بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، الله عز وجل قال:
﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾
وحيثما وردت على مع لفظ الجلالة معنى ذلك أن الله تكفل بذاته العلية بهذا العمل، لذلك أيها الأخوة الكرام؛ أنت افعل والله سيعينك على فعلك.
أنواع الشكر:
أيها الأخوة الكرام؛ الشكر قلبي ولساني وعملي، أرقى أنواع الشكر، قال تعالى:
﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾
أن تقابل الإحسان بالإحسان، فإذا قابلت إحسان الله بإيجادك وبإمدادك وبإرشادك إلى الهدى بالإحسان إلى خلقه، قال تعالى:
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
أركان النجاة :
الآن أيها الأخوة الكرام؛ يوجد سورة قصيرة مهمة جداً هي سورة العصر، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن، قال له:
﴿و العصر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
جواب القسم أيها الإنسان أنت خاسر لا محال، لماذا يا رب؟ قال: لأن مضي الزمن يستهلكه، قبل أن تؤمن أو لا تؤمن مضي الزمن يستهلكك، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ﴾
جواب القسم:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
سماها الإمام الشافعي: أركان النجاة، أي في اليوم ما لم تزدد من الله علماً، وتزدد طاعة وعملاً صالحاً فأنت خاسر، والمغبون من تساوى يوماه، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء: " لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً".
إذاً أيها الأخوة، أقسم الله بمطلق الزمن لهذا الإنسان الذي رأس ماله هو الزمن، فما هو الذكاء؟ ما هو التوفيق؟ ما هو النجاح؟ ما هو التفوق؟ هو أن تفعل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن، قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
الذين آمنوا بحثوا عن الحقيقة، وعملوا الصالحات تحركوا وفقها، وتواصوا بالحق دعوا إليها، وتواصوا بالصبر صبروا على معرفتها، والعمل وفقها، والدعوة إليها.
مخاطبة القلب و العقل معاً :
أيها الأخوة الكرام؛ لذلك هناك نقطة دقيقة، هذه اقرأ بالمعاني المتعددة اقرأ قراءة بحث وإيمان، اقرأ قراءة شكر وعرفان، اقرأ قراءة وحي وإذعان، هناك وحي، النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي الأخوة العلماء الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي قرآن يمشي، وما لم ير المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم قد لا يقتنعون بهذا الدين- إنسان يمشي أمامهم- القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان.
أيها الأخوة الكرام؛ لذلك القرآن خاطب العقل والقلب معاً قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾
خاطب قلبه ثم خاطب عقله، قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾
أنت إذا دعوت إلى الله خاطب القلب وخاطب العقل معاً.
سياسة الله عز وجل في معاملة عباده :
شيء آخر؛ يوجد مراحل أربع رسمها الله لنا، أرقى مرحلة هي المرحلة الأولى؛ مرحلة الهدى البياني، أنت معافى، صحيح في بيتك وأولادك، لا يوجد عندك مشكلة، سمعت درس علم، قرأت قرآناً، سمعت خطاباً، ندوة بالشاشة دينية، هذا اسمه الهدى البياني، هذا أرقى نوع أن تستجيب، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكم ﴾
ما استجاب الله عز وجل يخضعه لشيء آخر التأديب التربوي، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
هذه مرحلة ثانية لم يتب، بالهدى البياني ما استجاب، بالتأديب التربوي ما تاب، الآن الإكرام الاستدراجي، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
بالإكرام الاستدراجي وبالتأديب التربوي وبالهدى البياني لم يستجب، ما استجاب بالهدى البياني، ولا تاب بالتأديب التربوي، ولا شكر بالإكرام الاستدراجي، بقي القصم، فالبطولة أن نكون في المرحلة الأولى.
أنواع المصائب :
أيها الأخوة الكرام؛ آخر شيء أحبّ أن أقوله: مصائب الأنبياء مصائب كشف، في الأنبياء كمال يفوق حدّ التصور يظهر بالمصيبة أحياناً، مشى على قدميه إلى الطائف، ودعاهم إلى الله فبالغوا بتكذيبه، وبالسخرية منه، وأغروا صبيانهم أن ينالوا منه، و مكنه الله من أن ينتقم، جاءه ملك الجبال، و قال له :
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
هذا الموقف الكامل، هذه مصائب الأنبياء، كمؤمنين مصائبنا دفع ورفع، السرعة بطيئة يلوح لك شبح مصيبة تصلي قيام الليل، تقرأ القرآن كل يوم، تبالغ في غض البصر، هذه مصائب المؤمنين دفع ورفع، أقنعت إنساناً بالإسلام، أقنع الثاني، أقنع الثالث، دفع ورفع، أما مصائب الكفار فردع وقصم.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، واستقرار البلاد التي أنتم فيها، وهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.