- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخــطــبـة الأولــى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وآل بيته الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
المؤمن في أمس الحاجة إلى شحنة روحية يقوى بها إيمانه وتزداد بها علاقته بالله تعالى:
أيها الأخوة الكرام، المؤمن في أمس الحاجة إلى شحنة روحية يقوى بها إيمانه، وتزداد بها علاقته بالله عز وجل، الله عز وجل فرض علينا الصلوات الخمس كشحنات يومية، وفرض علينا صلاة الجمعة كشحنة أسبوعية، وفرض علينا رمضان كشحنة سنوية، وفرض علينا الحج كشحنة العمر.
لذلك:
(( أن الأقرع بن حابس سأل النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه: الحج في كل سنة أو مرَّة واحدة؟ قال: "بل مرةً واحدةً، فمن زاد فهو تطوع ))
أيها الأخوة، الحج رحلة إلى الله، فقد شاءت إرادة الله عز وجل لحكمة مطلقة مراعاة للنزعة المادية في كيان الإنسان أنْ يضع للناس في الأرض بيتاً له:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾
أنْ يضع للناس في الأرض بيتاً له يُمكِّن المؤمنين مِن أنْ يعبِّروا من خلال إتيانه مِن كل فَجٍّ عميقٍ أن يُعبِّروا عن حبهم لله، وشوقهم إليه، وشاءت حكمة الله أن يكون بيته الحرام في المنطقة الحارة من الأرض، وفي واد غير ذي زرع، ليكون واضحاً لدى الحُجَّاج أنّ الاتصال الحقيقي بالله يحقِّق للمرء سعادةً، يستغني بها عن كل الشروط المادية، التي يتوهَّم أنها سبب سعادته، وأنّ سعادةَ الإنسان تنبع من داخله، لا مما يحيط به نفسَه من ألوان النعيم، ولو كان بيتُ الله الحرام في المنطقة المعتدلة من الأرض، حيث الجبالُ الخضراءُ، والمياهُ العذبةُ، والبحيراتُ الصافيةُ، والبساتينُ الغناءُ، والجوُّ اللطيفُ، والنسيمُ العليلُ، وكان الحجُّ على مدار العام دفعاً للازدحام، لأقبل كلُّ الخلق إلى أداء الفريضة الممتعة، طلباً للاستجمام، لا حُبَّاً بخالق الأكوان.
الحجَّ عبادةٌ كبرى قِوامُها الاتصالٌ بالله :
هناك حكمة بالغة من كون بيت الله الحرام في المنطقة الحارة في واد غير ذي زرع
وفضلاً عن موقع البيت الحرام، وعن طبيعة الجو فيه، فإن الحاجَّ المحرمَ يُحظَر عليه لُبسُ المخيط من الثياب، ويُحظر عليه التطيُّبُ بكل أنواع الطيب، ويُحظر عليه الحلقُ والتقصيرُ، ويُحظر عليه مقاربةُ المُتَعِ التي أُبيحت له خارجَ الحج، كلُّ ذلك ليُحْكِمَ اتصالَه بالله، وليسعد بقربه وحده، بعيداً عن كل مداخلة من مُتع الأرض، ليتحقَّق الحاجُّ أنه إذا وصل إلى الله وصل إلى كلِّ شيء، وأنّ الدنيا كلَّها لا يمكن أن تُمِدَّ الإنسانَ بسعادة مستمرة، بل متناقصة، ولينطلق لسانُه بشكل عفوي قائلاً: يا رب، ماذا فَقَدَ مَن وجدك ؟ وماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ ؟
مُجْمَلُ القول أنّ الحجَّ عبادةٌ كبرى، قِوامُها الاتصالٌ بالله، بل إن هذا الاتصال اتصال متميِّزٌ، أساسُها معرفةٌ وقُرْبٌ، وبَذْلٌ وحُبٌّ، وسببُها نزعُ أقنعةِ الدنيا المزيفةِ، وتجاوزُ الخلق إلى الخالق، وخرقُ النعم إلى المنعم.
حقوق العباد مبنيةٌ على المُشَاحَحَةِ بينما حقوق الله مبنيةٌ على المسامحة :
لكي تؤدَّى هذه العبادة العظيمة على نحوٍ يقبلها الله، ويرضى عنها ولئلا ينفق الإنسان المال الكثير، والوقت الثمين
ويتجشَّم المشاقَّ، ثم لا تُقبل حجَّتُه، ويُقال له: لا لبيك ولا سعديك، وحجُّك مردود عليك، لئلا تضيعَ حجّتُه سُدى، عليه أنْ يتوب قبْلَ الذهاب إلى الحج مِن كل الذنوب والآثام، كبيرِها وصغيرِها، جليلِها وحقيرِها، فيجتنب كلَّ كسْبٍ حرام، وكلَّ علاقةٍ متلبِّسة بالآثام، وعليه أن يؤدِّيَ الحقوقَ التي عليه بالتمَّام والكمال، وبخاصة تلك الحقوق المتعلقة بالخلق، لأن حقوق العباد مبنيةٌ على المُشَاحَحَةِ، بينما حقوق الله مبنيةٌ على المسامحة، فعليه أن يؤدِّيَ الحقوق، ويُقلعَ عن الذنوب، والأهمُّ مِن هذا أن يَعقِد العزمَ على ألاّ يعودَ إليها بعد الحجّ، وإلاّ أصبح الحجُّ مِن الطقوس لا من العبادات، فَمِنَ الخطأ الكبير، والوهم الخطير أنْ يظنّ الحاجُّ أنّ الحجَّ يهدمُ ما قبله من الذنوب كلِّها، وفيه تُغفر كل خطيئة، وقد أجمع العلماءُ على أنّ الأحاديثَ الشريفة التي تبيِّن أنّ الحاجّ يعود مِن الحجّ كيوم ولدته أمه، وقد غُفرت ذنوبُه كلُّها، هذه الذنوبُ التي أشار إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم هي الذنوبُ التي بين العبد وربِّه حصراً، أمّا الذنوبُ التي بينه وبين الخلق، والحقوقُ التي في ذمته، والواجباتُ التي قصَّر في أدائها هذه لا تَسقطُ ولا تُغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
فالذنوب ثلاثة ؛ ذنب لا يُغفر، وهو الشرك، وذنب لا يُترك، وهو ما كان بين العبد والخلق، وذنب يُغفر، وهو ما كان بين العبد وربه، أي أن جميع الأحاديث التي أشارت أن الحاج يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه، الذنوب حصراً فيما بينه وبين الله تعالى أما التي فيما بينه وبين الخلق هذه لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
الاستطاعة تعد أصلاً في فرضية الحج :
الاستطاعة التي وردت في الآية التي تعد أصلاً في فرضية الحج وهي قوله تعالى:
﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾
هي استطاعة بدنية ومالية وأمنية وإدارية، فالمسلم الذي لا يقوى جسمه على تحمُّل أداء مناسك الحج بَغَلبة يقينية، أو بإخبار طبيب متخصص مسلم حاذق ورع، يُجزئه أن يُكلِّف من يحج عنه في حياته، أو يوصي بحجة بدل بعد مماته، وفق أحكام هذا النوع من الحج، والمسلم الذي لا يملك المال الكافي الذي يغطي نفقات الركوب بأنواعها، ونفقات السكن، السكن: أي ألا ينام في الطريق، نفقات السكن في مكة والمدينة، وثمن الطعام والشراب، فضلاً عن نفقات أهله وولده في غيبته لا يعد عند الله مستطيعاً، فلا ينبغي للمسلم غير المستطيع أن يبذل ماء وجهه من أجل جمع نفقة الحج، ولا أن يسلك المسالك الملتوية، من أجل أن يحصل على نفقة الحج، فإنه في الأصل ليس مستطيعاً، ولا حجَّ عليه، وينبغي أن تعبد الله وفق ما شرع الله، وحينما يقرر ـ الآن شيء دقيق ـ أولو الأمر في ديار المسلمين أن يعتمدوا نظاماً يُتيح لمَن لم يحجَّ أن يحجّ، ويَمنع من حجّ حجة الفريضة من أن يحج قبل خمس سنوات، حينها يكون الباعث على هذا التنظيم إفساحَ المجال للمسلمين الذين لم يحجّوا حجّة الفريضة أن يؤدُّوها بيسر وطمأنينة، فلا ينبغي للمرء أنْ يرتكب معصيةً ليحجّ حجّة نافلة، أي لا ينبغي للمسلم أن يشتري موافقة الذهاب إلى الحج، لا ينبغي أن تبدأ هذه العبادة الكبرى برشوة، لذلك الذي لم يُسمح له أن يحج لا يُعَدُّ مستطيعاً، هذه الاستطاعة الإدارية، هناك استطاعة بدنية، ومالية، وإدارية، وأمنية، أن يكون الطريق آمناً.
وما دام الحج مِنَ العبادات المالية التي تستوجب إنفاقَ المال، فلا بد في المال الذي سينفقه الحاجُّ في هذه الفريضة أنْ يكون مالاً طيباً وحلالاً، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ))
(( إِذَا خَرَجَ الْحَاجُّ حَاجًّا بِنَفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فَي الْغَرْزِ - ركاب الدابة - فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلاَلٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلاَلٌ، وَحَجُّكَ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ، وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فَي الْغَرْزِ فنادى: فَنَادَى: لَبَّيْك
َ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: لاَ لَبَّيْكَ وَلاَ سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ، ونَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ مَأْزُورٌ غَيْرُ مبرورٍ))
عبادةَ الحجّ فرَضَها الله على المستطيع فالإعدادُ الفقهيّ للحجّ مِنَ الحجّ أيضاً :
أيها الأخوة الأكارم، بما أنّ الحجّ فريضةٌ فرضها الله على المستطيع، والفقير ليس مستطيعاً، فلا ينبغي للفقير أن يقترض ليحجّ:
(( سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنِ الرَّجُلِ لَمْ يَحُجَّ: أَوَ يَسْتَقْرِضَ ؟ قَالَ: "لاَ" ))
والمدين لا تُقبل حجته إلا بموافقة دائنه، إنّ من بدأ حجه بتصريح كاذب، أو انتحل صفة لا يتصف بها، أو يتصف بها ولا يريد أن يقوم بها، أو دفع مالاً غير مشروع لجهة غير شرعية، تحول أداؤه لهذه الفريضة إلى عمل محرم، استناداً إلى القاعدة الفقهية الأصولية وهي أنَّ كل ما استلزم محرماً يصبح هو الآخر محرماً، فالطريق إلى المحرم محرم، فالمؤمنون عاداتهم عبادات، والمنافقون عباداتهم سيئات
وبما أنّ عبادةَ الحجّ فرَضَها الله على المستطيع في العمر كله مرة واحدة، فإنْ أخلَّ الحاجُّ بمناسكها، فلم يؤدِ ركناً، أو نسي واجباً، أو ترَكَ سنَّةً، أو حرص على سنة أدَّت إلى انتهاك حرمة، أو اقترفَ معصية، أو فَعَلَ محظوراً، فَقَدْ أَبْطَلَ حجَّه، أو لَزِمه الدمُ، أو أساء، أو قصَّر، أو تركَ الأَوْلَى، إنْ فَعَلَ هذا فقد ضيّع فرصة فريدة لا تتكرّر، فرصة لمغفرة ذنبه، واستحقاقه جنّةَ ربه، كلُّ هذا بسببِ الجهل الذي هو أعدى أعداءِ الإنسان، فالجاهلُ يفعل في نفسه ما لا يستطيع أن يفعله عدوُّه به، لذلك نقول: أيها الحجّاجُ تفقَّهوا قبل أن تحجّوا، فعالمٌ واحد أشدُّ على الشيطان مِن أَلْفِ عابدٍ، وقليلٌ مِنَ الفقهِ خيرٌ مِنَ كثيرٍ مِنَ العبادة:
﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾
وكما أن انتظار الصلاة يُعَدّ من الصلاة، كذلك الإعدادُ الفقهيّ للحجّ فهو مِنَ الحجّ، فكم مِن حاجٍّ أهْملَ التفقُّهَ قَبْلَ الحج، وعاد مِنَ الحجّ، ولم يطف طواف الركن، فبطل حجُّه، وكم مِن حاجٍّ اجتاز الميقاتَ المكانيَّ غيرَ محرِم فلزمه الدم، وكم مِن حاجٍّ وقع في محظورات الإحرام، وهو يحسبُ أنه يُحسن صنعاً.
دَرْء المفاسدِ مقدَّمٌ على جَلْبِ المنافع :
مِن فقهِ الرجلِ أنْ يتحرّك في حياته وَفق سُلَّم للأوليات، فإذا أدّى حجّةَ الإسلام، وهي حجةُ الفريضة، وتاقت نفسُه إلى أن يحجّ مرةً ثانيةً وثالثةً، وكان مستطيعاً بماله وبدنه وموافقة أولي الأمر له، ولم يسهم مِن خلال تصريحٍ غيرِ مطابق للواقع من حرمان مسلم مِن حجّة الفريضة، وكان قد أدّى كلَّ ما عليه من واجبات تجاه والديه، وأولاده، وأخوته، وأخواته، وأصدقائه، وجيرانه، فلا عليه أنّ يحجّ ثانية وثالثة ورابعة، فالحج جهاد لا شوكة فيه، وهو جهادُ الكبيرِ، والمرأةِ، والضعيف، وقد ورد في الحديث القدسي
(( إِذَا أَصْحَحْتُ لِعَبْدِي جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ، فَأَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَمْ يَفِدْ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ ))
لكن حينما يحجّ المسلمُ حجةَ الفريضةَ، وله ولد في سنّ الزواج، ويخشى عليه الانحرافَ، فالأَوْلى أن يزوِّجه بدلَ أنْ يحجّ حجة النفل، لأنّ دَرْءَ المفاسدِ مقدَّمٌ على جَلْبِ المنافع، وأنّ الله لا يقبل نافلةً أدَّتْ إلى تركِ واجبٍ:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الحجَّ لا يكفِّر الذنوبَ التي لم يَتُبْ منها صاحبُها :
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم
(( اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا وَلَا سُمْعَةَ ))
ومعنى هذا أن من انحراف الحاج عن قصده، وعدم إخلاصه في عبادته أن يبتغي من حجه السمعة والرياء، ويجب أنْ يعلمَ المسلمُ أنّ الحجَّ لا يكفِّر الذنوبَ التي لم يَتُبْ منها صاحبُها، أي إذا كان مصراً على ذنب ويعلم أنه ذنب، الحج لا ينتفع به إطلاقاً، فالمقيم على ذنبٍ ما لم يَتُبْ منه، وهو مستمرٌّ فيـه، فإنّ الحجَّ لا يكفِّر ذنبَه، وإنما الحجُّ كفارةٌ وأجرٌ للعبدِ التائبِ إلى الله، الراجع إليه، الراجِي رحمتَه وعفوَه، والذي أقْلعَ عن ذنوبه إقلاعاً لا رجعة بعده، والدليل على ذلك:
(( قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ: أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ))
(( أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسي، ورأت أمي حين حملتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى ))
مناسك الحج من شعائر الله :
أيها الأخوة، مناسك الحج من شعائر الله، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
قال بعض العلماء: أداء الشعيرة شيء، وتعظيمها شيء آخر، من تعظيمها أن يؤديَها الحاج كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تعظيمها أن تؤديها على شوق وطيب نفس، لا على تأفف وتململ، ومن تعظيم شعائر الله أن يؤديها الحاج، ويتمنى أن يؤديها مرات ومرات، إن المشاعر التي يشعر بها الحاج، وهو في المشاعر المقدسة، هي بوتقة ينصهر فيها قلب المؤمن حتى يتخلص من أدرانه نقي القلب، صافي النفس، تلك هي الغاية الكبرى من الحج، أن تعود أيها الحاج كيوم ولدتك أمك.
تساوي الناس جميعهم في الحج :
أيها الأخوة الكرام، يقول ربنا جلّ جلاله:
﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)﴾
من أدق ما قاله المفسرون حول هذه الآية: إن المسلم بحجِ بيت الله الحرام، وتعظيمِ شعائر الله، وعقدِ العزم على طاعة الله، واتباعِ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تتحقق مصالح المسلم في الدنيا والآخرة، وعندئذ تتوقف المعالجة الإلهية:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147) ﴾
يخلع الحاج ملابسة المَخيطة والمُحيطة، والتي تعبر بشكل أو بآخر عن دنياه، عن حجمه المالي، عن مرتبته الاجتماعية، عن مرتبته الوظيفية، بل عن درجته العلمية، والدينية أحياناً، هذه الملابس المَخيطة والمحيطة، تعبر عن نوع انتمائه، إلى أمةٍ، إلى شعبٍ، إلى قبيلةٍ، إلى عشيرةٍ، إلى حرفة، إلى مستوى اقتصادي، إلى مستوى اجتماعي، إلى منصب ديني، هذه الملابس المَخيطة والمحيطة تعبر عن هوية الإنسان، فلو بقي المسلم بلباسه لبقي ملتصقاً بدنياه، أو بقبيلته، أو بطبقته، أو بمَنْ على شاكلته، ولكن الإسلام لحكمةٍ كبيرة شرع اللون الواحد، والتصميم الواحد، حتى تختفي الهوية الخاصة، ويبدو البشر كياناً واحداً، ومن ثم تتعامل معهم بدافع إنساني خالص، بعدما ذابت الفروق الطبقية، والهويات الإقليمية، والانتماءات المتعددة، ليبرز هذا اللباس وكأن الناس متساوون في كل شيء، هو الإنسان على فطرته السليمة في مواجهة خالقه الواحد الديان، بعد أن يخلع الحاج ثيابه المَخيطة والمحيطة، ويرتدي ثوب الإحرام الموحد، يدخل في أفق الممنوعات، ففي باطنه ممنوع أن يفكر في شيء يؤذي الحرم، ومع الناس فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج ، ومع الحيوان، فلا يُصطاد، ولا يقتل، ومع النبات فلا يُقطع، ولا يشوه، ومع الحجر فلا يكسر ولا يقتلع، هذه الممنوعات التي هي من لوازم الإحرام، ليكون الحج سلاماً دائماً قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾
الحج اتصال بالله عز وجل و سعادة بقربه و خروج العبد من مراده إلى مراد ربه :
إن الحاجَّ المحرمَ يُحظَر عليه لُبسُ المخيط من الثياب، ويُحظر عليه التطيُّبُ بكل أنواع الطيب، ويُحظر عليه الحلقُ والتقصيرُ، ويُحظر عليه مقاربةُ المُتَعِ التي أُبيحت له خارجَ الحج، كلُّ ذلك ليُحْكِمَ اتصالَه بالله، وليسعد بقربه وحده، بعيداً كما قلت قبل قليل عن كل مداخلة من مُتع الأرض، وفوق ذلك ففي الإنسان غريزة حبّ الاستطلاع، فهو في أصل طبعه لا يقبل على عمل إلا إذا عرف حكمته، وحقق به مصالحه العاجلة والظاهرة، ولأنه يحب نفسه حباً جماً، وهذا مركب في أصل طبعه، ولأن الحج بهذه الممنوعات، وبهذه المناسك التي لا تظهر حكمتها للوهلة الأولى، لا يلبي هذه الحاجة الفطرية، والفكرية، والمادية، لذلك يحتاج الحاج إلى درجة عالية من الإيمان بحكمة الله وعلمه، ويحتاج إلى درجة عالية من العبودية للواحد الديان.
يقول عمر رضي الله عنه: " تفقهوا قبل أن تحجوا ".
فالعبادة في حقيقتها تعني خروج العبد من مراده إلى مراد ربه، وهذا يبدو جلياً واضحاً في الحج، يتساءل بعضهم ، هل مع هذا التسليم المطلق بحكمة ما أمرنا به إعمال للعقل ؟ الجواب: لا، لأنه لن يكون العقل حكَماً على النقل، ولكنه مسموح للعقل أن يفهم حكمة النقل، مسموح له أن يطير في المجال الجوّي الإسلامي، مسموح له أن يسبح في المياه الإقليمية الإسلامية، مسموح له أن يسبح وأن لا يشطح.
يوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة و مغفرة الذنوب و العتق من النيران :
ويأتي موقف عرفة، فيوم عرفة من الأيام الفضلى، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وهو يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، إنه يوم اللقاء الأكبر بين العبد المنيب المشتاق، وبين ربه الرحيم التواب، بين هذا الإنسان الحادث الفاني المحدود الصغير، وبين الخالق المطلق الأزلي الباقي الكبير، وعندها ينطلق الإنسان من حدود ذاته الصغيرة إلى رحاب الكون الكبير، ومن حدود قوته الهزيلة إلى الطاقات الكونية العظيمة، ومن حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله، فيوم عرفة يوم المعرفة، ويوم عرفة يوم المغفرة، ويوم عرفة يوم تتنزل فيه الرحمات على العباد، من خـالق الأرض والسماوات، ومن هنا قيل من وقف في عرفات ولم يغلب عـلى ظنه أن الله قد غفر له فلا حج له
(( وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تثوب فقال:
يا بلال أَنصِت لي الناس، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصت الناس، فقـال عليه الصلاة والسلام: معشر الناس أتاني جبريل آنفاً فأقرأني من ربـي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر الحرام، وضمن عنهم التبعات، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله هذه لنا خاصة، قال هذه لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وفاض))
(( ما من يوم أكثـــر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ماذا أراد هؤلاء. انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أني غفرت لهم))
إن الله يغفر للحاج، ومبالغة في إكرامه يلقي في روعه أنه قد غفر له، لذلك يشعر الحاج الصادق بأن الله قد غفر له، وأنه عاد كيوم ولدته أمه
(( ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ منه من يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ))
(( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخيـر ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))
وقال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية يوم عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تذرفان، فالتفت إلي، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً ؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
الحج صورة مصغَّرة للمحشر العظيم يوم القيامة :
نصائح حول الحج :
أخوتنا الكرام، لا يُعقل، ولا يُقبل أن يذهب الحاج إلى بيت الله الحرام قبل أن يتفقه بأركان الحج، وواجباته، وسننه، ومستحباته، وصفة حجة النبي عليه الصلاة والسلام، وما ينبغي أن تكون عليه أخلاق الحاج.
ثانياً، لا يُعقل، ولا يُقبل أن تُؤدى هذه العبادة الجليلة أداءً بعيداً عن مقاصدها وثمارها.
ثالثاً، لا يُعقل، ولا يُقبل أن يعود الحاج من أداء هذه الفريضة كما ذهب.
رابعاً، لا يُعقل، ولا يقبل أن يُوجد الحاج في المشاعر المقدسة دون أن يشعر بأية مشاعر مقدسة.
خامساً، لا يعقل، ولا يقبل أن يتحرى الحاج سنةً أو مستحباً، ويرتكب من أجلها معصية، أو أن يتجاوز فريضة.
سادساً، لا يُعقل، ولا يُقبل أن يحدثك الحاج عن كل شيء في الحج إلا الحج.
سابعاً، لا يُعقل، ولا يقبل أن يرمي الحاج الجمرات تعبيراً عن معاداته للشيطان، ويعود إلى بلده ليكون أُلعوبة بين يدي الشيطان.
ثامناً، لا يُعقل، ولا يُقبل أن يقتصر أمر الله في هذه الفريضة على أن يأتي الحاج من بلاد بعيدة ليجلس في المشاعر المقدسة، ليأكل، وينام، ويتكلم في شؤون الدنيا، إن أمر الله في هذه العبادة ليس كذلك، وهو أعظم وأجل من أن يكون كذلك، أن تأتي إليه من بلاد بعيدة، لتحقق وجودك المادي في مكان، تمضي هذا الوقت في غير ما أمرت به، وليس هذا المستوى من الحج هو الذي تقوم به مصالح المسلمين في دنياهم وأخراهم، يجب العلم اليقيني بأن الحج لا يكفر الذنوب التي لم يتب منها صاحبها، فالمقيم على ذنب ولم يتب منه، وهو مستمر فيـه، فإن الحج لا يكفر هذا الذنب، وإنما الحج كفارة وأجر للعبد التائب إلى الله، الراجع إليه، الراجي رحمته وعفوه، والذي أقلع عن ذنوبه إقلاعاً لا رجعة بعدها.
ومع أن الإسلام يهدم ما كان قبله، إلا أنه من أساء في الإسلام جوزي بعمله السيئ في الإسلام وما كان قبل الإسـلام، وكذلك الحال فيمن له معاصٍ لم يتب منها قبل الحج فإن الحج لا يهدم هذه المعاصي، وهذا يعني أن الحج لا يفيد إلا التائب من الذنب، والعائد إلى الله، الراجع إليه، المقلع عن ذنوبه، وأما المقيم على معاصيه وذنوبه المستمر فيها، فإن الحج لا يهدم ما كان قبله في هذه الحالة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين.
الإنسان حينما ينضبط قبل الحج في طاعته لله عز وجل يرى من ثمار الحج ما لا يوصف :
أيها الأخوة الكرام، لا بد من التنويه في أن الإنسان حينما ينضبط قبل الحج في طاعته لله عز وجل، وحينما يكون على معرفة بالله، وعلى طاعة له، هذا الإنسان إذا ذهب إلى بيت الله الحرام يرى العجب العجاب، يرى من القرب من الله الشيء الكثير، يرى من ثمار الحج ما لا يوصف.
حينما تلتقي بحاج حجّ بيت الله الحرام حجاً صحيحاً صادقاً، تستمع منه إلى أحواله، وإلى مشاعره، وإلى حالات قربه، بحيث تتمنى أن تحج أنت في العام القادم، أما حينما يكون الإنسان محجوباً عن الله في بلده بالذنوب والمخالفات وحبّ الدنيا هذا الحجاب في البلد إذا انطلق منه الإنسان إلى بيت الله الحرام دون أن يعقد مع الله صلحاً أو توبةً قد لا يرى شيئاً، قد يسمعك من الأخطاء التي يرتكبها الحجاج ما لا سبيل إلى وصفه، قد تنفر نفسه عن أن يحج مرةً ثانية لأن جوهر الحج لم يكن محققاً، حج بجسده ولم يحج بقلبه، لم يكن قلبه حاضراً و لم تكن نفسه منيبةً.
من أراد أن يحج ينبغي أن يستعد للحج قبل أن يحج :
أيها الأخوة، من أراد أن يحج ينبغي أن يستعد للحج قبل الحج، أن يستعد بالتوبة النصوح، أن يستعد لأداء الحقوق، أن يستعد بالالتزام التام، فإذا توجهت إلى بيت الله الحرام وجدت من القرب ما لا سبيل إلى وصفه، وجدت أن هذه عبادة عظيمة، وأن الثمار التي قطفتها لا توصف، أما إذا حججت بجسدك وكأنها فريضة ينبغي أن تؤدى شكلاً من دون مضمون، من دون قرب من الله عز وجل، تعود من الحج ولك عن مثالب الحجاج وتقصيرهم الشيء الكثير.
فأيها الأخوة الكرام، تفقهوا قبل أن تحجوا، التزموا بمنهج الله قبل أن تحجوا، اعقدوا الصلح مع الله قبل أن تحجوا، أدوا حقوق العباد قبل أن تحجوا، بعدئذ حجوا.
إذاً الحج من أعظم العبادات، إنه في الحقيقة عبادة العمر، إنه في الحقيقة عبادة ينقلك من حال إلى حال، من تعلق بالدنيا إلى تعلق بالآخرة، من وحول الشهوات إلى جنات القربات.
بشكل موجز ما لم تعد بعد الحج إنساناً آخراً بتصوراتك، بقيمك، بعلاقاتك، بانضباطك، فإنك لم تقطف ثمار الحج التي جعلها الله في متناول الحجاج الصادقين.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، انصر المسلمين في كل مكان، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين.