- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (005)سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله عز وجل أراد في هذه الآية أن يخفف عن النبي حزنه من تكذيب قومه له :
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السادس والثلاثين من دروس سورة المائدة، ومع الآية الثامنة والسبعين، وهي قوله تعالى:
﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78) ﴾
الله عز وجل أراد في هذه الآية أن يخفف عن النبي عليه الصلاة والسلام حزنه من تكذيب قومه له، فالأنبياء السابقون أيضاً كُذِّبُوا، وعُورِضُوا، واستُهزِئ بهم، واتُهِمُوا من خلال الأقوام الذين أُرْسِلُوا إليهم ظلماً وبهتاناً، وصبروا، فهؤلاء الذين كفروا كما يقول الله عز وجل: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى﴾
كان من الممكن أن يكون الكفار في مكان من الأرض والمؤمنون في مكان، ولكن شاءت حكمة الله أن يكونوا جميعاً، وأن تكون بينهم معركة أزلية أبدية، فالمؤمن الصادق يوطن نفسه على أن هناك معركة الحق والباطل، هذه من آدم إلى يوم القيامة، ولولا هذا الامتحان وذاك الابتلاء، ولولا هؤلاء الذين يقفون في وجه الحق ويعيقون تقدمه، ولولا إصرار المؤمنين، وتشبثهم بالحق، وسعيهم إلى نيل رضوان الله عز وجل لما كانت جنة ولا نار.
صراع الحق والباطل من سنن الله عز وجل :
صراع الحق والباطل من سنن الله عز وجل: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى﴾
الطالب الكسول يرتاح لو أن معظم الطلاب كسالى مثله، أما الطالب المجتهد فلا يضيره أن يكون في الصف مجتهدون.
إذاً التكذيب سببه أن هؤلاء الذين كفروا، حينما كفروا، وحينما عصوا، وحينما اعتدوا اختل توازنه، أحد أسباب إستعادة التوازن أن يكذبوا الأنبياء والرسل.
بشكل مبسط: إنسان يأكل المال الحرام، أو يأكل الربا لو حضر درساً دينياً في موضوع الربا لا يرتاح لهذا الدرس، في عقله الباطن يقول: هذه مبالغات، هذا تزمت، هذا ضيق أفق، هذا الذي يلقي الدرس لا يعيش الواقع، لا يعيش العصر، متقوقع على ذاته، لماذا كل هذه الاتهامات؟ لأنه لو صدق هذا الذي ينطق بالحق لكشف أمام نفسه، فمن أجل استعادة التوازن مع نفسه أسهل طريق أن يكذب هذا الذي يقول.
أحد أسباب التصديق الاستقامة والطهر وأحد أسباب التكذيب الانحراف والمعصية :
إذاً في الإنسان عقل باطن، العقل الباطن يعمل من دون وعي الإنسان، فأنت حينما تصدق، أنت حينما تزمع أن تشتري مركبة، يقول لك أحدهم: رفعُ نسبة الرسوم؛ غير صحيح، دون أن يشعر يكذب هذا الخبر، لماذا يكذبه؟ لأنه بهذا الخبر لا يحقق هدفه من شراء مركبة، فأنت حينما تقبل أو حينما ترفض هناك عقل باطن يعمل دون أن تشعر. فالكافر الذي بنى حياته على المعصية فيما بينه وبين الله، وبنى حياته على العدوان على الناس بأخذ ما ليس له، بحكم فطرته التي فطر عليها، بحكم تطابق الفطرة مع المنهج يختل توازنه، كيف يستعيد هذا الاختلال؟ بأن يكذب بالحق، إنسان مستقيم حينما يدعى إلى الحق يستجيب لأنه في تناغم، في انسجام بين حاله وواقعه وبين هذه الدعوة.
إذاً أحد أسباب التصديق الاستقامة والطهر، أحد أسباب التكذيب الانحراف والمعصية، فأنت حينما تكذب دون أن تشعر معنى ذلك أن هناك خللاً في السلوك، وأنت حينما تكذب دون أن تشعر معنى ذلك أن هناك عدواناً، لأن الآية الكريمة: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى﴾
حالة ثانية: لو أن طالباً أبلغه أحد الطلاب أن الأستاذ يعطي الأسئلة، ولكن بثمن قبل الامتحان بأسبوع، فترك الدراسة كلياً، وحقق توازناً مريحاً، أن القضية سهلة، قبل الامتحان آخذ الأسئلة، وأجيب، وأنجح دون هذا الجهد الطويل طوال العام، فلو أن المدرس الذي توهم أنه يعطيه السؤال طرده، وعنفه، ماذا يفعل؟ يكيل له كل تهمة، المدرس مستقيم، هذا طموح مستحيل من قبل الطالب. فالإنسان حينما يكذب فعنده مشكلة، حينما يكذب الحق فعنده مشكلة، عنده خلل، عنده معصية، عنده عدوان، يحقق مصالح من طريق غير مشروع، لذلك لا يستجيب إلى الحق، إذاً كأن الله عز وجل يخفف عن النبي أن هؤلاء الذين يكذبونه هؤلاء منتفعون بالباطل، هم حريصون على مصالحهم وعلى شهواتهم، هم لا يدافعون عن باطلهم بل يدافعون عن شهواتهم.
المنتفع بالباطل لا يستجيب للحق :
قصة ذكرتها كثيراً، لكنها معبرة عن الحقيقة: إنسان يعمل في نقل الأحمال على دابة، ماتت هذه الدابة، بقي بلا دخل، دفنها في مكان، وأنشأ بناء متواضعاً، وزينه بقبة خضراء، وسماه باسم ولي من أولياء الله، فارتاد الناس هذا المقام ليتبرَّكوا به، لجهلهم طبعاً، وقدموا له الهدايا الثمينة، وعاش في بحبوحة ما بعدها بحبوحة، هل من قوة في الأرض تستطيع أن تقنعه أن هذا المكان فيه دابة مدفونة مكان الولي، هو لا يقبل بذلك، مع أنه دفنها بنفسه، هو عن ماذا يدافع؟ يدافع عن دخله، عن مصالحه، عن شهواته، عن مكانته التي حققها من هذه الكذبة.
فالمنتفع بالباطل لا يستجيب للحق، فأنت حينما ترى إنساناً يكذب بالحق فعنده مشكلة كبيرة، عنده خلل، عنده معاصٍ، عنده عدوان، عنده مصالح يحافظ عليها، ويدافع من أجلها، أما الإنسان المستقيم الطاهر فاستجابته للحق عجيبة، يقول: هذا الحق، ورب الكعبة، فتفاوت الناس باستجابتهم للحق بسبب تفاوتهم في استقامتهم، تفاوت الناس في إقبالهم على الدين بسبب تفاوتهم في نظافتهم المادية، أو طهارتهم المعنوية
المجاملة وغض البصر عن الأخطاء وعدم التدقيق في كسب الأموال هذه سمة العصر :
هل هناك من معرفة أوثق من معرفة الأب لابنه؟ قال:
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ
ولكنهم إذا آمنوا به تعطلت مصالحهم، وفقدوا مكانتهم، وفقدوا سيطرتهم على الناس، لذلك كذبوا، كذبوا دفاعاً عن أهوائهم، وعن مصالحهم، لذلك المؤمن لا يحزن كثيراً إذا كذَّب أحدُهم أهل الحق، تكذيبه لأهل الحق يعني أنه منتفع بالباطل، وتكذيبه لأهل الحق يعني أنه يحقق مصالح كثيرة عن طريق باطله، وهؤلاء الذين كذبوا بالحق عصوا، وكانوا يعتدون، لهم صفة أخرى، اسمها الآن المجاملات.
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ
اثنان يأكلان مالاً حراماً، يجامل أحدُهما الآخر، وهذا واضح جداً في المجتمعات الإسلامية المقصرة في تطبيق الشرع، يكيلون لبعضهم مديحاً لا يوصف، وكل واحد متلبس بآلاف المعاصي والآثام: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾
الأمة الإسلامية عندما تكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفقد خيريتها :
أيها الإخوة الكرام؛ لو أن الأمة كفت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لفقدت الأمة الإسلامية خيرتها، لقوله تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ(110) ﴾
لو أحجمت هذه الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما الذي يحصل؟ فقدت خيرتها، وأصبحت أمة كأية أمة خلقها الله، لا يعبأ الله بها، لأن أمر الله هان عليها فهانت على الله عز وجل، وينطبق عليها عندئذ قوله تعالى:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ
هؤلاء الملايين المملينة من المسلمين مليار وثلاثمئة مليون، لأن أمر الله هان عندها هانت على الله، لذلك لا تتمتع بأية ميزة، هي أمة كهذه الأمم الشاردة عن الله عز وجل لأنهم: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾
الولاء والبراء من صفات المؤمنين :
أنت أيها الإنسان الذي تدّعي أنك مؤمن كيف تنسجم مع هذا الإنسان البعيد عن الدين، الذي لا يصلي، الذي يكذب، الذي ينافق، الذي يعتدي على أعراض الآخرين، الذي يشرب الخمر، كيف تنسجم معه؟ كيف ينشأ بينك وبينه علاقة متينة جداً؟ هذا الذي يتودد إلى الكفار هو منهم.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
من علائم أهل الإيمان ما يسميه العلماء بالبراء والولاء، ولاؤه للمؤمنين، ولو كانوا ضعافاً وفقراء، وبراءته من الكفار ولو كانوا أغنياء وأقوياء، بينما ضعيف الإيمان يوالي أهل الباطل، لأنهم أقوياء، أو لأنهم أغنياء، يحقق بولائه معهم مصالحه:
﴿ تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أي ألا ترى إنسان مسلماً يحقق مصالح كبيرة جداً من شركة أجنبية، فإذا جاءت زائرة إلى بلده قدم لها الخمر، وكانت علاقته معها متينة جداً، بسبب أنها تحقق له مصالحه، الولاء والبراء من صفات المؤمنين، من أولى صفات المؤمن أنه يوالي المؤمنين، ولو كانوا فقراء وضعفاء، وأنه يتبرأ من الكفار والمنحرفين، ولو كانوا أقوياء وأغنياء، ولاءه للحق لا للمال، لا للدنيا ﴿تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾
الله سبحانه وتعالى يغضب إذا مُدح الفاسق أو الكافر :
إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق، فكيف إذا مدح الكافر؟ فكيف إذا واليت الكافر؟ فكيف إذا أعنته على مسلم؟ ليس بعيداً عنكم أن بعض ضعاف النفوس يوالون أعداء المسلمين يقدمون لهم كل مساعدة من أجل أن يعتدوا على المسلمين، هذا شيء يعيشه المسلمون اليوم
﴿ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا(14)وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا(15) ﴾
قال: ﴿فعَقَرُوهَا﴾
﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً(93) ﴾
السعيد هو الذي يمشي في طريق رضوان الله عز وجل :
قال تعالى: ﴿تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ﴾
(( إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به_ أي لا يستمع إلا إلى الحق _ وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به
إذا رأى الأغنياء يقول: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، لا يرى الشيء إلا بحقيقته.
كمثل: لو دخلت إلى بيت فخم جداً، وعلمت أن صاحب هذا البيت تاجر مخدرات، وأن هذه الأموال الطائلة التي حصلها من تجارة المخدرات على حساب سلامة الشباب والشابات، هل تعجب بهذا البيت، بمساحته، بأذواق الأثاث فيه، بإطلالته؟ ينبغي أن تحتقره، وأن تحتقر صاحب البيت، لأنه بني على أنقاض الشباب، فأحياناً الشيء على الشبكية رائع، لكن بعد الإدراك يصبح شيئاً مقيتاً، هذا ما يقوله بعض الأدباء، العاطفة العميقة، والعاطفة السطحية، العاطفة السطحية أن تعجب بظاهر الأشياء، والعاطفة العميقة أن تعجب بحقائق الأشياء. إنسان دخله مشروع، ودخله محدود، مستقيم، ولا يكذب، ولا يعتدي، لو دخلت إلى بيت صغير، بأثاث متواضع، ينبغي أن تحترمه، أن تحترم استقامته وطهارته ونزاهته.
السبب الآخر لانحراف ضعيفي الإيمان وموالاتهم لأهل الكفر أنهم فاسقون :
قال تعالى:
﴿ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(81) ﴾
سبب آخر لانحرافهم وموالاتهم لأهل الكفر أنهم فاسقون.
أيها الإخوة الكرام؛ لو أن هذه الأمراض يمكن أن تنتشر بين المسلمين لما ذُكِرَت، هذه الأمراض يمكن أن يقع بها المسلمون جميعاً، أو معظم المسلمين. ثم يقول الله عز وجل:
﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ
على المسلم تصديق الله عز وجل لأنه هو الحق المبين :
الحقيقة الله عز وجل حينما يقول:
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ
ينبغي أن نصدق الله عز وجل، والمسلمون في حقبة سابقة حينما عظّموا وقدّروا وبجَّلوا أعداء الله عز وجل، ثم كشف الأمر على حقيقته عرفوا أن الله هو الحق المبين ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ﴾
الهجرة إلى الحبشة والحكمة منها :
قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ... فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ))
كلام رائع جداً، الإسلام مجموعة قيم أخلاقية، النجاشي ـ رحمه الله تعالى ـ لأن النبي عليه الصلاة والسلام : صلى عليه صلاة الغائب، وحينما جاء وفد النجاشي لم يرض النبي إلا أن يخدمهم بنفسه، إكراماً للنجاشي الذي أحسن استقبال أصحاب النبي، وجعلهم آمنين في بلده، ثم جاؤوا بكيد آخر، وذكروا للنجاشي في اليوم التالي أن لهم قولاً لا ترضاه في المسيح بن مريم، فَقَالوا لَهُ:
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلاً عَظِيماً، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ، فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ، قَالَتْ ـ أي أم سلمة ـ: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَتْ: وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ، فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَقُولُ وَاللَّهِ فِيهِ مَا قَالَ اللَّهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا، كَائِناً فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَرُوحُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، قَالَتْ: فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُوداً، ثُمَّ قَالَ: مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ، فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ: وَإِنْ نَخَرْتُمْ ))
وأثنى عليه النبي.
الآيات التالية تشير إلى حادثة الهجرة إلى الحبشة :
في بعض كتب السيرة يعد النجاشي من التابعين، لم يلتق برسول الله لكنه آمن به، لذلك هذه الآيات تشير إلى هذه الحادثة: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾
الدليل على أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها :
هناك حقيقة أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها، والدليل أن الله لحكمة بالغة جعل امرأة صديقة، آسيا امرأة فرعون، جعلها زوجة لأكبر طاغية في الأرض، فهذا الطاغية بكل قوته وجبروته وهيمنته لم يستطع أن يحملها على أن تعبده، بل قال الله عنها:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11) ﴾
أيّ امرأة، وهذا الكلام موجه إلى الأخوات المؤمنات، أيّ امرأة تعصي الله إرضاء لزوجها، وتقول: الذنب ذنبه، هو الذي طلب مني ذلك، هذا كلام مرفوض أشد الرفض، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
امرأة في بلاد الغربة يتخلى عنها زوجها، تصر على موقفها، وعلى إيمانها، وعلى استقامتها فيكافئها الله عز وجل بأن يجعلها زوجة رسول صلى الله عليه وسلم.
علامة استقامتك وعلامة نظافتك السلوكية أنك سريع الاستجابة لله عز وجل :
هؤلاء القسيسون والرهبان الذين عبدوا الله عز وجل، وأمضوا أوقاتهم في معرفة كلام الله عز وجل قال تعالى:
﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) ﴾
أي إذا سمعوا إلى القرآن، وأنا مرة ثالثة ورابعة ألح على هذه الحقيقة، أنت حينما تكون مستقيماً، وحينما تكون نظيفاً، وحينما لا تبني مجدك على أنقاض الآخرين ، وحينما لا تحقق مصالح عن طريق الكذب، وشهادة الزور، أنت حينما تدعى إلى الحق تستجيب له سريعاً، علامة استقامتك وعلامة نظافتك السلوكية أنك سريع الاستجابة لله عز وجل، هؤلاء النصارى:
العبرة أن تكون صادقاً في طلب الحقيقة :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ(84) ﴾
أيها الإخوة الكرام؛ العبرة أن تكون صادقاً في طلب الحقيقة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:
(( إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ
وهذا الصدق الذي يتحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ليس صدق الأقوال، بل صدق الأفعال، أنت حينما تصدق في طلب الحقيقة تهدى إليه، وحينما تصدق في طلب الحقيقة ينشرح صدرك إليها، وحينما تصدق في طلب الحقيقة تعان على قبولها، وعلى الأخذ بها، فالله عز وجل يقول:
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69) ﴾
فأي إنسان كائن من كان، والبشارة التي أقولها لكم:
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ
ما دمتم قد سمعتم الحق وهذا من فضل الله علينا جميعاً فهذه بشارة من الله أن فينا خيراً
الإنسان حينما يكون صادقاً في طلب الحقيقة يتولى الله هدايته:
ما دام الله عز وجل أسمعنا الحق فهذه علامة طيبة على أن فينا الخير، فإذا قبلناه فهذا شيء أروع، فإذا استجبنا للحق، وعملنا به، أروع وأروع، ما دمنا قد سمعنا الحق فهذه بشارة، نسمع الحق ونقبله ثم نستجيب له، والحق يعرف بالقلب، لقوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا
الحق يعرف، ودليل أن الحق يُعرَف أنّ الإنسان حينما يستمع إلى الحق يهفو قلبه إليه، ودليل آخر أنك حينما تكون صادقاً في طلب الحقيقة يتولى الله هدايتك، والآية الكريمة:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ
حيثما تأتي كلمة (على) مع لفظ الجلالة أي إن الله ألزم نفسه بهداية طالب الحق، والآية فيها ملمح بلاغي، أي: وعلى الله سبيل القصد، وعلى الله أن يهديك إلى السبيل الذي تقصده، إلى طريق الهداية، وعلى الله، والآية الكريمة:
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) ﴾
أنت لا يطلب منك إلا أن تطلب الهدى، وعلى الله الباقي، لا يطلب منك إلا أن تكون صادقاً في طلب الحقيقة.
طريق الحق واضح كالشمس والدنيا كلها في خدمة المؤمن :
قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ﴾
أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمك فاستخدميه، ومن خدمني فاخدميه، عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد، ولا تعلمني بما يصلحك ، خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك كلَّ حين ، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك وعِزَّتي وجلالي إن لم ترض بِما قسَمْتُهُ لك ، فلأُسلِطَنَّ عليك الدنيا تركضُ ركْض الوحش في البريّة ، ثمَّ لا ينالك منها إلا ما قسمْتُهُ لك منها ولا أُبالي ، وكنتَ عندي مَذْموماً ، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
الخلق كلهم خُلِقوا ليسعدهم الله عز وجل :
أيها الإخوة الكرام؛ ما الذي يمنعك أن تحضر مجلس علم، تتعرف فيه إلى الله عز وجل، إلى سر وجودك وإلى غاية وجودك، ما الذي يمنعك أن تتعرف إلى هذا القرآن الكريم؟ ما لنا لا نؤمن بالله، ما الذي يمنعنا؟ سهرة، وليمة، لقاء، مطالعة قصة، ما الذي يمنعك؟ ﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴾
﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119) ﴾
حتى فرعون:
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43) فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44) ﴾
ما من إنسان خلقه الله إلا وهو مطلوب لرحمته، الله عز وجل ما خلق كافراً ليعذبه في جهنم إلى أبد الآبدين، خلق الناس ليكونوا مؤمنين، خلقهم ليكونوا مسلمين، خلقهم ليسعدوا في الدنيا والآخرة:
﴿ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ(84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ(85) ﴾
الذي يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
لذلك أيها الإخوة؛ هذه الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له، وهذه الدنيا لا يمكن أن تكون عطاءً لمخلوق ولا عقاباً لمخلوق، هذه الدنيا منقطعة بالموت، وعطاء الله لا يكون منقطعاً، هذا لا يسمى عطاء من الله عز وجل، أن نعطى الدنيا، يقول الإمام علي رضي الله عنه: " فلينظر ناظر بعقله أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، فإن قال: أهانه فقد كذب، وإن قال: أكرمه فلقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا ". في الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: َلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ))
هذه الدنيا الفانية الزائلة المشحونة بالمتاعب.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) ﴾
لكن الذين قالوا:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) ﴾
فهذا الذي يتبع هدى الله عز وجل يقول الله عنه:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
لو جمعت الآيتين لكان الذي يتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت، ماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة؟!!
من يعبد الله عز وجل ينشئ الله له حقاً عليه ألا يعذبه :
أيها الإخوة الكرام؛ أنت حينما تعبد الله عز وجل ينشئ الله لك حقاً عليه ألا يعذبك.
(( بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ، وَسَعْدَيْكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))
معك حق على الله، ألا تعذب في الدنيا، إذاً يقول الله عز وجل:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ
ينتهي العلاج، تنتهي المتاعب، لأنك حققت الهدف الذي خلقت من أجله
إخوتنا الكرام؛ الزاهد هو أكبر طَمُوْحْ، هذا الذي زهد في دنيا تنتهي بالموت هو أكبر طموح، طمح بما عند الله من نعيم مقيم.
الناس رجلان برّ تقي كريم على الله وفاجر شقي هيِّن على الله :
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى(3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4) فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10) ﴾
أنت حينما تصدق بالحسنى، وهي الجنة، تتقي أن تعصي الله، وتبني حياتك على دفع ثمن الجنة وهو العطاء، أعطى، واتقى، وصدق بالحسنى، وأنت حينما تكذب بالحسنى، بالجنة، وتؤمن بالدنيا العاجلة تستغني عن طاعة الله، وتبني حياتك على الأخذ، صفات ثلاث كصفات ثلاث، الناس على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأديانهم، وأجناسهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، لا يزيدون على رجلين؛ أعطى واتقى وصدق بالحسنى، بخل واستغنى وكذب بالحسنى، ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين