- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار العلم والمعرفة، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الحياء من الحياة وكلما كان القلب أكثر حياةً كان أشد حياءً :
أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في موضوع الحياء كموضوعٍ أساسي في: "سبل الوصول وعلامات القبول"، لكن:
(( إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَستَحي من عبده إذا رَفَعَ إليه يديه أنْ يَرُدَّهُما صِفْرا خَائِبَتَيْنِ ))
خالقنا ربنا خالق السموات والأرض.
(( حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَستَحي من عبده إذا رَفَعَ إليه يديه أنْ يَرُدَّهُما صِفْرا خَائِبَتَيْنِ ))
أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الحياء من الحياة، فالذي له قلبٌ حي يستحيي، والذي يستحيي له قلبٌ حي، وكأن هناك علاقةً ترابطيةً بين حياة القلب وبين الحياء، قلة الحياء علامة موت القلب، وكلما كان القلب أكثر حياةً كان أشد حياءً.
أصل الحياء أن يغمرك الله بالنعم وأنت لم تقدم شيئاً يكافئ هذه النعم :
الإمام الجنيد رحمه الله تعالى، لكن قبل أن نتابع قوله، الأكمل إن ذكرت عالماً جليلاً أن تقول: رحمه الله تعالى، وإن ذكرت صحابياً جليلاً أن تقول: رضي الله عنه، لكن كلمة رضي الله عنه تعني شيئين إما أن تكون دعائية، وإما أن تكون تقريرية، فالصحابة العشرة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة تقول لهم: رضي الله عنهم تقريراً لقوله تعالى:
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾
فإذا كان خالق السموات والأرض في عليائه رضي عن المؤمنين الذين بايعوا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وكان فيهم أبو بكر وعمر، فمن أنت أيها الإنسان حتى لا ترضى عنهم؟
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾
فالصحابي الذي بشره النبي بالجنة تقول عقب ذكر اسمه: رضي الله عنه تقريراً، والصحابي الآخر تقول رضي الله عنه دعاءً، أما العلماء العاملون، العلماء الربانيون، فالأولى أن تقول: رحمهم الله تعالى.
لذلك الإمام الجنيد رحمه الله تعالى قال: الحياء رؤية الآلاء مع رؤية التقصير، رؤيتان ينتج عنهما الحياء، أن ترى عظمة الله، فضل الله، نعم الله قد غمرتك، وأنت لم تقدم شيئاً في مستوى هذه النعم، ينشأ من هاتين الرؤيتين معاً رؤية لفضل الله عليك، ورؤيةٍ لتقصيرك، ينشأ حالة حياء، أي فلسفة الحياء، أصل الحياء أن يغمرك الله عز وجل بالنعم وأنت لم تقدم شيئاً يكافئ هذه النعم.
بطولة المؤمن أن يرى فضل الله عليه :
أيها الأخوة، الله عز و جل يقول:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ﴾
أنا أتصور أنك إذا دخلت إلى مسجد ورأيت في المسجد آلافاً مؤلفة، اعتقد يقيناً أن تسعين بالمئة من هؤلاء الذين أكرمهم الله بارتياد بيوته، جاؤوا إلى بيت الله عقب معالجة لطيفة من الله، لأن الله رب العالمين يتابع عباده، يسوق لهم بعض الشدائد، تلوح لهم بعض المصائب، فيسارعون إلى الله عز و جل، فالله ربنا يأخذ بيدنا إلى ذاته العلية، فلذلك:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً ﴾
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
بطولة المؤمن أن يرى فضل الله عليه، أن يرى أن الله منحه نعمة الإيجاد، أنت موجود.
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
النعم التي أنعمها الله على الإنسان هي نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد و نعمة الهدى :
أنا أحياناً حينما أتصفح كتاباً، وأقرأ في مقدمته متى طبع، فإن طبع قبل أن أولد أقول في أثناء طباعة هذا الكتاب: من أنا؟ ليس لي وجود، من بعض الوقت سمعت شريطاً لأحد القراء الكبار قال: هذا الشريط مسجل عام ستة وثلاثين، أي قبل ولادتي، إذاً من أنا أثناء تلاوة هذه الآيات؟ لم أكن شيئاً مذكورا، فالله عز وجل تفضل عليك فأوجدك، هذه أكبر نعمة، أنت موجود، موجود للسعادة، الآية الكريمة.
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم، لمجرد أن الله منحك نعمة الإيجاد منحك هذه النعمة لتسعد في الدنيا والآخرة، إذاً هذه النعمة الأولى نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، أمدك بالهواء، أمدك بالماء، أمدك بالطعام، بالشراب، بالزوجة، بالأولاد، بحرفة تتقنها تربح منها، تنفق على نفسك منها وعلى عيالك، أمدك بكل ما تحتاج، منحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد، وتفضل عليك فمنحك نعمة الهدى والرشاد، لذلك:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
ما من نعمةٍ أعظم في حق الإنسان من أن يعرفه الله بذاته العلية :
صدقوا أيها الأخوة: أنه ما من نعمةٍ أعظم في حق الإنسان من أن يعرفه بذاته العلية
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
سيدنا إبراهيم هذا النبي العظيم قال الله عنه:
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾
أنت ماذا تتوهم؟ أن وفى نعم الله حينما امتحنه بذبح ابنه، نفذ هذا الأمر بطواعية، لذلك ما من إنسانٍ على وجه الأرض مهما علت مرتبته حتى الأنبياء يستطيع أن يوفي نعم الله عليه،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الفرق الواضح بين المؤمن و غير المؤمن :
لذلك قالوا: إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك، وكلما ازددت إيماناً تزدد رؤيةً لفضل الله عليك، والفرق الدقيق الواضح بين المؤمن وبين غير المؤمن، المؤمن يقول:
﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ﴾
غير المؤمن يقول كما قال قارون:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾
كلمات؛ الخبرات، والشهادات، والمعركة، وقد نجحت فيها، هذه كلمات يقولها من شرد عن الله عز و جل، أما المؤمن:
﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾
لذلك الحياء الفضل العميم مع الجهد القليل، ينشأ عن هاتين الحالتين رؤية الفضل العميم ورؤية التقصير، ينشأ حالةٌ اسمها الحياء، من لوازم هذه الحالة ترك القبائح، وترك التفريط مع أصحاب الحقوق، الحد الأدنى أن تدع ما نهاك الله عنه، الحد الأدنى من الحياء أن تدع ما نهاك لله عنه، أن تدع تقصيراً في أداء الحقوق، أما أن تكافئ خالقك على نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، فهذا مستحيلٌ وألف ألف مستحيل.
علامات الشقاء :
1 ـ قسوة في القلب :
يقول الفضيل بن عياض وهو قاض جليل: خمسٌ من علامات الشقاء، القسوة في القلب، أبعد قلبٍ عن الله عز وجل القلب القاسي، وكأن هناك علاقةً ترابطية بين الصلة بالله وبين قسوة القلب.
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد حينما اتصلت بنا امتلأ قلبك رحمةً، فانعكست هذه الرحمة ليناً مع أصحابك، فالتفوا حولك، ولو كنت منقطعاً عنا لامتلأ القلب قسوةً، فانعكست هذه القسوة غِلظةً وفظاظة، فانفضوا من حولك، فأنت بين أن يلتف الناس حولك وبين أن ينفضوا عنك، يلتف الناس حولك باللين الذي هو انعكاسٌ لرحمةٍ استقرت في قلبك من خلال اتصالك بالله ، والفظاظة والغلظة انعكاسٌ لقسوة القلب التي جاءت من بعدك عن الله، هذا قانون اسمه قانون الالتفاف والانفضاض.
2 ـ جمود العين :
لذلك خمسٌ من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجمود العين، لا يبكي أبداً، أما المؤمن فيبكي بكاء الحب، يبكي بكاء الاتصال، يبكي بكاء الرحمة .
3 ـ قلة الحياء :
وقلة الحياء من علامات الشقاء.
4 ـ طول الأمل :
وطول الأمل، والله مرة إنسان جلست معه لبعض الوقت، والله حدثني لعشرين سنة قادمة ماذا سيفعل؟ سيسافر، وسيفعل، وسيبني، وسيؤسس ...الخ ، وفي المساء قرأت نعوته على الجدران.لذلك قالوا: من عدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت.
5 ـ الرغبة في الدنيا :
لذلك علامات الشقاء قسوةٌ في القلب، جمودٌ في العين، قلةٌ في الحياء، رغبةٌ في الدنيا، وطولٌ في الأمل، وقال بعض العلماء: إن الحياء والأنثى يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزهد والورع أقاما فيه ولم يرتحلا.
ويحيى بن معاذ يقول: من استحيا من الله مطيعاً استحيا الله منه وهو مذنب، أي أنت استحييت من الله فأطعته، مرةً زلت قدمك الآن الله يستحيي أن يعاقبك، إذا استحييت منه مطيعاً استحيا منك مذنباً.
لذلك ورد في الأثر:
((أن عبدي كبرت سنك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشابَ شعرك، فاستحي مني فأنا أستحي منك))
إلى متى وأنت باللذات مشغولُ وأنت عن كل ما قدمت مسؤولُ
* * *
وجوه الحياء و أمثلة عنها :
1 ـ حياء الجناية :
قال بعض العلماء: الحياء على عشرة أوجه؛ حياء جنايةٍ، وحياء تقصيرٍ، وحياء إجلالٍ، وحياء كرم، وحياء حشمةٍ، وحياء استصغار نفسٍ، وحياء محبةٍ، وحياء عبوديةٍ، وحياء شرف، وحياء الإنسان من نفسه، أما حياء الجناية فمنه حياء سيدنا آدم عليه السلام، فرّ هارباً من الجنة قال: يا آدم أفراراً مني؟ قال: لا يا ربي بل حياءً منك، أحياناً إنسان يتوارى عن الأنظار حياءً من عظيم لم يطعه، هذا حياء الجناية.
2 ـ حياء التقصير :
أما حياء التقصير فكحياء الملائكة.
﴿ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾
فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك ما عبدناك حق العبادة، هذا حياء التقصير.
سيدنا رسول الله سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وهو الإنسان الأول، وله عمل كالجبال، العالم الإسلامي يزيد عن مليار وخمسمئة مليون، يحتل أكبر مساحات في الأرض، هذا العالم اهتدى بسبب النبي عليه الصلاة والسلام، قال عن نفسه وعن عمله:
(( جُهدُ المُقِلِّ ))
إذا النبي الكريم قال:
(( جُهدُ المُقِلِّ ))
مرة سيدنا عمر مع أصحابه، قال أحدهم: والله ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله، تغير لونه، وجحظت عيناه، وأحد فيهم النظر، خافوا، إلى أن قال أحدهم: لا والله لقد رأينا من هو خيرٌ منك، قال: ومن هو؟ قال: أبو بكر، فقال للذي قال رأينا خيراً منك: لقد كذبتم جميعاً أي بسكوتكم وصدق، كنت أضل من بعيري، وكان أبو بكرٍ أطيب من ريح المسك، أي استحيا من الله أن يقال: ما رأينا خيراً منك بعد رسول الله، قال لهم: كذبتم جميعاً حينما سكتم.
3 ـ حياء الإجلال :
حياء الإجلال حياء المعرفة، حينما يتعرف العبد إلى ربه يكون حياؤه منه، كلما ارتقت معرفتك تستحيي من الله حياء الإجلال، سيدنا رسول الله حينما أسلم زيد الخير اسمه زيد الخيل، قال له: أنت زيد الخير لا الخيل، أخذه إلى بيته، أعطاه وسادةً ليتكئ عليها، يا الله حديث عهدٍ بالإسلام، قال: والله يا رسول الله لا أتكئ في حضرتك، أنا مع رسول الله أتكئ؟ قال له: والله لا أتكئ في حضرتك،أي ما هذا الأدب الذي تعلمه أصحاب رسول الله؟.
أيهما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني لكنني ولدت قبله، استحيا أن يقول: أنا أكبر منه، قال: هو أكبر مني لكنني ولدت قبله.
النبي الكريم يستحيي من الله حياء إجلال، قال: ما رئي ماداً رجليه قط بين أصحابه حياءً من الله، سيد الأمة، عظيم الأمة، نبي الأمة، رسول الأمة ما رئي ماداً رجليه قط.
4 ـ حياء الكرم :
هناك حياء الكرم، النبي الكريم دعا أصحابه إلى وليمةٍ بمناسبة زواجه من زينب، جلسوا وأطالوا الجلوس، فقام واستحيا أن يقول لهم: انصرفوا.
أحياناًَ يأتيك ضيف وعندك موعد مهم جداً، والموعد خطير، جالس مرتاح يحدثك، ومستأنس بك، يمكن أن تصرفه بكلمة لكن لا تقدر، تستحيي أن تقول له: انصرف، هذا الحياء اسمه حياء الكرم، من لوازم كرمك ألا تصرف الضيف كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء القرآن وأكّد أن النبي يستحيي منك.
5 ـ حياء الحشمة :
قال: حياء الحشمة كحياء سيدنا علي بن أبي طالب، حينما استحيا أن يسأل النبي الكريم عن المزي، فاطمة بنت رسول الله وزوجته، موضوع المزي يحتاج إلى غسل؟ سائل شفاف غير المني، استحيا أن يسأل رسول الله وزوجته ابنة رسول الله.
أحياناً بعض الأصهار يتحدث عن قضايا نسائية مع زوجته أمام والدها، وأمام أخوتها، هذا من قلة الحياء، هذه أختهم، أو البنت مقدسة، يأتي حديث من الصهر عن العلاقة الزوجية هذه صعبة.
فلذلك كان عليه الصلاة والسلام يستحي وسيدنا علي استحيا من رسول الله أن يسأله عن حكم المزي، شيء متعلق بابنته فاطمة، هذا حياء الحشمة.
6 ـ حياة استصغار النفس :
حياء الاستصغار كحياء العبد من ربه عز و جل حين يسأله حوائجه احتقاراً لشأن نفسه، من أنا؟ أنت تخاطب خالق السموات والأرض يقول لك:
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾
من أنا يا رب حتى تخاطبني؟ حتى تقول يا عبادي؟ هذا حياء الاستصغار.
مرة نور الدين الشهيد سأل الله النصر، لكن استحيا قال: من أنا؟ والله كلمة أنا أتردد في ذكرها، سجد لأن هناك معركة بينه و بين المغول والتتار، معركة طاحنة، معركة مصيرية قال: يا رب من هو الكلب نور الدين حتى تنصره؟ انصر دينك، أي هو استصغر هذا النصر لذاته، قال له: انصر دينك يا رب، هذا حياء الاستصغار.
7 ـ حياء المحبة :
حياء المحبة قد يستحيي المحب من محبوبه أن يسأله شيئاً.
8 ـ حياء العبودية :
و هناك حياء العبودية؛ وهو حياء ممتزج من محبة وخوف، ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده سبحانه، وأن قدره أعلى وأجلّ منها، فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.
9 ـ حياء الشرف والعزة :
وهناك حياء الشرف والعزة، إنسان له مقام كبير كالمعلم، كالأب، أحياناً إنسان عنده بنات، وعنده أصهار، وعنده أولاد، وعند كنائن، يحكي طرفة بذيئة جنسية، هناك أشخاص لا يوجد عندهم حياء، أنت أب وعندك أولاد، وعندك كنائن، وعنك أصهار، وعندك بنات، هذا المزاح لا يليق بك، لكل مقامٍ مقال، والله أحياناً تعاشر أخاً لثلاثين عاماً لا تسمع منه كلمة بذيئة أبداً، المؤمن منضبط.
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسأنه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه ))
ضبط اللسان، وذكرت البارحة أنه:
﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾
انظر تغشاها، هذه الكلمة لا تخدش الحياء أبداً.
﴿ أَوْ لَامَسْتمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾
هذه الكلمة لا تخدش الحياء، يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك، لم يقل: حجم فخذيك مثلاً، حجم عظامك، هذه الكلمة لا تثير المشاعر الجنسية، فلو تتبعت أقوال النبي، ولو تتبعت القرآن الكريم.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾
10 ـ حياء الإنسان من نفسه :
يقول لك: لا حياء في الدين، أنا أقول: الدين كله حياء، انظر العبارات القرآنية والنبوية في التعبير عن العلاقات الجنسية، في حياء المرء من نفسه، الآن لا يوجد أحد أنت وحدك في البيت، هناك إنسان
يتعرى تعرياً غير معقول في البيت، ألا يستحيي من الله؟ أيضاً وأنت وحدك لا يوجد إنسان معك هناك نوع من الحياء، أن تستحيي من الله وأنت وحدك في البيت، أن تفعل شيئاً لا يليق بمكانتك، أو أن تتعرى تعرياً غير معقول، والعلماء قالوا: من استحيا من نفسه فاستحياؤه من غيره من باب أولى، يستحي من نفسه، وهناك حياء المراقبة، أنت حينما تشعر أن الله يراقبك فهذا يقتضي حياء من الله، ليس هناك كلمة غلط، ولا جلسة غلط، ولا تعليق قاس، لكن كما قلت مراراً: أرقى أنواع الحياء أن تشعر أن الله معك، لذلك:
(( اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ))
المعية العامة و المعية الخاصة :
أيها الأخوة، قال تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذهِ معية العلم هي المعية العامة، أما المعية الخاصة إن الله مع المؤمنين، إن الله مع الصادقين، إن الله مع المتقين، هي معية خاصة، قال: معية التأييد والتوفيق والحفظ والنصر هي المعية الخاصة، إلا إن هذه المعية لها ثمن:
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾
أيها الأخوة الكرام:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
و هو يراكم في أحوالكم، الآية الكريمة:
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