- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأوصاف كثيرة؟
في الأحاديث الصحيحة, أحاديث كثيرة تتحدث عن المؤمن, وقد يسأل سائل: ما الحكمة من أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأوصاف كثيرة؟.
لأن الإنسان دائماً يتألق نفسه, الإنسان يسخط من رزقه, لكنه يثني على عقله.
فالإنسان من طبيعته: أنه يتملق نفسه, فكل يدعي أنه مؤمن, أما إذا قرأت الأحاديث الصحيحة التي وصف الله بها المؤمنين, يجب أن تضع نفسك في موضع الموازنة, هل هذه الصفات تنطبق عليه؟.
مثلاً: لو أن واحداً من الناس, ادعى أنه يحمل إجازة في اللغة الإنكليزية, هذه دعوى, قلنا له: اقرأ هذه الأسطر, لم يقرأ, ذكرنا له تعبيراً لم يفهم, اكتب, لا يكتب, ولا يفهم, ولا يقرأ, ولا يسمع, معنى: دعواه باطلة.
فحتى الإنسان ما يتملق نفسه, ما يعيش بوهم, كل يدعي أنه مؤمن, لكن المؤمن له صفات.
محور درسنا اليوم: كلمة المؤمن, حيثما وردت في كتاب رياض الصالحين, وهو من أجمع كتب حديث, وكل أحاديثه صحيحة.
من صفات المؤمن :
1-مهما كانت الظروف لا يبدل ولا يغير :
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عجبت لأمر المؤمن, ﺇن أمره كله له خير, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمنين, إن أصابته سراء شكر فكان خير له, وﺇن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له))
أكثر الناس في الرخاء, يحمدون الله ويشكرونه, أما عند أول بادرة مشكلة, تجده ساء ظنه بالله, أساء الظن بالله, أهمل عبادته.
فالإنسان الذي يتغير, انظر تغير الظروف, ليس مؤمناً كاملاً كما قال عليه الصلاة والسلام.
منعطف خطير :
أيها الأخوة, الله عز وجل قال:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾
حينما قال الله عز وجل:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً﴾
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
معناها: تغير ظنك بالله مع تغير الظروف, تغير عبادتك مع تغير الظروف, تغير استقامتك مع تغير الظروف, هذا ينفي عنك الإيمان الكامل, أما المؤمن الإيمان الكامل:
((ﺇن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير, وﺇن أصابته ضراء صبر فكان ذلك له خير))
وليس ذلك لغير المؤمن, التغيير: أن في العقيدة, أو في حسن ظنك بالله, أو في العبادة, أو في السلوك, أو في الإقبال والإعراض, إذا حصل تغييراً مع الظروف, عليك أن تشمر على ساعد الجد, وأن تجدد إيمانك, المؤمن الصادق: لا يغير ولا يبدل:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾
هذه أول خاصة؛ فسوء الظن, أو حسن الظن في العبادة: السلوك, الاستقامة, عقيدة, عبادة, سلوك, ﺇن تبدلت وتغيرت, وفق المعطيات والظروف, وإقبال الدنيا وإدبارها, معناها: ليس هذا هو المؤمن الذي أراده الله عز وجل, المؤمن لا يبدل ولا يغير:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾
هذا ما يضع الله به المؤمن :
أيها الأخوة, الله عز وجل لا يمكن إلا وأن يضع المؤمن في امتحان دقيق:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
لا بد من امتحان:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
إذا السوق حامي, تجد التاجر متألق, ويتحدث بالدين, ويتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويريد أن يعمل أعمالاً صالحة, أما إذا كان السوق برد يبرد, تبتر همته, المؤمن الكامل لا يتأثر بالظروف, لأنه يعامل خالق الكون, يعامل الله عز وجل, هذه أول صفقة.
2-محبته للمؤمنين يؤلمه ما يؤلمهم, ويفرحه ما يفرحهم :
الصفة الثانية: في الحديث المتفق عليه:
((المؤمن للمؤمن كالبنيان, يشد بعضه بعضاً))
يعني: تعاونك مع أخوانك من علامة إيمانك, محبتك لأخوانك من علامة إيمانك, أن تخفف عنهم بعض المتاعب من علامة إيمانك, فالتعاون من صفات المؤمن, والتنافس من صفات المنافس, لذلك قيل:
((لا بد للمؤمن من كافر يقاتله, ومن منافق يبغضه, ومن مؤمن يحسده))
إذا المؤمنون تحاسدوا, هبط مستواهم جميعاً.
العلامة الثانية: أن تحب المؤمنين, أن تعاونهم, أن يؤلمك ما يؤلمهم, أن يفرحك ما يفرحهم, أن يسعدك ما يسعدهم, لذلك: أصاب أحد المؤمنين خير, تحس أنه خير, لك إنسان ارتقى, إنسان نجح في عمل, إنسان نجح في زواج, نجح في شهادة, مؤمن من أخوانك, إن فرحت له فرحاً حقيقياً, فأنت مؤمن ورب الكعبة, أما المنافق:
﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾
فهذه علامة ثانية.
((المؤمن للمؤمن كالبنيان, يشد بعضه بعضاً))
3-يتميز بحسن الخلق :
يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث عن المؤمن:
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن))
الإيمان: حسن الخلق, الإيمان يعني: الشجاعة, الإيمان يعني: الكرم, الإيمان يعني: الحلم, الإيمان يعني: العفو, الإيمان يعني: المسامحة, الإيمان يعني: التواضع.
((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن))
يعني: إذا قلت: مؤمن, معنى ذلك: أنه ذو أخلاق حسنة, فإذا كانت أخلاقه سيئة, كان سبب التنفير من الدين, وكان في مستوى لا يرضي الله أبداً, وأبرز ما تظهر أخلاقه في بيته, لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((خيركم خيركم لأهله))
طبعاً: إنسان في بيته, لا يوجد عليه رقابة, ولا يخش شيئاً, فإذا كان أخلاقياً في بيته, فهو أخلاقي قطعاً مع الناس, أما إذا كان خارج البيت لطيف, ومهذب, وفي البيت شرس, فهذا اللطف والتهديد, ليس أخلاقاً ترضي الله, لكنها أخلاق نفعية, مبنية على ذكاء الإنسان, وعلى مصالحه, لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))
((المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))
4-من لوازم المؤمن: تلاوة القرآن الكريم :
وفي الحديث الصحيح:
((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن, مثل الأترجَّة –البرتقالة- ريحها طيب, وطعمها طيب, ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن, كمثل التمرة, لا ريح لها, وطعمها حلو, ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن, مثل الريحانة, ريحها طيب, وطعمها مر, ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن, كمثل الحنظلة, ليس لها ريح, وطعمها مر))
معنى ذلك: من لوازم الإيمان تلاوة القرآن, القرآن ربيع المؤمن, القرآن حبل الله المتين, القرآن هو الصراط المستقيم, المؤمن يتعبد الله بتلاوة القرآن.
بشرى لك يا قارئ القرآن :
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((من تعلم القرآن, متعه الله بعقله حتى يموت))
يعني: تعلم كتاب الله, نجاة من الخوف, ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً﴾
أنا ذكر لي أخ, قال لي: لي والدة, نضعها على سرير, ونربطها من يديها ورجليها, قلت له: لماذا؟ قال: إذا كانت يداها طليقتين, خلعت ثيابها كلها, وأكلت من غائطها, هذه أرذل العمر:
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً﴾
تفقد ذاكرتها, تمزق ثيابها, تتقرب, تأكل من غائطها, هذا أرذل العمر.
((من تعلم القرآن, متعه الله بعقله حتى يموت))
معنى ذلك: أن تلاوة القرآن, وفهم القرآن, وتدبر القرآن, والعمل بالقرآن, من لوازم المؤمن.
5-لا يبتاع على بيع أخيه, ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر :
((المؤمن أخو المؤمن, فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه, ولا أن يخطب على خطبة أخيه حتى يذر))
علامة الإيمان: أخ اشترى شروة, أو باع بيعة, أنت تبتعد إلى أن ينتهي الموضوع, أما باع بيعة أخوك, مسلم, مؤمن, جارك, بكم باعك إياها؟ أنا عندي أرخص, أرجعها له, والله لست مؤمن, إذا كان أخوك باع بيعة, وسعرها معقول, أردت أن تنافسه, فسألت الذي اشتراها: بكم اشتريتها؟ أنا أعطيك أفضل منها, وأرخص, ردها إليه, ليس هذا من صفات المؤمن.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((المؤمن أخو المؤمن, فلا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه, ولا أن يخطب على خطبة أخيه حتى يذر))
كان السلف الصالح: كانوا على عكس ذلك, يأتي المشتري يشتري, يأتي المشتري الثاني, يقول: لا, أنا استفتحت, اذهب إلى جاري.
هكذا كان السلف الصالح –نعم-.
هذه من صفات المؤمن: أن تبتاع على بيع أخيك, أو أن تخطب على خطبة أخيك, هذا يتنافى مع كمال الإيمان.
6-الكياسة والعقل والفطنة والذكاء :
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين, من جرَّب المجرب, كان عقله مخرب))
((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين))
((لا أسمح -كما قال الشافعي- لعدوي أن يغشني مرتين))
((المؤمن كيس فطن حذر))
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((المؤمن كيس فطن حذر))
فأن تجد مؤمناً خباً, مستحيل أن تجده مخدوعاً, مستحيل, لأن سيدنا عمر رضي الله عنه يقول:
((لست بالخب ولا الخب يخدعني))
أي لست من الخبث بحيث أخدع, ولا من السذاجة بحيث أَخدع.
إذاً: الكياسة, والعقل, والحذر, والفطنة, من صفات المؤمن, والأخلاق العالية, ألا تبتاع على بيع أخيك, ولا أن تخطب على خطبة أخيك, من صفات المؤمن ......
7-من مبشرات المؤمن :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((أرأيت الرجل, يعمل العمل من الخير, ويحمده الناس عليه))
شخص سأل النبي عليه الصلاة والسلام:
((يا رسول الله! أرأيت الرجل, يعمل العمل من الخير, ويحمده الناس عليه؟ فقال عليه الصلاة السلام: تلك عاجل بشرى المؤمن))
أحياناً: المؤمن مستقيم, وعمله طيب, شيء طبيعي جداً, أن يلهج الناس بالثناء عليه, أن يحبونه, أن يمدحونه, فهذا ليس رياء ولا نفاقاً, طبيعة إيمانه تقضي: أنه مستقيم, أنه صابر, أنه متواضع, أنه رحيم, فلان أخلاقه الإيمانية أخلاق رضية, الناس يحبونه, فإذا أحبه الناس, وأثنوا عليه, ليس معنى هذا: أنه يتمنى السلوك, أن ينتزع إعجابهم, لا, هذا هو الإيمان. هذه بشرى معجلة من الله عز وجل.
يعني: إذا أحبك الله, ألقى حبك في قلوب الخلق.
وقد قال بعضهم في تفسير قوله تعالى .......
يعني: إذا أحبك الله أحبك الناس, لأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن, فحب الخلق لك إذا كنت مستقيماً, ومؤمناً إيماناً كاملاً, هذه بشرى من الله.
((يا رسول الله, أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير, ويحمده الناس عليه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تلك عاجل بشرى المؤمن))
8-ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((ليس المؤمن بالطعان, ولا اللعان, ولا الفاحش, ولا البذيء))
يضبط لسانه, لا يطعن, ولا يلعن, ولا يفحش في القول, ولا يستخدم العبارات البذيئة.
أحياناً: يقول لك: إذا لم تكن قاسياً, الصانع لا يكون رجلاً, أنت كنت قاسياً, لكنك خالفت السنة, أحياناً: يسب أباه على الذي خلفه, أنت مثل كذا البعيد, هذه أخلاق المؤمن؟ هذه أخي هذه مصلحة, لا ليست مصلحة, ليس لك مصلحة بهذا الكلام, مهما كان الظرف عصيباً, أن تتلفظ بكلمات نابية, أن تقسو بالكلام.
((ليس المؤمن بالطعان, ولا اللعان, ولا الفاحش, ولا البذيء))
الفحش: مجاوزة القدر المعلوم إلى قدر لا يحتمل, كلام قاس, ذكر عورات, سباب, لعن, طعن.
((ليس المؤمن بالطعان, ولا اللعان, ولا الفحش, ولا البذيء))
هذه من صفات المؤمن, الذي رضي الله عنها.
بماذا تتعلق نفس المؤمن؟ وماذا تفهم من هذه الأحاديث؟ :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه))
يعني: موضوع الدين: هذا من حقوق العباد.
((وحقوق العباد مبنية على المشاححة, بينما حقوق الله مبينة على المسامحة))
وأكثر الناس يتوهمون: أنهم إذا ذهبوا إلى الحج, عادوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم, هذا كلام صحيح إلى حد ما, فيما بينك وبين الله, عدت من ذنوبك التي بينك وبين الله كيوم ولدتك أمك, أما في الذنوب التي بينك وبين الناس, هذه لا تسقط ولا بمثابة حجة, لا تسقط إلا بالأداء والمسامحة, بالأداء أو المسامحة, فلذلك: موضوع الدين, أما الذمة الواسعة: يتساهل, حالته المالية جيدة, من أموال لا تأكلها النيران, ما لم أعطيه, لست مؤمناً, لأن نفس المؤمن معلقة بدينه, حتى يقضى عنه, بل إن الشهيد الذي بذل روحه في سبيل الله, يغفر له كل ذنب إلا الدين, أبداً.
كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يصلي على أحد أصحابه, يقول:
((أعليه دين؟ فإن قالوا: نعم, يقول: صلوا على صاحبكم, فإذا قال أحدهم: علي دينه, صلى عليه))
ومرة قال:
((أعليه دين؟ قالوا: ديناران, فقال: صلوا على صاحبكم, فصلوا عليه, إلى أن قال أحدهم: علي دينه يا رسول الله -ابن مسعود- فصلى عليه النبي, في اليوم التالي سأله: يا بن مسعود, أدفعت الدين؟ قال: لا, في اليوم الثالث سأله: يا بن مسعود, أدفعت الدين؟ قال: لا, في اليوم الرابع سأله: يا بن مسعود, أدفعت الدين؟ قال: نعم, قال: الآن ابترد جلده))
معنى ذلك: أن نجاة الإنسان من عذاب الدين, ليس بالكلمات, ولكن بالأداء –نعم-.
حديث ينبغي أن تعلمه :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يتمنى أحدكم الموت, ولا يدع به من قبل أن يأتيه.
-يعني: أكثر الناس لأتفه سبب, الله ينهي عمره, ويخلص من الحياة, هذا كلام غير إسلامي-.
ﺇنه إذا مات انقطع عمله, وﺇنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً))
العمر لا يزيد المؤمن إلا خيرا, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((خيركم من طال عمره وحسن عمله))
أيضاً: لا بد من ضبط اللسان, في ساعات الغضب, في ساعات الشدة, معظم الناس يدعون على أنفسهم, أو على أولادهم, أو على أهليهم بالموت.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((لا يتمنى أحدكم الموت, ولا يدع به من قبل أن يأتيه, ﺇنه إذا مات انقطع عمله, وﺇنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً))
–نعم-.
بيان لك في معرفة هذا الحديث :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف.
-والقوة مطلقة؛ هناك قوة المال, هناك قوة السلطان, فالمؤمن المتفوق: يستطيع أن يفعل الخيرات الكثيرة, التي لا يستطيع أن يفعلها الضعيف, المؤمن الغني يستطيع أن يفعل الخيرات, التي لا يستطيع أن يفعلها الفقير, والمؤمن العالم يستطيع أن ينفع الناس بعلمه, بحيث لا يستطيع الجاهل أن يفعل ذلك, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((علو الهمة من الإيمان))
التفوق من صفات المؤمن, القوة المطلقة خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف, لكن النبي عليه الصلاة والسلام أوتي الحكمة, قال-:
وفي كل خير))
يعني: حتى المؤمن الضعيف على العين والرأس, حتى المؤمن العابد غير العالم على العين والرأس, حتى المؤمن الفقير على العين والرأس, لكن أنت بالقوة المالية, والإدارية, والعلمية, تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة, لا يستطيعها الأقل منك درجة, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير, احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز, -احرص, الاستسلام, والمشكلة, الخنوع, يقول لك: هذا حظي, هذا قدري, ليس بيدي شيء, لا؛ لا تستسلم, لا تيأس, لا تخنع, لا تستخز-.
وﺇن أصابك شيء, فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل, فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان))
يعني المؤمن: كل شيء أصابه, يعد برداً وسلاماً, يراه من الله عز وجل.
هذا ما يتعلق بعقيدتك :
البارحة شبهت لإنسان مثل: إذا الإنسان تلقى ضرباً, ضرب بعصاة من يد رحيمة, من والده, هل يحقد على العصاة؟ العصاة ليس لها علاقة, فالمؤمن أية مصيبة تأتيه من إنسان, هذا الإنسان أداة بيد الله:
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
فحينما توحد, لا تحقد, حينما توحد, الحقد أساسه الشرك:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾
خاتمة القول :
أيها الأخوة, كل هذه الأحاديث الصحيحة, ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام, لتكون مقياساً وهدفاً, مقياساً لنا, نقيس بها أنفسنا.
ذكرت في أول الدرس, أن الإنسان من عادته: أنه يتملق نفسه, يثني عليها, لا يرضى عن رزقه, ولكنه يرضى عن عقله, عن إيمانه, فلئلا نقع بهذه المتاهة, ولئلا نظن بأنفسنا خيراً, ونحن دون ذلك.
هذه بعض الخصائص التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام للمؤمن.
اللهم علمنا ما ينقعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, والحمد لله رب العالمين.