- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠7أحاديث قدسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
التضامن الاجتماعي :
أيها الأخوة الكرام، صلة الرحم من أهم الطاعات، بل لعل النظام الإسلامي من أبرز معالمه التضامن الاجتماعي، ولعل هذا التضامن الاجتماعي أساسه النسب والمكان، فالمكان جاءت أحاديث حقوق الجار، والجار له حق لا يصدق.
((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))
والبند الثاني في التضامن الاجتماعي صلة الرحم، فأنت لك قرابة ولك جوار، ولابد من أن يكون كل إنسان مشمولاً بجوار أو بقرابة، وكأن نظام القرابة ونظام الجوار غطى كل المجتمع، والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، ولحكم بالغة بالغة شاء الله أن يكون هناك فقر وغنى، وضعف وقوة، ومرض وصحة، فتوزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، إذاً قد تجد جاراً فقيراً وجاره غني، وقد تجد جاراً ضعيفاً وجاره قوي، وقد تجد جاراً مريضاً وجاره صحيح، الحظوظ موزعة، والناس يسكنون إلى جنب بعضهم بعضاً، للجار حق وللأقرباء كذلك، قد تجد رجلاً في أسرة موسراً، وقد تجد أخاه فقيراً، فلأن الحظوظ متفاوتة فجعل الله عز وجل الضمان الاجتماعي، الذي يكشف حقيقة الإنسان، وحقيقة إيمانه، وحقيقة رحمته، وحقيقة عمله الصالح، وحقيقة امتحانه، جعل الضمان الاجتماعي على أساس الأرض، وعلى أساس النسب.
صلة الرحم :
الحديث اليوم عن صلة الرحم، لكن أيها الأخوة هذه الطاعات العظيمة، هذه الطاعات الكبرى أحياناً تفرغ من مضمونها، كيف؟ مسخت صلة الرحم عند المسلمين إلى زيارة جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، في العيد أو في العيدين، وحينما يكون الذي يطوف على بيوت أقربائه مضغوطاً أو مشغولاً ويضع قائمة، يتمنى عند كل بيت يطرقه ألا يجده، وأن يضع بطاقة رفعاً للحرج، وحفظاً لماء الوجه، هذه العبادة وهذه الطاعة مسخت إلى زيارة جوفاء لا تقدم ولا تؤخر
الحقيقة أن صلة الرحم تبدأ بالزيارة، ويتبع هذه الزيارة تفقد الأحوال، لك أخوة، لك أخوات، لك أخت متزوجة، لك ابن عم فقير، لك ابن خالة مريض، لك ابن أخت يعاني من أولاده، الزيارة هي البدء، ثم التفقد، تفقد الأوضاع الاجتماعية، تفقد الأوضاع المعيشية، تفقد الأوضاع الدينية، زرت أخاك رأيت ابنته متفلتة ينبغي أن تنصحها، ولعلك تبدأ بإكرامها، وتبدأ بتقديم هدية لها، ولعلك تدعوها إلى بيتك وتنصحها، فإذا تحجبت فقد وصلت رحمك، صلة الرحم لا تعني أن تزور زيارة جوفاء تتحدث عن الأخبار التي سمعتها في الجزيرة، وعن الأسعار، وما إلى ذلك، صلة الرحم تعني أن تزور أهلك.
وقد سئلت اليوم من هم الأقرباء الذين ينبغي أن نصلهم؟ قلت: أقرباء الأم والأب معاً، هذه كلمة شمولية، تزور أولاً، تتفقد الأوضاع المعيشية، تتفقد الأوضاع الدينية، تتفقد الأوضاع الاجتماعية، هذه الفتاة لم تتزوج، ينبغي أن تسعى لتزوجيها، فما من شفاعة أعظم عند الله من أن تشفع بين اثنين في نكاح.
ورد في الأثر أنه: "من مشى في تزويج رجل بامرأة كان له في كل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها، عبادة سنة قام ليلها وصام نهارها".
تفقد الأوضاع الاجتماعية، والأوضاع المعيشية، والأوضاع الدينية، فإذا أخذت بيد هؤلاء إلى الله ورسوله، إلى طاعة الله ورسوله، تكون قد وصلت رحمك، وأذكر أن أكثر من ثلاثين حديثاً صحيحاً تؤكد صلة الرحم.
صلة الرحم من أعظم الأعمال :
مادام الدرس اليوم في الأحاديث القدسية فهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري:
((خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ ...))
الرحم يعني الأقرباء، علاقات القرابة جسدت.
((فَقَالَ: مَهْ ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ " ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ سورة محمد "آية 22"))
أي صلة الرحم من أعظم الأعمال، ذلك أن رحمك من لهم غيرك؟ أما بقية الناس فأنت لهم وغيرك لهم.
