وضع داكن
27-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 013 أ - اسم الله المحسن 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 

  من أسماء الله الحسنى المحسن:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم المحسن، وقد ورد هذا الاسم في السنة النبوية دالاً على كمال الوصفيّة مراداً به العلمية،

(( فقد ورد عند الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله على وسلم قال: إذا حكَمْتُم فاعدِلوا، وإذا قتَلْتُم فأحسِنوا، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ مُحسِنٌ يُحِبُّ الإحسانَ. ))

[ المعجم الأوسط: خلاصة حكم المحدث: لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا عمران القطان تفرد به محمد بن بلال ]

التعذيب ممنوع، لو رأيت عقرباً يجب أن تقتله بضربة واحدة، أما أن تتفنن في تعذيبه هذا مناقض لمنهج الله عز وجل،

(( وقد ورد من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ. ))

[ صحيح مسلم ]

 

صورة نبوية لسيدنا إبراهيم في الإحسان إلى الضيف:


أيها الإخوة؛ قضية الإحسان أن يأتي فعلك كاملاً، لو أنك دعوت إنساناً إلى طعام،  علّمنا القرآن آداب الدعوة، فقال عز وجل:

﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)﴾

[ سورة الذاريات ]

سيدنا إبراهيم، معنى راغ أي انسلّ خفية، لم يستأذن الضيف بإحضار الطعام،  الضيف يستحي، لو عرضت عليه أن تأتيه بالطعام لتعفف، يقول لك: لست جائعاً، لذلك من كمال أدب الضيافة ألا تستأذن الضيف في إحضار الطعام: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ أي انسلّ خُفية.

﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)﴾

[ سورة هود ]

لم يكن إحضار الطعام متأخراً، جاء الطعام سريعاً، وهذا من كمال الدعوة، وجاء بطعام نفيس: ﴿فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ أي طيب، الآن:

﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)﴾

[ سورة الذاريات ]

أحياناً يكون طبق الطعام بعيداً عن الضيف، يستحي أن يتمطّى ليصل إليه، يجب أن تُقرب له الطعام، وهناك إنسان أحياناً يضع الطعام أمام الضيف، أو يضع الفاكهة أمام الضيف، ولا يدعوه إلى تناول الطعام، حديث ممتع، أو حديث خطير، فالطعام أمامه، أو الفاكهة أمامه، ولا يقول له: تفضل، والضيف يستحي أن يمُدّ يده قبل أن يُدعى، ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ ، ﴿فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ ، ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ أي كمال الإحسان في الدعوة ألا تستأذن الضيف، وأن يأتي الطعام سريعاً، وأن يكون الطعام طيباً، وأن يُقَرب الطعام إلى الضيف، وأن يُدعى إلى تناول الطعام.
 

الله عز وجل أحسن كل شيء خَلَقه:


كلمة إحسان واسعة جداً، الله عز وجل قال:

﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)﴾

[ سورة السجدة ]

أي جعل لك عينين، لولا العينان لما أدركت البعد الثالث، أنت بعين واحدة ترى بعدين سطحيين، لكنك بالعين الثانية ترى البعد الثالث، ترى العمق، وجعل لك أذنين، وبأذن واحدة يصل الصوت إليك، لكن بالأذنين تعرف جهة الصوت، وجعل العين في محجر لتكون في حرز حريز، جعل الدماغ في صندوق عظمي في الجمجمة، جعل النخاع الشوكي في العمود الفقري، جعل القلب في القفص الصدري، جعل أخطر معمل معامل كريات الدم الحمراء في نقيِ العظام، جعل الرحم في عظم الحوض، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
الشَّعر؛ جعل لكل شعرة وريداً، وشرياناً، وعصباً، وعضلة، وغدة صبغية، وغدة دهنية، وليس في الشعر أعصاب حس، من أجل أن تُهذب شعرك من دون مستشفى، ولولا أن الشعر خالٍ من أعصاب الحس لاضطر الإنسان إن أراد أن يُهَذب شعره إلى تخدير شامل في المستشفى، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
قرنية العين جعلها شفافة، إذاً لابدّ من أن تُغذى قرنية العين بطريقة فريدة، لا عن طريق الأوعية، بل عن طريق الحلول، من أجل أن تكون الرؤية شفافة شفافية مطلقة، أودع في العين مادة مضادة للتجمد، لو أن ماء العين كان صاحبه في مكان الحرارة دون الصفر لفقد بصره، أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد، أعظم آلة تصوير احترافية رقمية يوجد بالمليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، أما في شبكية العين بالمليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
الله محسن، من أجل أن تفرق بين ثمانية ملايين لون، ولو درّجت اللون الواحد إلى ثمانمئة ألف درجة لكشفت العين السليمة الفرق بين درجتين: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم، قد يحتاج الإنسان إلى متر مكعب من الوقود السائل طوال الشتاء، أما القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم بلا كلل وبلا ملل، الحديث عن الجسم لا ينتهي، المعدة، الأمعاء الدقيقة، الكليتان، جهاز التصفية، العضلات الملساء والمخططة، والإرادية واللاإرادية، والأوعية، الشرايين عميقة، والأوردة سطحية، لو عُكِست الآية وجُرح الإنسان لخسر دمه كله، الشريان ذهاب الدم إلى الجسم، يوجد نبض، حدثني طبيب جراح قُطِع معه في أثناء عمل جراحي شريان، أقسم لي أن الدم وصل إلى سقف الغرفة من الضغط، فالأوعية خارجية، أما الشرايين عميقة، لو دققت في خلق الإنسان لوجدت العجب العجاب، أي أنت حتى في الحواس الخمس.

﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾

[ سورة القمر ]

كأس الماء لو رأيت ما فيه من بكتريات لما شربته، جعل للبصر عتبة لا ترى أكثر مما ينبغي أن تراه، ولا تسمع أكثر مما ينبغي أن تسمعه، ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ لذلك كلمة مُحسن تعني أنه مُحسن في خَلقه، مُحسن في التصميم، مُحسن في الأجهزة، مُحسن في الحواس، مُحسن في قِوام الإنسان، هذا المفصل داخلي، أما الركبة خارجي، تصور العكس، تصور لو لم يكن هذا المفصل كيف يأكل الإنسان؟ يجب أن يأكل كالهرة تماماً، ينبطح ويتناول الطعام بلسانه من الطبق مباشرة، لا يوجد حلّ ثان:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

[ سورة التين ]

انظر إلى التفاحة بحجم مناسب، وبقوام مناسب، وبرائحة مناسبة، وبشكل مناسب، وبمحتويات مناسبة، فيها حديد، فيها سكر، فيها معادن، فيها كالسيوم، فيها مغنزيوم: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
 

معنى المحسن:


لذلك المحسن شيء دقيق جداً، المُحسن اسم فاعل من أحسن، أحسن يُحسن إحساناً فهو محسن، والحُسن ضدّ القبح، وحسّن الشيء زيّنه، أي تصور إنساناً بلا جلد، منظره لا يُحتمل، تماماً كبيت على الهيكل، أما كسوة البيت، الطلاء، النوافذ، الأرض، الأثاث: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ .
 

صوَرٌ من إحسان الله إلى مخلوقاته:


تصور الإنسان بلا شعر، شعر وجلد، والجلد متماسك، والأعضاء متناسقة، تصور لا يوجد جهاز توازن، يحتاج الإنسان إلى قاعدة استناد تزيد عن سبعين سنتيمترًا حتى يبقى واقفاً، أما بقدم صغيرة لطيفة تبقى متوازناً، التوازن سرّه في أجهزة التوازن في الأذن، ثلاث قنوات، وفيها سائل، وفيها أهداب، وأي ميل يبقى السائل مستوياً فيمس أهداباً من جهة معينة، تدرك أنت أنه صار هناك خلل في التوازن تصحح الوضع، لولا جهاز التوازن في الأذن لما استطاع إنسان أن يقف إطلاقاً، ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ انظر إلى طعامك، لو أن المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص تنضج تباعاً كالفواكه شيء لا يحتمل، تمسك سنبلة سنبلة يا ترى نضجت كي تقطعها؟ المحاصيل تنضج في وقت واحد.
لو أن الفواكه تنضج في وقت واحد، مستحيل، حقل البطيخ يعطيك لتسعين يوماً على مدى أشهر الصيف، كل الفواكه والخضروات تنضج تباعاً، الآن لو أن كل الفواكه يبدأ نضجها في وقت معين شيء صعب جداً، تبدأ بفاكهة، بعد شهر فاكهة ثانية، آخر شيء العنب بالخريف، قبله التين، قبله الإجاص، قبله الدراق، قبله الكرز، أيضاً الفواكه موزعة في الصيف توزيعاً مريحاً، على مدى الصيف كل أسبوعين أو ثلاثة أو شهر ينضج نوع من الفاكهة، هذا إحسان.
البقرة تعطيك من الحليب ما يفوق ثمن الطعام، لو أنها تعطيك من الحليب أقلّ من ثمن الطعام لا أحد يقتني بقرة، لو أن الدجاجة تعطي في الشهر بيضة واحدة أصبحت مكلفة، غير اقتصادية، كل يوم يوجد بيضة، وطعام الدجاج لا يساوي الإنتاج الذي ينتجه من البيض، يوجد إحسان.
لو أن هذا الفكر بدأ يجول في خلق الله عز وجل تتعرف على الله، لذلك أرقى عبادة هي التفكر:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

 

صفة الإحسان تتجلّى في جهاز المناعة المكتسب:


أنت يوجد معك جهاز مناعة عبارة عن جيش بكل معاني الكلمة، فيه خمس فرق؛ فرقة الاستطلاع، فرقة مهمتها استخباراتية فقط، يدخل الجرثوم إلى الجسم، تتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات وتأخذ شيفرة الجرثوم ولا تقاتله، تأخذ هذه الشيفرة إلى مركز صنع المصول، إلى مركز معامل الدفاع بالعقد اللمفاوية، وتعطي العُقد تركيب الجرثوم، شيفرته الكيماوية، هذه المراكز معامل أسلحة تُصنِّع المصل المضاد لهذا الجرثوم، العقد اللمفاوية تُشكِّل معامل للسلاح، والفرقة الاستطلاعية تُشكِّل جهاز المخابرات في الجسم، الآن يوجد عندنا فرقة المقاتلين، الفرقة الثالثة، هذه الفرقة تحمل المصل المضاد وتتجه إلى الجرثوم تُقاتله، ينشب بينهما قتال، وقد ينتصر الجرثوم، وقد لا ينتصر.
الآن يوجد عندنا فرقة رابعة، هذه فرقة الخدمات، هذه الفرقة تنظف أرض المعركة، وتدفن الجثث، وأحياناً يرى الإنسان كتلة بيضاء في جلده، هذه أثر معركة بين الجراثيم وبين كريات الدم الحمراء، تصميم من؟ فرقة خامسة، فرقة المغاوير ، هذه الفرقة تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهمها، ويوجد بالإنسان ملايين ملايين الخلايا السرطانية، لكن لكل خلية سرطانية قامع يمنعها أن تكون فعّالة، وهناك أشياء تفكّ هذا القامع كالشدة النفسية، والمواد البترولية، والمواد البلاستيكية، والإشعاع النووي، هذه أسباب السرطان، أي جهاز مناعة مكتسب مذهل.
الدماغ موضوع في صندوق عظمي، بين الدماغ والصندوق سائل، هذا السائل من أجل امتصاص الصدمات، لو أن طفلاً وقع على رأسه هذا الاهتزاز الشديد السائل يوزّعه على كامل مساحة الدماغ، يبقى الطفل سليماً.
أي التفكر في خلق السماوات والأرض يجعلك تقف وجهاً لوجه أمام عظمة الله عز وجل، أمام الإحسان، لذلك الله عز وجل يصِف نفسه عن طريق نبيه بأنه محسن كاسمٍ، أما كفعل: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ كمعنى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ في أكمل حالة.
 

إحسان الله يتجلى في عظام الإنسان:


يوجد بخلق الإنسان شيء عجيب، مثلاً الخلية العظمية هذه تنمو، فإذا وصل الإنسان إلى المستوى الكامل يقف النمو، من أسماء الله عز وجل القابض والباسط، يقف النمو، بعد سبعين سنة من نومها إذا حصل كسر تستيقظ كي يلتئم العظم، صُنع مَن؟ قدرة مَن؟ العظام متينة جداً، أنت ماذا تأكل؟ تأكل الحليب، فإذا به عظم، عنق الفخذ يتحمل قوة ضغط تساوي تقريباً مئتين وخمسين كيلو غرام، كل عنق فخذ يتحمل ربع طن، العنقان نصف طن، هذا العظم المتين من أين جاءته المتانة؟!
ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الكون، الأول الألماس، بعده ميناء الأسنان، من أين جاءت هذه القساوة؟
أيها الإخوة؛ هذا من كمال خلق الله: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ .
 

على الإنسان أن يكون محسناً:


الآن أنت أيها الإنسان من أجل أن تتخلق بكمال مشتق من كمال الله ينبغي أن تكون محسناً، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)﴾

[ سورة لقمان ]

كما أن الله مُحسن إليك، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، ينبغي أنت أن تكون محسناً، وكلمة محسن هي ألصق صفة بالإنسان المؤمن، محسن في كلامه، لا يوجد بذاءة، لا يوجد تهجم، لا يوجد سخرية، لا يوجد فحش، لا يوجد طُرَف قبيحة مُحرجة تُحمِّر الوجه، كلام منضبط، محسن في تصرفاته، محسن في زيارته، محسن في قيادة مركبته، محسن في تنظيم عمله.
 

الإحسان صفة جامعة شاملة:


الإحسان صفة الواحد الديان، وكل إنسان مؤمن ينبغي أن يشتق هذه الصفة من الله عز وجل، مُحسن في تربية أولاده، مُحسن في علاقاته، مُحسن في مواعيده، مُحسن في دعواته، مُحسن في أفراحه، مُحسن في أحزانه، الإحسان صفة جامعة مانعة، فكما أنك تكشف إحسان الله من خلال خلقه يجب أن تكون أنت محسناً تجاه الخلق، أي الزوج يجب أن يكون محسناً لزوجته:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)﴾

[ سورة النساء ]

إحسان، محسن في تربية أولاده،

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه: علموا، ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المُعنّف. ))

[ الجامع الصغير بسند ضعيف ]

محسن في عمله، عمله متقن،

(( عن عائشة رضي الله عنها: إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه. ))

[ الجامع الصغير بسند حسن ]

أنا لا أصدق أن هناك صفة شاملة إلى درجة لا تُصدق، هناك إحسان في الكلام، يوجد إحسان في المعاقبة، اتق الوجه، أردت أن تؤدب ابنك اتقِ الوجه، الوجه كرامة الإنسان، فالنبي نهي عن ضرب الوجه، على الكتف، وبضرب معتدل، ليس القصد إيقاع الألم الشديد، القصد لفت نظر، مرة النبي الكريم أرسل غلاماً في حاجة، وتأخر كثيراً فغضب النبي، النبي بشر، معه سواك، قال له:

(( عن أم سلمة أم المؤمنين: كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي وكان بيدِه سِواكٌ فدعا وصيفةً له أو لها حتَّى استبان الغضبُ في وجهِه فخرَجَت أمُّ سَلَمةَ إلى الحُجراتِ فوجَدَت الوصيفةَ وهي تلعَبُ ببُهْمَةٍ فقالت ألا أراكِ تلعبين بهذه البُهْمةِ ورسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعوك فقالت لا والَّذي بعَثك بالحقِّ ما سمِعْتُك فقال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لولا خشيةَ القَودِ لأوجَعْتُك بهذا السِّواكِ وفي روايةٍ لولا القِصاصُ لضرَبْتُك بهذا السِّواكِ وفي روايةٍ لولا مخافةُ القِصاصِ لأوجَعْتُك بهذا السَّوطِ. ))

[ الهيثمي مجمع الزوائد: خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد ]

مُحسن في تربية أولاده، إذا كنت مدير مؤسسة فكن محسنًا في معاملة الموظفين، كلمة محسن واسعة اتساعاً يفوق حدّ الخيال، هناك احتفال فيه إحسان، أحياناً الاحتفال أربع ساعات، والله فيه إساءة، والوقت ثمين جداً، هناك احتفال مُنظّم ساعة ونصف، الاحتفال فيه إحسان، وهناك تعزية لا يوجد فيها إحسان، في بعض البلاد التعزية تقريباً عبارة عن عشرين ساعة ولا يوجد كلام، ولا يوجد قرآن، هناك دخان وهناك كلام فقط، حديث عادي، هذه تعزية هذه؟! بين تعزية ساعة ونصف بين المغرب والعشاء مثلاً، أي قضية الإحسان تشمل الأفراح والأتراح، تربية الأولاد، حتى بالثياب يوجد إحسان، هناك ثياب نظيفة، ألوانها متناسقة، بسيطة، لا يوجد فيها تعقيدات، حتى في مكان عملك يوجد نظام، يوجد نظافة، يوجد ترتيب بالدكان، هذا أيضاً إحسان.
نحن بعلم النفس تعلّمنا أنه عندنا صفات وعندنا سمات، السمة عميقة جداً، مثلاً: الضبط سمة، الضبط يظهر في حسابات مضبوطة، والضبط يظهر في مواعيد مضبوطة، والضبط يظهر في هندام منضبط، والضبط يظهر في مشروع.
الآن يوجد برامج كمبيوترية، يمكن أن تبدأ بالبناء لا تضيع ولا ثانية، الموضوع مدروس دراسة دقيقة جداً، كل شيء يحتاج إلى جفاف، وإلى استواء، فيعطيك ماذا تفعل من أجل ألا تضيع ثانية واحدة، والإنسان كلما تقدم صان وقته، وأدار وقته.
هناك إحسان في إدارة الوقت، أحياناً إلغاء الروتين إحسان، تخفيف الأعباء على المواطن إحسان، هذا يشمل الأنظمة التي تُنظّمها الدولة، أحياناً تُجمّع حاجات المواطنين في بناء واحد، هذا إحسان.
كلمة إحسان واسعة بشكل غير معقول، يمكن أن تكون محسناً في كلامك، وفي تصرفك، وفي تربية أولادك، وفي معاملتك لزوجتك، وفي عملك، وفي أفراحك، وفي أتراحك، في كل شيء.
 إن الله كتب الإحسان على كل شيء، والمؤمن محسن، والمؤمن يشتق هذه الصفة العالية من الله عز وجل:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

أي تقربوا من الله بكمال مشتق من كمالات الله.

الملف مدقق

 والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور