- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
قادة الناس رجلان عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة :
في حديث ابن مسعود:
((المتقون سادة, والفقهاء قادة, ومجالستهم زيادة))
المتقون هم الذين اتقوا الله عز وجل فكانوا سادة؛ أي هيمنوا على أنفسهم, وملكوا أمرهم, فسعدوا في دنياهم وأخراهم.
((المتقون سادة, والفقهاء قادة, ومجالستهم زيادة))
قادة الناس رجلان: عالم رباني, ومتعلم على سبيل نجاة, وهمج رعاع أتباع كل ناعق؛ لم يستضيئوا بنور العلم, ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق, فاحذر أن تكون منهم.
هناك إنسان عالم رباني, و متعلم يبغي النجاة, ولا خير فيمن سواهما.
الناس رجلان: عالم, ومتعلم, ولا خير فيمن سواهما، فالشيء الذي يؤكد إنسانية الإنسان هو طلب العلم, والعالم والمتعلم في الأجر سواء، أي شأن المتعلم لا يقل عن شأن المعلم أبداً, كلاهما يبغي الخير؛ إنسان يعطي مما أعطاه الله, وإنسان يأخذ مما تفضل الله عليه.
فالناس رجلان: عالم ومتعلم ولا خير فيمن سواهما, وعالم رباني, ومتعلم على سبيل نجاة, وهمج رعاع أتباع كل ناعق، ويعبرون عنه الآن بالخط العريض, يقول لك: الشارع العربي مع كل صرعة, مع كل تقليد أعمى, مع كل شيء, يقلد من دون تفكير.
بطولة الإنسان أن يحتل مركزاً مستمراً في الآخرة :
المتقون سادة، والسيادة الحقيقية أن تصل إلى مكان, وأن تحافظ عليه, فالدنيا مراتب؛ لكن يأتي الموت يأخذ منك كل شيء.
فالبطولة أن تحتل مركزاً مستمراً, هذا في الآخرة, في الدنيا مراتب, الدنيا إلى زوال:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
هناك قصة جرت معي, اضطررت أن أدخل إلى بيت إنسان بعمل, قضية استلام عقد، بيت من أرقى أحياء دمشق, مساحته ألف وأربعمئة متر, بدأ يصف لي: البلاط إيطالي استورده بالطائرة, والأثاث من فرنسا، أي بالغ مبالغة كبيرة في وصف ما في البيت من أثاث, وإطلالة البيت, وكيف اشترى البيت، قلت: والله يجب أن أقدم له نصيحة, قلت له: ما قولك في هذا البيت وبيت مساحته تقدر بستين متراً تحت الأرض في أحد أحياء دمشق الفقيرة في أطراف المدينة؟ وازن بينهما؟ قال لي: لا يوجد نسبة, قلت له: وازن بين رئيس أركان وبين جندي؟ قال لي: لا يوجد نسبة, بين أستاذ جامعة ومعلم ابتدائي في قرية؟ لا يوجد نسبة, بين رئيس غرفة تجارة وبين بائع متجول؟ لا يوجد نسبة, ذكرت مهناً كثيرة, المفارقات حادة, قلت له:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾
لا يتساوى ممرض مع جراح قلب, يأخذ على العملية مئتي ألف في خمس ساعات, وممرض؛ مع القيء, ومع الضمادات, والتنظيف, والتعب, والمعاش الذي لا يكفي ليومين, وازن بين معلم في قرية في آخر الدنيا, يركب من باص لباص, ويحمل طعامه, وينتظر، وبين أستاذ جامعة دوامه خمس ساعات, عنده كرسي، وازن كل هذا.
قلت له: مراتب الدنيا لا تعني شيئاً, بل تعني أحياناً العكس, لكن مراتب الآخرة ثابتة. فحتى تكون سيداً حقيقياً احتل عند الله مرتبة ثابتة.
((المتقون سادة, والعلماء قادة
- إنسان يدلك على الله عز وجل, يدلك على طريق سعادتك, يدلك على منهج الله عز وجل, إذا طبقت فهنيئاً لك, وإذا لم تطبق فالويل لك, و عليك أن تأخذ هذه التوجيهات, وهذه الآيات, وأن تطبقها-
ومجالستهم زيادة))
القرآن الكريم يُفهم وفق لغة العرب و قواعدها :
هناك نقطة ثانية: الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
نحن نقرأ القرآن الكريم؛ لكن ليس قراءة تدقيق, قراءة تبرك أحياناً, أخي العلم ضروري, لكن هذه الآية لو وقفت عند دقائقها: العلماء وحدهم, ولا أحد سواهم يخشى الله, هكذا سياق الآية، فاللغة العربية مهمة جداً في فهم القرآن الكريم؛ لأن الله عز وجل جعل هذا القرآن عربياً قال:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾
واللغة اصطلاحاً أي أنا من غير المعقول أن أقول لإنسان: أريد أن أشرب, يأتيني بطعام!! إذا لم تكن كلمة أشرب مصطلحاً بين كل أهل اللغة فليس لها معنى, قيمة اللغة أنها مصطلح. فكل إنسان يحاول أن يفهم اللغة فهماً خاصاً, يعمل تأويلات ما أنزل الله بها من سلطان, يتناقض هذا مع مهمة اللغة.
الله عز وجل قال:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾
فالقرآن يُفهم وفق لغة العرب, وفق قواعد هذه اللغة.
من أراد أن يكون خاشياً لله فليسلك طريق العلم :
إنما في اللغة أداة قصر وحصر، فإذا قلت: شوقي شاعر, أي شوقي ليس له عمل آخر غير الشعر, إذا قلت: إنما الشاعر شوقي اختلف المعنى, أي لا يوجد شاعر في الأرض إلا شوقي, كل ما سواه ليس بشاعر, هذا مثل يأتون به في كتب البلاغة. فإنما أداة قصر وحصر:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
العلماء وحدهم, ولا أحد سواهم يخشى الله, فإن أردت أن تكون خاشياً لله فاسلك طريق العلم.
أنا أتمنى أن تقول: طالب علم, كلمة عالم كبيرة جداً, لا تليق بإنسان, الإنسان أصغر منها, ويظل المرء عالماً ما طلب العلم, فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل, أنت طالب علم, أي في أعلى مرتبة، والله سمعت كلمات كثيرة من بعض الأخوة الدعاة, يقول لك: أسعد بهذه الكلمة, هي أدب عال, قل: طالب علم لا تقل عالماً.
مرة إنسان ألف كتاباً, أحد علماء دمشق - كلمة كبيرة فوق مستوى الإنسان- قل: أنا طالب علم؛ فطالب العلم هو الذي يخشى الله عز وجل.
فالإنسان منضبط بلسانه, بحركاته, بسكناته, بكسبه للمال, الانضباط دليل علمه, والعلم في النهاية يحمله على طاعة الله, وهو لا يشعر, و قد سمى العلماء هذا الأثر التراكمي.
الإنسان أحياناً يأكل طعاماً فيه هرمونات, فإن أكل هذا الطعام مرة واحدة فلابأس، أما إن أدمن عليه فيصبح عنده أثر تراكمي, ينشأ عنده ورم خبيث, طبعاً هذا مثل سيئ.
أنا أردت من ذلك أن الإنسان إذا أراد أن يطلب العلم, ينشأ عنده أثر تراكمي, قناعات, قناعات, بعد ذلك أصبح يمشي بشكل صحيح، كلامه مضبوط, حركته مضبوطة, سمعه مضبوط.
طلب العلم يعطي الإنسان موقعه الحقيقي بين المؤمنين :
لذلك الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
المرتبة العالية تحصّلها بطلب العلم, والآن لا يوجد حل ثان, الإنسان يحب نفسه, يحب وجوده, الذي يجعله يسلك الطريق الصحيح هو العلم.
لذلك يقولون: أول خطوة في حل المشكلة أن تعلم أنها مشكلة.
أول خطوة في التوبة: أن تطلب العلم, أن تعرف نفسك مذنباً.
الآن: مشكلة العوام أن الإنسان منهم يغرق في مليون معصية, يقول لك: إيماني في قلبي, أكثر كلمة يقولها الناس: إيماني في قلبي, لا يطبق شيئاً في الدين, ويدّعي أن إيمانه في قلبه, وكل شيء يفعله طبيعي, ويغرق في المعاصي والآثام, و هذا نتيجة نقص العلم، فلا بد من طلب العلم, لأن طلب العلم يعطي الإنسان موقعه.
نحن كنا نتحدث عن الحكمة في الدروس السابقة, الآن: طلب العلم, طلب العلم يعطيك موقعك الحقيقي بين المؤمنين, لذلك الله عز وجل قال:
﴿سَابِقُوا﴾
وقال:
﴿وَسَارِعُوا﴾
أمر الهي, وكل أمر في القران يقتضي الوجوب.
هناك إنسان يسارع, أو يسابق لوحده ضمن مجموعة, معنى هذا أن الجماعة رحمة, والفرقة عذاب, عندما تكون مع مجموع؛ تكون في أنس, في منافسة شريفة, في غيرة.
المنافسة التي يتمتع بها الإنسان حيادية قد تُستخدم في الخير وقد تستخدم في الشر :
في الإنسان صفة من كل ثقافة العوام, أو ثقافة الناس، ثقافة مادية بالجسم, أما النفس فلها خصيصة, لها طبع, ولها فطرة, أحد خصائص النفس أنها...أنا محتار في التسمية؛ تسميها غيرة, تسميها منافسة, سمِّها ما شئت.
مثلاً إذا رأيت إنساناً أغنى منك, تتمنى أن تكون مثله, إن رأيت إنساناً أعلم منك, تتمنى أن تنافسه, تكون مثله, إن رأيت إنساناً أتقى منك, تتمنى أن تكون مثله, هذه خصيصة بالنفس –غيرة- الله عز وجل فطر النفس هكذا.
الخصيصة هذه حيادية؛ قد تُستخدم في الخير, وقد تستخدم في الشر, إن استخدمت في الشر كانت الحسد, وإن استخدمت في الخير كانت الغبطة, الخصيصة حيادية, أنت مجبول هكذا, لا تتحمل أن يكون أحد أفضل منك, تحب أن تكون أفضل الناس.
الآن ما يجري بين الناس من منافسات, ومن بغي, ومن عدوان, ومن شقاء, ومن بغضاء، سببه الحسد:
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
الخصيصة هي خصيصة المنافسة, والغيرة, والتفوق, الخصيصة هذه حيادية خام, ما معنى خام؟ مثلاً السكينة - هذه السكينة حيادية - يمكن أن تقطع بها الطعام, ويمكن أن تذبح بها إنساناً، فالإنسان إذا استخدم الخصيصة في التنافس على الآخرة, هذه أصبحت فضيلة, أحد أسباب سعادته وتفوقه هذه الخصيصة, وإن استخدمها في الدنيا صار حسوداً, وبغى, واعتدى.
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
والآية الكريمة:
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾
الدعاء أن تكون أوليَّاً, ومتفوقاً.
تجد الإنسان في أمور الآخرة زاهداً جداً, في الدنيا طموح؛ يريد أعلى مرتبة, أعلى دخل, أعلى شهادة, وأجمل زوجة, وأكبر بيت, وأفضل سيارة, كل الناس هكذا، ماذا فعلوا؟ طبقوا هذه الخصيصة في الدنيا, فتنافسوا، مثلما قلت سابقاً: السباق في الدنيا مضحك، مثلاً طريق فيه ألف سيارة متسابقة, أنواع متنوعة, في النهاية وقعت أغلى سيارة في المنحدر فنزلت ودمرت, وأرخص سيارة نزلت, وأجمل سيارة نزلت, وأقدم سيارة نزلت, وأبطأ سيارة نزلت, هذا سباق الدنيا, يأتي الموت ينهي كل شيء؛ الغني تجده قد مات, أصبح تراباً, والفقير مات, والمتفوق مات, والذي يحمل أعلى شهادة مات.
فلو كان التنافس في الدنيا فهو حمق؛ المصير لا معنى له, المصير واحد للجميع, لا يوجد حوار, هناك هلاك, المصير واحد لكل المتسابقين.
الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق :
لذلك:
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾
ابتغوا الرفعة عند الله, المؤمن دائماً يبحث عن مرتبة في الآخرة:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾
﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾
سبحان الله! هناك معنى دقيق جداً: إن ملوك الأرض لا يوجد لهم طريق, لا تستطيع أن تقابل ملكاً, ولا بسنة, ولا بخمس سنوات, أما ملك الملوك وهو الله عز وجل, هو من محبته لعباده جعل لهم مليون طريق, الطرائق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق, كيفما تحركت تجد الطريق إلى الله عز وجل؛ إذا غضضت بصرك فهذا طريق إلى الله عز وجل, تنفق مالك طريق، تربي ابنك طريق, تعتني بزوجتك طريق, تخلص بعملك طريق, تتقن عملك طريق, تنصح المسلمين طريق, تدعو إلى الله طريق, تطلب العلم طريق، فلذلك الله عز وجل قال:
﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾
أكثر الناس يقول لك: أريد وراء الباب, أريد الجنة وراء الباب, لا, اطلب أعلى مرتبة في الجنة, اطلب أن تكون إماماً للمتقين, هذا الطموح, أما الطموح في الدنيا فليس له معنى،
ترى أثرياء العالم, تسمع أحياناً قصصهم؛ مات في اليخت, مات في البحر, تجده مات ميتةً بشعةً, قذرةً, وهو في معصية, وهو في متعة، وانتهى؛ كل الغنى, وكل الثروات الطائلة، انتهت إلى لا شيء, أما الإنسان إذا سلك طريق الإيمان فلا يوجد عنده خط بياني نازل, كله صاعد, حتى لو مات.
أصل الدين معرفة الله :
الآن: أصحاب رسول الله، أعلام الأمة الأبطال, لم يموتوا, يُذكرون كل يوم ملايين المرات, ذكرهم مستمر.
قال له: "يا بني! مات خزان المال وهم أحياء, والعلماء باقون ما بقي الدهر؛ أعيانهم مفقودة, وأمثالهم في القلوب موجودة".
سئل عبد الله بن المبارك: "من الناس؟ قال: العلماء, قيل: فمن الكبراء من الناس؟ قال: الحكماء, قيل: فمن الملوك؟ قال: الجهال, قيل: فمن السفلة؟ قال: من أكل دنياه بآخرته" أي من حقق الدنيا, وخسر الآخرة، وهناك وسائل كثيرة جداً لكسب المال.
وقد كان أحمد بن حنبل- رضي الله عنه- كثيراً ما يأتي إلى معروف الكرخي, فقال له ابنه ذات يوم: يا أبتاه, إنك تكثر الجلوس مع معروف, -أحمد بن حنبل من كبار العلماء- فهل عنده علم أو وقع إليه إسناد لم يقع إليك؟ قال:" يا بني! عنده أصل الدين, ومخ علوم التقى والحكمة".
السلف الصالح فرّق بين تفاصيل الدين -الأحكام الشرعية- وبين مخ الدين, وأصل الدين أن تعرف الله, وأن تعرف منهجه التفصيلي, هذا من فروع الدين؛ و هناك علماء متفوقون بفروع الدين, و علماء متفوقون بأصول الدين، فكان يقول: "يا بني! عنده أصل الدين, ومخ علوم التقى والحكمة".
و الشافعي -رضي الله عنه- كان إذا اشتبهت عليه مسألة في الفقه, فلم يجد لها دليلاً في الكتاب والسنة, دخل على شيبان الراعي, وقال له: "يا أبا محمد! كيف ترى في هذا؟ ويجلس بين يديه, فيكشف له ما اشتبه عليه من المسالة".
التواضع في العلم :
هناك أشياء لطيفة مؤداها أن العلم بالله شيء ثمين جداً, وهناك درجة أخرى: العلم بمنهجه، أي الدين واسع جداً, لا أحد ينافس أحد, كل إنسان تفوق بشيء.
وأنا أقول كلمة لو طبقها علماء الدين لسعدوا, وسعد الناس, هم متكاملون, كل إنسان: الله عز وجل آتاه شيئاً.
مرة قال لي شخص كلمة أعجبتني، قال لي: كل إنسان ألبسه الله ثوباً, لا يستطيع أن يخلعه, ولا يليق على غيره, هذا تفوق في فهم النص, هذا تفوق في استنباط الأحكام الشرعية, هذا تفوق في علم التجريب, هذا تفوق في علم العقيدة, هذا تفوق في علم الحديث, هذا تفوق في أصول الدعوة, وهكذا.
يُروى أن علي بن دينار -رحمه الله- اشتبهت عليه مسألة, فاتجه إلى قاضي خراسان, فجلس بين يديه, ثم قال: إني أريد أن أسالك عن مسألة, قال له: تركت العلماء من أصحابك وجئت تسألني؟ فأجابه: مثلي ومثلك كمثل ملك ضلّ في البرية, فهل يسأل في الطريق ملكاً مثله أم راعياً!؟.
أحياناً: يكون الإنسان خبيراً في قضية, التواضع في العلم مفيد جداً, يمكن أن يكون هناك شخص أدنى منك مرتبة لكن في موضوع ما أعلم منك, قضية الكبر في العلم, المتكبر والمستحي لا يتعلمان, فلا بد من التواضع.
والله عز وجل أمر سيدنا موسى أن يلزم الخضر, وأن يتعلم منه, فلذلك الإنسان بالعلم لا يوجد أحد أفضل من أحد, يمكن أن يكون هناك قضية أنت لست متفوقاً فيها, وغيرك متفوق.
تجد هذا عند الأطباء، أحياناً الطبيب إذا كان مخلصاً, وجاءته حالة مستعصية, و هو يعرف أن زميله أفضل منه, يحيله إلى زميله, أو يسأله بالهاتف, فتسأل باستمرار, هذا شيء يرفع من قدرك, أما إن استغنيت عن كل الناس و توهمت أنك تعلم كل شيء, فهذا سلوك يتنافى مع العلم الدقيق, العالم يسأل, ويأخذ رأي الآخرين.
يقول الجنيد -رحمه الله تعالى-: "لو أن العلم الذي أتكلم به من عندي لنفذ وانقطع؛ ولكنه من حق بدأ, وإلى حق يعود".