وضع داكن
21-11-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الغاشية - تفسير الآيات 1 ـ 16 موقف المؤمن وموقف الكافر يوم القيامة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللّهمّ لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
سورة اليوم:

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

﴿ هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ(1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ(2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ(3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً(4) تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍۢ(5) لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍۢ(6) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِى مِن جُوعٍۢ(7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ(8) لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ(9) فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ(10) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةً(11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ(12)فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ(13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ(14)وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ(15) وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ(16)﴾

[ سورة الغاشية ]


معاني الاستفهام:


﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ماهي الغاشية؟ الغاشية يوم القيامة، ولِمَ سُميت غاشية؟ 
(هل) حَرْف اسْتِفْهام، وحرف الاسْتِفهام في اللغة يعني طلب العِلْم بِمَجْهول؛ هذا هو الاسْتِفْهام، قد تسأل إنْساناً: ما اسْمُكَ؟ كم معك من نُقود؟ أين تسْكن؟ كيف حالك؟ فالاسْتِفْهام طَلَبُ العِلْم بِمَجْهول، لكنَّ الاسْتِفهام يخْرُجُ عن الاسْتِفْهام يخرجُ عن هذا التعْريف إلى معانٍ كثيرة:

1. اِسْتِفهامٌ بِمَعْنى الأمر:

فالله -سبحانه وتعالى- يقول:

﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)﴾

[ سورة المائدة ]

هذا أمر، هذا اِسْتِفهامٌ بِمَعْنى الأمر؛ هل أنتم منتهون؟ هل أنت مُنَفِّذٌ لِكَلامي؟

2. اِسْتِفهامٌ بِمَعْنى النَّهْي: وهناك اِسْتِفهامٌ بِمَعْنى النَّهْي:

﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِىٓ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَىٰهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَٰكَهَا لِكَىْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِىٓ أَزْوَٰجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا (37)﴾

[ سورة الأحزاب ]

أي لا تخشَ الناس.

3. اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى التَّسْوِيَة: وهناك اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى التَّسْوِيَة:

﴿ وَسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)﴾

[ سورة يس ]

4. استفهامٌ بِمَعْنى النفي: وهناك اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى النفي:

﴿ هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَٰنُ (60)﴾

[ سورة الرحمن ]

أي ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان.

5. استفهامٌ بِمَعْنى الإنْكار: وهناك استفهامٌ بِمَعْنى الإنْكار:

﴿ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَىٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ (40)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُوٓنِّىٓ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَٰهِلُونَ (64)﴾

[ سورة الزمر ]

5. اسْتفهامٌ بِمَعْنى التَّشْويق: وهناك اسْتفهامٌ بِمَعْنى التَّشْويق:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَٰرَةٍۢ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍۢ (10)﴾

[ سورة الصف ]

6. اسْتِفهامٌ بِمَعْنى الاسْتِئناس: وهناك اسْتِفهامٌ بِمَعْنى الاسْتِئناس:

﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَٰمُوسَىٰ (17)﴾

[ سورة طه ]

الله –سبحانه وتعالى- لا يعْرف ما بِيَمينه؟! هذا من قبيل الاسْتئناس كي يستأنس سيّدنا موسى بالله -عزَّ وجلَّ-.

7. اسْتِفهامٌ بِمَعْنى التَّقْرير: وهناك اسْتِفهامٌ بِمَعْنى التَّقْرير:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)﴾

[ سورة الشرح ]

أي لقد شرَحْنا لك صدْرك.

8. اسْتفهام بِمَعْنى التَّهْويل: وهناك اسْتفهام بِمَعْنى التَّهْويل:

﴿  ٱلْحَآقَّةُ (1) مَا ٱلْحَآقَّةُ(2) وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا ٱلْحَآقَّةُ(3)﴾

[ سورة الحاقة ]

﴿ ٱلْقَارِعَةُ(1) مَا ٱلْقَارِعَةُ(2) وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ(3)﴾

[ سورة القارعة ]

9. اسْتفهامٌ بِمَعْنى التعظيم: وهناك اسْتفهامٌ بِمَعْنى التعظيم:

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾

[ سورة البقرة ]

10. اسْتفهام بِمَعْنى التعجُّب: وهناك اسْتفهام بِمَعْنى التعجُّب:

﴿ وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا(7)﴾

[ سورة الفرقان ]

11. استفهامٌ بِمَعنى الوعيد: وهناك استفهامٌ بِمَعنى الوعيد:

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَٰبِ ٱلْفِيلِ (1)﴾

[ سورة الفيل ]

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)﴾

[ سورة الفجر ]

إذًا الاستفهام في التعريف الدقيق: طلبُ العلمِ بِمَجْهول، وقد يخرجُ الاسْتفهامُ عن هذا التعْريف إلى معانٍ كثيرة، فَرَبُّنا -سبحانه وتعالى- حينما يقول: ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ، قيل: هذا الاسْتِفهام يُعْطي أربعة معانٍ في وقْتٍ واحدٍ؛ معْنى التَّعَجُّب، ومعْنى التعْظيم، ومعْنى التَّشْويق، ومعْنى التَّقْرير في قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ، أمَّا كلمة (أَتَاكَ) يُروَى أنَّ النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع صحابيّاً يتلو هذه الآية: ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "نعم قد جاءني" ، لأنَّه رأى بأنَّه معنِيٌّ بهذه الآية، ورُبَّما يَظُنُّ المؤمن بأنَّه ليس معنيَّاً بها، بل إن كلَّ آية تعني النبي -عليه الصلاة والسلام- تعني كلَّ مؤمن بالتبعية:

(( أَيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟! ))

[ أخرجه مسلم عن أَبِي هريرة ]

قد يقول قائل: وما فضلُ النُبُوَّة إذاً؟ نقول له: النبُوَّةُ مقام، والنبوة علم، لكن التطبيق يجبُ أن يكونَ دقيقاً، هل نسمَح لممرِّضٍ ألا يُعَقِّم الإبرة؟! يجب أن يسلكَ الممرض وهو يَحقِن إبرةً كما يسلك أعلى طبيب في الدنيا؛ تعقيم دقيق، اعتناء، بُعدٌ عن عظم الحرقف، هذا لابدَّ منه وإن كان الطبيب عالمًا أكثر منه، فإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فكلمة (هل أَتَاكَ) قال -عليه الصلاة والسلام-: "نعم قد جاءني" .

معنيا كلمة الْغَاشِيَةِ:


 أيُّها الأخ الكريم؛ ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ما هي الْغَاشِيَةِ؟ الْغَاشِيَةِ: يوم القيامة، ولِمَ سُمِّيت غَاشِية؟ هناك معنيان لكلمة الْغَاشِيَةِ:

1. المعنى الأول: أن الشيء الذي يغشى بمعنى يَحِلُّ،

غشيهم كربٌ؛ أي حلَّ بهم كربٌ:

﴿ إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16)﴾

[ سورة النجم ]

أي حلَّ بها ما يحلَّ من تجلِّيات، غشيَ القومَ: أي نزل بديارهم، قال الخليفة المنصور لأبي حنيفةَ وقد زاره مرَّةً:" يا أبا حنيفةَ لِمَ لا تتغشَّانا؟ -أي زُرْنا- فأجابه أبو حنيفة: ولِمَ أتغشَّاكم وليس لي عندكم شيءٌ أخافكم عليه؟ وهل يتغشَّاكم إلاَّ من خافكم على شيء؟" إذاً معنى الْغَاشِيَةِ: الشيء يحلُّ بأرضٍ ما، هذا المعنى الأول ؛ أي يوم القيامة ينزل ساحة الناس ويحِلُّ بهم. 

2. المعنى الثاني: الغاشية من الغِشاء وهو السِّتر:

من جمع المعنيين يبدو أن يوم القيامة تُنسي الإنسان كلَّ شيء، إذا نزلَ أحدهم إلى مركز المدينة، وعنده قائمة من اثني عشرة بنداً؛ يريد أنْ يسأل مثلاً عن أسعار البلاط، أو كان يريد أنْ يشتري شريط أباجور، وعليه إنجاز مُعاملة بالمالِيَّة، مطْلوبٌ منه براءة ذِمَّة، أو عليه أنْ يُراجع المُختار من أجل هَوِيَّة ابنه، وهذا الإنسان دهس ولداً، هذه القائمة كلُّها تُنْسى ويدخلُ في موضوعٍ آخر ما كان في باله، يدخل في موضوع: يا تُرى كم أدفع دِيَّة هذا الغُلام؟ يا تُرى هل هناك سِجْن أمْ لا؟ وتجده ارْتَعَدَتْ فرائِصُه وتغَيَّر لَوْنه، ودخلّ في موضوع آخر لم يكُن في حسابه، معنى غَشِيَهُ الهَمّ: أي أنْساهُ كل هَمّ، غَشِيَهُ الهَمّ: حلَّ به وكان هذا الهَمّ غِشاء له عنه لِكُلِّ شيء، أبْعَدَهُ عن كُلِّ شي ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ، كُلّ واحدٍ يوجد في باله بُنودٌ كثيرة في حياته لتَحْسين بَيْته، ووضعِ معاشه، وتحسين دخله، ومكانته الاجتماعِيَّة، وشِراء مَرْكبة، والذهاب إلى البلد الفُلاني الذهاب إلى تركيا مثلاً، يوجد عنده مشْروع شِراء فِيلَّا بالمَصْيَف، لكن إذا حلَّ يوم القيامة كلّ ما سِواها لا قيمة له ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ، مَن مِنَ الناس يحْسب حِساباً لِهذا اليوم؟ يحسِبون لكلِّ شيءٍ حِسابًا فيقولون لك: هذه الشيء سوف يغلو ثمنه أسرع واغتنم الفرصة واشترِ منه، وهذه سَتُفْقَد، وهذا البيت بعه فربما يأخذون منك البيت الثاني، هذا المحضرُ صرّفه، يحسب حسابًا لكلِّ شيء ماذا عن يَوْمَ القيامة ألا ينْبغي أنْ يُحْسَبَ له كُلُّ الحِساب؟!

وصف حالة الناس يوم الغاشية:


﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ أي ألم يأتِك حديث الغاشِيَة؟! ما أعظم يوم الغاشية! للتعظيم، لقد جاءك حديث الغاشِية للتقرير، ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ ربُّنا -عزَّ وجلَّ- لم يصِف الغاشِيَة بل وصف حالة الناس فيها، أسلوب من أساليب الإعْجاز البياني إذْ لم يَصِف الغاشِيَة وإنَّما وصف حالة الناس فيها؛ أوَّل شيء أنَّها تَحِلُّ وإذا حَلَّت فلا محيص عنها، لا مهْرب ولا منْجاة، ماذا يفْعل الإنسان؟

﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ(16) وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ(18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍۢ(19)﴾

[ سورة الانشقاق ]


مراحل الحياة:


الحياة مراحل؛ يولدُ فَيَفْرح أهْله بهذا المولود ويُقيمون المآدب والدعوات ويقدمون الأشربة، تأتيهم الهدايا، يمْشي فيفْرحون بِمَشْيِهِ، تظهر أسنانه، يتكلَّم ثمَّ يدخل المدرسة ويتخرَّج منها، يدْخُل الإعْدادي ويتخرَّج منه، يدْخل الثانوي ويتخَرَّج منه، يدْخل الجامعة ثمّ يتخَرّج، يبْحثون له عن عيادة إنْ كان طبيباً، أوعن مكْتب إنْ كان مُهندساً، أو عن مكْتبٍ إن كان مُحامِياً، يُصْبِحُ المُحامِي فلان، ويطبع لذلك بطاقات، إنْ كان قاضياً، وإن كان تاجِراً يتخذ مكتبًا ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ ثمَّ يتزوَّج امرأة ليتحَققُ طموحه في الحياة، يُنْجِبُ أوْلاداً ويدْخل في عالم ثانٍ بترْبِيَتهم وتعْليمهم، ثمَّ يكْبرُ أوْلاده ويتزَوَّجون، فيهتم بزوجة ابنه فيختار له ما يناسبه، ويُزَوِّج بناته ويسْأل عن الصِّهْر، ثمَّ يكْبر سِنُّه وتُصبح معه أعْراض أمراض، ثمَّ يُوضع لصاقة على الطُّرقات ينْعون بها بمزيد اللوعة والأسف فقيدهم الغالي فلان ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ ، كلُّه يمضي ويبْقى العمل الصالح، ماذا أكَلْتَ؟ وماذا صنعْتَ؟ وما لبِسْت؟ كان بيْتُكَ عالِياً أو سافِلاً؟ كبيراً أم صغيراً؟ كِسْوَتُهُ عالِيَّة أمْ درجة ثانِيَّة؟ عندك سيارة فَخْمة صغيرة أمْ كبيرة؟ كله ماضٍ لن يبْقَى إلَّا العمل الصالح، فالإنسان الذكيّ والمُوَفَّق هو الذي يُعْنى بالعمل الصالح:

﴿ وَٱلْعَصْرِ (1) إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ(3)﴾

[ سورة العصر ]

﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ هذه آخرُ مرحلة، والحياة كلُّها مراحل، يتقاعد وهي آخر مناسبة في حياته ثمَّ الموت، آخر مُناسبة الموت ثمّ يوم القيامة هذه لا بدّ من أنْ نصِلَ إليها جميعاً شئنا أم أبينا.

(( الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ الموتِ، والعاجِزُ مَن أتبَع نفسَه هَواها وتمنَّى على اللهِ الأمانِيَّ  ))

[ أخرجه الترمذي، وأحمد مختصراً، وابن ماجه باختلاف يسير عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ  ]

إنَّ أكْيَسَكم أكثركم للموت ذِكْراً، وأحزمكم أشَدَّكم اسْتِعْداداً له، ألّا وإنَّ من علامات العقل التجافي عن دار الغُرور، والإنابة إلى دار الخُلود، والتّزوُّد لِسُكْنى القُبور، والتَّأهُبَّ لِيَوْم النُّشور، سُئِلَت السيّدة رابعة العَدَوِيَّة: ما الإنسان؟ فقالت: هو بِضْعَةُ أيام، كلُّما انْقضى منه يومٌ انْقضى بِضْع منه: ﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ﴾ تغْشى الناس.

﴿ يَغْشَى ٱلنَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)﴾

[ سورة الدخان ]

 هذا من معاني الغاشِيَة، وتُغَشِّيهم عن كُلِّ شيء؛ أيْ تسْتُرُهُم عن كُلِّ شيء، وبالحياة اليَوْمِيَّة هناك مصائِبٌ تُنْسي الإنسان كُلَّ شيء.

الحكمة من اخْتيار الله -عزَّ وجلَّ- ذكر الوَجه:


﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ﴾ لِمَ اخْتار الله –سبحانه وتعالى- الوَجْهَ ولم يخْتَر اليَدَيْن؟! لأنَّ أحْوال النفْس كُلّها تنْطبعُ على الوَجْه، انظرْ لِيَدِ إنْسانٍ خائِف، لن تجدَ شيئاً، اُنْظر لِيَد إنْسانٍ حاقِدٍ هي يد عادية؛ أما لو نظرْتَ في وَجْهِهِ لرأيْتَ السُّمَّ في وجهه، الخوف يبْدو في الوجه،  والشَّفَقَة، والمكْر، والخِداع، والسُّخْرِيَة، والكِبْر، والإعْجاب، والحِقْد والتشَفَّي، والمحَبَّة؛ كُلُّ أحْوال النفْس تنْطبع على وَجْه الإنسان، لو أنَّ الوَجْهَ الحَسَنَ رَجُلٌ لكان رَجُلاً صالحاً.

((  اتَّقوا فِراسةَ المؤمنِ فإنَّهُ ينظرُ بِنور الله ))

[ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (إسناده ضعيف) ]

وينطق بِتَوْفيق الله، فربُّنا -عزَّ وجلَّ- اِخْتار من الإنسان وَجهه؛ لذلك الوجه وَجْهُ النفْس والوجه تعبير عمَّا في النفْس من اِنفِعالات ومشاعر؛ لذلك الله -عزَّ وجلَّ- كرَّم الإنسان بِالوَجْه فقال عليه الصلاة والسلام:

(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ وَعَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ ))

[  أخرجه مسلم عَنْ جَابِر بن عبد الله ]

هذه الوجوه ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ﴾ الخُشوع في اللغة: السكون، لكنَّ السكون في هذه الآية بِسَبَبِ الذلّ والخِزْي والعار، فإذا نظرْتَ إلى مُجْرِم يضعُ بصره في الأرض ويسْكُنُ، أما البريء عَيْناهُ زِئبِقِيَّتان تتحرَّكان يَمْنةً ويسْرةً، ووجْهُهُ طافِحٌ بالبِشْر، وعلى فَمِه اِبْتِسامة ويتحرَّكُ بِحُرِّيَّة، لكنَّ الذليل المُجْرم الذي اقْتَرَفَ إثماً، الذي وقع في فضيحة تراهُ خاشِعاً لا خُشوعَ الخُشوعِ ولكن خُشوع الخِزْي والعار بمعنى السُّكون.
﴿هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلْغَٰشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ﴾ فلو أحْسنَ شخْصٌ لآخر إحسانًا كبيرًا ثمَّ خانه، يكْفي أنْ ينظر إليه لا يستطيع هذا الخائِن أنْ ينظرَ إلى الذي أحسن إليه لتراهُ يتلافى النظر إلى وَجْهِهِ، يضعُ بصره في الأرض؛ هذا الخشوع هو خشوع الذل، خَلَقْتُ لك ما في الكون من أجلك لِمَ عَصَيْتني؟!

كلُّ ما في الكون خلقه الله من أجلنا:


ورد في الأثر: "إنِّي والإنس والجِنّ في نبأ عظيم أخْلُقُ ويُعْبدُ غيري! وأرزُقُ ويُشْكرُ سِواي! خيري إلى العِباد نازل، وشَرُّهُم إليَّ صاعد! أتودد إليهم برحمتي، وأنا الغني عنهم! _لمَ يفعل الناس هكذا-؟ ويتبغضون إلي بالمعاصي، وهم أفقر ما يكونون إليَّ!" كلُّ ما في الكون من أجلك.

﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ (20)﴾

[ سورة لقمان ]

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

[ سورة الجاثية ]

﴿ وَٱلْأَنْعَٰمَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَٰفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)﴾

[ سورة النحل ]

﴿ وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

[ سورة الروم ]

الزوجة تَوَدُّدٌ من الله إليك، والأولاد الذين في البيت تَوَدُّدٌ من الله إليك، وهذا الشراب العذبُ الفُرات الذي ساقهُ الله سحاباً ونزل أمْطاراً، واسْتَوْدَعَتْهُ الجبال، وخرج ينابيع وساقه الله إليك، وما أنت له بِخازِنٍ هكذا قال الله -عزَّ وجلَّ-:

﴿ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَسْقَيْنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمْ لَهُۥ بِخَٰزِنِين (21)َ﴾

[ سورة الحجر ]

هذه الأزهار خُلِقَت لِمَن؟ وهذه الطيور خُلِقَت لِمَن؟ هذه الأشياء الجميلة خُلِقَت لِمَن؟ 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾

[ سورة الإسراء ]

عندما يكونُ الإنسان في الدنيا وكأنَّهُ نائِم، والناسُ نِيامٌ إذا ماتوا انْتَبهوا، يكون في الدنيا غافِلاً، ثملاً في سَكْرة الشهوات، فإذا جاء الموت اِسْتَيْقظ قائِلاً: ماذا فعَلْتُ بِنَفْسي؟! خُلِقْتُ في الدنيا كي أعْرف الله فما عَرَفْتُهُ، وكي أعْمل صالحاً فما فعلتُ، وكي أسْتقيم على أمْره فما اسْتَقَمْتُ على أمْره، هذا المَوْقف مَوْقِفُ الخِزْي والعار لا يحْتملُهُ الإنسان، إحْسانٌ من الله مُنْقطع النظير يقابله جُحود من الإنسانٌ مُنْقطع النظير!! ما المَوْقفُ؟ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ﴾ خُشوع الذلّ، خُشوع الخزِّي، خُشوع العار، خُشوع الندم.
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ* عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ كنتُ مرة عند قاضٍ صديقٍ لي، وقف الأشْخاص الذين سوفَ يُحَقِّقُ معهم وراء بعضهم بعضًا، فما كان من أحدٍ منهم إلَّا وعلى وَجْهِهِ كآبَة وغَبَرة كما قال الله _عزَّ وجلَّ- ونظرُهُ في الأرض إلى أنْ دخل إلى الغُرْفَةَ شابٌ لكن له وضْعٌ آخر، وجْهه طافِحٌ بالبِشْر وواثِقٌ من نفْسه، فقلْتُ في نفْسي: لا شكَّ أنَّ هذا الشاب ليس مُتَّهَماً ولا علاقة له بِهؤلاء المُتَّهَمين، فلما وصل إليه سأله: هل كان تصْليح الساعة جيِّداً؟ فَعَرِفْتُ أنَّهُ كان مُكَلَّفاً بِتَصْليح ساعته! لأنَّهُ بريء، فالمُجْرم وَجْهُهُ خاشِع ذليل يوم القيامة، أما المؤمن ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾

 معاني ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾:


﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ لهذه الآية معانٍ كثيرة:

1. عاملةٌ ناصِبَةٌ في الدنيا والمرْدود لا شيءَ في الآخرة:

عامِلَةٌ في الدنيا، عمِلَ عمَلاً لا قيمة له، وضعَ كُلَّ طاقاته في الدنيا فجاء الموت فإذا هو صِفْر اليَدَيْن. 

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلْأَخْسَرِينَ أَعْمَٰلًا (103) ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿وَٱلْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ﴾ هو في خُسْرٍ ولو معه ألف مليون، ولو عنده معْمل ناجح جداً وبِضاعَتُهُ رائِجَة وعليه الطلب لشهرين ثلاثة..، ودخْلٌ كبير، وهو في خُسْرٍ ولو كان مُوَفَّقاً في زواجِهِ لا بدّ من يومٍ تُفارق فيه زوْجَتَك، في خُسْرٍ ولو كان ذا مكانةٍ اجْتماعِيَّة كبيرة فلا بدَّ من يومٍ تُفارق هذه المكانة، إنَّ الإنسان لفي خُسْرٍ ولو كان بيْتُهُ جميلاً فخمًا، لابد من يومٍ تُغادِرُهُ أُفُقِياً، تدخله قائِماً وتخْرُجُه قائِماً إلّا مرَّةً واحدة تخْرج منه أُفُقِياً ولا تعود إليه، ألَيْسَ هذا حقاًّ؟ أفخر بيت مصير صاحبه مقبرة (الباب الصغير) هذا المثوى الأخير، إذاً ﴿وَٱلْعَصْرِ* إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ﴾ 
﴿عَامِلَةٌ﴾ أي اِنْغَمَسَ في الدنيا حتى أُذنيه، أما هذا العمل لا علاقة له بالآخرة، فلمَّا جاء الموت رأى نفسه صِفْر اليدين، لو أنَّ أحدهم مثلاً اشْتَغَل عشر سنوات بالأعْمال الشاقة حتى جَمَّع قرابة مئتين أو ثلاثمئة ألف ليرة، ثمَّ وجد أنَّ هذه العُمْلة كُلُّها مُزَوَّرة لا قيمة لها إطلاقًا، بماذا يُحِسّ؟ هذا الشعور سماه العلماء: الإحْباط، وهذا ادّخر مالاً خلال أربعين سنة حتى اشْترى بيْتاً ووقع عقْداً فإذا بِبَائع البيت لا يمْلكه، وبعد دفعه المبلغ وأخذه العقد فإذا بشخص يقول له: هذا البيت ليس لك إنه لنا، وهذه أوراق الطابو وأخرجه للخارج، ماذا يُحِسّ الإنسان بهذه الخسارة التي ألمَّتْ به؟! فأوَّلُ معنى عاملة في الدنيا ناصِبَةٌ في الدنيا؛ أي بذل جُهْداً شاقاً؛ لذلك ورد في الأثر: "عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك في كل حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً"

(( أَتَيْتُ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- وَهو يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ، قالَ: يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ -يا ابْنَ آدَمَ- مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟! ))

[ صحيح مسلم عن عبد الله بن الشخير ]

وما سوى ذلك ليس لك، مُحاسَبٌ عليه كيف اِكْتَسَبْتَهُ وفيمَ أنْفَقْتَهُ، فـ(عَامِلَةٌ ناصِبَة) معْناها الأول: أنها في الدنيا غارِقَةٌ في أعْمالٍ مُضْنِيَة، وهي تركض وراء أملٍ كالسراب، عَمِلَتْ وتعِبَتْ ولا مرْدود لهذا العمل ولا لِهذا التَّعَب، عَمِلَتْ وتعِبَتْ وجاءَها الموت وهي صِفْر اليَدَيْن، عَمِلَتْ وتعِبَتْ ورأتْ مصيرها إلى النار، عَمِلَتْ وتعِبَتْ وقالتْ:

﴿ مَآ أَغْنَىٰ عَنِّى مَالِيَهْ ۜ(28) هَلَكَ عَنِّى سُلْطَٰنِيَهْ(29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30) ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31) ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍۢ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَٱسْلُكُوهُ(32) إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ(33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ(34) فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَٰهُنَا حَمِيمٌ(35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍۢ(36) لَّا يَأْكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلْخَٰطِـُٔونَ(37)﴾

[ سورة الحاقة ]

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا(27) يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا(28)﴾

[ سورة الفرقان ]

2. عامِلَةٌ في الدنيا شَقِيَّةٌ في الآخرة:

المعنى الثاني؛ عامِلَةٌ في الدنيا، ناصِبَةٌ في الآخرة؛ أيْ تعبة في الآخرة، شَقِيَّةٌ في الآخرة، أَلَا يا رُبَّ نفسٍ طاعمةٍ ناعمةٍ في الدنيا، جائعةٍ عاريةٍ يومَ القيامةِ، الدنيا ليْسَت مِقْياساً، إنَّ الله يُعْطي الدنيا لِمَنْ يُحِبّ ومن لا يُحِبّ، والآخرة لا يُعْطيها إلَّا من يُحِبُّ.

(( لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ ))

[ أخرجه الترمذي عن سهل بن سعد الساعدي  ]

عاملة في الدنيا، ناصبة أي متعبة شقية يوم القيامة؛ هذا المعنى الثاني.

3. عامِلَةٌ في الدنيا مَنْصوبٌ عملها يوم القيامة أمام عَيْنَيْها:

المعْنى الثالث؛ عامِلَةٌ في الدنيا مَنْصوبٌ عملها يوم القيامة أمام عَيْنَيْها. 

﴿ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾

[ سورة الإسراء ]

هذه هي أعْمالك، لا يوجد فلْسَفَة في الآخرة ولا تبريرات.

﴿ ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (65)﴾

[ سورة يس ]

الإنسان في الدنيا يتَفَلْسَف ويكون مقصراً، اقْتَرَفَ آثاماً كبيرة: قَصَدْتُ كذا وكذا؛ كلام بكلام والواقع مختلف، أما في الآخرة لا يوجد هذا الكلام ولا الدجل، وتَزْوير الحقائِق غير مَوْجود، والتكلَّم بِخلاف الواقع غير موجود؛ كُلُّ هذا غير موجود ﴿ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾
إذًا عاملةٌ ناصِبَةٌ في الدنيا والمرْدود لا شيءَ في الآخرة، عاملةٌ في الدنيا شَقِيَّةٌ في الآخرة، عاملة في الدنيا ويُنْصَبُ عملها يوم القيامة أمامها ويُقالُ لها: ﴿ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ .

الخوف من الله -سبحانه وتعالى- يتجسد بالعمل:


﴿تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً﴾ سبحان الله، إنسانٌ عادي جداً إذا كان بيده شيء من الحلُّ والعقد -كما يقولون- إذا قال كلمة يصدِّقها الناس، وإذا سرَّب حقيقة شاع هذا الخبر في الناس فترتفعُ الأسعار أو تهبط، إنَّهم يُصدِّقون كلام البشر والله -سبحانه وتعالى- خالق البشر، خالق الكون، رافع السماء بلا عمد، ﴿تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً﴾ منْ مِنَ الناس يُصدِّق هذا الكلام حقيقة؟! ما من مسلم على الأرض إلاَّ‍‍ ويقول: صدق الله العظيم، ولكن على مستوى الواقع منْ مِنَ الناس يُصدِّق هذا الوعيد من الله -عزَّ وجلَّ- وينتهي عن المعاصي ويقول: إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين؟! مَنْ مِنَ الناس من يترك صفقةً مربحة فيها شُبهة ويقول: إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين؟! منْ منَ الناس يترك امرأةً لا تُرضي الله -عزَّ وجلَّ-، ويقول: إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين؟! مَن من الناس يترك بيتاً فخماً لشبهة الربا ويقول: إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين؟! مَن من الناس من يستغني عن مبلغ كبير لأنَّ كسبه ليس حلالاً ويقول: إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين؟! هذا الواقع، أما أن تقولَ الآخرة حقَّ فهذا كلام بكلام، الأعمال هي التي تنطق وأما الأقوال فلا قيمة لها، قل ما شئتَ تقول: صدق الله العظيم، فهل أنت مصدقٌ حقيقةً بهذا الكلام، علامة تصديقك لهذا الكلام أن تنتهيَ فورًا عن كلِّ معصية نهى الله عنها قولاً واحداً، فالإنسان لا يلبِّس على نفسه، لا يتوهَّم أنَّه جيد وهو مقيم على المعاصي، لا يتوهَّم أنَّه تقيٌّ وفي بيته معاصٍ كثيرة، لا يتوهَّم أنَّه مؤمن بالآخرة وهو لا يعمل لها، ولا يتوهم أنَّه يخاف من جهنم وهو في طريقها، قد يقول قائل: أعوذ بالله من عذاب جهنم! وهو يسير في طريقها، وقد يقول قائل: اللَّهم ارْزقْنا الجنَّة، ويسير في طريق مُعاكِسٍ لها، وقد يقول قائِلٌ: إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين، وهو لا يخافه عَمَلِيّاً، فالأمور ليسَتْ بِأشْكالها ولا بِظَواهِرِها ولا بالكلام ولكن بالعمل، الصحابة عملوا ففتحوا الأرض، ونحن اِكْتَفَيْنا بالكلام وليْسَتْ كلمتنا هي العُليا، كلام رب العالمين: 

﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ (55)﴾

[ سورة النور ]

هذا وعْدٌ إلهي.

وُعود الله تعالى في القرآن الكريم مُحَقَّقة:


﴿ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثًا(87)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ (111)﴾

[ سورة التوبة ]

هناك اِحْتمالان: أن هؤلاء الذين وعدهم الله لم يُنَفِّذوا ما عليهم من طاعَةٍ لله هذا الاحتمال الصحيح الوحيد، أما أنْ يبْطُل وعْد الله هذا شيءٌ مُستحيل، زوال الكون أهْون على الله من أنْ لا يَفِيَ بِوَعْدِهِ. 

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍۢ كَفُورٍ (38)﴾

[ سورة الحج ]

فإذا لم يُدافع الله عن الإنسان فلا يكون مؤمنًا.

﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

انظر هذه الدعوى ما أجملها! دعوى وليس دعاء(ادعاء) ﴿نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ ، الإمام الشافعي -رحمه الله- اِسْتنبط من هذه الآية أنَّ الله -سبحانه وتعالى- لا يُعَذِّبُ أحْبابه، لو أنَّهم صادِقون في دَعْواهم لما عَذَّبهم الله -عزَّ وجلَّ-.

﴿ وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)﴾

[ سورة الطور  ]

﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ (79)﴾

[ سورة النمل ]

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمْ ۖ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ (9)﴾

[ سورة يونس ]

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96)﴾

[ سورة مريم ]

﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ .

﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

هذه هي وُعود الله -عزَّ وجلَّ-، الإنسان يحْتاج إلى أنْ يكونَ أهْلاً لِهذه الوُعود فقط فالوعود قائمة.

﴿ وَٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلْتَحَدًا (27)﴾

[ سورة الكهف  ]

هذه وُعود ربنا بالقرآن الكريم مُحَقَّقة مئة بالمئة، تحتاج إلى أن يكونَ الإنسان أهلاً لها، فاسْعَ أنْ تكون أهْلاً لها واقْطفِ الثِّمار.

موقف الذين تركوا طاعة الله في الدنيا يوم القيامة:


﴿تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً* تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ﴾ والعَيْنُ الآنِيَة العين التي بلغتْ حرارتها الأَوْج، أو أنَّ الذي يُسقى منها لا يستطيع اِحْتِمالها إلَّا آناً يسيراً، أو أنَّهُ يشْربها مُتَأَنِّياً من شِدَّة حرارتها ككأس الشاي الساخنة لا يستطيع شربها بسرعة، ومن شدة حرارتها يشربها متأنيًا، أو أنّه لا يحْتملها إلا آناً قصيراً، أو أنّها بلغت النِّهاية في الحرارة ﴿تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ﴾ 
﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ﴾ شَوْكٌ ينْبتُ في الصحْراء لا تسْتسيغُهُ الإبل لِشِدَّة قَسْوَتِهِ ومرارَتِه، هذه صورةٌ مُنْتَزَعَة من الصحْراء تقْريباً للأذْهان، هذا طعامهم وذاك شرابهم، وهذا مكانُ إقامَتِهِم، ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ* لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِى مِن جُوعٍ﴾ لا يَسُدُّ الجوع ولا يُنَمِّي صِحَّة الإنْسان، هؤلاء الذين تركوا طاعة الله في الدنيا، هؤلاء الذين قالوا في الدنيا: إلى حين ذاك المَوْعِد يُفْرِجُها الله، هؤلاء الذين قالوا في الدنيا: هذا الدِّين مضى وَقْتُهُ، ومن مات وقال لك أنَّ هناك آخرة، وهؤلاء الذين قالوا في الدنيا: الله -عزَّ وجلَّ- لن يُحاسِبَ أحداً، وهل يُعْقل أنَّ هذا الإله العظيم يُحاسب هؤلاء البشر؟ كُلُّهُم مُذْنِبون، هؤلاء الذين قالوا في الدنيا: نحن نفْعل ما نشاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسْجد تحت العَرْش ولا يرْفعُ رأسهُ حتى يُدْخِلَ الله كُلَّ أُمَّتِهِ الجنَّة، هؤلاء الذين قالوا هذا في الدنيا هذا مَوْقِفُهُم يوم القيامة:

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍۢ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6) لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِى مِن جُوعٍۢ (7)﴾

[ سورة الغاشية ]


موقف المؤمن الخائف من معصية الله وعذابه يوم القيامة:


طبعًا القرآن الكريم يذكر كُلَّ الفئات، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ﴾ كان مُسْتقيماً في الدنيا:

﴿ كَانُواْ قَلِيلًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِٱلْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ (19)﴾

[ سورة الذاريات ]

﴿ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16)﴾

[ سورة الذاريات ]

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَٰبِيَهْ (19) إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَٰقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِى عِيشَةٍۢ رَّاضِيَةٍۢ(21) فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيٓـًٔۢا بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلْأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ (24)﴾

[ سورة الحاقة ]

هذا الذي كان في الدنيا خائِفاً من عذاب الله، هذا الذي كان في الدنيا يخاف أن يعْصِيَ الله، وقد يسْخر عليه بعض الناس.

صور عن أحوال الكفار يوم القيامة:


﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَٰلِحُونَ (104)﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ أَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ(105)  قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتۡ عَلَيۡنَا شِقۡوَتُنَا وَكُنَّا قَوۡمٗا ضَآلِّينَ (106) رَبَّنَآ أَخۡرِجۡنَا مِنۡهَا فَإِنۡ عُدۡنَا فَإِنَّا ظَٰلِمُونَ (107) قَالَ ٱخۡسَ‍ُٔواْ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ (109) فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيۡتُهُمُ ٱلۡيَوۡمَ بِمَا صَبَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ(111)﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ عَبَثٗا وَأَنَّكُمۡ إِلَيۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ(115) فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ(116)﴾

[ سورة المؤمنون ]


الفَوْز العظيم أنْ تصِلَ إلى يوم القيامة سليماً مُعافى من عذاب الله -عزَّ وجلَّ-:


 ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ﴾ ، والله هذا هو الفوْزُ الكبير، يقول الإمام عَلِيٌّ -كَرَّمَ الله وجْهه-: الغِنى والفقْر بعد العَرْض على الله.

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

[ سورة الأحزاب ]

هذا هو الفَوْز العظيم، هذا هو الذكاء، هذا هو النجاح، هذا هو الفلاح، هذا هو التَّفَوُّق، هذا هو التَّوْفيق، هذا هو العقْل أنْ تصِلَ إلى هذا اليوم سليماً مُعافى من عذاب الله -عزَّ وجلَّ-.

﴿ كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ (185)﴾

[ سورة آل عمران ]


 تألق وجْهُ المؤمن يوم القيامة وأسباب هذا التألق:


﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ*لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ* فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ (لسَعْيِهَا) المؤمن له سَعْيٌ في الدنيا، صَلَّيْنا وصُمْنا واشْتَغَلْنا ورَبِحْنا وسكنَّا بِبُيوتٍ وأقمنا الولائم وتنَزَّهْنا، أين الدين إذًا؟! ﴿ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ لك سَعْيٌ كبير بالدنيا، أين سَعْيُك؟ أين عملك الصالح؟ أين مُؤاثرتك؟ أين تضحياتك؟ أين المال الذي بذَلْتَهُ في سبيل الله؟ والوقت الذي صَرَفْتَهُ في طاعة الله؟ وأين الأمر بالمعْروف والنهيُ عن المُنكر؟ أين معاونة الضعيف؟ أين بِرُّ الوالِدَين؟ أين عيادة المريض؟ أين صحبة الأكارم وأهل الحقَّ؟ أين حُضور مجالس العِلم؟ تجدهُ لِسَبَبٍ تافِهٍ يقول لك: والله لا وقْتَ عندي! ﴿ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ ، لماذا وُجوهٌ يومئِذٍ ناعمةٍ؟ لِسَعْيِها راضِيَة، هذا الوَجْهُ الناعم والمُتألِّق والوضيء المُشرِق، سَبَبُهُ أنَّ صاحبهُ كانَ مُستقيماً وكان عملهُ صالِحاً، أقْبل على الله فَسَعِدَ بِقُرْبه فتألَّقَ وَجْهُهُ.

﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا ۖ سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًۢا(29)﴾

[ سورة الفتح ]

فوجْهُ المؤمن كالكَوْكب الدُّرِيّ يتألق بالنور.

﴿  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

[ سورة القيامة ]

أي مُتألِّقة. 

﴿ فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَلَقَّىٰهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا(11) وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)﴾

[ سورة الإنسان ]

وجْهُ المؤمن في الدنيا مُتألِّق، ووجْهُ المؤمن في الدنيا مُنير، وجْهُ المؤمن في الدنيا مُشْرق، تعْرفهم بِسيماهم ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ*لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾
قد يرْضى الناس عنك ولا ترْضى عن نفْسك، وقد لا يرْضى الناس عنك ولكنَّك ترْضى عن عملك الصالح، عَلامة المؤمن أنه في عين نفسه صغير وفي عَيْن الناس كبير، أما الكافر في عين نفْسه كبير وفي عين الناس صغير:

﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْنًا (105)﴾

[ سورة الكهف ]

لهم صغارٌ عند الله، لأَنْ يسْقُط الإنسانُ من السماء إلى الأرض فَتَنْكَسِرَ أضْلاعُهُ أَهْوَنُ من أن يسْقطَ من عَيْن الله، ذكر لي أخٌ قِصَّة جرت في بلد عربي؛ أنَّ بَدَوِياًّ معه حُجَّةَ لأرْضٍ فجاء للمدينة والْتقى بِمَكْتب عقاري وقال: أريد أنْ أبيعَ هذه الأرض، صاحب المحلّ بِأُسلوبٍ ذَكِيّ أوْهَمَهُ أنَّ هذه أرْضٌ لا قيمة لها، وبِصُعوبَةٍ حتى أقْنَعَهُم بِبَيْعِها بِثَمَنٍ بخْسٍ، فقال: مئة وخمْسين ألف رِيال، وهي ثمنها مليون ونِصْف!! شيدوا بناءً على هذه الأرض بِثلاثة وعشرين طابقاً كانوا شُركاء ثلاثة، الشريك الأوّل وقع من أعلى طابق إلى الأرض فجاء هشيماً، الشريك الثاني رَكِبَ سيارَتَهُ وعمل حادِثاً أخْرجوه قِطَعاً من سيارته، الشريك الثالث رأى مصير شريكَيْه بِعَيْنَيْه وعرف أنَّ هذا المصير بِسَبَبِ هذا الخِداع فَبَقِيَ يبْحث عن هذا البدوي شهْراً بِكامله إلى أنْ وصلَ إليه وقال: خُذْ خمسمئة ألف رِيال وسامِحْني فهذا حَقُّك، وأنت مُسامح بالخَمْسين ألف التي هي حِصَّتي فقال له: والله لو لم تسارع بِهذا لكُنْتَ مثل أصْحابك!! الله كبير، عندما يخطئ الإنسان فربنا-عزَّ وجلَّ- عِقابه أليم وشديد.

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾

[ سورة البروج ]

إذا جاءك طِفْلٌ صغير وكنتَ بائع لحْم، المؤمن يرى أنَّ الله ينظرُ إليه، أما أصحاب العمل فيقولون لك: هذا زبونٌ غشيم! ألْبِسْهُ هذه، هو بهذا يبيعُه الهَمّ، فإذا عرف أن الله حاضر ناظر وحسابه دقيق وعطاؤه كبير عندئذٍ يرْتَدِع، أكبر عَدُوّ للإنسان هو الجهل لأنَّهُ يدْفع الثمَنَ باهِظاً، ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ* فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ ولو كان دخْلُكَ مُتواضِعاً، ولو كان بيْتُك مُتواضِعاً، إذا كنت راضياً عن سَعْيِكَ فأنت أسْعد الناس، ولو كان بيْتُك ضَخْماً ودخْلُكَ كبيراً من طريقٍ غير مشْروع فأنت غير راضٍ عن نفْسِك، يوجد اُنْهيارٌ داخِلِياًّ، وبك اخْتِلال توازن مما يجْعَلُك شَقِيّاً رغْمَ كثْرة المال.
العِبْرة أنْ تعْرفَ النفْسُ أنَّها مُسْتقيمة وأنَّ مالها حلال، وأنَّها لمْ تبْنِ مجْدها على أنقاض الآخرين، ولا غِناها على فقْرِهِم، ولا أمْنها على قَلَقِهم، ولا حياتها على مَوْتِهم، فهذا النبي الكريم يقول:

(( دخَلَتِ امرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ ربَطَتْها، فلَمْ تُطْعِمْها، ولَـمْ تَسْقِها، ولَـمْ تُرْسِلْها فتَأْكُلَ مِن خَشَاشِ الأَرْضِ. ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه، وأحمد واللفظ له عن أبي هريرة ]

فما قَوْلك بِما هو فَوْقَ الهِرَّة؟! إذا كان النبيَّ الكريم لا يدوسُ على نمْلة فما قَوْلُك بِما فوْقَ النَّمْلة؟ قال تعالى:

﴿ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوْاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)﴾

[ سورة النمل ]


وصف الجنة:


﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ* فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ﴾ درجةٌ ممتازة أعْلى نوعٍ -حدث ولا حرج- كلامُ الله ربِّ العالمين.

(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة  ]

﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍۢ جَزَآءًۢ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (17)﴾

[ سورة السجدة ]

﴿فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ* لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةً﴾ ، الكلام البذيء غير موجود، مُناقشاتٌ فارغة غير موجود، ومُشاحنات غير موجودة، دَجَلٌ غير موجود، كلام بلا فائدة غير موجود ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةً﴾ ، لو أنَّ شخْصاً سمعَ كلاماً غير منْطِقي وغير واقِعي يقول لك: اِنْهَزَّ بدني، الكلامُ المُزَوَّر والباطل والدَّجَل هذا مما يهُزُّ الأعْصاب، من صِفات الجنَّة أنَّك لا تسْمع فيها لاغِيَة، كلامٌ باطِل ولاغٍ لا تسْمعه، كلام لا فائدة منه لا تسْمعه.
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍۢ نَّاعِمَةٌ* لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ* فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ* لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَٰغِيَةً* فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ عُيونٌ من الماء الرَّقْراقة والجميلة، ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾ السُّرُر جمْعُ سرير، وهي مُرْتفعة، وقال بعض المُفسِّرين: إذا أردتَ الصعود عليها تهْبط لِعِنْدك، تجْلس عليها ثمَّ ترْتفع، ﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ﴾ والأكْلٌ جاهِز ولا يحْتاج لإعْداد، ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ هذه الوسائد المُريحة من الريش، كُلُّها جاهِزة، ﴿وَزَرَابِىُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ أي أفخر أنواع السجاد والبُسط، أحْياناً ترى سجادة تأخذ العقل ألوانها متناسقة وبراقة ومُتألِّقَة.

الملف مدقق

 والحمد لله رب  العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور