- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (005)سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الآيات التالية حول الوصية :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السادس والأربعين من دروس سورة المائدة، ومع الآية السادسة بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الْآثِمِينَ(106) ﴾
أيها الإخوة الكرام، هذه الآية والتي تليها حول الوصية، والوصية واجبة في الشريعة في حالات كثيرة، من هذه الحالات:
أن تكون هناك أملاك ليست لك، سُجِّلت باسمك لسبب أو لآخر، فإذا مات الإنسان فجأة فهذه الأملاك، وقد تكون بيوتاً وعقارات غالية جداً هي لك، ولا يستطيع أحد أن يأخذها منك، من حق الورثة، فإن لم تكن لك، ولم تكتب في وصية أنها ليست لك، وأنها لزيد أو عبيد، فقد أطعمت أولادك مالاً حراماً، قد تلقى بهذا العمل عند الله عقاباً كبيراً.
المال قوام الحياة فينبغي أن نحسن إدارته :
الذي في اسمه أملاك ليست له، أو عنده أمانات ليست له، أو عليه أداء واجبات لم تُؤدَّ، أو عليه حقوق لم تُعطَ، في مثل هذه الحالات لا يجوز أن تبيت ليلة واحدة من دون وصية، والشواهد والقصص التي نستمع إليها من خلال إهمال الوصية لا تُعد ولا تُحصى.
إنسان أمواله مصادرة، فتلافى مصادرة بيته الذي يسكنه بأن سجله تسجيلاً صُورياً عند صديق له، وهذا الصديق لم يكتب في الوصية أن هذا البيت ليس له، فمات الإنسان فجأة، فهذا البيت له وللورثة من بعده، معنى ذلك أننا أطعمنا الورثة مالاً حراماً.
لذلك من لوازم المؤمن أن يدير أمواله في حياته، وأن يحسن إدارتها بعد مماته، أن يديرها في حياته بالعدل والإحسان، أما أن يديرها بعد مماته فعن طريق الوصية، كل شيء مكتوب.
أيها الإخوة، المال قِوام الحياة، أحياناً الرجل يدع لأولاده مالاً فيشترون بيتاً يسكنونه، يتّجرون بمبلغ، يتزوجون، يكون قد ترك لأولاده ما يقيم أودهم، فإذا كان هذا المال الذي تركه لهم لكن لم يحقق، كان باسم آخر، وحُرِم الأولاد منه، وفقدوا قوام حياتهم، فالمسؤولية تعود على الأب، لذلك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ، ثُمَّ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))
كما أنك مكلف أن تدير مالك في حياتك، فأنت مُكلَّف أن تعطي كل ذي حق حقه، وأن تدير المال بعد حياتك، فهذه ملاحظة أولى. المال مرة ثانية قِوام الحياة، فينبغي أن تحسن إدارته، الآن هناك علوم جديدة اسمها إدارة النفس، وإدارة الوقت، ومعها إدارة المال، إدارة المال جزء أساسي من سلوك المؤمن، يعطي كل ذي حقٍ حقه.
شيء آخر، أن الله عز وجل في هذه الآية أورد أن الموت مصيبة، فالذي جمعه الإنسان في كل حياته يخسره في ثانية واحدة، بمقياس الدنيا، بيوت، مزارع، مركبات، تجارة، أموال منقولة، أموال غير منقولة، لمجرد أن يقف القلب أصبحت هذه الأموال ليست له، إذاً الموت مصيبة، لكن بطولة الإنسان أن يجعل الموت كما قال عليه الصلاة والسلام عرس المؤمن، باستقامته وتوبته يجعل الموت أحلى لحظاته حياته الأبدية.
الهبة في الحياة والوصية بعد الممات ولا وصية لوارث :
إذاً:
(( لا وَصيَّةَ لوارِثٍ ))
لكن ماذا يمنع إن وجد الأب ابنة له فاتها قطار الزواج، وقد تكون تحت رحمة إخوتها الذكور، بل تحت رحمة زوجاتهم، وقد تُهان، فهيّأ لها بيتاً، منحها إياه في حياته، هذا هبة، والهبة حكمها نافذ في الشرع، ولكن الذي يهب من حوله في حياته، ينبغي أن يُهيئ لله عز وجل جواباً مُنزّهاً عن الهوى، مُنزّهاً عن المحاباة، لك أن تهب أولادك، أو من يرثك في حياتك أي شيء، ولكن بشرط أن تهيئ لله عز وجل جواباً عن ذلك. إنسان عنده ابن معاق، فلا عليه أن يهبه في حياته بيتاً أو دكاناً، بحيث تُدرّ عليه دخلاً، ويعيش عزيزاً، ويتأبّى أن يكون تحت رحمة إخوته.
إذاً مبدئياً الهبة في الحياة، والوصية بعد الممات، ولا وصية لوارث، لكن الوصية هنا بمعناها الواسع، أيّ قضية مشكلة، أي إشكال في العقارات، في الأموال المنقولة، غير المنقولة، في الشراكات، لو أن إنساناً أودع عندك أمانة، مبلغاً ضخماً، وعندك صندوق حديد، ولم تكتب مع هذا المبلغ لمن هذا المبلغ، والإنسان مات فجأة، هل يستطيع الورثة أن يعطوا كل مُدّعٍ ما يقول؟ مستحيل، إلا أن يأتي ببينة، فأنت ما منحته إيصالاً لهذا الذي أودع عندك الأمانة، ولم تكتب مع المال أن هذا المال عائد لفلان أمانة يُؤدّى حين الطلب، ومات الإنسان فجأة، وحالات الوفاة المفاجئة كثيرة جداً.
قصة قديمة: أراد إنسان أن يبدل بعض العملات، والقصة قديمة، فأعطى الذي يعمل في صرف العملة مبلغ مليوني ليرة، وعده بعد المغرب أن يعطيه المقابل، بينهما وافته المنية باحتشاء في قلبه، لا هناك ورقة، ولا شيء، فكاد هذا الإنسان أن يختل توازنه.
يجب أن تُكتَب الوصية وأن يشهد عليها شاهدا عدل :
الوصية بمعنى أيّ علاقة مالية لك أو عليك، أي واجب لم يُؤدَّ، عندك موظف وعدته بمنحة بعد فترة، الآن لا تملك هذه المنحة، الإنسان مات فجأة، هذا أصبح حقه، اكتب هذا الوعد على ورقة، كل قضية مالية تخشى أن تضيع أو ألاّ تُؤدّى اكتبها في وصية، والوصية تتجدد، هناك أشخاص كل شهر يجدد الوصية، وأشخاص كل سنة، لكن لو فرضنا إنساناً ليس له علاقة مالية، ليس عليه حق يؤديه، وليس له عند الناس حق يأخذه، وعلاقاته نظيفة جداً، وقلّما تجد هذا الإنسان، هذا الإنسان الوصية في حقه مباحة، أي إن كتبها يكون قد اقتدى بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن العلماء يؤكدون أن الإنسان لا يجوز أن يُؤوي إلى فراشه إلا ووصيته تحت وسادته، وأنا أعلم رجلاً مات بخثرة في الدماغ فجائية، هناك علاقات بالملايين، ولا وثيقة لديه، كلها اتفاقات شفهية، أذكر سنوات تزيد عن عشرين سنة، والأمور لم تنتهِ، أتعب أهله تعباً لا حدود له، فالأَولى أن تكتب العلاقات المالية، ما لك وما عليك، ما عليك من حقوق، ما عليك من واجبات، ما ينبغي أن تُؤديه، ما يمكن أن تطالب الآخرين به، هذا كله يُكتب.
العدالة من صفات المؤمن :
يعني هذا الإنسان عدل، لا يكذب، لا يزوِّر، لا يغير، لا يبيع دينه بعرَض من الدنيا قليل، صادق، أمين، عفيف، العدالة من صفات المؤمن، تسقط إذا ظلمتَ الناس، تسقط إذا وعدتهم فأخلفتهم، تسقط إذا خالفتَ مبادئ الدين في تعاملك معهم،
(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))
فإذا خان أو كذب فليس مؤمناً، بل انسلخ من الإيمان.
إذاً العدالة تسقط حين الكذب، وحين إخلاف الوعد، وحين الظلم، لكن العلماء من بعض الأحكام الشرعية، ومن بعض الأحاديث النبوية استنبطوا حالات كثيرة تُجرح فيها العدالة، تُجرح، مثلاً: من علا صياحه في البيت تُجرح عدالته، من تنزّه في الطرقات ليملأ عينيه من الحِسان تُجرح عدالته، من أكل في الطريق، من مشى حافياً، من بالَ في الطريق، من طفّف بتمرة، الوزن ما كان دقيقاً، لم يُرجح الميزان، من أكل لقمة من حرام، أكل حبة من الفاكهة، وأوهم البائع أنه سيشتري، فكم الثمن؟ أكل حبة فاكهة، بهذا جُرِحت عدالته، من أطلق لفرسه العِنان، السرعات العالية في قيادة السيارة، هذه تجرح العدالة، من ربّى حيواناً مخيفاً أخاف به الناس، من قاد بِرذَوناً تُجرح عدالته، من مشى حافياً، من بال في الطريق، من علا صياحه في البيت تُجرح عدالته، من كان حديثه عن النساء تجرح عدالته، من طفّف بتمرة، العلماء ذكروا عدة أشياء تزيد عن الثلاثين بند كلها تجرح العدالة، من صحب الأراذل تُجرح عدالته، أنت مستقيم، هذا الذي تمشي معه زانٍ، أو شارب خمر، وأقمت معه علاقة حميمة إذاً تُجرح عدالتك، يعني لا تُقبل شهادتك.
العدالة: أن تتمتع بالحقوق المدنية في المصطلح الحديث، أو في المصطلح الإسلامي تُقبل شهادتك، يُقبل حكمك في أمور كثيرة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّة﴾
يجوز للذمي أن يشهد في السفر :
إضافة إلى هذه الشهادة التي كتبتها عليك أن تشهد اثنين:
((
الحكمة من حبس الشاهدان اللذان حضرا موت المسلم من بعد الصلاة :
إذاً:
﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي
اصطفاء الله عز وجل لعلة هداية خلقه ولعلة حسن علاقتهم به :
الحقيقة هذا شيء يقودنا إلى موضوع في الصيام، الله عز وجل منعك من تناول الطعام والشراب، وهو مُباح في كل أشهر العام، منعك من اللقاء الزوجي في نهار رمضان، وهو مُباح في كل أشهر العام، فأنت في رمضان امتنعت عن المباحات، هل يعقل أن تأتي المعاصي والآثام؟ يختل توازنك، فكأن الله سبحانه وتعالى قوَّى إرادتنا على طاعته هذه، فالإنسان إذا ضبط نفسه ثلاثين يوماً في رمضان، ففي الأعم الأغلب، وفي الأعم الأغلب مرة ثانية أنه يتابع هذه الاستقامة بعد رمضان، فالله عز وجل حينما اصطفى من بين الأشهر شهر رمضان، كي تصفو علاقتنا مع الله في هذا الشهر، فمن أجل أن ينسحب هذا الصفاء لكل أشهر العام، وحينما اصطفى مكاناً هو بيت الله الحرام، من أجل أن تصفو علاقتنا بالله في هذا المكان، العبرة أن ينسحب هذا الصفاء الذي أصابك في بيت الله الحرام إلى كل مكان تقيم فيه، وحينما اصطفى سيد الأنبياء والمرسلين، ليكون سيد الخلق وحبيب الحق، من أجل أن يكون هذا المنهج، وتلك القدوة مُعممة على كل بني البشر، فاصطفاء الله عز وجل لعلة هداية خلقه، ولعلة حسن علاقتهم به.
إذاً: هذان الرجلان يدليان بشهادة مدعمة بالأيمان:
﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنْ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنْ الْآثِمِينَ﴾
الشهادة من أعظم الأشياء في هذا الدين الحنيف :
الحقيقة أن هذه من نعم الله الكبرى، أنه عندنا في القضاء شيء اسمه اليمين الحاسمة، لو وجدت ألف مسلم لا يتجرّأ واحد أو اثنان أن يضع يديه على المصحف، وأن يقسم بالله قسماً مُغلَّظاً، مؤكداً أنه سيقول الحق، ويقول بغير الحق، فالقسم يعد حاسم.
مرّة التقيت مع أحد المحامين، قال لي: والله أمام عيني قضية مالية كبيرة جداً بمئات الملايين، ومن أجل أن تنتقل من جهة صاحبة الحق، إلى جهة معتدية لا تملك هذه الثروة، يحتاجون إلى شاهد زور، وجاؤوا بالشاهد، قال لي: والله أمام عيني، وقف الشاهد أمام القاضي، ووضع يده على كتاب الله، وقال: أقسم بالله العظيم أن أقول الحق، ولا شيء غير الحق، وأقسم، وأدلى بالشهادة المزورة، ورفع يده فبقيت مرتفعة، فالقاضي انتبه فقال له: أنزل يدك، فارق الحياة، ثم وقع على الأرض، قال لي: والله أمام عيني رأيت هذه القضية، فاليمين الحاسمة كبيرة جداً. رجل عليه محاكمة فقيل له: ائتِ بشهود، ما عنده شهود، لكن هناك شهود بالأجرة، فخرج إلى ظاهر البناء، فوجد أناساً كثيرين يعرضون عليه الشهادة، فاختار أحدهم، وساومه على خمسة آلاف، هي قضية تموينية، فلما دخل الشاهد أمام القاضي، ورأى مصحفاً، وعليه أن يقسم بالله، قال له: لحظة، خرج، وقال له: أريد عشرة آلاف، ظهر أن هناك يميناً، قضية لها ثمن. لذلك الشهادة من أعظم الأشياء في هذا الدين الحنيف، قال تعالى:
الخوف من الله أحد أبرز معالم الشخصية الإسلامية :
في الإسلام شيء لا أحد ينتبه إليه، هذا الخوف من الله، الخوف من الله أحد أبرز معالم الشخصية الإسلامية، لا يبيع دينه ولا بالمليارات.
(( والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله، أو أهلك دونه ))
هذا هو الموقف، أنا أقول دائماً: المؤمن لا تُثنيه عن مهمته في الحياة لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سِياط الجلادين اللاذعة، ثابت.
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23) ﴾
سبب نزول هذه الآيات:
تفريق الشهود أحياناً يكون سبب كشف الكذب :
حدثني أخ، والله له عندي مكانة بحسب ورعه، كان يعمل في لف المحركات ، قال لي: قبل أن أصطلح مع الله، وقبل أن أتوب قد يأتي محرك فيه شريط خارجي مقطوع، أصلحه في ثانية واحدة، نقطة لحام، ويعود ليعمل هذا المحرك، المحرك أجرة لفه خمسة آلاف ليرة، والقصة قديمة، الآن أكثر، في بعض الحالات يأتي محرّك، يفتحه فيجد الشريط الخارجي مقطوعاً، يضع له نقطة لحام، ويعود كما كان، قال لي: قبل أن أعرف الله يأتي صاحب المحرك بعد أسبوع أعرضه عليه يعمل بانتظام، وأقبض الخمسة آلاف ليرة زُوراً وبهتاناً، قال لي: بعد أن اصطلحت مع الله أقول له: خمس وعشرون ليرة، قال لي: غير معقول، طلبت خمسة آلاف، فقال له: ليس به شيء، انظر إلى الفرق، الفرق بعد أن عرفت الله، وقبل أن تعرفه.
فتميم الداري قبل أن يعرف الله أخذوا الإناء وباعوه، وأخذ نصف قيمته، بعد أن اصطلح مع الله، وأسلم ذهب من عنده مباشرة إلى أهل الميت وأعطاهم خمسمئة درهم نصيبه من بيع الإناء.
لابدّ في الدين من أن نعتمد في النهاية على خوف الإنسان من الله :
حقوق العباد مبنية على المشاححة و حقوق الله مبنية على المسامحة :
إخواننا الكرام، حقوق العباد مبنية على المُشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
أيها الإخوة، الإنسان يظل بخير ما لم يسفك دماً، لكن مرة ثانية، ويظل بخير ما لم يأخذ مالاً حراماً ليس له، ثمة أخطاء كثيرة الله عز وجل يعفو عنها، لكن حينما تأخذ ما ليس لك، تغتصب بيتاً، محلاً، شركة، تأخذ شيئاً ليس لك، وتحرم به الآخرين فهذه مشكلة كبيرة جداً، والله عز وجل بالمرصاد. وما قولكم إن صحابياً جليلاً خاض مع رسول الله كل الغزوات ومات وعليه دَين؟ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
(( تُوُفِّيَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ، وَحَنَّطْنَاهُ، وَكَفَّنَّاهُ، ثُمَّ أَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: تُصَلِّي عَلَيْهِ، فَخَطَا خُطًى، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قُلْنَا: دِينَارَانِ، فَانْصَرَفَ، فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ، فَأَتَيْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: الدِّينَارَانِ عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُحِقَّ الْغَرِيمُ، وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ، قَالَ: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ: مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ، فَقَالَ: إِنَّمَا مَاتَ أَمْسِ، قَالَ: فَعَادَ إِلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: لَقَدْ قَضَيْتُهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ ))
يعني جلده ابترد لا بضمان الدين، ولكن بأداء الدين.
مرة ثانية وأخيرة: كأن هذه الآيات تُنبئ أن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَذَاكَرْتُهَا حَتَّى ذَكَرْنَا الْقَاضِيَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ))
والحمد لله رب العالمين
دعاء:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أَرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق