وضع داكن
22-11-2024
Logo
الدرس : 31 - سورة المائدة - تفسير الآية 64، معاني اليد في القرآن الكريم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

اليد عضو من أعضاء الإنسان ولكنْ أصدق صفة فيها الحركة :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ مع الدرس الواحد والثلاثين من دروس سورة المائدة، ومع الآية الرابعة والستين، وهي قوله تعالى: 

﴿  وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) ﴾

[ سورة المائدة ]

 أيها الأخوة؛ اليد جارحة، عضو من أعضاء الإنسان، ولكنْ أصدق صفة فيها الحركة، تتحرك يمنة ويسرة، وارتفاعاً وانخفاضاً، فيها رسغ، الكف فيه أصابع، الأصابع فيها سلاميات، الإبهام له وظيفة، السبابة لها وظيفة، الوسطى لها وظيفة، فأوضَحُ عضو من أعضاء الإنسان تظهر فيه الحركة هو اليد. فاليد جارحة، لها الحركة، وحركتها حرة، بعض الأعضاء الحركة فيها محدودة، العمود الفقري حركته محدودة، يمكن أن ينثني، لكن في حدود لحركته، أما اليد فلها حركة مطلقة، يمنة ويسرة، ارتفاعاً وانخفاضاً، الكف تتحرك قبضاً وبسطاً، وحينما تمنع من الحركة، حينما تقيد تكون مغلولة.

إذا رضي الناس بقول إنسان فاسق وسكتوا وارتاحوا لقوله فكلهم آثمون :

 قال تعالى: ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ كيف؟ ورد في الكتب أن اليهود قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام تفرغوا لصناعة آلات الحرب، وبناء الحصون، وأهملوا الزراعة، فلما خابت محاصيلهم، وقلَّت أرزاقهم، قال زعيمهم (فينحاص): لماذا قبض الله يده عنا؟ بل ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ الغريب أن الله عز وجل يقول: ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ ﴾ قال واحد منهم، بل قال زعيمهم، لأنهم سكتوا، وسُرّوا بهذا القول، إذاً جميع اليهود حملوا إثم هذا القائل، والذي عقر الناقة واحد، لكن الله عز وجل قال: 

﴿ فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) ﴾

[ سورة الشعراء ]

 إذا رضي الناس بقول إنسان وسكتوا، بل وارتاحوا لقوله فكلهم آثمون، وكأن كل واحد منهم قال هذه المقولة: ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ ﴾ مع أن الذي قال واحد، هو (فينحاص) ، ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ .

أنواع الفقر :

 لأنهم أهملوا زراعتهم فقلّت محاصيلهم نسبوا تقصيرهم إلى الله، هذا يقودنا إلى موضوع دقيق: هو أن هناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك فقر الإنفاق، فقر الإنفاق دعونا منه، هذا لكبار الصحابة، لسيدنا الصديق الذي أنفق كل ماله، ولم يقبل النبي من أحد من أصحابه أن ينفق كل ماله إلا الصديق، قال له: 

(( أمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ نتصدقَ، فوافقَ ذلك عندي مالًا فقلتُ: اليومَ أسبقُ أبا بكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قال  :فجئتُ بنصفِ مالي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأهلِكَ ؟ قلتُ مثلهُ، وأتى أبو بكرٍ بكُلِّ ما عنده، فقال يا أبا بكرٍ : ما أبقيتَ لأهلِكَ ؟ فقال:  أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ ، قلتُ : لا أسبِقُهُ إلى شيءٍ أبدًا ))

[ سنن الترمذي ]

هذا فقر الإنفاق، حالات نادرة ، لكن فقر القدر أن يكون الإنسان ذا عاهة تمنعه عن كسب رزقه، هذا الفقير فقير القدر معذور، لكن الفقر الذي لا يعذر صاحبه هو فقر الكسل، الإنسان حينما يقعد، لا يعمل، لا يبحث عن عمل، له عمل لا يتقنه، له عمل لا ينجزه، يتواكل، يسوف، يرجئ، يميل إلى الراحة، إلى النوم، إلى قبض المال من دون أن يقدم شيئاً، هذا كسل خطير، وهذا الكسل موجود في المجتمعات المتخلفة، في كسل، بالمجتمعات المتخلفة في فقر، لكن هذا الفقر أساسه الكسل، ليس هناك حركة، كلام فارغ، تتبع مشكلات الناس، كل إنسان مشغول بأخطاء الآخرين، يتابعها، يدقق فيها، يذيعها بين الناس، يشهر بهم، وكأنه يتلذذ بنقل هذه الأخبار، أما أن يعكف على نفسه، ويقوم بعمل نافع للأمة، فهذا السؤال الذي ينبغي أن يسأله كل إنسان: ماذا قدمت لأمتك إذا سألك الله عز وجل يوم القيامة: ماذا قدمت للمسلمين؟ هل قدمت لهم علماً؟ هل قدمت لهم مالاً؟ هل قدمت لهم خبرةً؟ هل قدمت لهم نصيحة؟ هل فكرت في مشكلاتهم؟ هل حملت همومهم؟ هل أقلقك وضعهم؟ هل آلمك ألمهم؟ هل ساءتك مساءتهم؟ ماذا فعلت؟ الإيمان حركة أيها الأخوة: 

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ ۚ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) ﴾

[ سورة الأنفال ]

 أنت إذا اكتفيت بالإيمان لم تفعل شيئاً، هذا الضوء متألق، لو أنك قلت: أنا مؤمن أنه متألق، ماذا فعلت؟ هو متألق، أقررت بذلك أم لم تقر، الشمس ساطعة، قل: الشمس ساطعة ألف مرة، هي ساطعة، إن لم تقل ذلك تتهم بعقلك.

أن تكتفي بالإيمان دون أن ترفقه بعمل فهذه طامة الطامات :

 إذاً أيها الأخوة؛ أن تكتفي بالإيمان دون أن ترفقه بعمل فهذه طامة الطامات، ومصيبة المصائب، إعجاب سلبي، نحن مؤمنون والحمد لله، مؤمنون بالله، برسول الله، بالجنة، بالنار، بالقضاء والقدر، ماذا فعلت؟ 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

[ سورة الكهف ]

 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح. 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ۖ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) ﴾

[ سورة الأحقاف ]

 هناك أعمال لا تعد ولا تحصى أساسها المصلحة الشخصية لا وزن لها عند الله. 

﴿ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَزْنًا (105) ﴾

[ سورة الكهف ]

بعض آراء المفسرين فيما يتعلق بالآية التالية :


1 ـ حينما تعزو أخطاءك لقضاء الله وقدره تكون كاليهود :

 أيها الأخوة؛ حينما تعزو أخطاءك لقضاء الله وقدره تكون كاليهود الذين قالوا: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ التقِ مع أي إنسان، فرص العمل نادرة، هل بحثت عن عمل؟ هل فكرت في عمل مبدع؟ هل فكرت في عمل لم تسبق إليه؟ هل فكرت بإخلاص لخدمة الناس؟ الله موجود في كل عصر، وكل مصر، وبكل وقت، وبكل زمان، لا بد من حركة: ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ هذا رأي من آراء المفسرين. 

2 ـ حينما رأى اليهود فقر المسلمين وحاجاتهم رأوهم لا شأن لهم عندهم إطلاقاً :

 الرأي الآخر أن اليهود قالوا: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ حينما رأوا فقر المسلمين وحاجتهم. النبي عليه الصلاة والسلام التقى بعدي بن حاتم، وكان عدي ملك من ملوك العرب، قال: يا عدي، لعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجته، المسلمون فقراء، وأيم الله ليوشكن المال أن يفيض بهم حتى لا يوجد من يأخذه.

 هناك سرّ، لماذا كان النبي فقيراً؟ ولماذا كان ضعيفاً؟ لو كان قوياً لطمع الناس به، ليعتزوا به، ليتقووا به، لو كان غنياً لطمعوا بماله، فآمنوا به لا محبة بالله، ولا قناعة به، ولكن طمعاً بمصلحة، فلحكمة بالغةٍ بالغة جعل الله الأنبياء فقراء، وضعافاً، يُتَهمون بالكذب، وينامون في بيوتهم، يتهمونه بأنه مجنون، وينامون في بيوتهم، لكنك لا تستطيع أن تنطق بكلمة عن قوي، لا تنام في بيتك، يتهم أنه شاعر ومجنون، وله مآرب، ولا شيء، يرى النبي أصحابه يعذبون لا يستطيع أن يفعل شيئاً، يقول: 

﴿ صبرًا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ﴾

[ جابر بن عبد الله ]

أنت حينما تؤمن بإنسان ضعيف فقير، لكن الحق معه تكون بطلاً، عندئذٍ الله عز وجل يطمئن نبيه، ومن تبع نبيه. 

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) ﴾

[ سورة الضحى ]

القرآن الكريم اعتمد قيماً متاحة لكل واحد منا وهي قيم العلم والعمل :

 إذاً الإنسان حينما يكون فقيراً أو ضعيفاً، أحياناً المصائب تولد البطولات، الحزن خلاق، أنت حينما تعطي نصف دخلك لأخيك، ودخلك لا يكفيك تكون بطلاً.

 ذكرت مرة قصة، أن هذا الذي ورث أرضاً، ويعمل حاجباً في مدرسة، ودخله أربعة آلاف ليرة، وعنده ثمانية أولاد، عرض الأرض للبيع، فكان ثمنها ما يزيد على أربعة ملايين، ثروة كبيرة جداً لإنسان معدم، الذي اشتراها أراد أن يجعلها مسجداً، فلما علم أن هذا الفقير يبيعها لتكون مسجداً استحيا من الله، ومزق الإيصال، وقال: أنا أولى أن أقدمها لله منك، يقول هذا الغني الكبير: ما صغرت في حياتي كما صغرت أمام هذا الفقير المحسن. الحزن خلاق، قد تنشأ في بيئة فقيرة، قد يكون المال قليلاً، لكن ميزان الله لا علاقة له بالمال، القرآن الكريم اعتمد قيماً متاحة لكل واحد منا، اعتمد قيمة العلم، وقيمة العمل. 

﴿ أَمَّنْ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَاجِدًا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ ٱلْءَاخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِۦ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ (9) ﴾

[ سورة الزمر ]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾

[ سورة المجادلة ]

 واعتمد قيمة العمل ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾ .

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ ۚ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) ﴾

[ سورة فاطر ]

على الإنسان ابتغاء الرفعة عند الله عز وجل:

 أما قيمة الذكاء، وقيمة الغنى، وقيمة الوسامة، وقيمة الجمال، وقيمة القوة، فهذه قيم مزيفة، يتعامل بها في حياتهم الدنيا، لذلك: 

(( رب أشعث أغبر ذي طمرين ـ مدفوع بالأبواب ـ لو أقسم على الله لأبره ))

[ رواه أنس عن أبي هريرة ]

(( كلُّكم بَنو آدمَ وآدمُ خُلِقَ من تُرابٍ ))

[ أخرجه الترمذي عن أبو هريرة ]

 قد تكون في الدرجة السفلى من المقياس الاجتماعي، لكن قلامة ظفرك تعدل عند الله مليون إنسان، قد تكون في أدنى درجة من السلم الاجتماعي، ولك عند الله شأن كبير. 

المسلمون مليار وثلاثمئة مليون، بكل إمكاناتهم وثرواتهم وموقعهم الجغرافي، وأنهم أمة واحدة، دينهم واحد، ولسانهم واحد، هل يستطيعون الآن بربكم أن يفعلوا شيئاً في الأرض؟! أبداً، قيمتهم ليست واضحة أبداً، هذا امتحان صعب نحن به، وهذا الذي أصابنا رسالة من الله: أن يا عبادي غيروا ما بأنفسكم حتى أغير ما بكم _ ولعله ما يمنعك دخول في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البابلية مفتحة للعرب، وقد عاش عدي حتى رأى هذه الوعود الثلاثة.  

الرأي الآخر أن اليهود قالوا: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ لأن المسلمين فقراء، ضعاف، وهذا الذي يصرف الناس عن الإسلام الآن، دول فقيرة نامية متخلفة، الفقر مستشرٍ، والبطالة، هم أقوياء وأذكياء وأغنياء، ومعهم أسلحة فتاكة، وصواريخ، والإعلام بيدهم، والاقتصاد بيدهم، ونحن أمم متخلفة لا شأن لنا عندهم إطلاقاً.

3 ـ  يد الله مغلولة عن عقابهم في الآخرة لأنهم شعب الله المختار :

 رأي ثالث: ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ أي مغلولة في الآخرة عن عقابنا. 

﴿ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُۥٓ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) ﴾

[ سورة البقرة ]

 نحن لا نعاقَب، لأننا شعب الله المختار. 

﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ (18) ﴾

[ سورة المائدة ]

أمة محمد أمتان أمة الاستجابة وأمة التبليغ :

 والمسلمون اليوم إذا قالوا: نحن أمة محمد، الجواب هو ما يلي: 

﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ (18) ﴾

[ سورة المائدة ]

 لذلك العلماء يقولون: أمة محمد أمتان، أمة الاستجابة، وأمة التبليغ، إن استجابوا كانوا: 

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ (110) ﴾

[ سورة آل عمران ]

 وإن لم يستجيبوا فهم أمة التبليغ، هم أمة كأي أمة، لا شأن لها عند الله إطلاقاً ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ أي في الآخرة عن عقابنا، نحن لا نعاقب. 

﴿ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) ﴾

[ سورة آل عمران ]

 إذا قال المسلم: أنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وسيشفع لي يوم القيامة يقول الله له: 

﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) ﴾

[ سورة الزمر ]

أيّ عمل صالح هو قرض لله عز وجل وسيوافيك بأضعاف مضاعفة يوم القيامة :

 لو أنك انتزعت من فم النبي صلى الله عليه وسلم فتوى لصالحك، انتزعتها من فم النبي، لا من مفتي، قضية متعلقة بالجنة والنار، وأكل المال الحرام، تكتفي بإنسان جاهل يصلي أحياناً، وغير معين من قبل الأوقاف يفتي لك بهذا، وينتهي الأمر؟! لماذا أنت إذا أردت أن تبيع بيتك، وقال لك أحد الذين في طريقك: هذا ثمنه مليونان، لماذا تسأل مئة إنسان؟ لماذا في أمر دنياك تتحقق، تتثبت، تتأكد، تبحث، توازن، تقارن، لماذا؟ ﴿ وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ أي مغلولة عن عقابنا في الآخرة، صدقوا أيها الأخوة، أن ثلثي عقائد المسلمين التي توارثوها خرافات وأوهام، الدعاء: اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

 اعمل مراجعة لعقائدك، قد تعتقد أننا أمة مرحومة، لسنا مرحومة على ما نرى نعاقب عقاباً أليماً، نعاني ما نعاني، المرحوم من استقام على أمر الله، هناك أوهام، ومعتقدات زائغة، وكلام غير مقبول، الكلام الصحيح هو كلام الله عز وجل، وما صح من حديث رسول الله، واليهود ألفوا هذا الكلام والتطاول على مقام الألوهية، لهم قول آخر: 

﴿ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ (181) ﴾

[ سورة آل عمران ]

 لأنهم سمعوا قول الله عز وجل: 

﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) ﴾

[ سورة البقرة ]

 أن الله فقير يطلب القرض منا، لكن الله عز وجل بهذه الآية الدقيقة: أي عمل صالح لو قدمته لنملة، لطائر، لهرة، هو قرض لله عز وجل، وسيوافيك بأضعاف مضاعفة يوم القيامة، بعض الأحاديث ورد: أنك إذا وضعت لقمة في فم زوجتك، تودداً لها وتطييباً لقلبها، رأيتها يوم القيامة كجبل أحد، لقمة طعام، لو أعطيت طفلاً حلوى، لو ابتسمت في وجه أخيك، لو سألته عن صحته، لو سألته عن أولاده، لو دعوته إلى بيتك، لو قدمت له طعاماً، لو قدمت له هدية، إذا أدخلت على قلب أخيك الفرح والسرور سوف ترى هذا العمل يوم القيامة كجبل أحد.

كل إنسان ينسى ما عند الله من إكرام إنسان أحمق ومحدود :

 أيها الأخوة الكرام؛ قال تعالى: ﴿ قَالُوٓاْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾ لكن رب العزة أغنى الأغنياء، ملك الملوك يقول: يا عبدي هل تقرضني، الله عز وجل يحب أن تربح عليه. تصور ملكاً قال لمعلم: علّم ابني، وأنا أكافئك، هذا المعلم بعد أن أعطى الدرس، قال لهذا الطفل: أعطني أجرتي، الملك هيأ لك بيتاً، ومركبةً، وراتباً مدى الحياة، أنت أردت أن تأخذ من الطفل مبلغاً محدوداً. فكل إنسان ينسى ما عند الله من إكرام، إنسان أحمق وغبي ومحدود.

 مرة حدثني أخ كانت سيارته معطلة، والطريق صعود شديد، والمركبات كلها لا تقف في هذا الموقف، بعد ساعة أو ساعتين أحدهم وقف، قال له: ماذا تريد؟ قطعة أعاره إياها، قال لي: حدثت نفسي أن هذا الإنسان عظيم، هذا الإنسان وقف، هذا الإنسان أراد أن ينجدنا، عندما انتهى، أرجع له هذه الأداة، قال له: خمس ليرات إذا أمكن، قال: والله لو طلبت مئة ليرة لأعطيتك، لكنني كنت أتمنى ألا تأخذ شيئاً، كان العمل عظيماً، فلما أخذت عليه أجراً سقط من عين الله عز وجل. 

للآية التالية معنيان :


1 ـ المعنى الأول ليست دعاءً إنما تعليم لنا ألا نسكت على قولهم :

 الآن: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ كيف نفسر هذه الكلمة؟ ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ هي دعاء، هل يليق بمقام الله أن يدعو على عبد؟ هو الإله، تدعو من أنت؟ تدعو الله يا رب دمر فلاناً، دمر أعداءنا، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب، اجعل بأسهم بينهم، أنقذنا منهم، أنت تخاطب إلهاً قوياً لأنك ضعيف تدعو الله عز وجل، الإله العظيم المطلق يمكن أن يدعو هو على إنسان؟ هذا ليس دعاءً إطلاقاً، لا يقبل أن تكون هذه دعاء: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي أن الله يعلمنا أنك إذا سمعت وصفاً لا يليق بالله عز وجل لا ينبغي أن تسكت، قل له: غلت يداك، بل يداه مبسوطتان، هذا ليس دعاء، بل هو تعليم لنا، إذا استمعت إلى كلام فيه اتهام للذات الإلهية، اتهام لها بالظلم، اتهام لها بأن الله في السماء، ولا علاقة له بما يجري في الأرض، ما هذا الكلام؟ هل تقبل من أب عاديّ أن يرى أحد أولاده يضربه أخوته ضرباً مبرحاً والأب ساكت؟ مستحيل، لا بد من أن يتدخل، إذاً هذا الذي يجري ليس قهراً لنا، بل تسليط من الله عز وجل، لحكمة بالغة، قد لا نكشف اليوم حكمتها، هذا تسليط، وليس قهراً لنا، الكرة في ملعبنا، وإذا غيَّرنا يغيّر الله ما بنا، إذاً : ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ ليس دعاءً، إنما هو تعليم لنا، أنه إذا سمعت آيات الله يستهزأ بها فينبغي أن يكون لك موقف، إذا سمعت إنساناً يصف الله عز وجل بما لا يليق به فلا ينبغي أن تسكت، ينبغي أن ترد عليه، هذا المعنى الأول.


2 ـ المعنى الثاني عاقبهم الله بالبخل حينما وصفوا يد الله بأنها مغلولة :

 المعنى الثاني: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي عاقبهم الله حينما وصفوا يد الله بأنها مغلولة، عاقبهم بالبخل، فالبخل من شيمهم، فحرص اليهود على المال لا يوصف. 

﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍۢ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ ۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍۢ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِۦ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَٱللَّهُ بَصِيرٌۢ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) ﴾

[ سورة البقرة ]

 حرصهم على المال لا يوصف، يعبدون المال من دون الله، هم يأكلون الربا ويأكلون السحت من أجل حبهم للمال، إذاً: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ إما تعليم لنا ألا نسكت على قولهم، أو أن الله عاقبهم بهذا الافتراء والتطاول بأن جعل البخل من شيمهم ومن أخلاقهم.

الإنسان إذا ظن بالله ظناً سيئاً عوقب بالبعد عنه :

 قال تعالى: ﴿ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴾ قولهم أبعدهم عن الله عز وجل، الإنسان إذا ظن بالله ظناً سيئاً يبتعد عن الله، وكأنه لعن أي أبعد، إذا ظن أن الله ليس عادلاً، إذا ظن أنه ينبغي أن يكون أفضل من فلان، هذا ظن السوء. 

﴿ وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا (6) ﴾

[ سورة الفتح ]

 حسن الظن بالله ثمن الجنة ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ أي ينبغي ألا تسكت أمام من يتهم الله عز وجل، أو أن الله عاقبهم بالبخل والشح ﴿ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ﴾ قولهم أبعدهم عن الله عز وجل ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ اليد هي الجارحة، واليد هي النعمة، فلان له على فلان يد، أي له نعمة، واليد هي الملكية.

معاني اليد في القرآن الكريم :

 قال تعالى: 

﴿ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّآ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوٓاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) ﴾

[ سورة البقرة ]

 إما تعني التملك، وإما تعني النعمة، وإما تعني الجارحة، وإما تعني المبالغة في العناية. 

﴿ قَالَ يَٰٓإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ (75) ﴾

[ سورة ص ]

 الله خلق الكائنات بكلمة كن. 

﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) ﴾

[ سورة يس ]

 خلق الكائنات بكلمة كن، لكن الإنسان خلقه بيده، تكريماً له. 

﴿ ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9) ﴾

[ [ سورة السجدة: 9] ]

﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ فإما أن تعني اليد أنها الجارحة، وإما تعني أنها النعمة، وإما تعني أنها الملكية، وإما أنها تعني العناية المشددة، هذه معاني اليد في القرآن الكريم، الله عز وجل له يد وله يدان، واليدان لهما معنى ، لكن يجب أن تعلم علم اليقين أن يده ليست كيدك، وأن وجوده ليس كوجودك، وأن كل صفات الله عز وجل ليست كصفاتك، هذه حقيقة مستنبطة من قوله تعالى: 

﴿ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا وَمِنَ ٱلْأَنْعَٰمِ أَزْوَٰجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ (11) ﴾

[ سورة الشورى ]

 كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، له يد أثبتها الله في القرآن الكريم، يده ليست كيدنا، ندع تفسيرها لما يليق بذاته جل جلاله.

الله جل وعلا له يدان وكلتا يديه اليمين واليمين رمز العطاء والسخاء والخير :

 أيها الأخوة الكرام: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ هناك بحث دقيق جداً، ليس عند الله يمين وشمال، بل كلتا يديه يمين، اليمين رمز العطاء، ورمز السخاء، ورمز الخير، له يدان وكلتا يديه اليمين فلماذا قال في موقف: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ وقال في آية ثانية: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ .

 أيها الأخوة؛ في هذه الآية ملمح رائع جداً، الله عز وجل عطاؤه عطاء، ومنعه عطاء، يعطي بيد نعمة، ويعطي باليد نعمة المنع، وقد يكون المنع عين العطاء، ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، لكن عطاء الإيجاب ظاهر، وعطاء السلب باطن، عطاء الإيجاب واضح، قد يعطي الله الإنسان مالاً، قد يعطيه وسامة، قد يعطيه ذكاء، قد يعطيه منصباً رفيعاً، قد يعطيه زوجةً صالحة، هذا عطاء ظاهر، قد يبتليه بمرض هذا عطاء باطن، قد يبتليه بفقر، هذا عطاء باطن. 

﴿ وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوْاْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍۢ مَّا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرٌۢ بَصِيرٌ (27) ﴾

[ سورة الشورى ]

 إذاً يمنعك وهو يعطيك، ويعطيك وهو يمنعك، لذلك تجد في بلاد كثيرة فيها رخاء لا يوصف، وفيها ترف لا يوصف، مشكلاتهم تكاد لا تكون، لكن أكبر مشكلة عندهم أنهم بهذا الرخاء وهذا الترف أعرضوا عن الله عز وجل، متصحرون، جفاة، قلوبهم ميتة، هل هذا عطاء؟ اذهب إلى أي مكان تر الناس في بحبوحة، في غنى، وفي ترف، وهمهم سباق السيارات، وسباق الخيل، هل هناك قرب من الله عز وجل؟

إذا كشف الله لنا حكمة المنع عاد المنع عين العطاء :

 أيها الأخوة؛ ربما منعك فأعطاك، وقد تكون الشدة في بلد هي أكبر دافع إلى الله عز وجل، لذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان، أنا لا أقول: أن نرضى بواقع سيء، لا بد أن نحسن واقعنا، ولكن أحياناً لا تستطيع أن تحسن واقعك، لأن هناك حكمة بالغة. 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) ﴾

[ سورة البقرة ]

 أيها الأخوة؛ حينما يكشف الله لك يوم القيامة ما ساقه لك من هموم وأحزان ومصائب ومتاعب ينبغي أن تذوب محبة لله عز وجل، حينما تكشف حكمة هذه المتاعب، إنها سبب سعادتك الأبدية، أنا أقول دائماً: نحن في العناية المشددة، دقق في طبيب رأى مريضاً مصاباً بالتهاب في المعدة خطير، يعطيه قائمة الممنوعات، ويشدد عليه إلى درجة التعنيف، أما إذا رأى مريضاً مصاباً بورم خبيث في الدرجة الخامسة، وسأله المريض: ماذا آكل؟ يقول له: كل ما شئت. 

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 فلذلك عندما تكون مؤمناً ومستقيماً وعفيفاً وصادقاً وقريباً من الله، وتؤدي العبادات، وتؤدي ما عليك من زكاة أموالك، وترحم الناس، وتكرمهم فأنت أفضل ألف مرة ممن يعريهم في السجون، ويتفنن في تعذيبهم، أليس كذلك؟ لذلك العطاء قد يكون منعاً، وقد يكون المنع عطاء، وإذا كشف الله لك حكمة المنع عاد المنع عين العطاء: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ .

المؤمن يكشف الله له بصيرته فيرى نعمة السلب كما يرى نعمة الإيجاب :

 النعم نعمة الإيجاب ظاهرة، بل صارخة، نعمة السلب باطنة مستترة، فالمؤمن يكشف الله له بصيرته فيرى نعمة السلب كما يرى نعمة الإيجاب: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾ .

 

(( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))

[ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]

 الست مليارات إنسان، لو طلب واحد وقال: يا رب أريد قصراً، ويخت، وطائرة خاصة، وأغلى مركبة، وبيت بالمدينة، وبيت بالمصيف، وبيت على الساحل، لو الست مليارات إنسان طلبوا هذا الطلب لنفذه الله، وما نقص في ملك الله إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في مياه البحر، ذلك لأن عطائي كلام، كن فيكون، وأخذي كلام ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ أحياناً ننتج من القمح خمسة أضعاف ما نحتاج، وأحياناً ننتج أقل مما نحتاج، والأمر بيد الله. 

﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ﴾

[ سورة الذاريات ]

تقنين الله لا يمكن أن يكون تقنين عجز بل هو تقنين تأديب :

 أيها الأخوة؛ التقنين لا يمكن أن يكون تقنين عجز، بل هو تقنين تأديب. 

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) ﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿  وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِۦ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) ﴾

[ سورة الجن ]

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) ﴾

[ سورة المائدة ]

 ويقاس على هذه الآية؛ ولو أنهم أقاموا القرآن الكريم ﴿ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ .

الإنسان حينما يبتليه الله في الدنيا هذا دليل أن فيه خيراً :

 إذاً: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ يد فيها عطاء الإيجاب، ويد فيها عطاء السلب، يد تعطي الصحة، ويد تعطي المرض، ليكون المرض دافعاً إلى التوبة، يد تعطي راحة البال، ويد تعطي القلق والهم والحزن، ليكون الهم والحزن دافعاً إلى التوبة، قال تعالى: 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾

[ سورة السجدة ]

 الإنسان حينما يبتليه الله في الدنيا هذا دليل أن فيه خيراً، لأن الذي لا خير فيه تنطبق عليه الآية الكريمة: 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 أما الإنسان المؤمن المقصر يبتليه الله عز وجل، والابتلاء دليل أن فيه الخير، وأن الله يريد أن يصلحه، لكن بشكل دقيق ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة. 

﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)﴾

[ سورة آل عمران ]

كلّ عطاء إلهي حيادي إما أن ترقى به أو أن تهوي به :

 أيها الأخوة؛ الآية الدقيقة:

﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن (16) كَلَّا ۖ بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) ﴾

[ سورة الفجر ]

 (كلا) أداة ردع ونفي، كلا ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، الإنسان يبتلى بالمال، يمتحن بالمال، فإذا أنفقه في طاعة الله كان نعمة، وإذا أنفقه في معصية الله كان نقمة، يبتلى بزوجة، إذا أحسن معاملتها، وحجبها، ودلها على الله كانت نعمة، وإن أهملها فانحرفت، وأطاع أمرها كانت طريقه إلى النار، قد يعطي الإنسان بنتاً إذا أحسن تربيتها دخل بها الجنة، وإن أهملها وانحرفت تقول يوم القيامة: يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، المال سلم ترقى به، أو دركات تهوي بها، الزوجة سلم ترقى به، أو دركات تهوي بها، القوة قد تكون قوياً، فالقوة إن استخدمتها لإحقاق الحق ونصرة الضعيف كانت سلماً ترقى بها، وإن استخدمتها لأن تتشفى بخصومك، وتنكل بهم كانت دركات إلى النار، فكل عطاء إلهي حيادي، ترقى به إذا استخدمته وفق منهج الله، وتهوي به إذا استعملته بخلاف منهج الله، لذلك الشهوات حيادية: ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ كلا ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.

عطاء المنع أنفع للإنسان في آخرته من عطاء الإيجاب :

 أيها الأخوة الكرام؛ قال بعض العلماء: عطاء المنع أنفع للإنسان في آخرته من عطاء الإيجاب. 

﴿  وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً (11) ﴾

[ سورة الإسراء ]

 مثلاً، كم من غني ينجو من عذاب النار؟ قلة قليلة، الغنى مغرٍ، الغني يوهم بالقوة، الغنى يوهم بالتكبر، بالتغطرس، بالعجرفة، بالاستعلاء على الناس، لكن الفقر أقرب للعبودية، المئة فقير قد ينجو منهم تسعون، أما المئة غني قد لا ينجو منهم عشرة.

لذلك قالوا: عطاء المنع أنفع للإنسان في آخرته من عطاء الإيجاب، فكلما كان نصيبك من الدنيا قليلاً كان حسابك يسيراً، وكلما كان النصيب كبيراً كان الحساب عسيراً، أنا لا أدعو إلى أن تكونوا فقراء لكن أدعو إلى أن تكشف حكمة الله حينما لا تكون كما تريد، حينما تسعى بكل جهدك، ولا تصل إلى ما تريد إذاً هذا له حكمة بالغة يجب أن ترضى عن الله عز وجل، مع أن الغنى قوة، والعمل الصالح يحتاج إلى قوة، فالأعمال الصالحة المتاحة أمام الغني أكبر بكثير من الأعمال الصالحة المتاحة أمام الفقير، لكن الغنى زلة قدم، والفقر أضمن للعبودية من الغنى، أنا لا أدعو إلى أن تكون فقيراً.

(( كادَ الفقرُ أن يَكونَ كُفرًا وَكادَ الحسدُ أن يسبِقَ القدرَ ))

[ رواه الطبراني في الأوسط عن أنس ]

أنا لا أدعو إلى الكسل، لا أدعو إلى القعود، أدعو إلى العمل، أدعو إلى تحسين المستوى المعيشي، لكن أنا أقول: حينما تبذل كل ما في وسعك، وتصل إلى مكان تتمنى أن تكون في مكان آخر، ينبغي أن ترضى عن الله، هكذا فقط، ينبغي ألا يفهم من كلامي أنني أدعو إلى القعود أو الكسل، أنا أحارب القعود والكسل، لكن أحياناً الظروف صعبة جداً، بكل ما أوتيت من قوة لا تستطيع أن تصل إلى ما تريد، ارضَ عن الله عز وجل، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل، أما إذا كان الإنسان كسولاً، وكان فقيراً، وقال: حسبي الله ونعم الوكيل، هذا كلام مردود عليه، طالب ما اجتهد، فلم ينجح، فقال: لا إله إلا الله، حسبي الله ونعم الوكيل، هذا كلام مرفوض، هذا جزاء التقصير.

إن لم تكن مستقيماً على أمر الله فلن تفهم حقائق هذا القرآن ولن تفهم أبعاده :

 قال تعالى: ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾ أي أن هذا القرآن هدى ورحمة للمؤمنين، هدى للمتقين، لكنه يزيد الظالم ظلماً. 

﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) ﴾

[ سورة الإسراء ]

 وهو عمى عليهم، الآية الكريمة: 

﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ*كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) ﴾

[ سورة الشعراء ]

 إن لم تكن مع الله، إن لم تكن مستقيماً على أمر الله فلن تفهم حقائق هذا القرآن، ولن تفهم أبعاده، فأن تفهمه يحتاج هذا إلى نفس طاهرة، لذلك قال تعالى: 

﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) ﴾

[ سورة الواقعة ]

العداوة والبغضاء لها قانون :

 قال تعالى: ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ هذا قانون العداوة والبغضاء . 

﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14) ﴾

[ سورة المائدة ]

 العداوة والبغضاء لها قانون، حينما يتفلت مجتمع من منهج الله تنشأ عداوات لا تحتمل، الأرض كلها عداوات الآن، الأرض كلها حروب أهلية، الأرض كلها عدوان، أحقاد، شيء لا يوصف، التفلت من منهج الله هذه نتيجته، هذا على مستوى شعوب وأمم، وعلى مستوى أفراد: 

(( ما تواد اثنان، ففرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما  ))

[ أخرجه أحمد عن ابن عمر ]

﴿ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ فالكافر عمله العدوان والإفساد، يقصف ويصدر الأفلام، يقصف ويصدر الأشياء التي تفسد أخلاق البشر.


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور