- ٠2كتاب الله أكبر
- /
- ٠2كتاب الله أكبر
لذلك لا يسع الحاج بعد أن أفاض من عرفات، وقد حصل له هذا اللقاء الأكبر، وأشرقت في نفسه أنواره، واصبغت نفسه بصبغة الله، لا يسعه وقد ذكر فضل الله عليه، عند المشعر الحرام، ذكره، وشكره على نعمة الهدى، والقرب، لا يسعه وقد عبر تعبيراً رمزيا عن عداوته الأبدية للشيطان، برمي جمرة العقبة، لا يسعه بعد أن لبى دعوة ربه، وحظي بقربه، ورأى طرفاً من جلال ربه، وكماله، وإكرامه، لا يسعه إلا أن يكبر الله على نعمة الهدى، والقبول، والقرب.
لذلك قطع النبي صلى الله عليه وسلم التلبية بعد رمي جمرة العقبة، والحلق، وبدأ بالتكبير.
الله أكبر، مع أخواتها، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، هي الباقيات الصالحات في قوله تعالى:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46)﴾
فالمرء إذا سبح الله حقيقة وحمده ووحده وكبره فقد عرفه وإذا عرفه أطاعه، وإذا أطاعه استحق جنته، وما عند الله خير، وأبقى من الدنيا الدنية الفانية.
والله أكبر يفتتح بها الأذان، ويختم بها، ليشعر المسلم، وهو يسمع الأذان، وهو منغمس في عمله وتجارته أن ما عند الله حينما يمتثل العبد أمره بتلبية النداء أكبر من كل شيء بين يديه مهما يكن كبيراً.
والله أكبر نفتتح بها صلاتنا، ونرددها في أثناء الصلوات الخمس ما يزيد عن مائتين وخمسين مرة في اليوم الواحد، وقد أصاب بعض الفقهاء حين عدها أقربَ إلى الشرط الذي ينبغي أن يستمر طوال الصلاة منها إلى الركن الذي ينقضي بأدائه، فالمصلي ينبغي أن يلحظ في أثناء صلاته أن الله أكبر من كل شيء يشغله عن الخشوع لربه.
والله أكبر نرددها عقب انتصارنا على أنفسنا، عقب عبادة الصيام، وعقب عبادة الحج، لذلك سن لنا النبي صلى الله عليه وسلم التكبير في العيدين، لأنه تحقيق للعبودية لله والعودة إليه أكبر من الدنيا وما فيها، إذا رجع العبد إلى الله نادىٍ مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله.
والله أكبر، نرددها ونحن نواجه أعداءنا، وبعد أن ننتصر عليهم من أجل أن نشعر أن الله أكبر من كل كبير، وأن النصر من عند الله، العلي القدير، وإن تنصروا الله ينصركم.
والله أكبر يرددها المؤمن السالك إلى الله، فتعني عنده أنه كلما كشف له جانب من عظمة الله جانب من قدرة الله جانب من رحمة الله جانب من إكرام الله تعني عنده أن الله أكبر مما رأى. وكما قال الإمام الشافعي: ( كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي ).
ومجمل القول إن المؤمن مهما ازدادت معرفته بربه فالله أكبر مما عرف.
والعبرة كل العبرة لا في ترديد لفظها بل في معرفة مضمونها، ومضمون هذا الكلمة يؤكده، ويحدده سلوك المؤمن.
والنبي صلى الله عليه وسلم قمة البشر في معرفة مضمون كلمة " الله أكبر ".
أرسلت قريش عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول له " لقد أتيت قومك بأمر عظيم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها، إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد شرفاً سوّدناك علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، فلم يفلح في هذا المحاولة.
ثم حاولت قريش عن طريق عمه أبي طالب أن تكفه عن دعوته فقال له عمه أبو طالب: " يا ابن أخي أَبقِ على نفسك، وعليَّ، ولا تحمِّلني من الأمر مالا أطيق، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن قال قولته الشهيرة،:
((والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه))
الله أكبر قالها أصحاب رسول الله، قالوها بألسنتهم، وامتلأت بها قلوبهم، وصدقتها أعمالهم، ففعلوا وهم قلة ما نعجز عن فعل معشاره، ونحن كثرة، فالواحد ممن يقولها، ويصدقها عمله كألف، والألف ممن يقولها، ولا يصدقها عمله كأف.
سيدنا سعيد بن عامر، أرادت زوجته أن تحمله على الكف عن الأنفاق في سبيل الله، قال لها: "لقد كان لي أصحاب سبقوني إلى الله، وما أحب أن أنحرف عن طريقهم، ولو كانت لي الدنيا وما فيها، وقد خشي أن تدل عليه بجمالها، وهو سلاح النساء، فقال لها: تعلمين أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت واحدة منهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن أحرى وأولى من أن أضحي بهن من أجلك.
قال هذا الصحابي الجليل: الله أكبر بلسانه، وامتلأ بها قلبه، وصدقها عمله.
راعٍ من عامة المسلمين يرعى شياهاً قال له ابن عمر ممتحناً: بِعْنِي هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، وخذ ثمنها، قال والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟!.
قال هذا الراعي، الله أكبر بلسانه، وامتلأ بها قلبه، وصدقها عمله.
إذا أطاع المرء مخلوقاً كائناً من كان، وعصى خالقه فهو ما قال الله أكبر، ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما أطاع الأقوى في تصوره.
وإذا غش المرء الناس ليجني المال الوفير، فهو ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما رأى أنما هذا المال أكبر عنده من طاعة الله ورسوله.
وإذا لم يقم المرء الإسلام في بيته إرضاء لأهله ولأولاده فهو ما قال الله أكبر ولا مرة ولو ردَّدها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما رأى أن إرضاء أهله أكبر عنده من إرضاء ربه.
فكلمة الله أكبر لو عرف المسلون مضمونها فرددوها بألسنتهم، وامتلأت بها قلوبهم، وصدقتها أعمالهم، لكانوا في حال آخر مع الله، وموقف آخر مع الخلق.
فلنردد الله أكبر بألسنتنا، ولنتعرف إلى مضمونها، ولتكن أعمالنا مصدقة لها حتى نستحق أن يرحمنا الله، وأن ينصرنا على أعدائنا.