- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الخجل و الحياء:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الخامس عشر من دروس تربية الأولاد في الإسلام.
واليوم ندخل في التربية النفسية، وهذه التربية النفسية واسعة جداً، ونكتفي في هذا اللقاء من التربية النفسية بظاهرة هي ( الخجل )، الخجل نقيصة، والحياء فضيلة، وفرق كبير بين الخجل وبين الحياء، الحياء من الإيمان، أما الخجل من تربية قاسية، من تربية كلها شتائم، ضرب، وإهانة، هذه التربية القاسية التي يسلكها الآباء مع أبنائهم، من نتائجها الوبيلة أن هذا الطفل ضعيف الشخصية، يخجل أن يتكلم، وقد يصاب بحبسة في نطقه، التأتأة من خوفه، فالأب القاسي الذي يسارع في ضرب ابنه، وشتمه أمام إخوته أو أصدقائه هذا الطفل يتحطم، فلذلك لا يستطيع أن يقول كلمة، أحياناً يجبن عن أن يطالب بحقه، يجبن عن أن يدافع عن نفسه.
فالأب الذي لا يعرف أصول التربية، والأبوة كما تعلمون مسؤولية، قد يسبب لابنه متاعب كبيرة جداً حينما يكبر.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾
استمرار أثر التربية القاسية في الطفل إلى سن متأخرة جداً:
أثر التربية القاسية في الطفل قد تستمر نتائجها إلى سن متأخرة جداً، فضعف شخصية الطفل، خوفه من العقاب، أحياناً يكذب، والكذب من نتائج القسوة، أحياناً يركن إلى أصدقائه وأصدقائه أكبر خطر عليه، لأن تأثير الصديق على صديقه يزيد عن تأثير الأب، والأم، والأخوة الكبار، والأخوات الكبار، والمعلم، والشيخ، تأثير صديق على صديقه يزيد عن تأثير كل هؤلاء مجتمعين.
فيا أيها الأخوة، ساعة غضب، ضرب مبرح، إهانة، شتيمة، دائماً يشتم الأب ابنه، أنت غبي، وقد يكون ذكياً جداً، لكن كلمة غبي حطمت معنوياته.
التقيت بعالم كبير في بلد إسلامي، يحمل أعلى شهادة، وله إنتاج كتابي ودعوي كبير جداً، أقسم لي بالله أن سرّ تفوقه، وهو في قرية من قرى حمص، سرّ تفوقه أن له قريباً غير متعلم، قال له مرة وهو صغير، قال له: أنت يا بني سوف تكون عالماً كبيراً، كلمة، كلمة ملأت نفسية هذا الصغير ثقة بنفسه.
حدثني طبيب، له ابن، فمن أجل أن يحثه على أن يكون طبيباً، قال له: الخطاط الفلاني من كبار خطاطي سوريا تقدمت به السن، وأخاف أن يتوفاه الله دون أن يكتب لك لوحة الطبيب فلان، وهو في الصف السابع ذهب إلى الخطاط، وكتب لوحة الطبيب فلان الفلاني، وضعها في غرفة ابنه، فهذا الطفل الصغير يستيقظ فإذا اسمه الدكتور فلان، والآن من كبار أطباء دمشق، مختص بالعمود الفقري.
كلمة تشجيع، كلمة ثقة ترفع معنويات ابنك، لا تنسوا أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، في خجل، وفي وقاحة، فالجرأة، وقوة الشخصية بين الخجل كنقيصة، وبين الوقاحة كنقيصة.
سيدنا عمر يمشي في الطريق، رأى غلماناً يلعبون، له هيبة كبيرة، لما رأوه تفرقوا، إلا واحداً منهم، بقي واقفاً بأدب، لفت نظره، قال له: يا فلان لِمَ لم تهرب مع من هرب ؟ قال له: أيها الأمير ! لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك، أرأيت إلى هذه الجرأة، وهذا الأدب.
الأبوة مسؤولية و قوة شخصية الابن بسبب حسن تربية الأب:
لذلك: قوة شخصية الابن بين الوقاحة والتطاول وعدم الأدب، وبين الخجل والتطامن المرضي، هذه بسبب حسن تربية الأب.
والله أيها الأخوة، لو تأملتم الأخطاء التي يرتكبها الآباء بحق أولادهم، وكيف سيحاسبون عليها في المستقبل، الأبوة مسؤولية، قبل أن تتزوج، وقبل أن تنجب اطلب العلم لأن الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، طفل بريء له كرامته، له مشاعره، نمي له مشاعره، نمي له كرامته، أعطه حماساً، أعطه حناناً، أعطيه محبة، أعطه عطفاً، أخطأ، ممكن يخطئ، سامحه، دعه يصدق، إن ضربته لن يصدق مرة ثانية، دعه يصدق.
والله أنا لست مبالغاً لكنني أؤمن أن معظم أخطاء الطلاب من المعلمين، وأن معظم أخطاء الصغار من آبائهم وأمهاتهم، بيوت فيها قسوة، فيها ضرب، فيها شتائم، خصومات بين الأب والأم، هذه الخصومات تنعكس على الصغار.
فلذلك: الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله، هذا ابنك، هذا سيكون رجلاً، علمه الأدب، علمه الحياء، علمه أن يقف عند حده، ألا يتجاوز حده.
بنود التربية النفسية:
1 ـ أن يعالج الأب ابنه على انفراد:
أنا أول ملاحظة: أتمنى على كل أب، وعلى كل أم، أن يعالج الأب ابنه على انفراد، بينه وبينه، ومهما كان قاسياً إذا تمت هذه المعالجة بين الأب وابنه على انفراد كرامة الصغير محفوظة، والصغير لا يتألم من أبيه لو قسا عليه لأنه أبوه، لأنه يتألم أشد الألم حينما يصغره أمام أصدقائه.
كنت مرة في أمريكا، وحدثني طبيب هناك، له ابن، هذا الابن في المدرسة دعا زنجياً إلى البيت (صديقه في المدرسة)، الذي حصل كشأن أي أسرة مسلمة تحب أولادها فالأم هيأت طعاماً لصديقه، رأى هذا الصديق الزنجي، رأى ابن يحترم أمه وأباه احتراماً بالغاً، ورأى الأم تعتني بصديق ابنها، هيأت له طعاماً، في عناية بالغة، هذا الطفل الزنجي لما رأى هذه الأسرة المتماسكة كان سبب إسلامه، كانت مواقف هذه الأسرة من ابنها سبب إسلامه والله شيء جميل !.
عفواً، نحن في بلادنا من فضل الله هناك أسر تعتني بأولادها عناية بالغة، وتعتني بأصدقائهم، صديق الابن إذا كان من أسرة مربى تربية عالية محترم جداً.
فيا أيها الأخوة، أول بند في التربية النفسية ينبغي أن تعالج ابنك فيما بينك وبينه من أجل أن تحفظ له كرامته، ألا تخدش بين أصدقائه، أو أمام إخوته.
2 ـ أن يكون قدوة له:
النقطة الثانية: ما في طريقة للتأثير في الصغير كأن تكون قدوة له، يعني لو أن الأب قال لابنه: قل له: أنا لست في البيت، هذا الكذب العملي يلغي ألف محاضرة في الصدق، عود نفسك أن تكون صادقاً أمام ابن ينظر إليك هكذا، الأب يكذب ! الأب يدخن ! الأب يرفع صوته في البيت ! حتى رفع الصوت في البيت حتى يسمع من في الطريق هذا الصوت هذا مما يجرح العدالة، طبعاً أشياء كثيرة تجرح العدالة، منها:
من مشى في الطريق حافياً، منها تطفيف بتمرة، منها أكل لقمة من حرام، منها من تنزه في الطرقات، منها من كان حديثه عن النساء، منها من أكل في الطريق، منها من قاد جرذوناً، منها من أطلق لفرسه العنان، ومنها من علا صوته في البيت.
البيت المؤمن بيت هادئ، صوت عالٍ لا يوجد، هناك ود، محبة، تسامح، معالجة الأمور بالكلام، لا بخبط الأبواب، و بتكسير الأواني، و بالسُباب، بالشتائم، البيت الهادئ، الأولاد ينشؤون على الهدوء.
الملخص: إن كنت مع الله هداك الله إلى الطريق المستقيم.
الإسلام منظومة قيم أخلاقية و بطولة الأب أن يربي أولاده على هذه القيم:
التربية النفسية تربية على الفضائل، ينبغي أن تربي ابنك على الصدق، وأن تعلمه أنه إذا كان صادقاً لن تعاقبه، ينبغي أن تربيه أن يكون صديقك، يبوح لك بكل شيء، وأنت إذا أخطأ يا بني هذا خطأ، هذا الخطأ يسبب لك سمعة سيئة، هذا الخطأ قد ينعكس على مستقبلك انعكاساً سلبياً.
ملخص التربية النفسية: أن تنشئ ابنك على الفضائل، على الصدق، والأمانة والعفة، والاستقامة، واحترام الآخر، وإنجاز الوعد، والوفاء بالعهد، هكذا الإسلام.
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
الإسلام بنيان أخلاقي، الإسلام منظومة قيم أخلاقية، فبطولة الأب أن يربي أولاده على هذه القيم، أن ينتبه لحديثهم، هل هو صادق أم كاذب، أن ينتبه لأمانتهم، أن ينتبه لوعودهم.
طبعاً مرة ثانية: التربية النفسية تعني أن تربي ابنك على الفضائل الأخلاقية لأن الإيمان هو الخلق فمن زاد عليه في الخلق زاد عليك في الإيمان، ولأن النبي عليه أتمّ الصلاة والسلام قال:
(( وإنما بعثت معلماً ))
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))
فلذلك محور التربية النفسية التي بدأناها في هذا الدرس أن تربي ابنك على مكارم الأخلاق، من هذه النقاط النفسية الضعيفة في حياة الابن ( الخجل ).
الحياء من الإيمان وأعلى حياء أن تستحي من الله:
فهذا اللقاء مخصص لموضوع الخجل، وكما تعلمون الخجل ظاهرة مرضية ويقابله الحياء، والحياء من الإيمان، الحياء أن تستحي أن تقترف معصية، أن تستحي أن تتطاول على من هو فوقك، الحياء أن تستحي أن تأخذ ما ليس لك، الحياء أن تستحي من الله.
(( اسْتحْيُوا مَنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ، قُلنا: إنَّا لَنسْتَحيي من اللَّه يا رسولَ اللَّه والحمدُ للَّه، قال: لَيس ذَلِكَ، ولكنَّ الاسْتِحياءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ: أنْ تَحْفَظ الرَّأْسَ ومَا وَعى ))
في نظر، هل تغض البصر ؟ في أذن، هل تمتنع عن سماع مالا يرضي الله ؟ في يد.
(( أنْ تَحْفَظ الرَّأْسَ ومَا وَعى، والْبَطْنَ ومَا حَوى ))
هل تأكل طعاماً ثمنه مال حرام ؟ هل تقودك قدماك إلى معصية ؟ هل تبطش بيدك ؟ هذا حق الحياء، وأعلى حياء أن تستحي من الله، لأن الله حيي:
(( يَستَحي من عبده إذا رَفَعَ إليه يديه أنْ يَرُدَّهُما صِفْرا خَائِبَتَيْنِ ))
(( عبدي كبرت سنك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحي مني فأنا أستحي منك ))
الحياء فضيلة عظيمة فعلى الآباء أن يربوا أبناءهم على ستر عوراتهم:
الحياء فضيلة فيجب أن تربي ابنك على الحياء، الحياء يتمثل في أن الطفل ينبغي ألا يخلع ثيابه أمام إخوته، أو أمه وأبيه، والله في أسر ما شاء الله ! موضوع خلع الثياب يتم على انفراد، في غرفتها، وهناك أسر غير منضبطة، طفل يقوم بثيابه الداخلية أمام أخواته البنات، والنبت تقوم بثياب شفافة أمام إخوتها الذكور، والأبواب مفتوحة، وما في انضباط، هناك ظواهر و انحرافات خطيرة جداً بين أفراد الأسرة سببها الأول هذا التفلت.
مرة وجه النبي أصحابه إلى أن يستأذن الرجل على أمه إذا دخل عليها، فصحابي جليل قال: إنها أمي ! قال له: أتحب أن تراها عريانة ؟.
من البديهيات ألا تدخل على ابنتك قبل أن تستأذن، لعلها نائمة، لعلها متكشفة في أثناء النوم، يدخل أخ على أخته من دون استئذان ممنوع، يدخل الأب على ابنته من دون استئذان ممنوع، حينما تحفظ العوارات في البيت يكون في حياء، أما إذا في تفلت، في إهمال، في ثياب متبذلة، يرتديها الشباب والشابات في البيت أمام أمهم وأبيهم، وأمام بعضهم بعضاً، هذا الوضع المتفلت قد يؤدي إلى انحراف لا تحمد عقباه.
إذاً أولاً: أن نربي الابن على ألا يظهر عورته أمام إخوته، ولا أمام أمه وأبيه.
المؤمن منضبط الكلام ليس بفاحش ولا متفحش:
أيها الأخوة، الآن الكلمات، هناك كلام يسمعه الصغير من الطريق، يجب أن ينبه هذه كلمة بذيئة، البيت المنضبط يعيش الابن مع أمه وأبيه سنوات طويلة، لا يستمع ولا إلى كلمة بذيئة واحدة، ولا إلى ذكر العورات، ولا إلى سُباب فاحش، فكلما سعيت إلى أن يكون سمع ابنك منزهاً عن كل كلمة بذيئة فهذا من فضل الله عليك.
الآن خلع الثياب أمام الكبار والصغار، من دون تحفظ، واستخدام كلمات ليست تليق بالإنسان، البيت المنضبط.
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
والمؤمن ليس بفاحش ولا متفحش، منضبط الكلام.
قوة شخصية الابن تنتج من حسن تربية أبيه:
أيها الأخوة، هناك حديث شريف قد يفهمه الناس خطأ، الحديث:
(( إذا لم تَسْتحِ فَافْعلْ مَا شِئْتَ ))
من أدق معاني هذا الحديث، يعني إذا لم تستحِ من الله فافعل ما تشاء، ولا تعبأ هذا يعطيك قوة شخصية، نحن تحدثنا قبل قليل عن أن قوة شخصية الابن ناتجة من حسن تربية أبيه، فبين أن يكون الأب قاسياً فينشأ على الخجل، وهو نقيصة، وبين أن يعلو صياح الابن فالأهل يفرحون، يتكلم بكلمة بذيئة يضحكون، يتطاول على ضيف يهللون، تعلّم على الوقاحة، يتطاول على ضيف، يضرب الضيف، وإن كان صغيراً، يتكلم كلمة بذيئة، والكل يضحكون، معنى ذلك أنت السبب أيها الأب في أن يتعلم الوقاحة والتطاول، فلابد من أن يكون التوجيه متوازناً بين أن يكون خجولاً، وبين أن يكون وقحاً، فالحياء فضيلة بين رذيلتين، بين رذيلة الوقاحة، ورذيلة الخجل.
(( إذا لم تَسْتحِ فَافْعلْ مَا شِئْتَ ))
ما دمت واثقاً أن هذا العمل وفق منهج الله، ويرضي الله، لا تعبا بكلام الناس وأحد أسباب ضعف الشخصية الخوف من كلام الناس، وأحد أسباب قوة الشخصية الأمر واضح، الهدف واضح، الوسيلة مشروعة، امضِ بما أردت ولا تعبأ بكلام الناس، ومن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به.
من لم ينهَ عن المنكر و يأمر بالمعروف فقد خيريته:
موضوع الحياء من الله: مرة استنصحني موظف في التموين، التقى بي صدفة، قال لي: انصحني، أنا أردت أن استفزه، قلت له: اكتب الضبوط، وأودع الناس في السجن، قال لي: ما هذا الكلام ؟! قلت له: إذا كنت بطلاً هيئ لأي شيء تفعله جواباً لربك، لا لمن هو فوقك، هذا هو الحياء، أنا سوف أحاسب عن هذا العمل، هل موقفي أمام ربي سليم ؟ هل معي جواب يا رب أنا فعلت هذا ابتغاء مرضاتك.
أي أحد أسباب قوة الشخصية هذا الإنسان ينطلق من مبادئ، من قيم يؤمن بها، لكن أحياناً المجتمع يرفض بعض القيم، يرفض قيم النصيحة أضرب مثلاً على هذا:
تأتي ابنة أخيك إلى البيت لزيارة عمها، وهي ترتدي ثياباً فاضحة، ثيابها تصف كل خطوط جسمها، والعم يرحب بها أشد الترحيب، ويثني على دراستها، وذكائها وجمالها، أين النصيحة ؟ لأنه لو نصحها تنزعج، وإذا نصحها قد لا تعود ثانية لزيارته.
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ ﴾
فأحياناً توجه نصيحة لابنة أخيك، وهي متألقة، متشوفة بشخصيتها، ترتدي ثياباً فاضحة، أهلها لا يهتمون بمظهرها، وتبقى ساكتاً أنت ؟! إذا لم تستحِ من الله في توجيه هذه النصيحة فافعلها.
والله مرة دخلت إلى إنسان، محسوب على المسلمين، عنده موظفة بوضع لا يرضي الله عز وجل نصحته، قال لي: والله جاءني مئات الأشخاص ما أحد نصحني هذه النصيحة، هي واجب، والأمر تلافاه، إن لم تنصح أين قيمتك ؟.
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
إن لم ننهَ عن المنكر، وإن لم نأمر بالمعروف، فقدنا خيريتنا، وأصبحنا أمة كأية أمة لا فضل لها على أحد.
المؤمن ليس بالخب ولا الخبُ يخدعه:
الآن الحياء والخجل، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
عنده قوة شخصية، إنسان تطاول عليك، إنسان يقود مركبة قيادة رعناء، أنا أخجل أن أحاسبه، حسبي الله، لا، يجب أن تقف موقفاً حازماً من تفلته من قواعد السير، وإلا لست مؤمن
اً ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
الناس آخذون فكرة أن المؤمن تأخذ حقه فيسكت، تتطاول عليه فيسكت، تسحقه فيسكت، مؤمن ! يعني درويش، يعني أجدب، لا.
يقول سيدنا عمر: لست بالخب ولا الخبُ يخدعني، لست من السذاجة أن أجبن ولست من الخبث أن أخدع، لا أَخدع، ولا أُخدع، المؤمن كيس، فطن، حذر، فإذا في تطاول ينبغي أن توقفه عن حده،
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
من غلب على ظنه أن عفوه عن إنسان يصلحه فليعفُ عنه:
شاب يقود مركبته قيادة رعناء، وسبب حادثاً لطفل، لكن الحمد لله الطفل لم يمت، لكن في رضوض، وفي كسور، يصطفل، له رب يحاسبه، لا، كلما فعلنا معه هذا تطاول أكثر، لابدّ من أن تأخذ بحقك منه.
لكن أحياناً يكون سائق المركبة رجل وقور يمشي بسرعة معتدلة جداً، فالطفل يقفز أمامه، صار مسؤولاً، مع أن الحق على الطفل، لكن مسؤول، فإذا عفوت عنه قربته إلى الله
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾
فإذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه فاعفُ عنه.
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
أي أصلحه بعفوه:
﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
أحياناً يُتهم في المدرسة ظلماً يسكت، إن ربيته تربية قاسية يسكت، لا يرفع إصبعه، لم أفعل هذا أنا، فلما الطفل يدافع عن نفسه بأدب، بجرأة، تكون قد ربيته تربية بين الخنوع والخجل، وبين الوقاحة والتطاول.
من استشار ابنه أشعره بقيمته و مكانته:
بعض الأمثلة: هل تصدقون أن يجلس النبي عليه الصلاة والسلام بين أصحابه وعن يساره أشياخ كبار، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعن يمينه طفل صغير، جاء شراب بحسب السنة ينبغي أن يبدؤوا برسول الله ثم من على يمين رسول الله، وطفل صغير قال له: يا غلام أتأذن لي أن يشرب الأشياخ ؟ قال له: لا والله، لا آذن لك، لا آذن لأحد بحقي أن أشرب بعده، اعتبره حقاً مكتسباً.
أرأيتم إلى هذا التوجيه ؟ كيف أنه استأذن طفلاً، بالاستئذان أعطيته شخصيته، أعطيته حقه، والنبي الكريم سمح له أن يشرب قبل الأشياخ، وما اعتبرها تطاولاً، اعتبرها شرفاً له أن يكون دوره في الشرب بعد رسول الله.
كيف علمنا ؟ أنت لما تستشير ابنك أيضاً شيء كبير جداً، يا بابا نريد أن نفعل كذا ما قولك ؟ يا لطيف ! يشعر بقيمته، بمكانته، أبي يستشيرني، وقد تستمع إليه برأي حصيف وهو صغير.
يروى أن أبا حنيفة النعمان يمشي في الطريق رأى طفلاً أمامه حفرة، قال له: إياك يا غلام أن تسقط، قال له: بل إياك يا إمام أن تسقط، إني إن سقطتُ سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم، أنا سقوطي لا شيء، أما الإنسان القدوة إذا سقط سقطَ معه العالم.
أمثلة من التاريخ عن صغار في منتهى الأدب:
سيدنا عمر بن عبد العزيز، دخل عليه وفد المهنئين، تقدمهم صبي صغير انزعج، قال له: أيها الغلام اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً، غلام فصيح متكلم فقال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله عبداً لساناً ذاكراً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من أحقّ منك بهذا المجلس، أُعجب به.
موقف آخر، عبد الملك بن مروان دخل عليه وفد المهنئين، يتقدمهم صبي صغير، فانزعج أيضاً، قال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل عليّ حتى دخل ؟ حتى الصبية ؟ فقام هذا الصبي الصغير وقال: أيها الأمير ! إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك ولكنه شرفني، أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، يبدو في جفاف فأصبحوا على شفا الموت جوعاً، ومعكم فضول أموال، فإن كانت هذه الأموال لله فنحن عباده، تصدقوا بها علينا، وإن كانت لكم أيضاً تصدقوا بها علينا، وإن كانت لنا فعلامَ تحبسوها عنا ؟ فقال هذا الخليفة: والله ما ترك هذا الغلام لنا في واحدة عذراً.
مرة شاب يلقي درساً في مسجد، شاب ناشئ، تحلق الناس حوله وأحبوه كثيراً، هذا أثار حفيظة كبار العلماء، التقليل يُهين، فجاء أحدهم كي يُصغره، فجلس في مجلسه فلما انتهى الدرس قام هذا العالم المشهور، وقال: يا هذا، هذا الذي قلته ما سمعناه، فالشاب أديب جداً، قال له: سيدي وهل حصّلت كل العلم ؟ إذا قال نعم يكون أخطأ خطأ كبيراً، قال له: لا، قال له: كم حصلت منه ؟ قال له: شطره، قال له: هذا الذي قلته من الشطر الذي لا تعرفه.
أحياناً الإنسان أديب لكن يجيب إجابة رائعة، هذا من الشطر الذي لا تعرفه.
هناك شاب صغير يقوم بعمل (يقوم به الكبار عادة)، فرجل أراد أن يُصغره، فقال له: يا غلام، كم عمرك ؟ قال له: عمري كعمر سيدنا أسامة بن زيد الذي قاد الجيش، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان.
من ربى ابنه على الجرأة و الصدق و الأمانة فقد نمى شخصيته ورباه تربية حسنة:
لذلك أيها الأخوة الكرام، الأدب رائع جداً، سيدنا يوسف قال:
﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾
أيهما أخطر السجن أم الجب ؟ الجب أخطر، الجب احتمال الموت مئة بالمئة أما السجن الحياة مضمونة، لكن لو قال وقد أحسن بي إذ أخرجني من الجب ذكر إخوته بخطئهم الكبير.
لذلك ورد في بعض الآثار:
(( لا تحمروا الوجوه ))
لا تخجل إنساناً، تجاوز موضوع الجب، وشكر الله على أنه خرج من السجن.
في آخر الزمان والعياذ بالله كما ورد في الحديث الصحيح:
(( وإذا كانت أمراؤُكم شِرارَكم، وأغنياؤُكم بُخَلاءَكم، وأُمورُك إلى نسائكم فبطنُ الأَرض خير لكم من ظهرها، إذا كانَت أُمراؤُكم خيارَكم، وأغنياؤُكم سُمحاءَكم وأمورُكم شورَى بينكم، فَظَهْرُ الأَرضِ خَير لكم من بطنها ))
يعني بشكل أو بآخر أنت حينما تربي ابنك أن يكون جريئاً، أن يكون صادقاً، أن يكون أميناً، أن يكون واضحاً، أن يطالب بحقه، ألا يقبل الذل، ألا يرضى أن يكون مهاناً هذه التربية تنمي شخصيته، وتجعله بين الخجل المذموم وبين الوقاحة التي لا تحتمل.
العاقل من استنكر المواقف التي لا يرضي الله عز وجلّ:
الآن الذي يُرى إما من شدة الضرب والشتائم الطفل خجول، ضعيف الشخصية، يخجل أن يطالب بحقه، أو من شدة الإعجاب به على خطئه، وعلى بذاءة لسانه، وعلى تطاوله يصبح وقحاً لا يحتمل.
يروى أن شخصاً أراد أن يكسب رهاناً على حلم معاوية، فدفع غلاماً إلى أن يغمزه من مؤخرته حينما يصعد المنبر، فكان سيدنا معاوية ذكي جداً، حينما غمزه هذا الطفل علم أن هناك مراهنة فقال: اكسب الرهن يا غلام، يعني الذي راهن على حلمه نال هذا الرهن، هذا الطفل ألف أن يفعل هذا مع غير معاوية، فعلها مع آخر فقتله، فقالوا: حلم معاوية قتل الغلام.
لما طفل يتطاول تبقى ساكتاً له، يفعلها مع إنسان ظالم يسحقه، فلما تقف موقف الناصح، المستنكر لموقف لا يرضي الله عز وجلّ هذا موقف حكيم.
العاقل من ربى أولاده على الحياء لأن الله سبحانه وتعالى يحب الحياء:
لذلك تربية الأولاد فيما يتعلق بظاهرة الخجل تجعلهم أصحاب شخصية قوية بين الخجل كنقيصة، وبين الوقاحة كرذيلة، والحياء كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( الحياءَ من الإيمانِ ))
(( الإيمان بضع وسبعون شُعبة، وأفضلها قول: لا إله إلا الله، والحياءُ شُعْبَةٌ من الإيمان ))
فنربي أولادنا على الحياء، لأن الله سبحانه وتعالى يحب الحياء.