وضع داكن
22-12-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الغاشية - تفسير الآيات17-20 الإنسان مُكَلَّف أنْ يتعرَّف إلى الله بالكون.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

حتمية وجود علاقة وارْتِباط  بين آيات كُلِّ سورة:


أيها الإخوة المؤمنون؛ وصلنا في الدرس الماضي في سورة الغاشية إلى قوله تعالى:

﴿ هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍۢ (5) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍۢ (6) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِى مِن جُوعٍۢ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ(8) لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ (10) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14)وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ (16)﴾

[ سورة الغاشية ]

﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)﴾

[ سورة الغاشية ]

ما علاقة هذه الآية بِتِلْكَ الآيات؟ الله -سبحانه وتعالى- يقول:

﴿ الٓر ۚ كِتَٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾

[ سورة هود ]

معنى أُحْكِمَت آياته؛ أيْ تعلَّقَ بعْضُها بِبَعْض، هناك علاقة وارْتِباط بين آيات كُلِّ سورة، فما العلاقة بين:

﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19)﴾

[ سورة الغاشية ]

هذه آيات كَوْنِيَّة، ما علاقة هذه الآيات بحديث الغاشية والوُجوه الخاشِعة، والوُجوه الناعمة؟ الحقيقة أنَّ الله -سبحانه وتعالى- إذا وَصَفَ لنا أهْلَ الجَنَّة ثمَّ وَصَفَ لنا أهْلَ النار، أو العكس، ما الذي يُجْزي من ذلك إنْ لم يُبَيِّن لنا طريق النجاة من النار وطريق الفوز بالجنَّة؟ بعد أنْ وصَفَ عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنَّة بَيَّن الله -سُبْحانه وتعالى- طريق النجاة من عذاب النار والفَوْز بِنَعيم الجَنَّة، كيفَ؟ الإيمان أساسُ الاستقامة والإخْلاص والعمل الصالح، سُئل عليه الصلاة والسلام: 

(( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: الإِيمَانُ بِاللَّهِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمِلاً. قَالَ: يُرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا لا يَجِدُ مَا يُرْضَخُ بِهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَيِيًّا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: يَصْنَعُ لأَخْرَقَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَخْرَقَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا؟ قَالَ: يُعِينُ مَغْلُوبًا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا؟ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ فِي صَاحِبِكَ مِنْ خَيْرٍ، تُمْسِكُ الأَذَى عَنِ النَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَفْعَلُ خَصْلَةً مِنْ هَؤُلاءِ، إِلا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. ))

[ أخرجه الطبراني، والحاكم، والبيهقي مطولاً، وصححه ابن حبان عن أبي ذر الغفاري  ]

فالإيمان أساس الاستقامة والمعرفة والعمل الصالح والعِبادة والإخْلاص، الإيمان أساس كُلِّ شيءٍ في عالم الدِين، كيف نُؤْمن؟ الله -سُبحانه وتعالى- لا تُدْركه الأبصار، لا بد إذاً من أجْل أنْ نعْرِفَهُ من التَّفَكُّر بآياته، فإذا فَكَّرْنا بآياته عَرَفْنا الله -عزَّ وجلَّ-، فإذا عرفْنا الله -عزَّ وجلَّ- اسْتَقَمْنا على أمْره وتقرّبنا إليه وأخْلَصْنا له، إذاً هناك علاقَةٌ مُحْكَمَة ومتينة بين المقْطع الأوَّل والثاني من هذه السورة وبين مقْطَعِها الأخير، المقْطَعُ الأوَّلُ وصْفٌ لأحْوال أهْل النار، والمقْطعُ الثاني وصْفٌ لأحْوال أهْل الجَنَّة، والمقْطَعُ الثالث بيانٌ لِطَريق النجاة والفوْز، طريق النجاة من عذاب النار والفَوْز بِنَعيمِ الجنَّة.
 

المقصود بالنَّظَر نظرُ الفِكْر لا نظَرَ العَيْن: 


فربُّنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ﴾ ؟ الحقيقة أنّ كلمة ينظر هنا لا تعْني نظَرَ العَيْن، إنَّ الغنمة تسْتطيعُ أنْ تنظر إلى الجمل وتَحيد عنه في طريقِها إذا نظرَتْ إليه ورأَتْهُ، وأيُّ دابَّةٍ من دواب الأرض تنْظر وترى، دع نمْلَةً تسيرُ على الطاولة وضَعْ يدك أمامها، تَقِفُ ثمَّ تُغَيِّرُ مسارها، معنى ذلك أنَّ النَّمْلة رأَتْ وغَيَّرَتْ مسارها، فالنَّظَر الذي أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- به في هذه الآية ليس نظر العَيْن ولكِنَّهُ نظرُ الفِكْر، قد تُطْعِمُ دابَّةً حشيشاً ولا يرى إلا أنَّهُ غِذاءٌ يبْحث عنه، لكن الإنسان إذا نظر إلى التُّفاحة يرى من خِلالها الله-عزَّ وجلَّ-، وإذا شرِبَ كأس ماء يرى من خلاله الله-عزَّ وجلَّ-، وإذا نظر إلى ابنه وهو يعلم أنَّ أصْلَهُ نُطْفَة يرى يد الله كيف صنعته في بطن أمه، إذا نظر إلى الجبل والسهْل والبحْر والشجَر والورد هذا هو النظر المقصود في هذه الآية؛ نظر التفَكُّر ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، الحقيقة أنَّ الإنسان الأعْمى هو الذي يمُرُّ على هذه الآيات ولا يرى من خِلالها الله-عزَّ وجلَّ-:

﴿ وَكَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍۢ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾

[ سورة يوسف ]

﴿  قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِى ٱلْأٓيَٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍۢ لَّا يُؤْمِنُونَ (101)﴾

[ سورة يونس ]


الحكمة من اختيار الله آية الجمل:


قد يقول قائِل: لِمَ اخْتار ربنا -سُبحانه وتعالى- من بين آلاف الحيوانات ومن بين ملايين الآيات الجَمَل؟ لأنَّ الله -سُبحانه وتعالى- يُخاطِبُ بهذا القرآن العظيم العَرَب وهم سُكانُ الصحْراء، والجَمَل يحْتَلّ المكانة الأولى في الصحْراء، يعيشون معه ويحْتلّ جُزءاً من اهْتِمامهم-ملء سمعهم وبصرهم-، ألَمْ يقل النبي عليه الصلاة والسلام:

(( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ يَومَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ، قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ: أيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟ فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ؟ فقِيلَ: هو -يا رَسولَ اللَّهِ- يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ: فأرْسَلُوا إلَيْهِ. فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي  ]

ماذا يعْني هذا الحديث؟ أنَّ حُمُر النِّعَم شيءٌ ثمينٌ جداً ونفيسٌ جداً، والإنسان العرَبِيُّ في الصحْراء يعدّ الجمَلَ أثمَنَ مال في الصحْراء؛ لذلك ربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾
 

الصفات التي يتميز بها الجمل:


1- أولاً: الحَجْم المُتناسب:

فلو أنَّ حجْمَ الإِبِل أصْغر من ذلك لما تناسبَ مع رِمال الصَّحْراء، ومع الكُثْبان الرَّمْلِيَّة، ومع المسافات الشاسِعَة التي على الجَمَل أن يقْطَعَها، فالحجْمُ مُناسب.

2- ثانياً: تحمل العطش:

هذه الصحْراء -كما تعْلمون- قاحِلَة لا نبات فيها ولا ماء، إذاً لا بد من أنَّ هذا الحيوان الذي سَخَّرَهُ الله لِخِدْمَةِ الإنسان أنْ يتحَمَّل العطش، إن الجَمَلُ يتَحَمَّلُ العَطَش إلى دَرَجَة مذهلة، فقد يستطيع أن يبقى بلا ماء عشْرة أيامٍ، وفي الأحوال العادِيَّة يشرب في الأربعة أيام مرَّةً واحدة؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- زَوَّدَهُ بِمُسْتَوْدعات للماء في جَسَدِه يسْتَهْلِكُها رُوَيْداً رُوَيْداً، فربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، البَدْوُ يُسَمون الجمل (عَطا الله) ؛ أي عطاء الله -عزَّ وجلَّ-، وتعْلمون أنَّ المناطق القاحِلَة في العالم تُساوي سُدْسَ اليابِسَة، واليابِسَةُ تُساوي خُمْسَ الكرة الأرضية وسًدس الخمس صحارى وبوادٍ وأراضٍ قاحلة، والجمل هو الوسيلة الوحيدة للتنَقُّل في الصحارى، وإلى الآن في بعض الدول لا يُسْتخدم إلا الجمل في نقْل الحاجات والمُعِدَّات، حتى أن بعض الجُيوش في العالم تسْتخدم الجمل حتى هذا التاريخ؛ لأنَّهُ الوسيلة المُجْدِيَة والأمينة والفعالة في الصحْراء.

3- ثالثاً: شفتا الجمل:

قال بعض العلماء: كلُّ ما في الجَمَل مُتْقَنُ التَّصْميم كي يتَحَمَّلَ البيئة القاسِيَة في الصحْراء، تحسُّ أنَّ وراء الجَمَل يوجد خلق مُبْدِعَ وإلهٌ عظيمٌ وعقل أول صممه، قالوا: شفتا الجَمَل مَطاطِيَتان قاسِيتان؛ قَساوة مع مُرونة، تسْتطيعان أنْ تلْتَهِما الشَّوْك الذي يخرق نعْل الحِذاء، يوجد في الصَّحْراء شَوْكٌ لو وَضَعْتَ قَدَمَكَ فوقه لاخْتَرَقَ النعْل إلى رِجْلِك، وهذا الشَّوْك كأنَّهُ إبَرٌ فُولاذِيَّة تسْتطيعُ شفتا الجَمَل أنْ تلْتَهِمَهُ في الصحْراء، فما هذه القُدْرة التي منَحَها الجَمَل وَزَوَّدَها به، وشَفَتا الجَمَل تجْمعُ الطعام من دون أن يفْقِد فَمُ الجَمَل رُطوبته؛ لأنَّ الماء في الصحْراء نادِر والماءُ شيءٌ نفيسٌ في الصحْراء، إذاً كُلُّ تصْميمات الجَمَل بِشَكْل ألا يسْتَهْلِكَ الرُّطوبة التي في جَسَدِهِ؛ لذلك الشَّفتان المُتباعِدتان المطَّاطِيَّتان تلْتَهِمُ الأعْشاب وَفَمُهُ مُغْلق حِفاظاً على الرَّطوبة في فَمِهِ، ويأكُلُ الجَمَلُ نباتاتٍ لا يلْتَفِتُ أيُّ حيوانٍ إليها، فمهما كان النبات قاسِياً وشَوْكِياً وجافاً ومُؤَنَّفاً وحادّاً يأكله الجمل؛ لأنَّهُ يعيش في الصحْراء وفي الصحْراء شَّوْك، والشَّوْكُ أوْراقٌ إبَرِيَّة، وهذا التَّصْميم من أجل الحِفاظ على الرُّطوبة، في المناطق الاسْتِوائِيَّة الأوراق كبيرة جداً لأنَّ الرُّطوبة متوفرة لكنَّ في الصحْراء الرطوبة نادِرَة جداً، فالنبات الذي ينْبُتُ في الصحْراء ترى أوْراقهُ كالإبَر المُؤَنَّفَة، كُلُّ هذا من أجل الحِفاظ على الرُّطوبة.

 4- رابعاً: معدة الجمل:

مِعْدَةُ الجمل لها أربعة أجْواف فَهُوَ من الحيوانات المُجْتَرَّة، فَلَو أنَّك حَرَمْتَ الجمل الطعام أمداً طويلاً فإنَّهُ يهْضِمُ الطعام الذي كان قد أكله، وقد ركَّبَ الله في ظهْره مُسْتَوْدعاً غِذائِياً يكْفيه عَشَرات الأيام بل ما يُعادل الشَّهْر؛ ذلك السَّنام، السٍّنام رَكَّبَهُ الله -عزَّ وجلَّ-  في الجمل لأنه يقْطعُ مسافات طويلة بلا طعامٍ ولا ماء في طريقه الصحْراوي، كما قُلتُ قبل قليل: يسْتطيع الجمل أنْ يسْتغْني عن الماء أربعة أيامٍ في الأحوال الطبيعِيَّة، وعشْرَة أيامٍ في الأحوال القاسِيَة، لذلك سيّدنا خالد -رضي الله عنه- اسْتَخْدَمَ الجِمال في معْرَكَة اليَرْموك ونقل بها الجَيش من العِراق إلى الشام في عَشْرة أيام دون أنْ تشْرب قطْرَةً واحدة.

 5- خامساً: بوله وروثه:

لو تتبَّعْتَ الأجْهزة التي ركَّبَها الله في الجَمَل، بَوْلُهُ كثيفٌ جداً لئلا يسْتهلك الماء، رَوْثُهُ قليل جداً لئلا يسْتهلك الماء.

6- سادساً: تعرّق الجمل:

لا يتعَرَّق الجمل، فلو كان يتعرَّق والحَرّ شديد لَفَقَدَ ماء جِسْمه، يعتمد في الحفاظ على حرارة جِسْمِهِ بِعَكْس الحرارة عن طريق وَبَرِهِ الملتمع، الإنسان يتعرَّق والتعرُّق يُحافظ على حرارته، لكنَّ الجمل لا يتعرَّق أبداً حِفاظاً على الماء في جَسَدِه.

7- سابعاً: السرعة وتحمّل الأوزان:

الجمل يسْتطيعُ أنْ يسبق الحِصان، ويصْمُدُ على المسافات الطويلة وبالأحْمال الثَّقيلة -كما قلتُ قبل قليل- مُصَمَّمٌ ومُهَيَّأٌ للصحراء، ويسْتطيعُ حَمْلَ 200 كغ والسَّيْر بهما 40 كم لِمُدَّة ثلاثة أيام مُتواصِلَة دون تَوَقُّفٍ ودون طعامٍ وشراب.

 8- ثامناً: سَفِنات الجمل:

شيءٌ آخر، وهو أنَّ ربنا -عزَّ وجلَّ- لفتَ نظَرَنا إلى الجمل إلى سَفِناته، هذه السَّفِنات تلك الدوائر المُتَقَرِّنَة من جلده الموجودة في بطْنه وفي يَدَيْه ورِجْلَيْه، من أجل أن يسْتوي عليهما قاعِداً، فالجَمَلُ إذا جلس على الأرض جلسَ جلْسَةً نِظامِيَّة من أجل أنْ يستطيع صاحِبُهُ أنْ يُحَمِّلَهُ، فلو جلس على الأرض كما يجْلس الحِصان أو البقرة أو الدابة لما أمْكَنَهُ تحْميلها، كيف يُحَمِّلُهُ صاحبه وهو عالٍ؟ يحْتاجُ إلى سُلَّم فإذا صعد السُّلَم وابْتَعَد الجمل رمى صاحِبَهُ ودقَّ عُنُقَهُ، لذلك ربنا -عزَّ وجلَّ- جعل الجمل ينْفَرِدُ بِهذه الجِلْسَة؛ جِلْسَة نظامِيَّة تعينه عليها سَفِنات بطْنه وفي رِجْلَيْه ويَدَيْه، كيفَ ينْهض وله هذه القوائِم الطويلة؟ لو نهضَ بدْءاً بِقَوائِمِه الخَلْفِيَّة لَوَقَعَ الحِمْلُ على الأرض، ولو وقَفَ بدءاً بِقَوَائِمِهِ الأماميّة لَوَقَعَ الحِمْل خلْفَهُ، لكنَّ الله -سُبحانه وتعالى- جعل له ذلك الرأس الكبير وذلك العُنُقَ الطويل كي يكون مُتوازِناً في قِيامه وفي قُعودِهِ ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾
 

9- تاسعاً: رموش الجمل:

الجمل يسْتطيعُ أنْ يُغْلِقَ رُموشَ عَيْنَيْه وأنْ يرى طريقه دون أنْ يدخُل الرَّمْل في عَيْنَيْه، مُزَوَّدٌ بِرُموشٍ دقيقة مُتشابكة تسْمحُ له بالرؤيا ولا تسْمح للغُبار بالدخول لِعَيْنَيْه لأنَّ الصحْراء مملوءَةٌ بالعجاج والغبار الدقيق جداً. 

10- أنف الجمل وأذنيه:

الجملُ من بين الحيوانات التي تسْتطيعُ إغْلاق أُذُنَيْها وأنْفِها، إذا هَبَّت الرِّياحُ العاتِيَة وأثارَتْ الغُبار الدقيق فإنَّ الجمل يسْتطيعُ أنْ يُغْلِقَ أُذُنَيْه وأنْفَهُ وأجْفان عَيْنَيْه ومع ذلك يستطيع أن يرى طريقه من دون أن يتعثّر.

11-خف الجمل:

الجملُ مُزَوَّدٌ بِخُفٍّ يُعينه على السَّيْر في الرَّمْل، اِذْهَب إلى ساحِلِ البحْر وامْشِ بقَدَمَيْكَ على أرْضٍ رَمْلِيَّة ثمَّ تذَكَّر مِقْدار المَشَقَّة التي تُعانيها في الَّسيْر على الرَّمْل، لكنَّ الجمل مُزَوَّدٌ بِخُفٍّ مَرِنٍ وبِظُفْرٍ يدْفَعُ عنه الأحجار إذا سار على الرَّمْل ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، صُنع من؟! 
شيءٌ آخر؛ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلِقَتْ بِهذه الصِّفات، وكيْفَ تَمَّ خلْقُها؟! ألَيْسَ الجمل في أصله نُطْفَة؟ ألَم يتَكَوَّن الجمل في رَحِمِ أُمِّهِ؟ يدُ مَن صاغَتْ هذا الخلْق؟ يدُ مَن جعلتْ له أربعة أجْوافٍ هضْمِيَّة؟ يدُ مَن جعلتْ له مُسْتَوْدعاتٍ للماء في بطْنِه؟ يدُ مَن جعلتْ سنامهُ؟ يدُ مَن جعلتْ رقَبَتَهُ طويلة؟ يدُ مَن خلقَتْ هذه السَّفِنات؟ يدُ مَن جعلتْ هذه القوائِم العالِيَة؟ يدُ مَن جعلتْ هذه الخصائِص؟ هذه الشَّفَة المطاطِيَّة التي تحْتمِلُ أقْصى أنواع الشَّوْك، لِمَ لا يعرقُ الجمل؟ لم يُغْلِقُ رموشَ عَيْنَيْه؟ كيف يغلقُ أُذُنَهُ وأنْفَهُ؟ يدُ من؟ ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ فَرَبُّنا -عزَّ وجلَّ- في هذه السورة بَيَّن لنا طريق الإيمان، طريق الإيمان أنْ تُفَكِّر في آيات الله -عزَّ وجلَّ-، فإذا فَكَّرْتَ في آيات الله عَرَفْتَهُ، وإذا عَرَفْتَهُ اسْتَقَمْتَ على أمْرهِ، وإذا اسْتَقَمْتَ على أمْره أقْبَلْتَ عليه، وإذا أقْبَلْتَ عليه اصطبغتْ نفْسُك بالكمال فَصِرْتَ صالِحاً أن تسْعَدَ بِقُرْبِهِ إلى أبد الآبِدين : ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾
شيءٌ آخر؛ قضية قيامه وقعوده وتوزان الرقبة مع الرأس، وقضية القعود النظامي هذا مبْني على عِلْم الحَرَكة والثقالة، إذاً الإله العظيم الذي خلقهُ خلقُهُ مَبْنِيٌّ على عِلْم وحِكْمَة؛ لذلك تتعرَّفُ إلى العليم والحكيم والقدير من خلال الجمل، أسْماء الله الحُسنى تسْتطيعُ أنْ تعرف طَرَفاً منها من خِلال خلْقِهِ ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، والوقْتُ لا يتَّسِعُ، والمقامُ لا يتَّسِعُ، وطبيعة الدَّرْس الديني لا تتسِع لِتَفْصيلاتٍ عن الجمل أفاض بها العلماء. 

إعجاز الله في الكون:


المجرات والنجوم:

أوَّلاً كما قلنا من قبل في قوله تعالى: 

﴿ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ (1)﴾

[ سورة الطارق ]

السماء فضاء وكواكب، هذا الفضاء الذي لا حُدود له، هل فَكَّرْنا فيه؟ 

﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ(75) وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)﴾

[ سورة الواقعة ]

فكلمة 18 ألف مليون سنة ضوئِيَّة هل يُمكننا استيعابها؟ 13 ألف مليون سنة ضوئِيَّة بُعْدُ مجَرَّة أخرى، 150 ألف سنة ضوئِيَّة طولُ مَجَرَّتِنا، 15 ألف سنة ضَوْئِيَّة عرض مَجَرَّتِنا، 13 ساعة أقْصى بُعد بين المجموعة الشَّمْسِيَّة، الشمسُ ثمانِيَ دقائق والقمرُ ثانِيَة، فإذا كان بُعد القمر ثانِيَة وصعد الإنسان للقمر وركِبَ مرْكَبَةً تسير بِسرعة 40 ألف كم في الساعة، ووصَلَهُ بعد ثلاثة أيام، وكَلَّفَتْ هذه الرِّحْلة 24 ألف مليون دولار، وقد قطع الإنسان في الفضاء الخارجي ثانِيَةً ضَوْئِيَّةً واحدة، فَكَيْفَ لو كُلِّفَ بِقَطْع ثماني دقائق؟! بعدُ الأرض عن الشمس 156 مليون كم، فَكَيْفَ لو كُلِّفَ أنْ يقطع المجموعة الشَّمْسِيَّة 13 ساعة؟ فَكَيْفَ لو كُلِّفَ أنْ يقطع عرْضَ المَجَرَّة 15 ألف سنة ضَوْئيَّة؟ كيف لو كُلَّفَ أن يصِل إلى نجم القطب 4 آلاف سنة ضَوْئِيَّة؟
 مرَّةً عملتُ حساباً بسيطاً: إذا كان الضوء300 ألف كم في الثانية ضربناهم في60، والناتج في 60، والناتج في 24، والناتج في 365، قسَّمناهم على 100 وهي سرعة سيَّارة تسير 100كم في الساعة، ثم قسَّمناهم على 24 في اليوم، على 365، الناتج: 27 مليون ملْيون سنة، فإذا كان هناك طريق خيالي مُعبَّد إلى نجم القطب فلا بدَّ لك من 27 مليون ملْيون سنة حتَّى تصل إلى نجم القطب؛ أربعة آلاف سنة ضوئية، فكيف لو كُلِّفتَ أن تصل إلى بعض المجرات البعيدة التي استغرق ضوؤها كي يصل إلينا 18 ألف مليون سنة ضوئية، رأينا مجرَّة بُعدُها عنَّا 18 ألف مليون سنة ضوئية، العلماء يقولون: هذا المنظر كاذب، هذا المنظر هو شكل المجرة عندما كانت هنا قبل 18 ألف مليون سنة ضوئية، ذهبت إلى مكان آخر، فربُّنا -عزَّ وجلَّ-قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ 

 نظام الجاذبية:

نظام الجاذبية تصميم مَنْ؟ أن الكواكب تتجاذب بحسب كتلتها ومربَّع المسافة بينها، هذا النظام من صمَّمه؟ 

﴿ أَمَّن جَعَلَ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنْهَٰرًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)﴾

[ سورة النمل ]

بنظام الجاذبية كل شيء تتركه يقع على الأرض، لماذا يقع على الأرض؟ لأنه مربوط في الأرض بالجاذبية، ولو كنت في الفضاء الخارجي وتركتَه هناك يبقى هناك، لا وزن له، في مناطق انعدام الجاذبية لا يوجد وزن، رُوَاد الفضاء سبحوا في الفضاء بدون وزن وما سقطوا، ما معنى وقع؟ أي أن هذا الشيء مربوط بالأرض بالتجاذب، هذا نظام الجاذبية من صمَّمه؟ فإذا كان هناك نظام تجاذب في الكون فلماذا لا ينجذب الكون إلى بعضه بعضاً فيصبح كتلة واحدة؟! ما دام الأكبرُ يجذب الأصغرَ، لا بدَّ أن تجذب الشمس المشتري وزحل وأورانوس والمريخ، أن تصبح المجموعة الشمسية كتلة واحدة، وهذه الكتلة الضَّخمةُ تنجذب إلى أكبر نجم في المجرَّةِ، وتصبح المجرة كلُّها كتلة واحدة، والمجرات تنجذب إلى بعضها فيصبح الكونُ كلُّه كتلةً واحدةً، لا بدَّ مِن أن يقع هذا لولا الحركة، الحركة فيها بركة، بهذه الحركة تنشأ القوَّةُ النابذةُ التي تكافئ القوَّةَ الجاذبةَ ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ ، كيف هذه الحركة والتجاذب والاستقرار؟ من أصعب الأشياء النظام مع حركة، أنتَ مهما كنتَ ماهراً في الرياضيات وجِئْتَ بقطعتي مغناطيس تضع الأُولى على الأرض وتُعلِّق الثانية بخيط، وتضع مسماراً في الفضاء بينهما في المكان المُنَصِّف تماماً، وأن يبقى المسمارُ عالقاً في الفضاء بفعل تساوي التجاذب بين القطعتين مع حساب وزنه وجذب الأرض له؛ هذا الشيء فوق طاقة البشر، فكيف الأرض لها مسار لا تزيح عنه، افتح أي تقويم، الفجر في الساعة الخامسة وسبع دقائق، معنى ذلك أن الأرض لها مسار حول الشمس على مستوى ثوانٍ، هناك تجاذب، تجذب القمر والقمر يجذبها، وتجذب الشمس والشمس تجذبها، فلولا الحركة لأصبح الكون كتلة واحدة، من المصمِّم؟ الله -سبحانه وتعالى-، فربنا -عزَّ وجلَّ-قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ ، وهذا الشكل الكُروي رائع جدّاً، لا نهاية لخطوطه وحجمه محدود، الشمس كرةٌ والأرض كرة وزحل كُرَةٌ والكواكب كلها ذات أشكال كروية، تصوّر مكان الكرة مكعب، أو مكان المكعب متوازي مستطيلات! إن أنسب شكل للكواكب الشكل الكروي.

﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيْلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّٰرُ(5)﴾

[ سورة الزمر ]

لو كانت الأرض مكعبة أو الشمس مكعبة أو القمر مكعب له حروف لاختلف الأمر اختلافاً بيِّناً، الفضاءُ بسعته والكواكب والمجرَّات بكثافتها مليون مليون مجرة، ونظام التجاذب وعدم تجمع الكون في كتلة واحدة، ونظام الحركة والحركة متفاوتة وبسرعات عالية، فالأرض تدور حول نفسها بسرعة 1600 كم في الساعة عند خطِّ الاستواء، وتدور حول الشمس بسرعة 30 كم في الثانية، والشمس تدور حول مركز في المجرَّة وتستغرق دورتُها أكثر من مئتي مليون سنة؛ سرعات متفاوتة، بعض المجرات سرعتها قريبة من سرعة الضوء - 240 ألف كم في الثانية، ويوجد مُذَنَّبات وكازارات...﴿وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ فكَّرتُم فيها؟! هذا طريق الإيمان ومعرفة الله -عزَّ وجلَّ-، فإذا كان الكون ساكناً رفض الحركة؛ لذلك الآن يبْعثون قَمَراً صِناعِياً يعطونه حركة ابْتِدائِيَّة بسُرعة ثماني أو تسع سنوات، لا يحْتاج لِمُحَرِّك، يكْفي أنْ تضَع كَوْكَباً في الفضاء الخارِجي في مكان انْعِدام الجاذِبِيَّة وتعْطيه سُرْعة مُعَيَّنة، نَظَرِياً هذه السرعة ينْبغي أنْ تبْقى إلى أبد الآبِدين؛ وهذا مبْدأ العطالة، فالجِسْم المُتحَرِّك يرفض السكون، والجِسم الساكن يرفض الحَرَكَة، إذا ركبت سيارةً وأنت واقفٌ، ثمَّ تَوَقَّفَتْ فجأةً تجد نفْسَكَ قد وَقَعْتَ، لماذا؟ لأنَّك ترْفض التَوَقُّف، والسيارة وقفتْ مما يجْعلك تقع، وإذا كان الإنسان في السيارة وتَحَرَّكت به السيارة يشْعر بأن المقعد الخلفي يدفعه إلى الأمام، لأنه يرفض الحركة، وحدث تضاد بالجهة، فهذا المبْدأ من خلقه، والشكْل الكُرَوي والفضاء والمجرات والتجاذب والحركة ومبدأ العطالة؟!!...﴿وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾

 الليل والنهار والشمس والقمر والضوء:

إلى الآن تَعْريفُ الضوء صعْب؛ نُجَيْمات دقيقة جداً تنْطلق من أجْسام هي الضوء، قالوا: إذا صار الجِسْم يمْشي بِسُرْعَة الضوْء صارَ ضَوْءاً، ما معْنى الضَّوْء؟ أيْ حجْمُهُ لا نِهائي، وكُتْلَتُهُ صِفْر، الضوء ليسله كتلة، أشِعَّةُ الشمْس لا توزن، هذا الضوْء المُنْبعث من هذه المصابيح لا يوزن، وما دام هناك فضاء فالضوء ينْتشر فيه إلى ما لا نهاية، فالضوءُ كُتْلَتُهُ صِفْر، وحجْمُهُ لا نِهائي، فإذا سار أيُّ جِسْم بِسُرْعَة الضوء صار ضوْءًا، ما كُنْهُ الضوْء؟ الله أعلم، من خلق الضوء؟ ومن خلق الليل والنهار؟ والشمْس والقمر؟ قال: ﴿وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ ، هذه الكواكب لها قِوامٌ، هذا الكَوْكَب غازي، فالشمْس ليستَ صلبة بل غازات تتفاعل تفاعُلاً مُسْتَمِراً ومُتَسَلْسِلاً، زُحَل غازات، والمَريخ جسم صُلب والأرض صُلبة؛ لذلك لكُلِّ كوكب كثافة مُعَيَّنة، قالوا: هناك كواكب السنتِمِتْر مكعب فيها بِألف ملْيون طنّ! الأرض كثافَتُها واحد، وهناك كواكب أكثر وهناك أقلّ، الشَّمْس مثلاً أكبر من الأرض بِمِلْيون وثلاثمئة ألف مرَّة ولكن وزْنُها أكبر من الأرض بِثلاثة آلاف وثلاثمئة مرَّة فقط، اِخْتِلاف الأحُجام واخْتِلاف قِيام الكواكب والكثافات.

﴿ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾  

[ سورة النمل ]

هناك موْضوعات تقْترب من أنْ تكون فلْسَفِيَّة، موضوع الزمن مثلاً، ما هو تعْريفه؟ قالوا: الزمن هو البُعْد الحَرَكي للأشْياء، فالشيءٌ له طول وعرض وارْتفاع وله بُعد رابع هو الزمن.

 الجبال:

رَبُّنا -عزَّ وجلَّ-قال: ﴿﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ ، وربنا-عزَّ وجلَّ- قال: 

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًا(6) وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًا(7)﴾

[ سورة النبأ ]

﴿وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ قالوا: أنَّ هناك طبقات من الطمي على سطْح الأرض، حِجار وتراب ورِمال وجليد ونباتات، هذه لو أُزيحَتْ لَرَأيْنا أنَّ للقارات جِسْماً، وهذه القارات مُسْتَنِدَة إلى مادَّةٍ صَخْرِيَّة اسمُها البازِلْت، وتحت البازِلْت هناك طبقة ثالثة هي قاعدة الأرض القِشْرَةٌ مُتَجَمِّدَة، وهذه السطوح الصَّخْرِيَّة تتحَرَّك في السنة سُنتِمِتْر واحد أو اثنين تَحَرُّك تطاحُن أو تَحَرُّك تباعد، فإذا تحَرَّكَت الكُتَل السَّطْحِيَّة من القِشْرَة الأرضِيَّة تَحَرُّكَ تباعد تأتي البراكين وهذه المادَّة السائِلَة المنصهرة التي في جَوْف الأرض تخْرُج من هذه الشُّقوق وتُكَوَّنُ الجِبال، هناك في برودِيسْيا جبل كُوِّنَ على هذه الطريقة، أيْ انْزِياح الطبقة الصلْبة من الأرض وينتؤ هذا السائِل ويتجَمَّد ويُشَكِّل الجبل، وفي المُحيط الأطْلسي سِلْسِلَةٌ من الجبال تبْدأ من الشمال إلى المحيط المُتَجَمِّد الجنوبي بارْتِفاعٍ قدْرُه 1500م في سلاسل جَبَلِيَّة ضِمْن البحْر: ﴿وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ هناك جِبال بُرْكانِيَّة، أيْ البراكين السائِلَة تصْنَعُها، وفي سَنَة سبعِ وستين أو أكثر كانت هناك جزيرة بِكامِلِها تَشَكَلَّت من براكين، فالصفائح القارِيَّة تتباعد عن بعْضِها ومن تباعُدِها تنْشأ الجبال البُرْكانِيَّة وقد تتطاحَن، فهذه الصفيحة التي في الأرض تأتي تحت هذه الصفيحة ويحْدُث اِلْتِواء ويظْهر الجبل، فَمِنْ تباعُدها تنْشأ الجبال البركانِيَّة ومن تقارُبِها تنْشأ الجبال الالْتوائِيَّة، وهناك ضُغوطٌ باطِنِيَّة في الأرض تدْفَعُ بعض القارات إلى أعْلى وتُشَكِّل الجِبال، هذه بعضُ النَّظرِيات لكنَّ الله -سُبْحانه وتعالى- وحْده يعْلم كيفَ نُصِبَتْ هذه الجِبال؟ ومن تصْميم الجِبال حِكْمَةٌ بالغة، فتُلاحظ إلى جانب السواحل هناك سلاسل جَبَليَّة وهذه الأخيرة تُوَفِّرُ المِصَدَّات التي تمنعُ المُنْخَفضات من التَّبَعْثُر في القارات، وهذه السلاسل الجَبَلِيَّة تُشَكِّلُ فُروقاً في الحرارة بين سُفوح الجبال وبين قِمَمِها، وهذا يُشَكِّلُ تيارات من الهواء، موضوع الجِبال موضوعٌ دقيق جدًا.
 رَبُّنا-عزَّ وجلَّ-قال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًا* وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾ ومعنى الوَتَد أنَّ للجبل قِسْمٌ ظاهِرٌ وله قِسْمٌ مغْروسٌ في الأرض، العلماء قدَّروا أنَّ القِسْم غير الظاهر يُعادِل ثُلُثي القسم الظاهر مثل السِنَّ تماماً، هذان الثُّلُثان يرْبِطان طبقات الأرض بَعْضها ببعض، فإذا حصل اضْطِراب في باطن الأرض فإنَّ هذه الكُتَل مُثَبَّتَةٌ بعْضها ببعض عن طريق الوَتَد الذي هو الجَبل، فربنا -عزَّ وجلَّ-قال: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَٰدًا* وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾
آيةٌ ثانِيَة حيث قال:

﴿ وَٱلْجِبَالَ أَرْسَىٰهَا(32) مَّتَٰعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَٰمِكُمْ (33)﴾

[ سورة النازعات ]

﴿ وَأَلْقَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ رَوَٰسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَٰرًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)﴾

[ سورة النحل ]

الأرض تدور ودَوْرَةُ الأرض بِسُرْعَةٍ بالغة، فَلَوْ لم يكُنْ هناك توازُن في تَوْزيع الثَّقالة والكُتَل على سطْح الأرض لحصل اضْطِرابٌ ﴿أَمَّن جَعَلَ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا﴾ ، لو تَحَرَّكَتْ الأرض سَنْتِمِتْرًا واحدًا لهدم هذا البناء، اسْتِقْرار الأبْنِيَة بِسَبَب اسْتقْرار الأرض، واسْتِقْرار الأرض بِسَبب تَوَزُّع هذه الجِبال على سَطْحِهِا، ﴿وَأَلْقَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ رَوَٰسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ لئلا تميد بكم، الآن تجد قوالب لبعض الِعَجَلات من أعلى مُسْتوى فيصبون العجلة صبًا محكمًا ويضعونها على محرك فتُحدث رجفة ثم يضعون لها قطعة رصاص بِمَكانٍ مُعَيَّن لتذهب الرجفة، فقطعة رصاص تُحدث توازنًا في الدوران، كذلك الجِبال حينما أوْدَعَها الله -عزَّ وجلَّ- ووضَعَها في هذه الأماكن التي بَثَّها على عِلْمٍ من أجل أنْ تكون الأرض مُسْتَقِرَّة، لو تَخَيَّلْنا انْتِقال جَبَل من مكانٍ إلى مكانٍ لاخْتَلَّ اسْتِقْرار الأرض، فهذه الآية الثانية:

﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ وَأَنْهَٰرًا ۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ ۖ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ (3)﴾

[ سورة الرعد ]

كلمة رواسِيَ وأنْهاراً فيها إشارة لطيفة إلى أنَّ الجبل مُسْتَوْدَعٌ للمياه، هذه الأنهار لها ينابيع والينابيع مُسْتَوْدعاتُها في الجِبال، وهناك آيةٌ أخرى:

﴿ وَٱلْأَرْضَ مَدَدْنَٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ وَأَنۢبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْءٍۢ مَّوْزُونٍۢ (19)﴾

[ سورة الحجر ]

أيْ شَكْلُها كُرَوي وخُطوطها كُلُّها مُسْتَمِرَّة، أما أيُّ شكْلٍ آخر فإنَّ الخطوط تنْتهي عند الحرْف لكنَّ الكرة خُطوطها لا تنْتهي ﴿وَٱلْأَرْضَ مَدَدْنَٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ﴾ ، ﴿أَمَّن جَعَلَ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنْهَٰرًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِىَ﴾ فَعَلاقة الاسْتِقْرار بالرواسي.

﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ شَٰمِخَٰتٍۢ وَأَسْقَيْنَٰكُم مَّآءً فُرَاتًا (27)﴾

[ سورة المرسلات ]

﴿ حِكْمَةُ ذِكْر آية الماء الفُرات مع القِمَم الشامِخَة هو أنَّ الجبل يُعدُّ مُسْتَوْدعًا للمياه وربنا -عزَّ وجلَّ- قال في آياتٍ أُخْرى: وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ (22)﴾

[ سورة الحجر ]

 الأرض:

الآن الآية ﴿ وَإِلَى ٱلْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾  فالأرض فيها جبال وفيها هِضاب وفيها تِلال وسُهول وبوادٍ وصَحارى وأغوار وسَواحِل وبِحار وفيها رؤوس وخُلْجان وجُزُر كبيرة وصغيرة، وهناك قارات في القسم الشمالي وقارات في الجنوب...، لكنَّ هناك قانوناً اكْتَشَفَهُ بعض العلماء: أي نقطة على سطح الأرض إذا رَسَمْتَ خطَّ العرْض لها ومَدَّدْتَهُ حول الكُرة، وأخَذْتَ النقْطة المُقابلة لهذه النُّقْطة تراها بحْراً، أي نقطة على اليابسة ارسم خطها العرضي الدائري (دوائر العرض) وخذ النقطة التي تقابلها، كُلُّ نقطة على اليابسة يُقابِلها بحر؛ وهذا تصْميمٌ عجيبٌ!! هل يُعْقَل أن تكون الأرض قِطْعَةً من الشَّمْس اِنْفَصَلَتْ عنها وتَبَرَّدَتْ وصارَتْ هكذا؟! ما هذا النَّظام والقانون؟!
شيءٌ آخر وهو قارات الأرض كما تقول بعض الكُتب: هِضابٌ عُظْمى من الصَّخْر ترْتَفِع من ثمانِية إلى عشرة كيلومتر وهو أقْصى ارْتِفاعٍ لها تقْريباً، وسلاسلُ الجِبال التي صَوَّرَها الله -عزَّ وجلَّ- وألْقاها بعْضُها فوق سطح الأرض وبعْضُها في أعْماق البِحار؛ لذلك الآن هناك خرائط لِجِبال البِحار، تجد سلاسل جَبَلِيَّة وتِلالاً وَوِدْياناً حتى في أعْماق البِحار هناك وِديان سحيقة، وادي مرْيانة في المحيط الهادي عُمْقُهُ بِقَدْر ارْتِفاع جَبَل إيفرست أعلى نقْطة في العالم، ثمَّ إنَّ القارة لها رصيفٌ، والرَّصيف القاري يمْتَدُّ 160 كم في البحر، فَقَارَّةُ آسْيا لها رصيفٌ لو الْتَغى البحر تكبر قارة آسْيا من كُلِّ الجِهات 160 كم، لو رأيت أوقيانوسيا من دون بحر أكبر من حجمها الحقيقي بـ 160 كم من كلّ الجهات تقريباً، هذا الرَّصيف القاري تصْميمُ من؟! كُلُّ الجِبال التي تَرَوْنها تجدون فيها قواقِع وأحافير ورسوم حيوانات، أشْكال نباتات، إذًا الأرضُ كُلُّها كانت مُغَطَّاة بالبَحر، هذه الجبال المُرْتَفِعَة؛ جبلُ قاسْيون فيه أحافيرُ أسْماك ونباتات فهذه الأرض كم عُمْرُها؟ وكم اسْتَغْرَقَت من الوقْت حتى صارتْ صالحة للسُّكْنى؟ لذلك ربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿وَإِلَى ٱلْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ تَصَوَّر أرْضاً لا تُرْبة فيها، كيف تعيش؟ وأرْضٌ كلها صَخْرِيَّة، نموت من الجوع نحن والحيوانات، لكن من فَتَّت التراب وأعْطى الماء هذا القانون بِحَيْث إذا تَجَمَّد تَوَسَّع، جميع عناصر الكَوْن إذا بردت تنْكَمِش إلا الماء إذا بردَ تَوَسَّع؛ لذلك يسهم الماء في تفْتيت التربة وجعْلِها صالحة للزراعة، ومن الذي وضع في التراب هذه الكائِنات الحَيَّة، عندما ألْقَوا قُنْبُلَة ذرِّيَّة على هيروشيما وناكازاكي باليابان أصْبَحَتْ الأرض لا تُنْبِت لأن البكتيريا ماتت، هذه الكائِنات الحَيَّة التي لا يعْلمُ عددها إلا الله من خلقها؟ ﴿وَإِلَى ٱلْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ من الذي جعل بالمدينة جبل، هذا الجَبَل يُؤَمِّن لك مُسْتَوْدعات للمياه وأنْهارًا وثلْجًا، وهو إذا ذاب غَذّى هذه المُسْتوْدعات، من فوق منطقة باردة ومن تحت منطقة حارَّة ومن اخْتِلاف الحرارة تنْشأ تيارات هوائِيَّة، كلُّ الجبال فيها نسيمٌ عليل دائمًا مهما كان الحرّ بالمدينة، فجبل قاسيون مثلاً الحرارة فوق أقل بسبع درجات دائمًا من تحته مهما كان الحر شديدًا في الصيف نسماته خفيفة ولطيفة، ثمَّ مسألة تصميم الجبال مع السواحل فهناك جِبال داخِلِيَّة لها هدف، وهذه السواحل لها فَتَحات؛ مثلاً فتْحَةُ حمْص كُلُّ المنخفضات الجوِيَّة تأتي من هذه الفتْحَة، ولدَيْنا فتْحَة ثانِيَة بالجولان أيضاً، فتحة في الوسط وفتحة في الجنوب وهذه الفَتْحات تُؤَمِّن المُنْخَفضات والأمْطار وما شاكل ذلك، والعوام تقول: إن أمحلت حوران ستغُلُّ الجولان، هذا التصْميم تصْميمُ من؟ ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾  هذه الآيات أنا ما أردْتُ منها أنْ أُغْرِقَ الإخوة المُسْتَمِعين بِمَعْلومات، ولكنَ أردْتُ من هذه المعْلومات أنْ تكون نماذج، فالإنسان لا يسْتطيعُ أنْ يعرف الله إلا إذا فكَّر في مخْلوقاته، فالارْتِباط بين المقْطع الأول والثاني والأخير في السورة ارْتِباط دقيق جداً، طريق النجاة من عذاب النار والفوْز بِنَعيم الجنَّة: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ 

عظمة الله -عزَّ وجلَّ- تتجلى من خِلال آياته:


الأوروبِيِّون فَكَّروا وتوَصَّلوا لِحَقائِق مُذْهِلَة عن المَجَرَّات، حتى أن بعض ما أقوله لكم مُستقى من كتب مترجمة هم ألّفوها، ولماذا ما عَرَفوا الله -عزَّ وجلَّ-؟ إذا بَقِيَ الإنسان في الكون ولم ينتقل منه إلى الله  -عزَّ وجلَّ- لما اسْتفاد من هذا العِلم، أحدُ العلماء قال: كلُّ إنسانٍ لا يرى في هذا الكون قَوَّةً هي أقْوى ما تكون، عليمَةً هي أعْلم ما تكون، رحيمَة هي أرحم ما تكون فهو إنسانٌ حيٌّ ولكنَّهُ ميِّت، يُمكن أن يكون عالم نبات وجيولوجْيا وعالم طبقات الأرض وعالم فلك ورائد فضاء قد شاهَدَ أشْياء ما شاهَدْناها لكن إذا كان هدفهُ الشَّهْوة والشُّهْرة والمال والمجْد والدنيا فما اسْتفاد منها شيئاً، رآها ولم يرَها، أما المؤمن إذا نظر إلى هذه الآية ينتقل منها إلى الله -عزَّ وجلَّ- خالقها ومكوّنها ومبدعها، هناك الكثير من الكتب عن الجبال والأنهار وعن طبقات الأرض والقارات، هذه القارات هي كُتَلٌ صَخْرِيَّة هائِلَة، قارة آسْيا كُتْلَة صخْريَّة بِكامِلِها مُسْتَنِدَة إلى سطْحٍ صخْري وهذا السطْح مُستنِدٌ إلى سطْح ثالث، لو كان هناك اخْتِلافٌ بالكثافة عَكْسي لغارَتْ القارات في أعْماق الأرض، أما الطبقة السُّفْلى أشدُّ كثافَةً والعُليا أقلُّ منها كما لو وضَعْتَ الفِلِّين فإنّه يطفو في الماء لأنّ كثافته أقلّ من الماء، أما إن وضعت مسمارًا يسقط للأسفل، من صَمَّم هذا التصْميم بحيث تكون هذه القارات قاعِدَتها أشدّ كثافَةً؟ وبالأعْماق هناك مائَع ناري، هناك براكين تنطلق من أعماق 160 كم لتصعد لفوق، حقول النَّفْط أعْماقها 8 كم، فهذه الكُتَل الصَّخْرِيَّة الهائلة كم أوْزانها؟ تجد مقلعاً في الجبل عُمُره ثلاثون سنة وما تغيَّر شكْلُ الجبل، وهناك الصخور الثمينة مثل الرخام، يوجد رخام شَفاف أصله كِلس، الكوارتز أصله رمْل، وبعض الأحْجار الكريمة جدًا أصْلها فحم، الألْماس أصله فحْم، ما هذا المصنع الهائل؟! ما هو النفط الذي في باطن الأرض؟!

﴿ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ (6)﴾

[ سورة طه ]

 معنى ذلك هناك ثَرَوات هائِلَة تحت الثرى، نفْطٌ وغازٌ طبيعي وفحْمٌ ومعادن وحديد ويورانيوم وألمنيوم ونحاس، من صَمَّمَ هذا التصْميم؟ الله -سبحانه وتعالى-، إنما قَصَدْتُ أنْ أُبَيِّن عظمة الله -عزَّ وجلَّ- من خِلال آياته، فقد أتَيْتُ بأفْكارٍ مُتباعدة وغير مُنتظمة لا على قصْد والتنظيم إنما على قصْد بيان عظمة الله -عزَّ وجلَّ-، فالإنسان إذا لم تكن له مع الله جلساتٌ يوْمِيَّة يتفَكَّر فيها بآيات الله فلن ينْجُوَ من عذاب الله ولا يفوز بِنَعيم الجنَّة، هذا القرآن الكريم كلام الله-عزَّ وجلَّ- بعد أنْ حكى لنا عن عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنَّة قال: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ، ونحن عندنا أمورٌ غير الإبل؛ أحْياناً تأكل سمكة تجد فيها خطاً هو جِهاز ضغْط تعْرِفُ به على أيِّ عُمْقٍ في البحر هي، السمكة تطْفو على سطْح البحْر لأن لها أكْياس هوائِيَّة تُفَرِّغُها فتطفو ولو ملأتها يحصل العكس وتغوص؛ لها أساليب، والسمكة نحو الأعلى دائمًا وهي تعْرف أين السطح دائِماً؛ لها أجْهِزة، فإذا الإنسان أكل السمك ولم ير إلا أنَّهُ سمكٌ طَيِّب فقط، فلينظر إلى أحشائها، إلى بيوضها، والسمك يعطي أعدادًا مذهلة،  قالوا: لولا أنّ السمك الكبير يلْتَهِمُ السمك الصغير لَتَلاشى الماء وبَقِيَ السمَكُ في البِحار!! نظر إلى ابنه كيف رُزِق السمْع والبصر والقوام والصوت والحركة، يعطس ويسعل ويتكلم ويضحك ويمزح ويتذكر...؛ كائِنٌ حيّ يتمتع بالحيوية، وليس القصْد آية واحدة بل هذه آية نموذج، القصْد أنْ تُعْمِلَ عقْلَكَ وفِكْرَكَ في هذه الآيات، اُنظر إلى التسلسل؛ الإبل، السماء، الجِبال، الأرض، حَرَكة دائِرِيَّة، من الإبل إلى السماء إلى الجبال إلى الأرض، هذه كُلُّها أشْياء نَحْياها وتُحيط بنا، هناك آية قرآنية عن الجبال الله -عزَّ وجلَّ- قال فيها:

﴿ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَٰنًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)﴾

[ سورة النحل ]

هذه المصدات، تجد قرب الجبال ركود الهواء وحرّاً، إذا كانت مدينة خلْفَ جبلٍ تجد جَوَّها دافئاً، لماذا مَكَّة حارَّة؟ لأنَّها مُحاطة بالجبال، فَهِيَ مَصدّ للرِّياح.

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[ سورة الفرقان ]

فالإنسان إذا لم يفكَّر بهذه الآيات فهو كالأنعام بل هو أضَلّ من الأنعام؛ لأنَّ الأنعام ليْسَت مُكَلَّفة بالأمانة ومعْرفة الله عز وجل، مُكَلَّفَة بِخِدْمة الإنسان وقد خَدَمَتْهُ فإذا جاء أجلها فهي إلى الجنَّة، أما الإنسان فهو مُكَلَّف أنْ يعرف الله -عزَّ وجلَّ-، البهائم لها حساب آخر أما الإنسان فله حساب مبني على معرفته بالله -عزَّ وجلَّ-، إذًا ملخص الدرس أنّ الإنسان يجب أن يتعرّف إلى الله من خلال الكون.

﴿ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ يُؤْمِنُونَ (6)﴾

[ سورة الجاثية ]

لا يوجد طريق آخر.

الملف مدقق

 والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور