- موضوعات متنوعة / ٠6موضوعات مختصرة
- /
- محاضرات في جامع الطاووسية
الحمد لله رب العالمـين، والصـلاة والسـلام على سـيدنا محمد الصـادق الوعـد الأمـين.
الله ربّ كل الشهور :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا بد من كلمة مناسبة بعد رمضان ، فهذا الشهر الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال :
(( آمين آمين آمين ))
فلما نزل قيل له ، فقال :
(( أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فقال : رَغِمَ أنْفُ امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له ، قل : آمين ، فقلت : آمين ))
إن لم يغفر له فمتى ؟ لو أن إنساناً لا سمح الله ولا قدر لم يصم كما يريد الله عز وجل ، ولم يقم ليل رمضان ، ولم يضبط جوارحه ، أو لم يعجبه صيامه، أو كان مقصراً ، فالحقيقة الناصعة أن الله رب كل الشهور ، ومعك في كل الدهور ، فالذي شعر أنه لم يكن كما يتمنى في رمضان ليقم برنامجاً في العبادة وتلاوة القرآن وإنفاق المال، فهذا مما يتاح له .
على كل من السذاجة وضيق الأفق أن تتوهم أن الله يعبد في رمضان، الله عز وجل يعبد في كل الشهور والأعوام ، وهذه النبضات الإيمانية عند عامة الناس، برمضان يصلون ويتصدقون بعد رمضان عادوا لما كانوا عليه ، مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يرقى ولا شعرة عند الله .
﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً﴾
الاستقامة على أمر الله أساس الدين :
أيها الأخوة ؛ هذا الدين العظيم يمكن أن يضغط في كلمات أحد أكبر هذه الكلمات:
الاستقامة على أمر الله ، ما لم تستقم على أمر الله فدينك ليس له علاقة بحقيقته ، دين فلكلور ودين مظاهر، والدليل : يقول : أربعة ملايين كانوا بالحج ، بالنهاية انتصرنا ؟ لم ننتصر ، ما قيمة هذه العبادات إن لم تنتج نصراً وتفوقاً وتكون الكلمة العليا للمسلمين ؟ أين قوله تعالى :
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
ما قولك إذا كان لهم علينا ألف سبيل وسبيل !!! سفير أميركا باليمن يطلب خطب الجمعة مسبقاً ، الإف بي آي يطلب أين تدفع الزكاة في السعودية ؟ بدقائق حياتنا تدخلوا ؟ أين؟
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
لهم علينا ألف سبيل وسبيل ، وليست كلمتنا هي العليا ، ولسنا ممكنين في الأرض ولا مستخلفين ولا مطمئنين ، أين قوله تعالى :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
أخطر شيء في حياة المسلم أن يهزم من الداخل :
والله أيها الأخوة ؛ صدقوني لا بد من انتفاضة إسلامية وثورة داخلية مع نفسك ، أين تمشي محسوب على المسلمين ، وليس بيتك كما ينبغي ، ولا عملك ولا علاقاتك كما ينبغي، فأنت أصلح نفسك ، خصصت خطبتين في جامع النابلسي ماذا نعمل ؟ صار هناك إحباط عام وشعور بالقهر والقوة هي كل شيء ، الباقي لا قيمة له ، هذا الشعور يكاد يشل حركة المسلمين، ماذا ينبغي أن نعمل ؟ يوجد نموذج لا أحتمله أبداً له أهداف مستحيلة التحقيق ، إذا لم يتحقق لا يفعل شيئاً ، قاعد عندك مليون هدف جزئي يتحقق معك ، ربّ أولادك ، كن أنت مسلماً، اصمت لا تنطق بكلمة لكن كن أميناً وصادقاً ، ألا تريد نصر هذا الدين ؟ هذا الدين ينتصر بقاعدة إيمانية صلبة ، بمسلم صارخ في كماله وصدقه وأمانته ، فإذا قلت ماذا أفعل ؟ هل تستطيع أن توقف ال B52 عن القصف ؟
تنزل وتدمر خمسمئة متر مربع لا تبقي حياة فيها، القتلى حتى الآن ثلاثمئة ألف تقريباً ، هل تستطيع أن تقنع هذه الدولة الطاغية ألا تقصف ؟ لا مستحيل ، لكن تستطيع أن تكون مسلماً حقيقة وأنا وأنت والأخ والأخ .....يتشكل مجتمعاً مسلماً تقطف ثماره ، تتوسع دوائر الحق وتضيق دوائر الباطل ، وأخطر شيء أن نهزم من الداخل ، قد نخسر معركة أم تقول انتهينا ؟ من قال لك هذا ؟ الله موجود ، علقت من يومين على حديث يدعو لليأس قلت له : تكلم ما شئت وعلل وتوقع وتشاءم وتفاءل لكن إياك أن تنسى أن الله موجود ، الله عز وجل قادر أن يقلب كل موازين القوى ، ومن كان يتوقع أن هذه الكتلة الشرقية العملاقة ، القلعة الحصينة قلعة الإلحاد ، التي تملك سلاحاً نووياً يدمر القارات الخمس خمس مرات من يصدق أنها تتهالك من الداخل كبيت العنكبوت ! إذا أراد الله يلغي كل شيء ، الأمل بالله عز وجل ، حتى هذه القوة الطاغية هذه إلى حين أما دائماً فهذا يتناقض مع وجود الله ، لكن لم تنتهِ ورقتها عند الله عز وجل ، لها بقية غطرسة واستعلاء ، تتدخل بالشؤون الداخلية وإلغاء ثقافات الشعوب وقيمها ومبادئها ، وأن يكون العالم كله في خدمتها ، ومن هو الإرهابي عندها ؟ الذي لا ينبطح لها ، من أي دين كان ، قوة طاغية متغطرسة من الذي مكنها ؟ نحن ، بتقصيرنا في إسلامنا ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾
مستحيل العلة فينا ، ولا نستطيع أن نعمل حلاً جماعياً فوق طاقتنا ، ما هو الحل المتاح ؟ حل فردي ، كل واحد يكون مسلماً صادقاً أميناً متواضعاً ، إن تحدثت فأنت صادق ، وإن عاملك الناس فأنت أمين ، وإن استثيرت شهوتك فأنت عفيف ، ولست مكلفاً أكثر من ذلك .
على كلّ مسلم ضبط أموره :
المسلمون لو دخلت لبيوتهم ليسوا مسلمين
وكذلك لو دخلت لأعمالهم ، لا تعتب على الله بل على نفسك فقط ، فيجب أن نستعيد همتنا ونشاطنا ومعنوياتنا بطاعتنا لله عز وجل، وعد للمليون قبل أن تعصي الله ، وعد للمليار قبل أن تسيء سمعة المسلمين ، دائماً عندما يرتكب المسلم خطأ لا يقال : فلان أخطأ ، يقال : مسلم أخطأ ، نحن الآن تحت الأضواء، أخطاؤنا كلها مكبرة ، ويوجد تضليل إعلامي خطير بالعالم ، وغسل دماغ ، وتحطيم معنويات، هذا كله موجود ، فإذا كان إيمانك قوياً وأنك على حق وأن الله لن يخذلك ، فالله سبحانه وتعالى عند وعده لنصرك ، الله عز وجل يريد إنساناً يستحق النصر قلت مرة : النبي سيد الخلق وحبيب الحق ومعه نخبة البشر قال :" إن الله اختارني واختار لي أصحابي " ومع ذلك صار في غزوة أحد خطأ ولم ينصرهم الله ، إذا كان عندنا نحن مليون خطأ ليس من المعقول أن ننتصر ، فيجب أن نرتب أوراقنا الداخلية .
امرأة محجبة ابنتها تلبس البنطال أين أمها ؟ هذه مسلمة ؟ كيف سمحت لها أن ترتدي هذه الثياب الفاضحة ؟ كيف هذه بيوتات المسلمين ؟ انظر إلى السطوح ماذا تجد ؟ والله تأتيني قصص على الهاتف لا تعد ولا تحصى ، شيء لا يمكن أن يقبل ! متى كان في سوريا زنى محارم بنسب كبيرة جداً !! متى كان في الشام خمسة عشر ألف بيت دعارة ؟ هذا كله موجود ، فلذلك :
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
الحل الوحيد أن يضبط كل مسلم أموره ، قال : عظني ولا تطل : قال فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ، قال : كفيت ، قال : فقه الرجل.
لا يوجد داعٍ لدروس وكلام ونصوص يلزمنا تطبيق والكلام سأوجهه لنفسي ، الأنبياء جاؤوا بكلمة صادقة وموجزة ، والنبي كان يتخول أصحابه بالموعظة ، لم يكن يثقل عليهم لكن كان هناك صدق وطاعة لله وشوق وإخلاص وحب ، تجد بين المسلمين عداوات وحزازات ومشكلات أنتم تسمعون الأخبار ، أبشع شيء الخيانات التي صارت ، من يطلب أن يعين كافراً على مسلم ؟ صارت ذقنه تحت صرته ويطلب أن يعين كافراً على مسلم ، ما قولك بهؤلاء المسلمين ؟
أيها الأخوة ؛ والله أتكلم من ألم فأتمنى أن نكون في أعلى درجة من اليقظة والالتزام، قضية مصير والدنيا سريعة الزوال ، وأمراض عضالة متفشية في المجتمعات كلها ، الأورام الخبيثة ، الجلطات ، الدسامات ، الضغط المرتفع ، خثرة بالدماغ شيء مخيف .
أربع نعم يغفل الناس عنها وهي من أعظم النعم :
شيء لفت نظري أحد علماء دمشق الأجلاء الذين توفوا له في العيد تقليد غريب جداً يأخذ تلاميذه أول يوم للمقابر ، من في المقابر ؟ أموات هؤلاء ماذا خسروا ؟ خسروا حياتهم الدنيا ، أنت حي تمشي تستطيع أن تتوب ، وتستغفر ، وتعمل عملاً صالحاً ، وتنفق مالك ، وتغض بصرك ، فهذا الميت فاتته فرصة الحياة ، أنت حي ، تعرف قيمة الحياة ، باب التوبة مفتوح أمامك على مصراعيه ، مفتوح باب الاستغفار ، باب العمل الصالح ، باب إصلاح الماضي ، قال : في اليوم الثاني يأخذهم للمشافي ليريهم نعمة الصحة ، هذا معه تشمع كبد، وهذا فشل كلوي ، وهذا خثرة بالدماغ ، وهذا ورم خبيث ، وهذا انحلال دم ، أنت معافى ، في اليوم الثالث للسجون ، أنت عندك حرية ، تذهب لحمص لحلب ، تنام في بيتك ، إذا طرق الباب لا تخاف ، افتحوا أهلاً وسهلاً ! أما إذا إنسان ملاحق إذا طرق الباب ينقطع قلبه ، من أجل أن تعرف نعمة الحرية ، في اليوم الرابع لمشفى المجانين من أجل أن تعرف نعمة العقل ، كل واحد منا حي وصحيح وحر وعاقل ، أربع نعم يغفل الناس عنها وهي من أعظم النعم ، وكان هذا العالم الجليل يأخذ إخوانه ليعرفوا نعمة الوجود - الحياة - والصحة ، والحرية ، والعقل ، لذلك قال تعالى :
﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾
العلماء قالوا : شربة الماء البارد من النعيم ، أنت عندك بيت يوجد أناس ينامون بالعراء والحرارة ثماني درجات تحت الصفر ، ملايين من الناس مشردين بالعالم تحت خيمة ، أنت عندك بيت ومدفأة وطعام وسرير مريح تنام عليه ، تسأل عن هذا البيت هل كان بيت عبادة لله أم كان بيت فجور وأفلام ومسلسلات وغيبة ونميمة واختلاط وأشياء لا ترضي الله عز وجل ؟ تسأل عن نعمة الصحة هل استفدت منها في طاعة الله أم في معصية الله ؟ تسأل عن نعمة الفراغ يوجد شخص لا يوجد عنده شيء بعد الظهر ، يقرأ مجلات ، ويسمع أخبار ، اقرأ القرآن، اعمل عملاً صالحاً ، اطلب علماً ، احضر مجالس علم ، فنعمة الفراغ نعمة ، نعمة الكفاية لك دخل يغطي مصروفك ولو كان الدخل قليلاً لكنك لست جائعاً لا تقف موقفاً ذليلاً أمام إنسان ليعطيك صدقة، فأنت كفاك الله ، فهذه النعم البديهية نعم كبيرة جداً .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي ))
وكان صلى الله عليه وسلم تعظم عنده النعمة مهما دقت .