- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أكل الطيبات :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم "أكل الطيبات"، فطاب الطعام لغةً لذَّ وزكا، الطعام الطيب الطعام اللذيذ، وطاب الطعام شرعاً إذا كان حلالاً، أي إذا أُشتري من مالٍ حلال، والطيب لها معنى واسع جداً، الطيب من كل شيءٍ أحسنه، هناك كلام طيب، وعمل طيب، وطعام طيب، و لقاء طيب، الله عز وجل يقول:
﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
الشاهد:
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
فأي شيءٍ ثبت علمياً أنه خبيث كالدخان فهو محرم بنص هذه الآية، هذه الآية تسمى عند علماء الأصول دليل عام، الخمر محرمة بدليل خاص، ولحم الخنزير محرم بدليل خاص، أما أي شيءٍ ضار، ثابتٌ علميٌ أنه ضار فهو محرمٌ بالدليل العام بنص هذه الآية:
﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾
أوامر الدين ونواهيه ليست حداً لحرية الإنسان ولكنها ضمانٌ لسلامته :
أخواننا الكرام، هناك ملمحٌ دقيقٌٌ جداً متعلق بالحلال والحرام، أو بشكل أوسع متعلق بالأمر والنهي، أي أمرٍ في القرآن الكريم، أو أي أمرٍ فيما صحّ من السنة النبوية المطهرة، أو أي نهيٍ في القرآن الكريم، أو أي نهيٍ مأخوذٍ من السنة المطهرة الصحيحة، العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقةٌ علمية، أي علاقة سببٍ بنتيجة.
فالإنسان إذا رفع سرعة مركبته تؤخذ له صورة، ويدفع مبلغاً كبيراً، لكن لا يوجد علاقة علمية بين أن تركب مركبة وتنطلق فيها بسرعةٍ هي من خصائصها، وبين مخالفةٍ تدفع آلاف الليرات لأن القانون يمنع هذه السرعة، لا يوجد علاقة علمية هناك علاقة وضعية، أي المشرع قال: أقصى سرعة على هذا الطريق هي: ستون كيلو متراً، المشرع وضع هذا الشيء، لكن أنت حينما تضع يدك على مدفأة مشتعلة تحترق، العلاقة بين وضع اليد على المدفأة المشتعلة وبين احتراقها علاقةٌ علمية، مثل أوضح: راكب مركبة، معك عشرون طناً، وصلت إلى جسر مكتوب على مقدمة الجسر: الحمولة القصوى عشرة طن، فالسائق الذي يبحث هل هناك شرطي يخالفني أحمق، هنا الموضوع لا يتعلق بالشرطة، الجسر يعاقبك، حمولته القصوى عشرة طن، معك عشرون طناً فلابد من أن تقع في النهر، أحياناً سبب النتيجة مترابط علمياً من أجل أن توقنوا أن كل أمرٍ أمر الله به وأن كل نهيٍ نهى الله عنه، بين الأمر والنهي، بين الأمر ونتائجه، والنهي ونتائجه، علاقةٌ علمية.
خط كهربائي التوتر عشرة آلاف فولت، هذا التوتر قاتل، لو اقترب الإنسان من هذا التيار دون ثمانية أمتار يصبح قطعةً من الفحم، فهل يا ترى إذا أراد الإنسان أن يقترب على أساس أنه لا يوجد شرطة يكون أحمقاً، التيار نفسه يعاقبك، فالاقتراب من التيار ينتج عنه احتراق الإنسان، فأنت حينما تؤمن أن كل أمرٍ إلهي بينه وبين النتيجة علاقة علمية، هذا الفهم للدين فهم عميق جداً، هذا الفهم فهم حضاري، أي أوامر الدين ونواهي الدين ليست حداً لحريتك ولكنها ضمانٌ لسلامتك، تمشي في الطريق وجدت لوحة كتب عليها: ممنوع التجاوز حقل ألغام، يا ترى هذه اللوحة وضعت حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟.
حينما تفهم الأمر الإلهي أنه ضمان لسلامتك، وحينما تفهم النهي الإلهي ضمان لسلامتك عندئذٍ تكون فقيهاً.
لذلك الفكرة الأولى: أن العلاقة بين الشيء الطيب ونتائجه، وبين الشيء الخبيث ونتائجه، علاقة علمية.
معاني الطيب :
الشيء الثاني: من معاني الطيب قال تعالى :
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ ﴾
الإنسان عنده ثلاث حاجات، عنده حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده كفرد، وعنده حاجة إلى الجنس حفاظاً على بقاء النوع، وعنده حاجة ثالثة إلى تأكيد الذات حفاظاً على بقاء الذكر، فالإنسان عنده حاجة إلى أن يكون عزيزاً، له مكانة، له شأن، يشار إليه بالبنان، حاجة عند كل إنسان، لكن هذه الحاجة تلبى وفق منهج الله، اطلب العلم، اعمل الأعمال الصالحة يرفع الله لك ذكرك، قال تعالى :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
يموت عالم تجد ملايين يشيعونه بلا جهد في إقناعهم أن يشيعوه، ملايين لأن الله عز وجل رفع له ذكره، فأنت إذا عملت الصالحات، وعملت عملاً يرضي الله عز وجل، الله عز وجل يكافئك بأن يرفع لك ذكرك، وأية آيةٍ يتوهمها الإنسان أنها متعلقةٌ برسول الله وحده في الحقيقة لكل مؤمنٍ منها نصيب.
إذاً الحاجة الثالثة أن تكون عزيزاً، أن تكون إنساناً مهماً، الناس يعرفون قدرك، هذه حاجة عند كل إنسان، لكن ببساطةٍ ما بعدها بساطة هذه الحاجة تلبى وفق منهج الله، اطلب العلم تكون عالماً، اعمل الأعمال الصالحة يرقى الله بك،
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
لذلك من كان يريد العزة، الرفعة، المكانة:
﴿ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
(( إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِنْ رضوان الله لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم))
كلمة ترقى بها إلى أعلى عليين، وكلمة يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين.
الأنبياء العظام قمم البشر جاؤوا بالكلمة الطيبة :
فلذلك
﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾
الكلمة الصادقة، الكلمة المخلصة، الكلمة الحانية، الكلمة التي تنطلق من واقع، من تجربة، من صدق، من إخلاص، هذه الكلمة جاء بها الأنبياء، الطغاة جاؤوا بالصواريخ، جاؤوا بالمدرعات، بالطائرات، بالأقمار الصناعية، بالقنابل الذرية النووية، بماذا جاء الأنبياء؟ الأنبياء العظام قمم البشر جاؤوا بالكلمة الطيبة.
﴿ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) ﴾
لكن المشكلة أنه في هذا الزمان حينما انفصلت الكلمة عن الواقع، تأتي إلى بلد تقول: أنا جئت لهذا البلد من أجل الحرية، فتقتل مليوناً، وتصيب بالعطب مليوناً آخر-مليون معاق- وتشرد خمسة ملايين، وتنهب ثروات البلد، وتؤخر البلد مئة سنة للوراء، وأنت جئت من أجل الحرية! لذلك كفر الناس بالحرية، حينما تكون الممارسة سيئة جداً، والغطاء راق جداً، يكفر بالكلمة، الأنبياء جاؤوا بالكلمة الصادقة، بالكلمة المخلصة، بالكلمة الرحيمة، بالكلمة الحانية، بالكلمة التي تنطلق من واقع، لذلك الكلمة الطيبة جاء بها الأنبياء، وجاء بها المرسلون، وجاء بها الدعاة الصادقون، فالكلام يكون طيباً ويكون خبيثاً.
المؤمن منضبط اللسان لا ينطق إلا بالكلم الطيب :
مرة قرأت كلمة لا أبالغ أن الذي قالها يهوي بها سبعين خريفاً، أنت ضعيف لأنك أخلاقي، وأنت أخلاقي لأنك ضعيف، الشيطان وراء هذه الكلمة، لماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، لماذا أنت قوي؟ لأنك غير أخلاقي.
فلذلك حينما تطرح طُروحات تتناقض مع عظمة هذا الدين، تتناقض مع منهج الله، هذه الكلمة الخبيثة يهوي بها صاحبها سبعين خريفاً.
(( وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخَط الله لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم))
ورد:
(( أن قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة))
قذف محصنة، إنسانة طاهرة عفيفة، أحياناً يُذكر اسم امرأة تقول: لا نعرف، يهوي بها من دون دليل، من دون تحقق في جهنم سبعين خريفاً.
(( قالت: قلتُ: يا رسول الله حَسْبُكَ من صفيّةَ قِصَرها، قال: لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَ بها البحر لَمَزَجَتْهُ ))
أنت حينما تؤمن أن كلامك من عملك تستقيم على أمر الله.
((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه))
أبرز صفة بالمؤمن أنه منضبط اللسان، تعيش معه ثلاثين عاماً لا يسمع منك كلمة لا ترضي الله عز وجل، لا يوجد بهتان، ولا كذب، ولا احتقار، ولا اشمئزاز من الناس، ولا استعلاء، ولا كبر، المؤمن ينطق بالكلم الطيب وهذا يرفعه عند الله، وغير المؤمن ينطق بالكلم الخبيث.
من عاش تقياً عاش قوياً :
الآن هناك طعام طيب، طبعاً كفكرة أولى هناك لحوم كثيرة، ومواد غذائية من أعلى نوع، وخبرة بالطبخ من أعلى مستوى، حيثما جاءت كلمة طعام طيب ليس هذا هو المعنى في الدين إطلاقاً، المعنى أنه أُشتُريّ بمالٍ حلال.
والله زرت والد صديقي -قصة من عشر سنوات تقريباً- عمره ستة وتسعون عاماً، قال لي: الحمد لله أجريت البارحة تحاليل كاملة، فكانت النتيجة أن كل التحاليل طبيعية، ست وتسعون سنة التحاليل كلها طبيعية، وفق الحدود الدنيا والقصوى، قال لي: والله لم آكل في حياتي لقمة حرام، ولا أعرف الحرام النسائي، لا يعرف حرام المال ولا حرام النساء، من عاش تقياً عاش نقياً.
عالم شهير أسس مدرسة شرعية وعلّم فيها ثمانين سنة، بدأ في الثامنة عشرة من عمره ومات في الثامنة والتسعين، كان إذا رأى شاباً في الطريق يقول له: أنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، هذا في الثامنة والتسعين كان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، على كل خد وردة، فكان من حوله يسألونه يا سيدي ما هذه الصحة؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش نقياً.
من استقام على أمر الله كان مستجاب الدعوة :
أيها الأخوة، الآن هناك طعام طيب أي أُشتريَّ بمالٍ حلال، أنت عملت في مهن عديدة، ما كذبت، ولا غششت، ولا دلست، ولا زورت، ولا أعطيت صفة للبضاعة بخلاف واقعها، هناك أكثر من مليون مخالفة في البيع والشراء، قد تأتي ببضاعة من دولة من الدرجة العاشرة، وتدمغها على أنها من دولة من الدرجة الأولى، هذا غش، أنواع الغش لا تعد ولا تحصى، أنت حينما لا تكذب، ولا تزور، ولا تدلس، ولا تحتكر، ولا تبع بيع نجشٍ، أنت حينما تستقيم في بيعك وشرائك، معنى ذلك أن هذا المال الذي ربحته مالٌ حلال، فإذا اشتريت به أي طعام فهو عند الله طعامٌ طيب.
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾
عندي طالب له خال صاحب دار سينما، هذه الدار تأتي بأفلام فيها إثارة جنسية عالية جداً، والإقبال عليها منقطع النظير، فهذا جمع ملايين عدة من هذه الدار، وفي الأربعين من عمره أصيب بورم خبيث، فزاره ابن أخته تلميذي، فبكى خاله، قال له: جمعت هذا المال كي أستمتع به في خريف عمري، أما وقد داهمني المرض فلن أستفيد شيئاً، لأنك بنيت هذه الثروة على إفساد أخلاق الشباب، عقب هذا الفيلم كم حادث زنا صار؟ كم انحراف جنسي صار؟ كم انحراف أخلاقي صار؟ حينما تجمع المال على حساب أخلاق الشباب فأنت مؤاخذ:
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))
إن الله طيِّب لا يقبلُ إلا طيباً :
أيها الأخوة، وهناك زوج طيب وزوجة طيبة، وهناك زوج خبيث وزوجة خبيثة، قال تعالى:
﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ﴾
هناك إنسان طيب صادق، متواضع، رحيم، منصف، محسن، وهناك إنسان كاذب، خائن، منحرف، يغتاب، ينم بين الناس، إنسان طيب وإنسانة طيبة، المؤمنة إنسانة طيبة.
((أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة))
أي أعظم النساء بركةً أقلهن مهراً.
لذلك:
((إن الله طيِّب ، لا يقبلُ إلا طيباً))
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( لا يتصدَّق أحَد بتمرة من كَسْب طَيِّب إلا أخَذَها الله بيمينه، يُربِّيها كما يربي أحَد فَلُوَّه أو قَلوصَه، حتى تكون مثل الجبل، أو أعظم ))
دفعت مبلغاَ من مالٍ حلال، من مبلغٍ طيب حصلته بجهدٍ طيب.
الرزق أخطر شيء بحياة الإنسان :
أخواننا الكرام، أخطر شيء بحياة الإنسان أن يكون رزقه حراماً، مثلاً: دعوة ميئوس من نجاحها، لكن الموكل ليس له خبرة في القوانين، تقول له: بالمئة مليون ناجحة، يمكن أن تبتز منه مئات الألوف لعشر سنوات، ثم تفاجئه بأن القاضي لم يكن عادلاً ليس هذا ذنبي، هذا المال حرام، يمكن أن تنصح مريضاً بعملية جراحية لا يحتاجها، فالمبلغ مال حرام، يمكن أن ترفع مستوى الأسئلة فالطلاب جميعاً بعلامات متدنية، يحتاجون إلى دروس خاصة، فهذا المال حرام، والله أساليب الحرام لا تعد ولا تحصى.
وأنت حينما تراقب نفسك، أنت حينما توهم الشاري أن هذه البضاعة في طريقها إلى المنع، أي ِالحق نفسك والأمر غير صحيح، فرفعت السعر قبله، أساليب البيع الحرام لا تعد ولا تحصى، فالبطولة أن يكون كسبك حلالاً، لا فيه كذب، ولا تدليس، ولا غش، ولا تزوير، ولا تحوير، ولا احتكار، ولا تلقي الركبان، فمعاصي البيع والشراء لا تعد ولا تحصى، الله عز وجل كما قلت :
(( إن الله طيِّب ، لا يقبلُ إلا طيباً ))
حديثٌ آخر بهذا المعنى يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أيُّها الناس، إن الله طيِّب ، لا يقبلُ إلا طيباً، وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
تقول: أنا لست نبياً، ومن قال لك أنت نبي؟ لكن أنت مكلف أن تستقيم كما استقام النبي، أنت ممرض بمستشفى كُلفت أن تعطي حقنة لمريض، يجب أن تعقمها كما يعقمها الطبيب، هذه قضايا حدية ليس لها علاقة بالمكانة، الممرض وجراح القلب يستويان في تعقيم الحقنة:
(( وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمر به المرسلين ))
(( ثم ذكرَ الرجلَ يُطيل السَّفر، أشعثَ أغْبَرَ، يمدّ يديه إلى السماء: يا ربِّ يارب ومطْعمه حرام، ومشْرَبُهُ حرام، وملبَسَهُ حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجَاب لذلك؟ ))
أكل الطيبات أحد سبل الوصول وأحد علامات القبول، أن تأكل طيباً، أن تأكل طعاماً أُشتري بمالٍ حلال، والمال الحلال هو المال الذي كسبته بطريقٍ مشروع مئة بالمئة.
الشيء الطيب والخبيث تعرفه الفطر السليمة بدايةً :
أيها الأخوة:
(( إنَّ من أطيب ما أكل الرجلُ من كسبه ))
أي عمل مشروع، عمل يدوي، عمل صناعي مشروع، عمل تجاري، عمل زراعي، عمل خدمي، فيه صدق، فيه أمانة، ليس فيه كذب، ولا إيهام، و لا دجل، و لا تزوير، و لا غش، هذا العمل دخله حلال، إن اشتريت به أسوأ طعام صناعةً فهو عند الله أطيب طعام، ولو اشتريت أطيب طعامٍ من حيث المذاق بمالٍ حرام فهو عند الله طعامٌ خبيث.
لذلك أيها الأخوة، الشيء الطيب والخبيث تعرفه الفطر السليمة بدايةً، لماذا سمّى الله المعروف معروفاً؟ لأن الفطر السليمة تعرفه، ولماذا سمّى الله المنكر منكراً؟ لأن الفطر السليمة تنكره، فالطيب تعرفه الفطر السليمة.
أنت فتحت دكاناً، اشتريت بضاعة جيدة وسعرها معتدلاً، وعاملت الناس معاملة طيبة، فالفرق بين الشراء والمبيع هذا الربح، هذا حلال مئة بالمئة، البضاعة طيبة والسعر معتدل، و لا يوجد غش.
لكن لو إنسان فرضاً يبيع الزيت وجد فأرة في الزيت، لم يراها أحد من زبائنه نزعها بملقط، وباع الزيت كزيت، فهذا المال حرام، هذا الزيت يباع لمعمل الصابون، أما لا يباع للناس للأكل.
فأنت حينما تخالف الشريعة فالدخل حرام، ومع الدخل الحرام هناك دمار مال، يقول لك: مصادرات، احترق المحل.
أحياناً هناك ردّ إلهي دون أن تشعر، قال له: يا ربي -هكذا يروى- لقد عصيتك فلم تعاقبنِي، قال: وقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ.
كما أن هناك مليون طريق للمال الحرام، هناك مليون طريق لتدمير المال، يقول لك: مصادرة، احتراق شاحنة، أصابها حادث.
أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الفرق بين الطيب والحلال؛ الحلال ما أفتى به المفتي، أما الطيب فما أفتاك به قلبك، أنت معك فطرة سليمة تشعر أن هذا الدخل طيب، ليس فيه كذب ولا دجل.
أيها الأخوة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن نجهد أن يكون الدخل حلالاً حتى إذا اشترينا به طعاماً يكون هذا الطعام طيباً عندئذٍ يستجيب الله دعاءنا.