الإنسان حينما يعلو بماله أو بعلمه وينسى أقرباءه و أهله فهذا جاحد كبير :
لما فتح النبي مكة المكرمة الفتح العظيم، وعفا عن أهلها لأنهم رحمه، وعفا عن أبي سفيان الذي قاد حروباً ثلاثاً ضده، قال أبو سفيان: ما أعقلك! وما أرحمك! وما أحكمك! وما أوصلك!.
الإنسان أحياناً يعلو فينسى أقرباءه، قال لي أحدهم: أعلنت إفلاسي، تاجر أعلن إفلاسه، له أخ من أم وأب، أخ شقيق، تزيد أمواله عن مئتي مليون لم يقدم له ولا ليرة، فالإنسان حينما يعلو بماله، أو يعلو بعلمه، أو يعلو بمنصبه، وينسى أقرباءه، وينسى أهله فهذا جحود كبير، الحقيقة صياغة الحديث مؤثرة فيها تجسيد:
((خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخَلْقَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ ...))
الرحم يعني معنى اعتباري مجازي كيف قال الله عز وجل:
﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾
هذه استعارة، أي الرحم أعطيت هنا صفة الإنسان، قامت وتمسكت بحقو الرحمن - و الحقو موضع عقد الإزار وشده -، باللغة الدارجة إذا إنسان مستجير يقول له: يدي بزنارك، بالضبط، طبعاً على معنى يليق بكمال الله، قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه.
ألم نقل الرحم أخذت دور الإنسان؟
((فَقَالَ: مَهْ ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ: أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ: فَذَلِكَ لَكِ " ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ سورة محمد آية 22))
صلة الرحم زيارة وبذل وإرشاد ومعونة وتوجيه وإكرام :
لذلك جزء من الدين أن تصل رحمك، هل تصدق أن أختاً قد لا يزورها أخوها في السنوات مرة، تذكر ما أقول لك، أنت حينما تزور أختك تنعشها، وتفرحها، وتسعدها، وتشعر بعزة أمام زوجها، ليست مقطوعة لها أهل، أن تزور أختك، أو أخاك، أو بنت أخيك، أو بنت أختك في مناسبات متقاربة، وأن تسألها عن أحوالها، وعن صحتها، وعن أولادها، وعن أعمال أولادها، وعن زوجها، وأن تقدم لها مساعدة.
أنا أذكر الآن قصة أخ كريم زار أخته فرأى شجاراً بينها وبين زوجها حول مبلغ تفرضه عليه ككسوة ومصروف لبناتها،- القصة قديمة - طلبت منه من راتبه ثلاثمئة ليرة، والزوج يبدو أن راتبه محدود فرفض هذا الطلب، ونشب صراع بينهما، فدخل على أخته وهما في هذا الحالة، فأشفق عليها وأشفق على زوجها، زوجها دخله محدود، وهي بحاجة ماسة إلى حد أدنى من تغطية حاجات بناتها، فقال لها: يا أختي هذا المبلغ خذيه مني كل شهر، أقسم لي بالله أنه كان يرسل لها هذا المبلغ في اليوم الأول من كل شهر لمدة ستة أشهر، ثم التقى بها مرة قالت له: لو تجعل لنا درساً دينياً، رحب بهذه الفكرة، قال لي أنا لست مدرساً دينياً، أنا مهندس، قال لي: بدأت أحضر الدرس، أحضر آية، حديثاً، قصة، قضية فقهية، يحضر الدرس جيداً، طبعاً الدرس لأخواته كلهن، وبنات أخواته كلهن، قال لي: استمر هذا الدرس أكثر من سنتين، محصلة هذا الدرس أن كل بنات أخواته تحجبن، وزوج معظمهن.
هذه صلة الرحم؛ زيارة، وبذل، وعطاء، وإرشاد، ومعونة، وتوجيه، وإكرام، إذا وصلت الرحم وصلك الله، وإذا قطعت الرحم قطعك الله، وأبو سفيان تأثر أشد التأثر فقال: يا محمد ما أكرمك! وما أرحمك! وما أوصلك! وما أعقلك! أما أن تشاهد في المحاكم دعاوى بين الأخوة والأخوات، وبين الآباء والأمهات، وبين القرابات فهذا وصمة عار في حق المسلمين.
أنا والفضل لله عز وجل من أول هذه الدعوة ما وافقت أن تقام دعوى بين قريبين، أبداً، القرابة مقدسة جداً، لا ينبغي أن يدخل أخوان إلى المحكمة.
درء المفاسد مقدم على جلب المنافع :
وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(( قال الله: أنا اللهُ وأنا الرَّحمَنُ خَلَقتُ الرَّحِمِ وشَقَقتُ لها من اسمِي فمنْ وصَلَها وصلتهُ ومن قَطَعَها بتتَّهُ))
ينبغي أن تعد صلة الرحم جزءاً من دينك، قد تقول: أنا مشغول، هذا ليس عذراً ينبغي أن تقتطع من وقتك وقتاً لزيارة أقربائك، إلا في حالات أنا أذكرها لكم: لو أن لك أقارب متفلتين، يسخرون من الدين، لا يصلون، لا يلتزمون، دخلت إليهم أو دخلت عليهم فبرزت الفتيات بأبهى زينة، يتضاحكن أمامك، ويكشفن عن مفاتنهن، ويسخرن من تدينك، هذه ليست صلة رحم، دع خيراً عليه الشر يربو، يمكن أن تكون الصلة مع هذه الأسرة عن طريق الهاتف، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
إن كان هؤلاء الذين تزورهم لا يحترمون دينك، ولا قيمك، ولا منهجك في الحياة، ينبغي أن تقاطعهم إشعاراً لهم أنهم متفلتون، لكن لك أن تزورهم من موسم إلى موسم زيارة عابرة، ولو أن تطرق بابهم، وأن تسألهم عن أحوالهم، أو عن طريق الهاتف، فالأسر المتفلتة التي تسخر من المؤمن هذه ينبغي أن تؤدب.
رمضان شهر الإنفاق و صلة الرحم و الأعمال الصالحة :
أيها الأخوة، هذا الشهر شهر الأعمال الصالحة، وكأن هذا الشهر شهر الإنفاق وشهر صلة الرحم، لكن الذي يحصل - نعوذ بالله مما يحصل - رمضان موسم لقاءات، لقاءات مختلطة، وحديث لا يرضي الله، ومتابعة مسلسلات، وهذا أفضل ألف مرة من الخيمات الرمضانية التي تبدأ بصلاة التراويح وتنتهي بالرقص، وكل هذا من أجل شهر رمضان، هذا النوع من زيارات الأقارب لا علاقة له بهذا الدرس إطلاقاً، صلة الرحم أن تنهض لتفقد أهلك، والقوي يجب أن يأخذ بيد الضعيف، والغني يجب أن يأخذ بيد الفقير، والعالم يجب لأن يأخذ بيد الجاهل، وعندي والله أمثلة أنا أعتز بها؛ أحد أخواننا من الميسورين أسس مؤسسة تجارية لآل أسرته، لا يدع شاباً من دون عمل إلا ووظفه في هذه المؤسسة، ولا يدع شاباً مقصراً في دينه إلا سخر له من يرده إلى الدين، ولا يدع شاباً من دون زواج إلا وزوجه، مؤسسة آل هذه الأسرة يقدمون من أموالهم دعماً لهذه المؤسسة، هذه المؤسسة تجارية، أولاً: توفر فرص عمل لكل شباب الأسرة، ثم هناك جلسات دينية، وهناك جلسات توجيهية، والله أنا حينما سمعت تفاصيل هذا المشروع أعجبت، قلت: ليت كل أسرة تقيم مثل هذا المشروع، كل أسرة فيها أغنياء وفقراء، لو هؤلاء الأسر اجتمعوا على توفير حاجات الفقراء، وتعليم الشباب، وتأهيل الذين ليسوا مؤهلين للعمل، والبحث عن فرص عمل، وتزويج هؤلاء الشباب، هذا من أعظم الأعمال.
أيها الأخوة الكرام، في الحديث الصحيح أن الذي يؤدي زكاة ماله لأقربائه المحاويج تكتب عند الله بأجرين، بأجر الزكاة، وأجر الصلة، صدقة وصلة.
أخ كريم رجاني أن أروي هذه القصة، وهو عندي والله من الصادقين، له ابن عم لا يعرف شكله، هكذا، نمط الأسرة فيها تباعد، حينما حضر مجالس العلم قال: ينبغي أن أزوره في العيد، فزاره ولا يعرفه، قال له: أنا ابن عمك، رجل كريم رحّب به ترحيباًَ عالياً، وبعد حين اتصل به و قال له: لك علينا حق أن نزورك، فكان هناك موعد، فوجئوا أن بيته تحت الأرض، وفيه رطوبة عالية جداً، ومعظم أولاده معهم التهاب مفاصل، ومعهم أمراض، فهذا القريب قال له: لا يمكن لهذا أن يستمر، ابحث عن بيت بمليوني ليرة، قال لي: والله بعد ستة أشهر أسكن الآن ببيت، طابق ثالث، جنوبي، أقسم بالله حينما زار ابن عمه لا يقصد أبداً أن يعطيه شيئاً، لكن هذا ابن العم ميسوراً وهو يساعد الغرباء وابن عمه أولى، فهيأ له هذا البيت، هكذا ينبغي أن نكون.
حينما نتعاون يحبنا الله جميعاً، ولعله ينصرنا، أما حينما يظلم بعضنا بعضاً فقد لا نستحق نصر الله عز وجل، لما قال ابن رواحه لليهود: "جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض عندي من القردة والخنازير ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالت اليهود: بهذا قامت السموات والأرض وبهذا غلبتمونا"، وهذا معنى قول بعض العلماء: إن الله ينصر الأمة العادلة الكافرة على الأمة المسلمة الظالمة.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الحديث القدسي باعثاً لنا على تجسيد الطاعة العظيمة، وهذا موسمها.