- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
- /
- ٠2سيرة
ـ وهل في أمة الإسلام أحد لا يعرف أبا هريرة ؟.
أسلم أبو هريرة وظل في أرض قومه (دَوْس) إلى ما بعد الهجرة بست سنين، حيث جاء مع وفد من قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة.
ـ وقد انقطع أبو هريرة لخدمة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وأحبه حباً خالط لحمه ودمه.
وكان يقول: ما رأيت شيئاً أملح ولا أصبح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حتى لكأن الشمس تجري في وجهه.. وكما أولع أبو هريرة برسول الله، فقد أولع بالعلم وجعله غاية ما يتمناه.. وكما أحب أبو هريرة العلم لنفسه، أحبه لغيره، من ذلك: مرَّ ذات يوم بسوق المدنية، فهاله انشغال الناس بالدنيا، واستغراقهم بالبيع والشراء، فوقف عليهم وقال: ما أعجزكم يا أهل المدينة..
فقالوا: وما رأيت من عجزنا يا أبا هريرة ؟.. فقال: ميراث رسول الله يقسم وأنتم هنا. ألا تذهبون وتأخذون نصيبكم ؟، قالوا: وأين هو يا أبا هريرة ؟ قال: في المسجد. فخرجوا سراعاً، ووقف لهم أبو هريرة حتى رجعوا، فلما رأوه قالوا: يا أبا هريرة لقد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر شيئاً يُقسَّم.
فقال لهم: ويحكم أما رأيتم في المسجد أحداً ؟. قالوا: بلى رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون في الحلال والحرام.
فقال: ويحكم ذلك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.
ـ وقد عانى أبو هريرة بسبب انصرافه للعلم، وانقطاعه لمجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يعانه أحد من الجوع وخشونة العيش.
ـ لم يمض زمن طويل على ذلك حتى فاضت الخيرات على المسلمين وتدفقت عليهم غنائم الفتح؛ فصار لأبي هريرة مال، ومنزل، ومتاع وزوج وولد.
غير أن ذلك كله لم يُغيِّر من نفسه الكريمة شيئاً، ولم ينسه أيامه الخالية ؛ فكثيراً ما كان يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لامرأة وكنت أخدم القوم إذا نزلوا، فزوجنيها الله.
ـ وقد جمع أبو هريرة إلى وفرة علمه وسماحة نفسه التقى والورع ؛ فكان يصوم النهار، ويقوم ثلث الليل، ثم يوقظ زوجته فتقوم ثلثه الثاني، ثم توقظ هذه ابنتها فتقوم ثلثه الأخير.. فكانت العبادة لا تقطع في بيته طوال الليل.
ـ وكانت ابنته تقول له: يا أبت إن البنات يعيرنني ؛ فيقلن: لم لا يحليك أبوك بالذهب ؟.
فيقول: يا بُنية قولي لهنَّ: إن أبي يخشى عليَّ حر اللهب.
ـ ولما مرض أبو هريرة مرض الموت بكى...
فقيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة ؟.
فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ؛ ولكنني أبكي على بعد السفر، وقلة الزاد، لقد وقفت في نهاية طريق ينتهي بي إلى الجنة أو النار، ولا أدري في أيهما أكون.
ثم قال: اللهم إني أحب لقاءك، فأحبب لقائي، وعجل لي فيه.
رحم الله أبا هريرة ؛ فقد حفظ للمسلمين الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.