وضع داكن
04-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 002 أ - اسم الله الأكرم 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 
 

من أسماء الله الحسنى الأكرم:


أيها الإخوة الكرام؛ الاسم اليوم الأكرم، هذا الاسم ورد في أول سورة أنزلت من القرآن الكريم، قال تعالى:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾

[ سورة العلق ]

 

لكل إنسان حاجات دنيا متعلقة بالأرض وحاجات عليا متعلقة بالسماء:


بادئ ذي بدء؛ الله عز وجل أودع في الإنسان قوة إدراكية يتميز بها على بقية المخلوقات، ولأنه أودع فيه قوة إدراكية أصبحت عند هذا الإنسان حاجة إلى المعرفة، وهذه الحاجة يمكن أن توصف بأنها حاجة عليا، له حاجات دنيا متعلقة بالأرض، وله حاجة عليا متعلقة بالسماء، فرُكّب الملك من عقل بلا شهوة ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾

[ سورة البينة ]

فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
 

طلب العلم فريضة على كل مسلم:


الله عز وجل لأن الله سخّر لهذا الإنسان:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

[ سورة الجاثية ]

أمره أن يقرأ أي أن يتعلم، فطلب العلم فريضة على كل مسلم، هذا العلم أنواع، قال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أي ما لم ينقلك العلم إلى معرفة ربك فليس علماً، العلم ما هداك إلى الله، العلم ما عرّفك بهذا الإله العظيم، العلم ما حملك على طاعته، العلم ما دفعك إلى التقرب إليه، العلم ما هداك إلى سرِّ وجودك، العلم ما هداك إلى غاية وجودك، لذلك ﴿اقْرَأْ﴾ أما المفعول به فهو محذوف، وحينما يحذف المفعول يُطلق الفعل، أي اقرأ في الكون، الكون قرآن صامت، واقرأ في القرآن فهو كلام الخالق، واقرأ في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام فهو قرآن يمشي، أي اطلب العلم، ما لم يطلب الإنسان العلم لا يؤكد إنسانيته، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم له شأن آخر لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾

[ سورة البقرة ]

الخالق وحده ينبغي أن يُعبد، الجهة التي صنعتك ينبغي أن تُتبع تعليماتها. 
 

ارتباط العلم بالإيمان:


﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ يمكن أن نسمي هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ العلم مرتبط بالإيمان، وما لم ينقلك العلم إلى الإيمان فليس علماً، وقد يكون ذكاءً ليس غير، لذلك قالوا: ما كل ذكي بعاقل، إنسان عنده دماغ يمكن أن يفهم دقائق الأشياء فاختصّ باختصاص نادر، وجلب له هذا الاختصاص دخلاً كبيراً فلكياً، هذا ذكي جداً، لكن ما لم تعرف سرّ وجودك، وغاية وجودك، ما لم تعرف الخالق، والرب، والمسيّر، ما لم تعرف أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى فلست عاقلاً، فالعاقل من عرف الله، وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء، وفي بعض الأدعية: يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ تجاوز الحاجات السفلى إلى الحاجة العليا، ابحث عن الحقيقة، اعمل بها.
 

الخاسر من لم يتحرك وفق منهج الله لأن الموت ينهي كل شيء:


﴿ وَالْعَصْرِ (1)﴾

[ سورة العصر  ]

يُقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن أنه خاسر:

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾

[ سورة العصر  ]

لو شخص دخله اليومي مليون دولار، ولم يتعرف إلى الله عز وجل فهو بنص هذه الآية خاسر، لأن هذه الدنيا تنتهي بالموت، والموت يُنهي كل شيء، يُنهي قوة القوي، يُنهي ضعف الضعيف، يُنهي غنى الغني، يُنهي فقر الفقير، يُنهي وسامة الوسيم، يُنهي دمامة الدميم، يُنهي أمن الآمن، يُنهي خوف الخائف، الموت يُنهي كل شيء، فلذلك ما لم تتعرف إلى الله، وما لم تتحرك وفق منهجه، وما لم تدعُ إليه فأنت خاسر، وبإمكانك أن تتلافى الخسارة بأن تعمل في هذا الوقت الذي سيمضي عملاً ينفعك بعد مضي الوقت، لذلك دائماً اجعل هذا المقياس الدقيق؛ أي حركة، أي نشاط، أي مسعى له أثر بعد الموت هذا ينفعك، وأي نشاط، وأية حركة تنتهي عند الموت لا قيمة لها، هذه من الدنيا، لذلك دخلوا على سيدنا أبي عبيدة بن الجراح وكان قائد الجيوش الإسلامية في الشام، دخلوا على غرفته فيها قدر ماء مغطاة برغيف خبز، وسيفه معلق، قالوا: ما هذا يا أمين هذه الأمة؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير، ألا يُبلغنا المقيل؟ لذلك الدنيا لأنها تنتهي بالموت ليس لها شأن عند الله،

(( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ. ))

[ صحيح الترمذي  ]


أول قراءة ينبغي أن نقرأها قراءة البحث والإيمان لنبحث عن الحقيقة:


إذاً لابدّ من أن نبحث عن الحقيقة، ولابدّ من أن نتحرك وفق هذه الحقيقة، ولابدّ من أن ندعو لهذه الحقيقة، وقد يكون هناك عقبات، وقد تكون هناك صوارف فلابدّ من الصبر.

﴿ وَالْعَصْر (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر  ]

إذاً أول قراءة ينبغي أن تقرأها قراءة البحث والإيمان، ابحث عن الحقيقة، ابحث عن الذي خلقك، تساءل لماذا خُلقت؟ لماذا أنا في الدنيا؟ ما العمل العظيم الذي ينبغي أن أفعله؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا قبل الموت؟ من أين؟ وإلى أين؟ ولماذا؟ ابحث، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾
 

العلم الذي أراد الله أن نتعرف إليه هو قراءة البحث والإيمان:


أي العلم ما انتهى بك إلى الإيمان، فإن لم ينتهِ بك إلى الإيمان فهو ذكاء فقط، والذكاء ينتهي عند الموت، هو ذكاء أو ثقافة، أما العلم الذي أراده الله حينما قال الله عز وجل:

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾

[ سورة الزمر ]

العلم الذي أراده الله أن تتعرف إليه، وأن تتعرف إلى منهجه، وأن تحمل نفسك على طاعته، وأن تبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس، هذه القراءة الأولى قراءة البحث والإيمان، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ .
 

نفسك التي بين جنبيك أقرب آية إليك للتفكر في خلق الله تعالى:


أقرب آية إليك نفسك التي بين جنبيك، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾

[ سورة البلد ]

يوجد بالشبكية مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، بالميليمتر مربع في أرقى آلة تصوير رقمية احترافية يوجد عشرة آلاف مستقبل ضوئي، في الميليمتر مربع من شبكية العين مئة مليون مستقبل، لذلك العين تُفرّق بين ثمانية ملايين لون.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)﴾

[ سورة البلد ]

 

إكرام الله عز وجل الإنسان بالبيان:


الله أكرم، أكرمك بماذا؟ بالبيان، قال تعالى:

﴿ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

[ سورة الرحمن ]

بالبيان يتواصل الناس أرقى تواصل، التواصل بيان، بالبيان تتكلم فتُعبر عن أفكارك، تُعبّر عن مشاعرك، بالكلام تنتقل العلوم من إنسان إلى إنسان، بالمعاصرة، ومن جيل إلى جيل بالكتابة، ومن أمة إلى أمة بالترجمة، لذلك: ﴿الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْآنَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ هذه القراءة الأولى، أكرمك الله بأن منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، إنه الأكرم، وأكرم اسم تفضيل، وهذا الاسم ورد معرفاً بأل، مراداً به العالمية، دالاً على كمال الوصفية، الأكرم، لا عطاء يعدل عطاءه.
 

من خَسِر الآخرة خَسِر كل شيء:


منحك نعمة الإيجاد، والإيجاد إلى متى؟ لا إلى الموت، الموت نقطة، محطة في الطريق:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾

[ سورة آل عمران  ]

لا تموت لكنها تذوق الموت، وفرق كبير بين أن تذوق الموت وبين أن تموت، قال تعالى:

﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾

[ سورة الزخرف ]

الإنسان خُلِق ليبقى إلى أبد الآبدين، يبقى في جنة عرضها السماوات والأرض، أو في نار لا ينفذ عذابها، البقاء مستمر لكن إما في جنة أو في نار.
 لهذا أيها الإخوة، أكبر خسارة يمكن أن نتصورها أن تخسر الآخرة، قال تعالى:

﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾

[ سورة الزمر ]

هذه القراءة الأولى، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ .
 

على كل إنسان أن يقرأ ليصل بقراءته إلى معرفة سرّ وجوده وغاية وجوده:


أقرب آية لك نفسك التي بين جنبيك، قال تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)﴾

[ سورة الطارق ]

هذا الماء الدافق ثلاثمئة مليون حوين، تحتاج البويضة إلى حوين واحد، قال تعالى:

﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)﴾

[ سورة الطارق ]

﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)﴾

[ سورة عبس ]

أمر إلهي، لذلك هذه قراءة، ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ اقرأ ولتنتهِ قراءتك إلى معرفة ربك، اقرأ ولتنته قراءتك إلى معرفة سرّ وجودك وغاية وجودك. 
 

القراءة الثانية المتعلقة باسم الأكرم قراءة الشكر والعرفان:


هناك قراءة ثانية متعلقة باسم الأكرم، القراءة الثانية: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ ماذا منحك؟ نحن موجودون، لو اطّلعت على كتاب نُضِّدت حروفه قبل تاريخ ميلادك، أثناء تنضيد حروف هذا الكتاب أنت من؟ لا شيء، قال تعالى:

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾

[ سورة الإنسان ]

إطلاقاً، ليس لك وجود، ليس لك اسم، ليس لك اسم بالنفوس، ليس لك أي اسم بأي مكان، لم يكن لك وجود، إذاً الله عز وجل أكرم أي منحك أكبر عطاء أنه أوجدك، منحك نعمة الإيجاد، أوجدك وأودع فيك حاجات، أودع فيك حاجة إلى الهواء، والهواء موجود بنسب رائعة، لو أن هذه النسب تغيرت لاحترق كل ما في الأرض، الأوكسجين إلى الأزوت، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، وهذا الكون سخره لك بالنص القرآني: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ ما نوع التسخير؟ قال: تسخيران؛ تسخير تعريف وتسخير تكريم، كل شيء في الأرض مسخر لك تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم.
 

من آمن وشكر الله عز وجل حقق الغاية من وجوده:


إذا قرأت كتاباً عن العسل ذابت نفسك بهذا الشراب الذي فيه شفاء للناس، وقد لا يُتاح لك أن تلعق لعقة عسل واحدة، لكنك إذا عرفت الله من خلال العسل حققت الهدف من العسل أنه عرفك بالله، والذي يأكل العسل ليلاً ونهاراً، ولم يفكر في هذا الشراب الذي جعل الله فيه شفاء للناس، عطلت أكبر هدف من خلق هذه الآية، تأكد أن أي شيء في الأرض له وظيفتان، له مهمتان، سُخّر لك تسخيرين تسخير تعريف وتسخير تكريم، تماماً كما لو قدم لك صديق هاتفاً فيه خصائص مذهلة من اختراعه، وقدمه هدية لك، أنت دون أن تشعر ينطوي قلبك على شعورين، شعور الإعجاب بهذا الاختراع، وشعور الامتنان لأنه هدية، فدقق لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: نظر إلى هلال قال: هلال خير ورشد.
هذا الكون مسخر لنا تسخيرين، تسخير تعريف وتسخير تكريم، ردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت، دقق الآن حققت الهدف من وجودك فإذا حققت الهدف من وجودك توقفت المعالجات الإلهية، الآية:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

لأنه منحك الكون، لأنه سخر لك الكون تسخير تعريف ينبغي أن تؤمن، ولأنه سخر لك الكون تسخير تكريم ينبغي أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك إذاً تنتهي المعالجات، طبيب قرر استئصال كلية، قبل أن يستأصلها عمل فحصاً تعمل، انتهى، ألغى العملية، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، لذلك ربك الأكرم ينبغي أن تكون قراءتك إلى الكون قراءة شكر وعرفان.
أول قراءة: قراءة بحث وإيمان، القراءة الثانية: قراءة شكر وعرفان، منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، يوجد هواء، يوجد ماء عذب زلال، يوجد زوجة، يوجد أولاد، يوجد طعام، يوجد شراب، يوجد فواكه، يوجد معادن، كل شيء موجود، لذلك القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، ما لم يمتلئ قلبك شكراً لله فأنت بعيد عن الإيمان.
 

أنواع الهدى:

 

1 ـ هداية المصالح:

لذلك أول كلمة في الفاتحة:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾

[ سورة الفاتحة ]

منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، أما الهدى أيها الإخوة؛ هو على أنواع؛ أول هدى هداك إلى مصالحك، أي لما الإنسان تُكسر يده، مصممة اليد على أن تلتئم، حينما يُجرح، الجلد مصمم على أن يلتئم، هداك إلى مصالحك، أنت تمشي، أعطاك قدمين لطيفتين لكن يقابلهما جهاز توازن، لولا جهاز التوازن لما أمكنك أن تمشي على قدميك، لذلك الميت لا يقف، لأنه لا يوجد توازن، بالتوازن ثلاث قنوات متداخلة فيها سائل، فيها أهداب، عندما تميل السائل يبقى مستوياً، يرتفع بمكان دون مكان، بالمكان المرتفع يوجد أهداب يصلح الإنسان، لولا جهاز التوازن لا يوجد إنسان يمشي على قدمين، لا يوجد إنسان يركب دراجة.
إذاً هداك إلى مصالحك، الطعام فيه سمّ تتقيؤه، هداك إلى مصالحك، الأشياء التي تؤذي تكرهها، الأشياء التي تحبها محببة إليك تنفعك، لو أنه جعل الطعام كريهاً، من يأكل؟ الطعام التفاحة مثلاً حجمها مناسب، قوامها هش، تستطيع أن تأكلها، لا تحتاج إلى آلة طحن أحجار، فيها غذاء، فيها رائحة طيبة، فيها شكل جميل، هداك إلى مصالحك، هذا أول هدى. 

2 ـ هداية الوحي:

ثم هداك بالوحي، جاءك وحي من السماء، بيّن لك من أنت، أنت المخلوق الأول، لماذا خُلِقت؟

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات ]

فأول هداية هداية المصالح، ثاني هداية هداية الوحي. 

3 ـ هداية التوفيق:

ثالث هداية هداية التوفيق، قال تعالى:

﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)﴾

[ سورة الكهف ]

التوفيق هداية، أنت فكرت في خلق السماوات والأرض، تمنيت أن تُقدّم عملاً بين يديك يمنحك المال، يمنحك القوة، تمنيت أن تكون داعية يُطلِق لسانك في التعريف به، منحك نعمة الإمداد، وفقك. 

4 ـ هداية الجنة:

آخر هداية إلى الجنة، قال تعالى:

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

[ سورة محمد ]

هداك إلى مصالحك، الطفل عندما يولد لو أنه مال يتابع الميل حتى يقع، بعد ثلاثة أشهر يكون جهاز التوازن بدأ يعمل، لو أنت ميلته يجلّس، هذه هداية، هداك إلى مصالحك، أحياناً التقيؤ هو إخراج ما في المعدة، يكون الطعام فاسداً، إذا كان هناك فساد الإنسان يتقيؤه، إذا كان الجنين فيه تشوه يسقط، السقط هو جنين مشوه، فهناك أشياء بالطب وأشياء بالتشريح وأشياء بالفيزيولوجيا مذهلة.
السعال؛ هناك أشعار هدبية بالقصبة الهوائية تتحرك نحو الأعلى باستمرار، وحتى الآن لم تنجح زراعة الرئتين، لأن الذي تزرع رئته لا يسعل، والسعال أساسي في سلامة الرئة، فالسعال هداك إلى مصالحك، التقيؤ هداك إلى مصالحك، التوازن هداك إلى مصالحك، الآن أعراض الأمراض هداك إلى مصالحك، لكل داء دواء، البارحة ذكرت طبيب من إنكلترا، درس بأمريكا، عُيّن مع شركة عملاقة في الصين، داوى شخصاً يابانياً، هو إنكليزي ودرس بأمريكا وعمله بالصين والمريض ياباني، إذا لم يوجد بنية واحدة للبشر، بنية تشريحية واحدة ووظائف فيزيولوجية واحدة كان لا يوجد طب، هذا التوحد، كل إنسان له شكل وجه، له هوية، قزحيته هوية، إلى آخره.
 

من عبد الله واستعان به وفقه وهداه إلى الجنة:


إذاً منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، الهدى هداك إلى مصالحك، والهدى هداك إليه بالوحي، والهدى وفقك، هداية التوفيق، وأوضح شيء: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ هذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾

[ سورة الفاتحة ]

أي لا حول يا رب عن معصيتك إلا بك، ولا قوة على طاعتك إلا بك، و: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ هذه هدى التوفيق، ثم يهديك إلى الجنة: ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ* وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور