وضع داكن
25-12-2024
Logo
أحاديث قدسية - الدرس : 12 - أتاني ربي في أحسن صورة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الأولى بالإنسان أن يدع تأويل الآيات التي تتعلق بالذات الإلهية :

أيها الأخوة الكرام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((أتَاني الليلةَ ربِّي تباركَ وتعالى في أحسنِ صورةٍ - قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- فَقَالَ يا مُحمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأ الأعْلَى؟ قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ. قَالَ يا مُحمَّد هلْ تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعْلَى؟ قُلْتُ نعم في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المَسْجِدِ بعدَ الصلاةِ، والمشْي عَلَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ؛ وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَارهِ، ومَنْ فعلَ ذلكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ وكَانَ منْ خَطِيئَتِهِ كَيومِ ولدتْهُ أمُّه، وقَالَ: يا مُحمَّدُ إذا صلَّيتَ فقلْ: اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المسَاكينِ، وإذا أردتَ بعبادكَ فتْنَةً فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ قَالَ والدَّرجَاتُ إفشَاءُ السَّلامِ وإطعامُ الطعامِ والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

أول ملاحظة أيها الأخوة أن بعض الآيات ولا تزيد عن أصابع اليد، وبعض الأحاديث ولا تزيد عن أصابع اليد، فيها حديث عن الذات الإلهية، والأولى وهذا مذهب السلف الصالح أن ندع تأويل هذه الآيات التي لا تزيد عن أصابع اليد، كيف ؟

﴿ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾

[ سورة الحديد : 54]

كيف ؟

﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾

[ سورة الفجر: 22]

كيف ؟

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة الفتح: 10 ]

((أتَاني الليلةَ ربِّي تباركَ وتعالى في أحسنِ صورةٍ - قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

استحالة رؤية الله عز وجل في الدنيا :

إنكم ترون ربكم يوم القيامة، نحن في الدنيا لا نرى الله عز وجل، لا نحتمل رؤية الله.

﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأعراف: 143 ]

إذاً مستحيل وألف ألف مستحيل أن نرى ربنا في الدنيا، هنا في المنام في أحسن صورة:

((... قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- فَقَالَ يا مُحمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأ الأعْلَى؟ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

هذا كناية عن أن النبي عليه الصلاة والسلام علمه شديد القوى.

 

كل ما ينطق به النبي عليه الصلاة والسلام وحي من الله تعالى :

كل منا يفتخر بأستاذه، يقول لك فلان: أنا خريج الجامعة الفلانية، وأنا أستاذي فلان، وعلمني فلان، وأجازني فلان، وتتلمذت على يد فلان، فإذا كان علماء الأرض يفخرون بأساتذتهم من بني البشر فالنبي صلى الله عليه وسلم لحكمة بالغة بالغة بالغة جعله الله أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ليكون وعاؤه ممتلئاً من الوحيين فقط.

﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 48 ]

فكل ما ينطق به النبي عليه الصلاة والسلام وحي من الله.

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

[ سورة النجم: 3-4 ]

إيمان النبي بالآخرة إيمان شهودي وإيماننا نحن إيمان تصديقي :

لو افترضنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل أن تأتيه البعثة أتيح له أن يدرس في مراكز العلم في عصره- كان هناك مراكز علمية، في الصين، وفي بلاد فارس، وفي بلاد الروم- واستوعب ثقافة عصره، ثم جاءه الوحي بهذه الرسالة العظيمة، الآن سيتكلم، ما من كلمة ينطق بها إلا ويسأل هذه من عندك ومن ثقافتك أم من الوحي؟ فلئلا تختلط الأمور فرغ وعاء النبي عليه الصلاة والسلام من كل ثقافة أرضية، وامتلأ بوحي السماء، فشرح هذا الحديث قالوا: حينما وضع رب العزة يده، ونحن ندع تأويل هذا الحديث لله عز وجل، لكن يستنبط أن الله سبحانه وتعالى أطلعه على ما كان وما يكون وما سيكون، لذلك فيما أعلم أن من بني البشر واحداً هو رسول الله رأى الجنة والنار رأي العين، نحن جميعاً مؤمنون بالجنة إيماناً إخبارياً، أخبرنا الله عنها، أو إيماناً سمعياً، لكن النبي عليه الصلاة والسلام وحده رأى أهل الجنة وهم بالجنة يتمتعون، وأهل النار وهم في النار يتعذبون، فلذلك هو شاهد على ما سيكون، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾

[ سورة النجم: 10]

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾

[ سورة النجم: 17-18 ]

فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام أطلعه الله على ما كان، وعلى ما يكون، وعلى ما سيكون، فهو إيمانه بالآخرة إيمان شهودي، بينما نحن إيماننا بالآخرة إيمان تصديقي، وفرق كبير بين الإيمان الشهودي والتصديقي.

 

فعل الخيرات سرّ وجود الإنسان في الدنيا :

لذلك قال:

((لو تعلمون ما أعلمُ لضَحِكتم قليلاً، ولبَكَيْتمْ كثيراً ))

[متفق عليه عن أنس بن مالك]

لو علمتم ما أنتم عليه بعد الموت ما أكلتم طعاماً عن شهوة، ولا دخلتم بيوتكم تستظلون بها، ولا نمتم على فرشكم، ولبكيتم على أنفسكم، ولما سأله بعد أن علمه:

((...قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

أي بهذه الطريقة علمه الله ملكوت السموات والأرض:

((فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ. قَالَ: يا مُحمَّد هلْ تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعْلَى ؟ قُلْتُ نعم في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المَسْجِدِ بعدَ الصلاةِ، والمشْي عَلَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ ؛ وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَارهِ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

أي أن تطلب العلم وأن تعمل به، وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَاره، أن تتقن العبادات، أن تطلب العلم في المسجد، وأن تكون مع الجماعة في العمل الصالح، وأن تتقن العبادات " ومَنْ فعلَ ذلكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ وكَانَ منْ خَطِيئَتِهِ كَيومِ ولدتْهُ أمُّهُ" هنا مضبوطة بالشكل كيومِ، لكن إذا جاء بعد يوم فعل مبني تبنى على الفتح " كَيومَ ولدتْهُ أمُّهُ، وقَالَ يا مُحمَّدُ إذا صلَّيتَ فقلْ: اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ" لأن فعل الخيرات سرّ وجودك في الدنيا، أنت في الدنيا من أجل أن تدفع ثمن الجنة، وثمن الجنة فعل الخيرات وتركَ المنكراتِ، هناك معنى دقيق هناك من يفعل الخيرات ولا يستطيع ترك المنكرات، هذا خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عسى الله أن يتوب عليه:

((.. فِعْلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المسَاكينِ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

حب المساكين أيها الأخوة له معنى عميق جداً.

 

خيارات القوي و الغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى :

ثم قال عليه الصلاة والسلام:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خَيْرٌ))

[ مسلم و ابن ماجه و أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بجرة قلم يلغي منكراً، بجرة قلم يشيع معروفاً، أما إذا كان طريق القوة محفوفاً بالمعاصي والآثام فأن تبقى مسكيناً وسام شرف لك، ينبغي أن تكون قوياً، إذا كانت وسائل القوة وفق منهج الله، أما إذا كانت وسائل القوة مبنية على معصية الله فمرحباً بالضعف فهو وسام شرف، وينبغي أن تكون غنياً لأن خيارات الغني لا تعد ولا تحصى، يستطيع أن يمسح دموع البائسين، يستطيع أن يمنح الأسر من عطائه الجزيل، يستطيع أن يكون في قلوب المساكين، أما إذا كان طريق الغنى عن طريق الربا، وعن طريق الكذب، والغش، والتدليس، وبيع بضاعة محرمة، وإفساد الناس، فمرحباً بالفقر، فهو وسام شرف للمؤمن:

((...إذا صلَّيتَ فقلْ اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ،وتركَ المنكراتِ، وحبَّ المسَاكينِ، وإذا أردتَ بعبادكَ فتْنَةً فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يعيش طائعاً ثم يفتن فيموت عاصياً :

أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يعيش طائعاً ثم يفتن فيموت عاصياً، يروى -قصة رمزية - أن أحد المؤذنين كان يؤذن في المئذنة قديماً، رأى امرأة حسناء فأعجبته، ليست مسلمة، فبحث عنها، فاشترطت عليه أن يرتد عن دينه حتى يتزوجها، فقبل، فوقع ميتاً بعد أن قبل، ارتد عن دينه ولم يتزوج المرأة.
أصعب شيء أن يفتن الإنسان في آخر عمره، أن يمضي حياته طائعاً ثم يفتن، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يدعو ويقول:

((... فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

إطعام الطعام أفضل ما في الإسلام :

من أجل أن ترتقي في درجات الجنة:

((...قَالَ: والدَّرجَاتُ إفشَاءُ السَّلامِ، وإطعامُ الطعامِ، والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

وإطعام الطعام كما ورد في بعض الأحاديث أفضل ما في الإسلام، لأنه يؤلف القلوب، ويقرب الأباعد.

 

على الإنسان أن يتقن العبادات كلها :

الصّلاَةُ باللّيْلِ والنّاسِ ونيَامٌ ، نعيد الحديث:

((أتَاني الليلةَ ربِّي تباركَ وتعالى في أحسنِ صورةٍ - قَالَ أحسِبُهُ قَالَ في المنامِ- فَقَالَ يا مُحمَّدُ هل تدري فيمَ يختصمُ الملأ الأعْلَى ؟ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فوضَعَ يدَهُ بيَن كَتِفَيَّ حتَّى وجدْتُ بَردَهَا بيَن ثديَيَّ أَوْ قَالَ في نَحْري فعلمتُ ما في السَّمَاوات وما في الأَرْضِ. قَالَ يا مُحمَّد هلْ تدري فيمَ يختصمُ الملأُ الأعْلَى ؟ قُلْتُ نعم في الكفَّاراتِ، والكفَّاراتُ المُكْثُ في المَسْجِدِ بعدَ الصلاةِ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

أي أن تحب المسجد، أن تحب أن تصلي بالمسجد، وأن تحب أن تتلقى العلم بالمسجد -والمشْي عَلَى الأقدامِ إلى الجماعاتِ- إما العبادات الجماعية، وإما الأعمال الجماعية:

((وإسْبَاغُ الوضوءِ في المكَارهِ...))

[لترمذي عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما]

أي إتقان العبادات:

((... ومَنْ فعلَ ذلكَ عاشَ بخيرٍ وماتَ بخيرٍ وكَانَ منْ خَطِيئَتِهِ كَيومِ ولدتْهُ أمُّه ُ، وقَالَ يا مُحمَّدُ إذا صلَّيتَ فقلْ اللَّهمَّ إنّي أسَألُكَ فِعْلَ الخيراتِ وتركَ المنكراتِ وحبَّ المسَاكينِ، وإذا أردتَ بعبادكَ فتْنَةً فاقبضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ قَالَ والدَّرجَاتُ إفشَاءُ السَّلامِ وإطعامُ الطعامِ والصلاةُ بالليلِ والناسُ نيامٌ))

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور