- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من ذاق حلاوة الإيمان بذل الغالي و الرخيص و النفس و النفيس :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الذوق، وهذا الموضوع ينطلق من أن للإيمان حقائق، وللإيمان حلاوة، وحلاوة الإيمان شيء، وحقائقه شيءٌ آخر، معظم الناس بإمكانهم أن يدركوا حقائق الإيمان، لكن قلةً من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه دفعوا حلاوة الإيمان، فذاقوا حلاوة الإيمان، والفرق بينهما شاسعٌ جداً، كأن تنطق بكلمة مئة مليار، بين أن تنطق بها وبين أن تملكها.
فلذلك الذي يشدك إلى الدين في الحقيقة ليس حقائق الإيمان، ولكن الذي يشدك إلى الدين حلاوة الإيمان، إذا ذقت حلاوة الإيمان بذلت الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، وكنت أسعد الناس في الدنيا، في أي ظرف، وفي أي عصر، وفي أي مصر، ظروف صعبة، سهلة، غني، فقير، قوي، ضعيف، متزوج، أعزب، صحيح، مريض، الذي يشدك إلى الدين حلاوة الإيمان، حلاوة الإيمان ثمنها باهظ، لكن نتائجها باهرة، الثمن باهظ جداً، الثمن انضباط، الثمن بذل وتضحية، لكن النتائج باهرة جداً.
حلاوة الإيمان يذوقها الإنسان ولا ترى بالعين :
لذلك الحقيقة الأولى في هذا اللقاء الطيب: أن حلاوة الإيمان أو أن تذوق حلاوة الإيمان شيءٌ داخلي لا يرى بالعين، أي المؤمن صادق، و يوجد بقلبه من الأمن ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، بقلبه من التفاؤل، والثقة بالله، والشعور أن الله يحبه، ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم
أقول لكم مرةً ثانية: الذي يشدك إلى الدين حلاوة الإيمان لا حقائق الإيمان، حقائق الإيمان إدراكها سهل جداً، الله خالق السماوات والأرض، هذا القرآن وحي السماء، هناك جنة وهناك نار، أي معظم المسلمين، المليار والخمسمئة مليون يؤمنون بهذه الحقائق، لكنهم بحسب الآيات الكريمة:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
المسلمون الآن ليسوا مستخلفين، على كثرتهم، وعلى غناهم، يملكون ثروات لا يعلمها إلا الله، يتمتعون بموقع في بلادهم نادر، مواقع أساسية خطيرة، مع ذلك ليست كلمتهم هي العليا، وليس الأمر بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل، لأنهم عرفوا حقائق الإيمان، لكنهم ما ذاقوا حلاوة الإيمان، إذا ذقت حلاوة الإيمان بذلت الغالي والرخيص والنفس والنفيس.
الحقيقة الأولى: أن حلاوة الإيمان يذوقها الإنسان، ولا ترى بالعين، مثلاً: لو أنك تأكل طعاماً نفيساً جداً، وأنت جائع جداً، تستمتع بهذا الطعام متعة يصعب أن توصف، الذي يراقبك، مهما يكن ذكياً، مهما يكن عاقلاً، هل بإمكانه أن يذوق ما تذوق؟ لا، لكن حينما تطلب صحناً آخر، وصحناً ثالثاً، حينما تطلب المزيد، الدليل أنت تستمتع بهذا الطعام، لو كان الطعام من الدرجة الثانية، أو الثالثة تكتفي بلقيمات، لو دُعيت بإلحاح تقول: اكتفيت، حينما تكتفي بكمية قليلة يكون هذا الطعام ليس كما تتمنى.
المؤمن رقم صعب لا يُباع ولا يُشترى لأنه ذاق حلاوة الإيمان :
فلذلك أحد أكبر الأدلة على أنك تذوق حلاوة الإيمان، أن تطالب بالمزيد، تصلي قيام الليل، تطالب بالمزيد، تصوم صيام النفل، تطالب بالمزيد، تبذل بعض المال لخدمة الخلق، تطالب بالمزيد، علامة أنك تذوق حلاوة الإيمان أنك تطالب المزيد، وعلامة أن هذه الحلاوة ضعيفة الأثر، تكتفي بالقليل، فالذي يكتفي بالقليل من العمل الصالح، بالقليل من العبادة، بالحد الأدنى، معنى ذلك أن حلاوة الإيمان لم يذقها، أدرك بعض الحقائق، يعمل وفقها، لكن ما ذاق حلاوة الإيمان.
أيها الأخوة، لو أنك ذقت حلاوة الإيمان لا تسمح لصارفٍ، أو لعقبةٍ، أن تحول بينك وبين حلاوة الإيمان، هناك تعبير شائع هو: لا يمكن لسبائك الذهب اللامعة، ولا لسياط الجلادين اللاذعة، أن تصرفك عن هدفك، المؤمن رقم صعب، أنا أقول لكم هذه الكلمة: أي إنسان على وجه الأرض، إذا غيّر قناعته بمبلغ من المال، ولو كان مليارات، انتهى عند الله، هذا الإنسان ثمنه هذا المبلغ، أي إنسان يغيّر قناعته، يخرج عن مبدئه، عن قيمه، عن أهدافه، مقابل مبلغ، لو كان مئات المليارات، لا يهم كبير أم قليل، هذا الإنسان له ثمن، انتهى، ثمنه هذا المبلغ، أما:
(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))
لذلك المؤمن رقم صعب، لا يُباع، ولا يُشترى، ولا يُساوم، لأنه ذاق حلاوة الإيمان.
الذي يبحث عن الإيمان و حلاوته لا يسمح لأي شيء أن يصرفه عن هدفه :
أيها الأخوة، أحياناً سبب تافه جداً يصرفك عن درس علم، لو أنك تذوق في هذا الدرس حلاوة الإيمان، لو أنك تزداد فهماً لهذا الدين في هذا الدرس، لا تسمح لإنسان زائر زيارة عابرة أن يلغي حضور الدرس، لسبب تافه بسيط، لحاجة في البيت تريد أن تتابعها، تترك طلب العلم، إذا ذقت حلاوة الإيمان لا تسمح لا لصارفٍ، ولا لعقبةٍ، والعقبات كثيرة، والصوارف كثيرة، لكن الذي يبحث عن الإيمان، وعن حلاوة الإيمان، وعن الذوق الذي يجعله في مصاف السابقين السابقين، لا يسمح لكل هذا أن يصرفه عن هدفه، لذلك الموحدون:
﴿ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
بينما ضعاف التوحيد، ضعاف الذوق، أية عقبةٍ مهما تكن تافهة، تصرفهم عن حقائق الإيمان، أي لو أن إنساناً دعي إلى الله أقل مساءلة، يلغي الدرس كله، أقل مساءلة يقول لك: هذا أفضل، لأنه ما ذاق حلاوة الإيمان.
الحب في الله و الحب مع الله :
أيها الأخوة الكرام، أي شيءٍ تتعلق به من الدنيا يصرفك عن حلاوة الإيمان، لذلك قالوا، وهذا كلام دقيق جداً: هناك حبٌ في الله، وهو عين التوحيد، وهناك حبٌ مع الله، وهو عين الشرك، إنسان يحب الله، من فروع محبة الله أنه يحب رسول الله، من فروع محبته لله أنه يحب أصحاب رسول الله جميعاً، من فروع محبته لله يحب التابعين، تابعي التابعين، يحب العلماء العاملين، يحب العلماء الربانيين، يحب المساجد، يحب القرآن، يحب العمل الصالح، يحب أهل الإيمان، ولو كانوا فقراء، ويتجافى عن الأغنياء والكبراء ولو كانوا أقوياء، فحلاوة الإيمان أساسها حبٌ في الله، صدقوا ولا أبالغ، محبة الزوجة المؤمنة، الطاهرة، العفيفة، فرعٌ من محبة الله، الحب مع الله عين الشرك، أن تحب إنساناً بعيداً عن الله لكنك تنتفع منه، لك معه مصلحة، هذا الإنسان يبعدك عن الله، قد تنسى فرض الصلاة معه، قد تنسى بعض المحرمات معه، فأي جهةٍ تحبها، وتبعدك عن الله، هذا حبٌ مع الله، والحب مع الله عين الشرك، بينما الحب في الله عين التوحيد، أنت إنسان تحب، والحب أنواع، لكن كل أنواع الحب تصب في خانةٍ واحدة، إنك تحب الله، إذاً تحب العمل الصالح، تحب البذل والتضحية، تحب أفعال الخير، تحب حليلتك.
(( الحمد لله الذي رزقني حب عائشة ))
تحب من حولك، من يلوذ بك، فالحب منوع، لكن أصله أنك تحب الله، فأي حبٌ لأية جهةٍ تزداد معها حباً لله هي حبٌ في الله، أي حبٌ لأية جهةٍ تزيدك قرباً من الله حبٌ في الله، لذلك في الدعاء الشريف:" اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب عملٍ صالحٍ يقربنا إلى حبك "
هذا الحب في الله، بينما الحب مع الله، أن تحب جهةً تبعدك عن الله.
دائماَ وأبداً أستخدم هذا المثل، لعبة شد الحبل، بأي لقاء مع الناس، بسهرة، بنزهة، بعلاقة، هذا اللقاء، أو هذه النزهة، أو تلك العلاقة، إذا شعرت أنهم شدوك إليهم، شدوك إلى تقصيرهم، شدوك إلى محبة الدنيا، شدوك إلى معصية، ابتعد عنهم، أم إذا جلست مع الآخرين، وتمكنت أن تشدهم إليك، كن معهم، الضابط في هذا الموضوع، هل تستطيع أن تشدهم إليك أم أنهم استطاعوا أن يشدوك إليهم؟ هنا المشكلة، إذاً دقق في كلمة الحب في الله، والحب مع الله، الحب في الله يزيد حبك لله، والحب مع الله يبعدك عن الحب لله عز وجل.
الوقت أثمن من المال فبطولة الإنسان أن يصرفه في معرفة الله و طاعته :
أيها الأخوة، كلما أحببت غير الله هبط مستواك، الله عز وجل في بعض تفاسير هذه الآية، وصف النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾
شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغنائه عن الناس، وكلما ارتقيت إلى الله ابتعدت عن سفاسف الأمور، القيل والقال، والمشاحنات، والجدل العقيم، والغيبة، والنميمة، والكلام الفارغ، والله أيها الأخوة، أقول لكم: تسعة أعشار كلام الناس كلامٌ فارغ، لا جدوى منه، فالمؤمن شرف قلبه بمعرفة الله، أهدافه نبيلة، يتحرك لهدف نبيل، يبذل وقتاً ثميناً لهدفٍ نبيل، أما أن يجر إلى سفاسف الأمور، إلى أشياء فارغة، لا تقدم ولا تؤخر، تجد سهرة للساعة الواحدة، كلها غيبة ونميمة، ومتابعة أفلام، وحديث عن المال، والنساء، والأسعار، كلام فارغ.
وتعلمون علم اليقين أن الإنسان مؤمنٌ في أعماق أعماقه، أن الوقت أثمن من المال، الدليل: لا سمح الله ولا قدر، لو أصيب الإنسان بمرضٍ عضال، وكُلفة عملية هذا المرض ثمن بيته، والله لا يتردد ثانية واحدة في بيع بيته، وإجراء العملية، إذاً مركزٌ في أعماقك أن الوقت أثمن من المال.
الآن لو إنسان وقف أمامنا، وأمسك خمسمئة ألف، وأحرقها أمامنا، بماذا نحكم عليه جميعاً؟ أنه سفيه، بل مجنون، إذا كان إتلاف المال يعد سفهاً وجنوناً، فكيف بإتلاف الوقت؟ صدقوا ولا أبالغ ما من شيءٍ تملكونه أثمن من الوقت، والمؤمن يحسن إدارة الوقت، ينتفع من كل وقته، لا يضيع ثانية، لهذا أقسم الله جلّ جلاله في عليائه بعمر النبي، ماذا قال؟
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
لك عند الله وقت، بطولتك أن تنفقه في معرفة الله، وفي طاعته، وفي العمل الصالح، إذا انتهى الوقت، فعلت في هذا الوقت الذي سينتهي عملاً ينفعك بعد مضي الوقت هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
الدنيا لا علاقة لها بمرتبة المؤمن :
الآن دققوا في هذا الموقف، سيدنا عمر رضي الله عنه، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اضطجع على حصير، بلا وسادة، هذا الحصير أثر في خده الشريف، فبكى عمر، فقال النبي الكريم: يا عمر ما يبكيك؟ قال له: رسول الله، أي سيد الخلق، حبيب الحق ينام على الحصير، وكسرى ملك الفرس ينام على الحرير؟
للقصة ثلاث روايات، الرواية الأولى: "قال له: يا عمر، ألا ترضى أن تكون الدنيا لهم والآخرة لنا؟ "
هذه إجابة، الثانية:
" يا عمر، إنها نبوةٌ وليست ملكاً "
أنا لست ملكاً، أنا نبي، النبي قدوة.
"إنها نبوةٌ وليست ملكاً "
الرواية الثالثة:
" أفي شكٍ أنت يا عمر؟ "
تجد مؤمناً فقيراً، له عند الله مقام كبير، فالدنيا لا علاقة لها بمرتبة المؤمن، قد يكون حاجباً، وقد يكون المدير العام أفسق إنسان، هذه الدنيا هكذا، الدنيا لها مقاييس، والله عنده مقاييس أخرى.
هناك رواية رابعة: قال: دخل عليه عمر وهو على حصير، وقد أثر في جنبه فقال: يا نبي الله! لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائف، فاستظل تحت شجرة، ساعة من نهار، ثم راح وتركها ))
أنا أضرب مثلاً لعله طريف، دابة واقفة بأيام الحر الشديد، وإنسان جلس في ظلها واستراح، فذهب ليشرب جاء إنسان جلس مكانه، قال له: هذا مكاني، قال له: لا هذا مكانك، تلاسنا، تصايحا، تشاتما، تضاربا، الحمار مشى، كل هذه المعركة ليس لها معنى إطلاقاً، لأن هذا الظل زائل.
الدنيا تغر وتضر وتمر :
أنا أعرف من بعض الأخوة المحامين آلاف الدعاوى شُطبت لموت أحد الطرفين، يقول لك: ثلاث وعشرون سنة في القضاء، بعدها مات أحدهما، الدعوى شُطبت، هذه الدنيا أحقر من أن نهتم بها.
سيدنا عمر بن عبد العزيز إذا دخل إلى مركز عمله ـ يسمونها آية الشعار ـ يتلو هذه الآية دققوا:
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ* مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾
لسيدنا عمر ـ رضي الله عنه ـ كلمة قال: "لو أن الدنيا من أولها إلى آخرها، أوتيها رجل، ثم جاءه الموت، لكان بمنزلتي"، من رأى في منامه ما يسره، ثم استيقظ، ليس بيده شيء، رجل فقير، في غرفةٍ قميئة، و ثيابٍ بالية، و طعامٍ خشن، رأى نفسه في قصر، حلم، استيقظ، هذا الواقع.
إنسان ـ رحمه الله ـ توفي كان شاباً، يعمل في سوق الحميدية في أحد المحلات، عنده هواية الدعابة، يجمع قمامة المحل، يضعها في علبة فاخرة جداً، يلفها بورق هدايا، لها شريط أحمر مع عقدة، يضعها على طرف المحل، يأتي إنسان، يظنه مُطيف ألماس، شيء غال، يحمل هذه العلبة، ويمضي، يلحقه، بعد مئتي متر يفك الشريط أولاً، وبعد مئتي متر ثانية يفك الغلاف، ثم يفتح العلبة، فإذا بها قمامة المحل، يصيح، وهو مستمتع بهذا الموقف، شاهدت المفاجأة؟ هذه المفاجأة الصاعقة؟ أقسم لكم بالله، من أمضى حياته في الدنيا، واستمتع بها، ونسي الله، عند الموت يفاجأ هذه المفاجأة، نعم الدنيا تغر، وتضر، وتمر.
﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾
الدنيا ساعة اجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة.
بطولة الإنسان أن يعمل عملاً صالحاً يلقاه في القبر :
أخواننا الكرام، يقول سيدنا علي ـ رضي الله عنه ـ: "يا بني ما خيرٌ بعده النار بخير، وما شرٌ بعده الجنة بشر، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية".
نعيم الدنيا بحذافيره، في جنب نعيم الآخرة أقل من ذرةٍ في جنب جبال الدنيا، نعيم الدنيا بنسائها، بأموالها، بمراكزها، بمناصبها، بمباهجها، بقصورها، ببيوتها، بمركباتها، طائرة خاصة، ويخت خاص، وعدد من السيارات، نعيم الدنيا بأكمله لا يساوي أمام نعيم الآخرة إلا كذرة أمام جبال الدنيا، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام له حديث دقيق قال:
((ما أخذت الدنيا من الآخرة إلا كما أخذ المخيط غرس في البحر من مائه))
أنت سافر إلى طرطوس إلى البحر، واركب إلى أرواد، وأمسك إبرة واغمسها في البحر، واسحبها، كم علق بها من ماء البحر؟ نسبة هذا الذي علق بها أمام البحر المتوسط، والمحيط الهادي، والمتجمد الشمالي، والجنوبي، والبحر العربي، وكل المحيطات كم علق بها من مياه البحر؟ هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
وسيدنا سعد بن أبي وقاص يقول: "ثلاثةٌ أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحدٌ من الناس ـ من هذه الثلاثة ـ ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى".
أعرف إنساناً كان يسكن في أحد أحياء دمشق، الشعبية، الفقيرة، البائسة، بيت تحت الأرض، ستون متراً، شمالي، لا شمس، ولا ضوء، بعد ست وعشرين سنة يجمع القرش فوق القرش، اشترى بيتاً في المهاجرين، له إطلالة جميلة، القصة دقيقة جداً جلس مع زوجته في الشرفة، مع فنجان قهوة، قال لها: الآن أمّنا مستقبلنا، عاش ثلاثة أيام و في اليوم الرابع كان بالقبر، هذه الدنيا تغر، وتضر، وتمر، فالبطولة أن تعمل عملاً تلقاه في القبر.
السعادة و اللذة :
أيها الأخوة، في الدنيا لذائذ، تأتيك من الخارج، وتحتاج إلى مال، اللذة تشترى شراءً، البيت الفخم غال كثيراً، والمركبة الفاخرة غالية جداً، والزوجة الجميلة لها مطالب عالية جداً، فهناك أشياء تأتيك من الخارج، تسمى لذائذ، هذه حسية، وتتناقص، وتعقبها كآبة، وشيء اسمه سعادة، هذا ينبع من الداخل، هذا لا يشترى ولا يباع، يأتيك من الله، بعد طاعتك له، وإقبالك عليه، ودفع ثمن حلاوة الإيمان
هذه السعادة متنامية، متنامية وتنتهي بالجنة، وأنا والله أدعو لكم جميعاً أن يجعل الله لكم نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، ليس على الله عسير إطلاقاً، أي إنسان عاش ببحبوحة، والله أكرمه، سمعة طيبة، وصحة طيبة، وتوفاه الله إلى الجنة، أن يجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، بطاعة الله طبعاً.
فلذلك السعادة متنامية، واللذة متناقصة وتعقبها كآبة، اللذة حسية، تأتيك من الخارج، طابعها مادي، حسي، متناقصة، والسعادة متنامية، تنبع من طاعتك لله، تنبع من استقامتك على أمره، تنبع من عملك الصالح، لذلك بأي مجتمع لا يوجد كآبة عند المؤمن، مع الله لا يوجد كآبة إطلاقاً، فالله عز وجل بيده كل شيء، الأقوياء بيده:
﴿ جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
أي ملخص هذا الكلام، ابحث عن حلاوة الإيمان، لأن حلاوة الإيمان هي المسعدة في الدنيا والآخرة، وحلاوة الإيمان تشدك إلى الله، حلاوة الإيمان تمنعك أن تنصرف عنها بأي صارف، وأي عائق، لكن إذا كان هناك تقصير، يصبح هناك إهمال، وملل، و سأم، و ضجر، و تأجيل.