- الفقه الإسلامي
- /
- ٠3موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الأمور باطنها و ظاهرها بيد الله عز وجل :
لبعض العلماء الأفاضل فصلٌ في العقيدة الصحيحة ، لكن الشيء الذي يلفت النظر في هذا الفصل أنه مأخوذٌ حصراً من كتاب الله عز وجل .
فالعقيدة الصحيحة أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه رب العالمين ، مقام الربوبية يختلف عن مقام الألوهية ، فالله خالقٌ ، وربٌ ، وإله ، من معاني الرب أنه المُمد فحينما يمدُّ الإنسان بما يحتاج إليه إنه رب العالمين ، وليس رب البشر وحدهم ؛ ولكنه رب جميع العوالم في الكون ، إذاً وصف نفسه فقال :
﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
وأنه مالك أو :
﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
في الدنيا الأمور على حقيقتها بيد الله عز وجل ، وفي ظاهرها قد تكون بيد زيدٍ أو عبيد . .
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
ولكن في الآخرة تكون الأمور في الباطن وفي الظاهر بيد الله عز وجل .
إعطاء الله البشر فرصة لإظهارهم على حقيقتهم :
لذلك هذا اليوم يوم الفصل ، يوم القيامة ، مالكه الله رب العالمين ، وأنه يستهزئ بالمنافقين ، واستهزاء الله عز وجل بالمنافقين بمعنى آخر أي يحتقر عملهم ، والإنسان في الدنيا إذا كان كاملاً ورأى عملاً سخيفاً ، أو عملاً فيه أذى ، أو فيه فساد ، أو فيه بغي يحتقر هذا العمل ، من علامة المؤمن الكامل في الدنيا أنه يحتقر كل عملٍ منحط ، هذا معنى الاستهزاء ، وأنه يستهزئ بالمنافقين فقال :
﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾
وأنه يمدُّ المنافقين :
﴿ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
الإمداد له معنى آخر ، الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾
أي أن ربنا عز وجل في الدنيا أعطانا فرصة ، كي نعبر عن ذواتنا ، كي نظهر حقيقتنا ، فلو أن الله سبحانه وتعالى عجَّل على الكافرين فقضى عليهم ، تكون هذه الفرصة لم تعطَ إليهم تماماً لذلك :
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ﴾
هذه الكلمة أنه أعطى للكفار ولبني البشر كافةً فرصةً كي يظهروا على حقيقتهم .
هذا السؤال الذي يخطر في بال الإنسان : فلان أحياناً يفجر ، أحياناً يطغى ، أحياناً يبغي ، يتجاوز حدود البشر ، كيف أبقاه الله عز وجل ؟
الجواب : أن الله سبحانه وتعالى بعث بنا إلى الدنيا كي تظهر حقيقتنا ، فلو فرضنا طالباً دخل امتحاناً ، المعلم يعرفه أنه لن ينجح لشدة كسله ، دخل أول مادة ، هل بإمكان المعلم أو هل المعلم يمنع هذا الطالب من دخول الامتحان لعلمه به ؟ الجواب: لا ، لو أنه حرمه الامتحان لقال : يا أستاذ أنا سأنجح ، أنا حضرت . يعطى الطالب الفرصة الكافية لتقديم جميع مواد الامتحان ، من أجل أن ينكشف على حقيقته . .
﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾
فهذا الذي يجعل الله سبحانه وتعالى يعطي للكفار الطغاة مهلةً من جهةٍ كي يظهروا على حقيقتهم ، ومن جهةٍ أخرى لعلهم يهتدون . .
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
وأنه يذهب بنورهم فيتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون ، الحقيقة النور نور الهدى ، ولا يعرف هذا إلا المؤمن ، المؤمن على شيء من النور الإلهي ، مستبصر ، يرى الخير خيراً والشر شراً ؛ لكن المنافق والفاجر والكافر يرى الخير شراً ، ويرى الشر خيراً ، فيكفي أن يتباهى الإنسان بالمعصية ، أعمى ، سيدنا يوسف ماذا رأى في الزنا ؟ رأى نتائجها الوخيمة فقال :
﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
أما الأعمى فيراها مغنماً ، وقد ينتهي ، وقد يسفل به إلى أسفل سافلين.
من امتلك رؤية صحيحة نجا في الدنيا و الآخرة :
إذاً الإنسان عندما يكون في الدنيا مزوَّداً بنور إلهي ، معنى ذلك أنه يرى الخير خيراً والشر شراً ، فأخطر شيء في الدنيا أن تمتلك رؤيةً صحيحة .
لذلك الإنسان الجاهل يرى المال الحرام مكسباً ، مغنماً ، ولا يدري أن الله سبحانه وتعالى سوف يذهب له هذا المال بأساليب عديدة ، لا يدري ، الحديث الشريف :
(( من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله في نهابُر ))
معنى مهاوش أي أدق تعبير لها في اللغة العامية بالهيلمة ، هناك كسب شرعي وفق جهد ، وهناك عدوان على الكسب ، الإنسان أحياناً يعتدي على كسب الآخرين بأساليب ؛ إما أن يخيفهم ، وإما أن يخدعهم ، وإما أن يدلِّس عليهم ، فكسب المال على نوعين ؛ إما أن تكسبه بجهدٍ حقيقي فهذا هو الكسب المشروع ، وإما أن تكسبه بطريقةٍ من الطرق غير المشروعة، قد تكون بالخداع ، وقد تكون بالضغط ، وقد تكون بالتخويف ، معنى :
(( من أصاب مالاً من نهاوش أذهبه الله في نهابُر ))
هذا قانون أي يذهب نهباً ، أخذه بوسائل غير مشروعة يُذهب منه نهباً ، من يعرف هذا ؟ المؤمن ، فالمؤمن مستبصر أما غير المؤمن فأعمى .
﴿ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾
أي أن الكافر لجهله يظن أنه يفعل ما يشاء . .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
من أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله :
الله سبحانه وتعالى بيده كل شيء ، أحياناً الكافر يظن نفسه يفعل ما يشاء ، لكن مشيئته موظفةٌ عند الله عز وجل ، لا يفعل إلا ما يسمح الله من مشيئته أن يحدث ، و . .
﴿ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
إن كانت قدير من فعل التقدير ، تقديره تقدير حكيم عليم ، وإن كان القدير من فعل قدر ، وقدر من القدرة ، فهو على كل شيءٍ قدير ، لذلك إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله . .
﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾
تواب صيغة مبالغة ، أي كثيراً ما يقبل التوبة عن عباده . .
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ﴾
طبعاً الله سبحانه وتعالى يكره عملهم ، لا يكرههم بالذات ، يكره عملهم ، وأدق مثل أن الأب قد يكره عمل ابنه ، ومع ذلك يرعاه ويعطف عليه ويقدم له حاجاته وينصحه ، ولكنه يكره عمله ، فإذا عاد إلى رشده أحبه ورفع شأنه .
﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾
النعم التي أنعم الله بها على الإنسان :
أي . .
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
الله سبحانه وتعالى تفضل علينا بنعمة الإيجاد ، لولا مشيئة الله عز وجل بإيجادنا من نحن ؟ نحن لا شيء ، إذاً هناك نعمة الإيجاد ، لمَ أوجدنا ؟ ليسعدنا ، ولذلك خلقهم . .
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
وتفضل علينا بنعمة الإمداد ، هذه الثانية ، وتفضل علينا بنعمة الإرشاد ، خلقنا وأمدنا وهدانا ، لذلك قالوا :
﴿ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾
تمام النعمة الهدى . .
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
إن كان المال من دون هدىً فليس إكراماً ؛ بل هو امتحان .
﴿ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
وأنه تعالى له وجهٌ . .
﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
له وجهٌ ، قد يبتغي الإنسان بعمله وجه الله عز وجل ، والمرء يوم القيامة ينظر إلى وجه الله عز وجل ، وأن وجهه . .
﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا﴾
أي أينما جلست وتوجهت إلى الله فثم وجه الله . .
يا موسى أتحب أن أسكن معك بيتك ؟ قال : كيف ذلك يا رب ؟! قال : أما علمت أنني جليس من ذكرني ، وحيثما التمسني عبدي وجدني ، وأن بديع السموات والأرض هو الذي أبدعها على هذا الشكل .
إبداع الله عز وجل :
أنت لو فكرت الجبل الآن مألوف ، والشجر مألوف ، لكن من أبدع فكرة الجبل ؟ لولا الجبل لما عاش الإنسان ، الجبل فيه خزانات مياه عذبة ، لو الأرض كلها مسطحة ، صحارى ، من أين تأتي الينابيع ؟ فكرة الشجر ، أشجار للزينة ، أشجار حدودية ، أشجار للخشب ، أشجار للظل ، أشجار دائمة الخضرة ، أشجار متساقطة الأوراق ، أشجار مثمرة ، أنواع الفواكه ، هذا كله بفضل من ؟ بفضل الله عز وجل ، إذاً فكرة الإيجاد ، أحياناً يرسمون لك أشخاصاً يعيشون بالمريخ فالإنسان ليس عنده إمكان إلا أن يتخيل مخلوق له رأس ، ويدان ، ورجلان ، وجذع على أشكال متفاوتة ، إذاً من أبدع هذا النظام ؟ من أبدع شكل الكرة ؟ من أبدع شكل الدوران ؟ من خلق نظام الجاذبية ؟ من خلق الماء ؟ فكرة الماء قبل أن يكون الماء من أبدعها ؟ فكرة الهواء ، فكرة المعادن ، التربة ، إنبات النبات ، تحليق الطيور في الفضاء ، فكرة الأسماك من ابتدعها ؟
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
الآن الغواصات مأخوذة من الأسماك ، الطيران تقليدٌ غير جيد للطائر ، أعظم طائرة صنعت حتى الآن تقليدٌ غير جيدٍ للطائر ، فكرة الطيران من ابتدعها ؟ الله سبحانه وتعالى ، فكرة الغَوص في البحر من ابتدعها ؟ الله سبحانه وتعالى ، فكرة الطاقة ، أنت تحتاج إلى طاقة كي تعيش ، لولا الطاقة لما تمايز الناس ، الإنسان يحتاج إلى الطعام ، والطعام يحتاج إلى كسب والإنسان في الكسب يبدو معدنه الحقيقي ، إما يكذب وإما يصدق ، إما يكسب مالاً حلالاً أو مالاً حراماً ، إما أن يكون متقناً لعمله أو غير متقن ، فأخلاق الإنسان تظهر في كسبه لرزقه ، لو تعمَّقت من أبدع نظام الزوجية ؟
﴿ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾
الله سبحانه وتعالى أبدع هذا النظام ، كان بالإمكان أن يخلق الناس كلهم دفعةً واحدة ويموتوا دفعةً واحدة ، ولكن هذا التدرج في الخلق والموت هذا يعطي الإنسان درساً كبيراً جداً ، أكبر موعظة للإنسان الموت ، فمهما كان الإنسان مكابراً ، حينما يرى إنساناً ميتاً ، خشبة لا تقوى على التحرك ، كان شيئاً مذكوراً فصار خبراً ، يكون الإنسان مخيفاً ، فقط عندما الله عز وجل يسحب الروح منه صار نعوة ، صار اسماً على نعوة ، صار حدثاً ، كان شيئاً مخيفاً صار خبراً ، قال الله تعالى :
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
من الذي خلق فكرة الموت ؟ فكرة التزاوج في الإنسان ، في الحيوان ، في النبات . . فالحيوانات من خلق هذه الفكرة ؟ الخروف تأكل لحمه ، لماذا جعله الله على شاكلتك ؟ فإذا أنت لم تدرس طب ، ولم تكن متخصصاً بأمور خلق الإنسان ألا تأكل لحماً ؟ ألا ترى القلب والكلاوي والكبد والمعدة والأمعاء والدماغ والشرايين والأوردة والعضلات والعظام والأوتار ؟ هذه ألا تراها أمامك كلها عند اللحام ؟ هناك علاقة بين خلق الإنسان وخلق الحيوان ، هذه العلاقة درس تعليمي لنا ، هذه معنى :
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
فكرة أن الطفل محبوب ، لو كان الإله خَلْقه غير كامل ؛ قد يكون الطفل حجمه صغيراً أما عقله فناضج ، ما دام عقله ناضجاً بوقت مبكر لم يعد محبوباً ، ولكنه محبوب في براءته ، الأب يحب سذاجة ابنه أحياناً ، تفكيره المحدود ، يعجبه كل شيء ، يفرحه كل شيء ، فالبنت الصغيرة تمسك الوسادة تتصورها لعبة ، أن هذه ابنتها ، تضعها على صدرها تنيمها ، وهي وسادة ، لو كان الطفل عاقلاً ما كان محبوباً ، فكرة الطفل من خلقها ؟ الله عز وجل :
﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
أي على الله كل شيء سهل ، لذلك الإنسان عندما يكون مع الله يكون مع أقوى الأقوياء ، مع القوة المطلقة ، وإذا كان مع شركاء لله عز وجل ، مع الأضعف . .
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف ذلك من نيته ، فتكيده السموات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات بين يديه ))
الله تعالى عزيز حكيم :
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
معنى العزيز أي لا ينال جانبه ، فإذا الطبيب نسي أن يسأل مريضه معك حساسية؟ أعطاه إبرة فصار معه صدمة ، يأتي المريض يفتح للطبيب هاتفاً يوبخه فيه ، الطبيب يخجل والله نسيت أن أسألك معك حق ، لم يعد الطبيب عزيزاً ، إذا صنعت صنعة وفيها خطأ ، فيها عيب ، وجاء زبون كشف العيب ، ووجه لك اللوم ، لم تصبح عزيزاً ، من معاني العزيز أن أحداً لا يستطيع أن ينال جانبه ؛ خلقه كامل ، تصرفه كامل ، حكمته مطلقة ، فأي خلل بالكون ، أي خلل بالتصرف ، لو ربنا عز وجل ما وجه لإنسان معالجات ، ما كان عزيزاً يوم القيامة ، العبد يقول له : يا رب لمَ لم تعالجني بالدنيا ؟ لمَ لم تذكرني ؟ لمَ لم تخوفني ؟ لمَ لم تبعث لي شيئاً يوقفني عند حدي ؟ يقول له الله : لا ، لقد سقت لك كل المعالجات .
﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
عزيزٌ لأنه حكيم .
الشعور بالخيانة و إنكار الجميل أصعب شعور :
وأنه يوفي العهد لمن وفىَّ بعهده . .
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾
فما من شيء مؤلم مثل الخيانة ، مثل إنكار الجميل . .
أعـلمه الرماية كـل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قـال قافية هجانـــــي
* * *
لا يوجد شعور مؤلم في الحياة يوازي الشعور بالخيانة ، انظر إلى الأب أحياناً يضع كل أمله بابنه ، الابن أحياناً ينسى والده ، يغيب عنه أسبوعين يا أبت أين أنت ؟ والله مشغول ، ماذا تريد مني ؟ اطمئن لا يوجد شيء ، عندما يكون هناك شيء أنا أخبرك ، يتألم الأب ، هلك حتى رباه ، رآه كبيراً لم يعد يريده ، صار الابن يرى والده عبئاً عليه ، الإنسان عندما يتعلق بالله عز وجل ، الله وفي . .
ينادى له في الكون أنَّا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
* * *
مسكين الكافر ، حالته يرثى لها ، أحياناً يتعلق بزوجته ، يضع كل أمله فيها ، ربنا عز وجل كذلك لحكمةٍ ربنا مضل ، يضله عنها ، من أسماء الله الحسنى أنه مضل ، يضع كل أمله فيها ، فتتنكر له أحياناً ، أين ذاهبة ؟ والله زائرة عند ابنتي ، وأنا أين ستتركيني ؟ تقول له: أأنت صغير ؟ يتألم ، أنا هكذا عاملتك من زمن ؟! كل إنسان يضع أمله بزوجة أو بولد أو ببنت الله عز وجل من أسمائه المضل ، فلحكمة بالغة يريه من هذا الشخص الذي أشركه مع الله عز وجل أعمالاً مزعجة ، أما المؤمن فثقته بالله وحده ، لذلك الله عز وجل يسخِّر له أعداءه فكيف بأصدقائه ؟ فلا يوجد أجمل من شيخوخة المؤمن ، لأنه سبحان الله كلما ازداد سني عمره يزداد مكانة ، يزداد هيبة ، يزداد عقلاً ، يرتفع شأنه ، تزداد محبة الناس له ، هذه من علامة الإيمان، و أما علامة من أمضى شبابه في معصية الله فأمامه شيخوخة متعبة كثيراً ، من عدة أيام هناك ثلاثة أشخاص عندما كنت صغيراً كانوا بمناصب حساسة بالتربية والتعليم ، لما يدخل أحدهم للمدرسة يبث الرعب والخوف ، والله الآن بوضع يرثى له ، يمشي على عكازة نصفين ، لا يدوم إلا الله عز وجل ، أما المؤمن فلو كان عمله طيباً جداً فله وضع آخر ، الشيخوخة مقياس الشباب ، الشاب المؤمن له شيخوخة سعيدة ، وغير المؤمن يدفع الثمن في الدنيا قبل الآخرة . فقال:
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
الله تعالى يذكر من ذكره :
و الله عز وجل يذكر من ذكره . . إذا ذكرني عبدي في نفسه ذكرته في نفسي ، وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه ، من فضل الله عز وجل أنك تدعو إلى الله ، والله عز وجل يجعل اسمك برَّاقاً نظيفاً ، لو فكر أحدهم أن يتكلم عليك ، يتصدى له أشخاص عديدون يسكتونه ، هذه من نعمة الله عز وجل ، لذلك في بعض الأبيات الشعرية بهذا المعنى :
وإذا أراد الله نشـــــــــــــر فضيلةٍ طويت أتاح لهــــــا لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
* * *
أي البخور . وأنه يذكر من ذكره فقال:
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾
﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾
﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾
وأنه إلهٌ واحد ، هناك إله واحد ، وهناك إله أحد ، واحد أحد ، فردٌ صمد ، الإله الواحد أي لا إله إلا الله ، أما الإله الأحد فليس كمثله شيء ، واحد أي لا إله إلا هو ، أما أحد فليس كمثله شيء ، أحد عدد نوعي ، تقول : الطالب ترتيبه في النجاح الرابع ، ليس معناه هو أربعة ، هو رابع ترتيبه ، فوزن فاعل ، الأول ، الثاني ، الثالث ، الرابع ، الخامس ، هذا عدد نوعي ، عدد تقييم وترتيب وليس عدد كم ، أما أربعة فغير الرابع ، فإذا قلنا : إلهٌ واحد ، أي لا إله إلا هو ، أما إذا قلنا : إلهٌ أحد أي ليس كمثله شيء . .
﴿ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾
﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾
معية الله معية مشروطة :
لكن ربنا عز وجل معيَّته مشروطة . .
﴿إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾
الكلمة من كثرة الترداد غاب معناها عن الناس ، إذا قلت لأحدهم : الله معك . هل هناك قوة في الكون تستطيع أن تناله بالأذى .
إذا كنت في كل حالٍ معي فعن حمل زادي أنا في غنى
* * *
إذ كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ لما الله عز وجل . .
﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾
إذا ربنا أحب أن يهين إنساناً فهناك عذاب أليم ، و عذاب عظيم ، و عذاب مهين ، من يُهن الله فما له من مكرم ، العذاب المهين عذاب مادي وعذاب نفسي .
﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
تجليات ربنا عز وجل ، أنوار ربنا عز وجل ، عناية ربنا ، حفظ ربنا للمحسن ، لذلك . .
(( صدقة السر تطفئ غضب الرب ))
(( باكروا بالصدقة ، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة ))
أي أن الله عز وجل بشكل مطلق مع المحسنين ، المحسن الله معه ، يسدده ، يحفظه ، يحفظ له أولاده ، يحفظ له ماله .
﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
أحياناً يأتي ببال الواحد خاطر ، الآن جاء بباله ، طرق بالعمود فجرح جبينه ، فهذا العامود ألا يراه ؟! سريع الحساب ، ينوي نية سوء ، يدفع ثمنها قبل أن ينفِّذها ، سريع الحساب ، يتوب إلى الله ، بمجرد أن يتوب يحس أن جبلاً انزاح عن كاهله ، يحس و كأنه صار خفيفاً ، فسبحان الله الصُلحة بلمحة .
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
لمجرد أن يتوب الإنسان كأن ربنا عز وجل يشعره أنه قبِل توبته ، أنه قبله ، وأنه عفا عما مضى ، وأنه فتحت صفحةٌ جديدة ، والله سبحانه وتعالى يشعره أنه فرح به .
(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد))
الأشياء التي يكرهها الله عز وجل :
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾
لا يحب أن تتكلم عن نفسك ، تحزن الناس على أحوالهم ، لا يحب أن تفسد بين زوجة وزوجها ، ولا بين شريك وشريكه ، ولا بين أخ وأخيه ، لا يحب الله عز وجل أن تحبب الناس بالدنيا ، لا يحب أن تشجع إنساناً على معصية ، لا يحب أن تفصل ابناً عن أمه ، تقنع ابناً أن يسكن لوحده ، لا يحب الله عز وجل أن تعمل سوء علاقة بين أخين ، لا يحب أن تعمل سوء علاقة بين جارين ، لا يحب النمَّام ، لا يحب المغتاب ، لا يحب نقل الأحاديث ، لا يحب الفساد ، فكلما كمل إيمان الإنسان تجد كلامه مضبوطاً و موزوناً .
كان أحد الشيوخ - رحمه الله - لا يجرؤ إنسان أن يتكلم في مجلسه كلمة عن إنسان ، يقول له : " يا با أظلم قلبي " . ما هذه الكلام ؟ والله إذا انعدمت الغيبة في المجتمعات يصبح المجتمع جميلاً ، قال لي أخ : دور استمر سبع عشرة سنة ، أحباب ، أصحاب ، أصدقاء ، سبع عشرة سنة ، لا يوجد دور يستمر سنة إلا و ينتهي ، فسأل أحدهم ما سر استمرار هذا اللقاء ؟ فاكتشف الحاضرون شيئين : الأول: أنه لا غيبة في مجلسهم ، والثاني : لا نساء في مجلسهم . لا يوجد اختلاط إذا كان هناك اختلاط يكثر القيل و القال ، و الشقاق الزوجي ، ما دام هناك اختلاط أصبح هناك فساد ، وربنا عز وجل لا يحب الفساد ، هل يا ترى الله يحبني ؟ هل الشيء صعب ؟ هل هي لغز ؟ القرآن واضح :
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾
اجمعهم ؛ اثنتا عشرة آية .
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾
أنا مرة جمعتهم مع حذف التكرار ، لا يسبب فساداً للناس .
محبة الله عز و جل للتائبين :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾
فإذا غلط الإنسان غلطة لا ييئس ، لا ينكمش ، يدفع صدقة فورية ؛ يا رب تبت إليك، الله يحب التوَّاب ، لا يحب التائب ، يحب التواب ، التواب اسم فاعل مبالغ به ، أي كثير التوبة ، المؤمن مذنبٌ تواب ، ليس معناها أن الذنب يعيده مرتين أو ثلاث ، هذا استهزاء بالله عز وجل ، أما هذه فكان لا يعرفها سابقاً ، بلغه أنها حرام فتركها على الفور ، هناك قضية ثانية لم يكن يعرفها أيضاً تاب عنها ، كلما اكتشف أن هناك خللاً في استقامته ، هناك شيء لا يرضي الله يتوب عنه على الفور ، معنى تواب أنه كلما اكتشف بحياته خللاً يتوب منه فوراً ، مثلاً: ليس من الأصول أن يتحدث الإنسان عن زوجته ولو أنها صالحة ، طبعاً الحديث عن شكلها هذا ديوث ، أما الحديث عن أخلاقها فمن قلة المروءة ، لأن الذين تحدثهم عنها ليس لهم حق أن يتخيلوها تخيلاً ، فهناك أشخاص يقولون : لم أكن أعرفها سابقاً ، الآن عرفتها ، فتب منها ، كلما شعر الإنسان أن هناك شيئاً فيه خلل بكلامه ، ربنا عز وجل علمنا بالقرآن الكريم كله لم يذكر ربنا عز وجل ولا اسم امرأة إلا واحدة :
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ﴾
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ﴾
فلو استعرضت القرآن الكريم بكامله ، ستمئة صفحة ، لا يوجد اسم امرأة إلا عيسى ابن مريم ، لأنه صار حوله إشكال ، لأنه قيل : إنه ابن الله لا ابن مريم ، هناك أناس عملوا بطاقات ، شيء جميل ، وصلني عدد منها ، عقد قران ، ندعوكم لحفل زفاف الشاب فلان على كريمة فلان . على كريمة فلان أحلى من أن يكتب على فاتنة مثلاً ، بلا اسم ، هذا انسجام مع كلام الله عز وجل .
بالمناسبة الشيء بالشيء يذكر ، عدة عقود قران توزع فيها بعض الكتب الجيدة، كتاب في الأحاديث مثلاً ، كتاب في تفسير مبسط أحياناً ، مصحف ، كتاب في الحديث الشريف كتاب مشهور للغزالي مثلاً ، هناك كتاب بخمسة ليرات ، وعشرة ، وخمسة عشر ، وثلاثين ، أنت ناوي أن تدفع ثمن هذه العلبة خمسة عشر ليرة ، فيوجد كتاب بخمسة عشر مفيد، يقرأ ، يستفاد منه ، إذا إنسان قرأ حديثاً شريفاً يتأثر فيه ، فهذا بصحيفة الزوجين ، آن الأوان أن يجدد الإنسان هذه التقاليد المستمرة ، شيء ليس له طعم .
﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾
يظن الغني أنه غني بذكائه ، الغني ببسط الله عز وجل ، والإنسان قد يكون أذكى ، و لكن له عند الله رزق محدود ، لكن ربنا عز وجل حكيم .
وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك ، حكيم عليم .
قضية الإنسان مع الله ملخصة بكلمة واحدة هي الحمد لله رب العالمين :
لكن ربنا عز وجل قال :
﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
يا ترى دعواهم أي دعائهم ؟ لو كان الدعاء كان الله يقول : وآخر دعوتهم ، أو وآخر دعائهم ، أما هنا :
﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ ﴾
دعواهم ، الدعوة القضية ، أي قضيتك مع الله ، منذ أن ولدت وحتى الموت ملخصة بكلمة واحدة هي الحمد لله رب العالمين ، الإنسان بيئته ، وضعه ، جسمه ، معه كسل بالأمعاء دائماً ، معه التهاب كبد مزمن ، معه ضعف بالبنية عام ، وضع جسمه ، وضع صحته، دخله ، بيته ، زوجته ، أولاده ، معاشه ، علاقاته مع الآخرين ، يوم القيامة يكشف الله الغطاء فتقول : الحمد لله رب العالمين . هذا الإيمان ، أما سيدنا علي فقال: " والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً " . أي صار عنده يقين برحمة الله ، وحكمة الله ، وعلم الله ، وخبرة الله ، قبل كشف الغطاء ، فلو كشف الغطاء ما ازداد يقيناً .
ويقول الإمام عليٌ كرم الله وجهه : " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين " .
أنا عندما أرى أخاً أو مؤمناً عنده مشكلة كبيرة بحياته وراض ويقول : الحمد لله ، الله حكيم ، هذا أنسب شيء لي ، الله رحيم ، الله عليم . أنا أعد هذا درجة عالية في الإيمان ، أن الإنسان يرضى بمكروه القضاء ، الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين .
﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾
﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾
انظر العظيم قدرةً ، والعلي كرماً . .
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
﴿وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
هو غني ، ومع أنه غني لا يعامل عباده إلا معاملةً يحمدونه عليها .
﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾
(( أنا الله لا إله إلا أنا ، مالك الملوك وملك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحهم بصلاحكم ))
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾
((عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَ ـ أما هنا انتبهوا ـ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ ـ انظر إلى دقة الحديث ـ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْس))
من أحبه الله ابتلاه :
لا يتهم الله عز وجل ، يا رب ماذا فعلنا نحن لك ؟ هناك أناس يتجرؤون على الله عز وجل ، يقولون لك : ماذا فعلنا فنحن نصلي له ؟ فلان الفاجر لا يعمل له شيئاً . كأنه يعترض على حكمة الله عز وجل ، هي هذه جوابها سهل : إذا كان طالب من غير مدرسة فلتان، لا يوجد من يحاسبه بالأساس ، هل عليه وظائف ؟ لا يوجد عليه وظائف ، عليه دوام؟ ليس عليه دوام ، عليه تفتيش نظافة ؟ لا يوجد عليه تفتيش نظافة ، أما بالمدرسة فمحاسب أين وظيفتك ؟ لماذا تأخرت اليوم ؟ لماذا الصدرية ليست نظيفة ؟ فلما ربنا عز وجل يحاسب إنساناً معناها هذا الإنسان ضمن المدرسة ، طالب نظامي ، له مستقبل ، أما إذا كان لم يحاسبه فهذه علامة غضب ، تركه هملاً . .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
الإنسان العاقل يفرح إذا الله عز وجل ابتلاه ، إذا أحب الله عبده ابتلاه ، معناها أنه ضمن العناية الإلهية ، ضمن العناية المشددة ، ضمن المعالجة ، ضمن الرحمة ، معناها ليس ميئوساً منه ، فيه خير ، أما إذا كان متروكاً هملاً يكون هذا خارج المدرسة ، لا يوجد عليه دوام، ولا يوجد تفتيش وظائف ، ولا مذاكرات ، ولا مذاكرة فجائية ، ولا مذاكرة خطية ، ولا مذكرة لوالده، ولا إحضار ولي ، لا يوجد شيء إطلاقاً ، معناها هذا متروك هَمَل أما هذا الجاهل فتجده يقول: أنا أصلي ويبعث لي الله مصائب ، وفلان لا يصلي ليس عنده مصائب . أنت غيره .
﴿ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾
قال له أحدهم : أنا أريد أن أعصي الله عز وجل هل لها فتوى هذه المعصية ؟ قال له : لها فتوى ، اعصه في مكانٍ لا يراك فيه . قال له : لا يوجد إمكان . قال له : إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن أرضه . قال له : وأين أسكن إذاً ؟ قال له : تسكن أرضه وتعصيه ؟ قال له: هات الثانية . قال له : إذا أردت أن تعصيه فلا تأكل رزقه . قال له: وماذا آكل إذاً ؟ قال له: تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه ؟ قال له : هات الثالثة . قال له : إذا أردت أن تعصيه فاعصه في مكانٍ لا يراك فيه . قال له : لابد من أن يراني . قال له : تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه وهو يراك ؟ قال له : هات الرابعة . قال له : إذا أردت أن تعصيه فإذا جاءك ملك الموت فلا تذهب معه ، قال له : لا أقدر ألا أذهب . قال له : تسكن أرضه وتأكل رزقه وتعصيه ولابد من أن تلقاه ؟!
﴿ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾
﴿ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾
﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾
يكون بهذه النفس عيوب ، أمراض ، الله عز وجل حليم ، يضعك بظرف يظهر مرض ، يعالجك منه ، شفيت منه ، أيضاً بظرف ثان مرض ثان ، طالما يوجد بالجسد قلب ينبض هناك معالجة إلهية ، حتى تلقاه كيوم ولدتك أمك ، فالإنسان يجب ألا يجزن .
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
﴿ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
﴿ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
وأنه رقيبٌ علينا .
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
إنه عليٌ كبير . . طبعاً الموضوع طويل ، العقيدة الصحيحة من كتاب الله عز وجل، هذا كله ورد في القرآن الكريم . .
* * *
خروج الرسول الكريم من مكة و صعق قريش بهذا النبأ :
الآن ننتقل إلى قصة صحابيٍ جليل هو سيدنا سراقة ، أنا أتمنى على الأخ الحاضر إذا قلت له : احك لي عن علم الله عز وجل يتكلم لك ساعة . احك لي عن لطف الله عز وجل يتكلم ساعتين على خبرته ، على حكمته ، على أنه عزيز ، على أنه حكيم ، على أنه حليم ، على أنه غني ، هذه معرفة الله عز وجل ، ماذا تعرف عن أسمائه ؟ ضيف اليوم الجليل سيدنا سراقة ، لاحظ أن الصحابة الكرام تقول : سيدنا سراقة لكن كان يقصد رسول الله ، كيف ربنا عفو كريم ، وكيف الإسلام يجب ما قبله ، وكيف الصلحة بلمحة .
هبت قريش ذات صباح وجلةً مذعورة ، فقد سرى في أنديتها أن محمداً قد بارح مكة - خرج من مكة - مستتراً بجنح الظلام ، فلم يصدق زعماء قريش النبأ ، واندفعوا يبحثون عن النبي في كل دارٍ من دور بني هاشم ، وينشدونه في كل بيت من بيوت أصحابه ، حتى أتوا منزل أبي بكر ، فخرجت إليهم ابنته أسماء .
والله الطفل النبيه شيء جميل يقول له : قال أبي : إنه ليس هنا . فقال لها أبو جهل: أين أبوكِ يا بنت ؟ قالت : لا أدري أين هو الآن ؟ فرفع يده ولطم خدها لطمةً أهوت بقرطها على الأرض .
جنّ جنون زعماء قريش حين أيقنوا أن محمداً غادر مكة ، وجندوا كل من لديهم من قفاة الأثر لتحديد الطريق الذي سلكه ، ومضوا معهم يبحثون عنه ، فلما بلغوا غار ثور ، قال لهم قفاة الأثر : والله ما جاوز صاحبكم هذا الغار ، لأن الآثار دالة ، ولم يكونوا مخطئين فيما قالوا لقريش ، فقد كان محمدٌ وصاحبه داخل الغار ، وكانت قريش تقف فوق رأسيهما .
قال له : " والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا " . هذا حفظ الله عز وجل ، يقول لك أحياناً : الله يعمي عنك . هي دعوة عامة لكنها عميقة ، أحياناً لا يرى الموظف المخالفة ، أحياناً ينكشها على هوى حفظ الله عز وجل .
حتى أن الصديق رأى أقدام القوم تتحرك فوق الغار فدمعت عيناه ، فنظر إليه النبي الكريم نظرة حبٍ ورفقٍ وعتاب ، فهمس الصديق قائلاً : "والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك مكروهاً " هذه المحبة ، والله يا إخوان الإيمان كله محبة ، من لا يحب أهل الإيمان لا يكون مؤمناً . قال له: " والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك مكروهاً يا رسول الله ، فقال له عليه الصلاة والسلام مطمئناً : لا تحزن يا أبا بكر فإن الله معنا "
أي إذا أنت مؤمن لك من هذا الكلام نصيب ، هذا ليس تاريخاً ، هذا لنا ، إذا أنت على شيء من الإيمان ، ومستقيم ، وعملك طيب ، بملمة ، بموقف حرج ، بورطة ، يجب أن تطمئن إلى رحمة الله ، إن الله معنا ، فأنزل الله السكينة على قلب الصديق ، وراح ينظر إلى أقدام القوم ثم قال: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدميه لرآنا ، فقال له النبي الكريم هذه مرة ثانية فرجع واطمأن قلبه :
(( مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا))
كتقريب للفكرة ، لو فرضنا إنساناً دعي إلى الخدمة الإلزامية وكان والده قائد الجيش، فهل هذه الرتب تخيفه ؟ لا تخيفه ، لأنهم كلهم بإمرته ، النبي الكريم رأى كل من في الكون بيد الله عز وجل وهو رسول الله ، لا تحزن إن الله معنا ، ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟
ظهور الإيمان عند الخطر :
وهنا سمعا فتىً من قريش يقول للقوم : هلموا إلى الغار ننظر فيه . أحياناً ربنا عز وجل وهذه من حكمته ، هو سينجيك لكن يوصلك للحفة ، ما دمت أنت بالداخل لا تخف ، لما قربت من الحافة قلبك دق زيادة ، قربت للأمام ، هنا يظهر حسن ظنك بالله ؛ هناك شخص هنا يقول لك : أين الله ؟ وصلوا لنا . الإيمان يظهر عند الخطر ، أصحاب موسى آمنوا بسيدنا موسى لما تبعهم فرعون ، واثقون أن هذا رسول ، لكن عندما اقتربوا من البحر وفرعون وراءهم قالوا عندما بقي كيلو متراً و فرعون وراءهم ، نصف كيلو متر ، عشرة أمتار ، في هذه الساعة لم يتحملوا فقالوا :
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
آخر شيء سيدنا رسول الله نفس القصة صارت معه ، كسرى ، وقيصر ، وتفتح عليكم بلاد قيصر وكسرى ، سمعوا واطمأنوا ، وستفتح البلاد ، كل من في الجزيرة جاءهم ليبيدهم ، بالخندق ، اليهود نقضوا عهدهم معهم ، قال المؤرخون : الإسلام بقي على ساعات ، ليست قضية فناء أو بقاء ، قضية ساعات بقي الإسلام كله ، هناك شخص قال : أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته .
فربنا عز وجل أحياناً يضيق على المؤمن ، يضيق عليه لدرجة أنه لا يوجد أمل بالمرة ليقوى هذا الدين ، هذه حكمة إلهية .
﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً ﴾
كانوا مخلطين ، انفرزوا الآن ، أحياناً بالمنخل ينزل الزيوان يصفى القمح ، كذلك ربنا عز وجل يهز هزة واحدة كل الضعاف تنكشفوا ويتبقى الأقوياء أما :
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾
علامة الإيمان أنك في السرَّاء مؤمن وفي الضراء مؤمن ، في الغنى مؤمن وفي الفقر مؤمن ، في إقبال الدنيا مؤمن وفي إدبارها مؤمن ، عندك أولاد مؤمن الله لم يهبك أولاد مؤمن ، عندك زوجة صالحة مؤمن ، زوجة سيئة مؤمن ، دخلك كبير مؤمن ، دخلك قليل مؤمن.
قصة سراقة بن مالك مع رسول الله :
هل