وضع داكن
22-11-2024
Logo
الدرس : 15 - سورة المائدة - تفسير الآيات 19-21 تتمة الحديث عن بني إسرائيل وأهل الكتاب.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين. 
اللّهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

كمال الخلق يدل على كمال التصرف:


 أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الخامس عشر من دروس سورة المائدة، ومع الآية التاسعة عشرة، وهي قوله تعالى: 

﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍۢ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٍۢ وَلَا نَذِيرٍۢ ۖ فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (19)﴾

[ سورة المائدة ]

أيها الإخوة؛ كلمة ﴿عَلَىٰ فَتْرَةٍۢ مِّنَ ٱلرُّسُلِ﴾ تعني على انقطاع من الرسل، فالله -سبحانه وتعالى- كامل في خلقه، وهذا الكون يدلُّ على كمال خلقه، ومن لوازم كمال الخلق كمال التصرف، ومن أبرز كمالات التصرف ألا يدع الله عباده معطلين عن التوجيه وعن الإرشاد؛ لذلك تقتضي رحمة الله وحكمته ومحبته لعباده أن يرسل إليهم رُسُلاً، وأن ينزل على رسله كتباً، والأمر ببساطة بالغة؛ أب يجلس في غرفة الجلوس فرأى ابنه يقترب من المدفأة وهو لا يدري ما سيكون من هذا الاقتراب، لا بد من أن يكلمه، لا بد من أن يقوم ويمسكه، إذاً التدخل الإلهي لإنقاذ الخلق من الكفر والشقاء حتمي لأن الله رحيم، ولأن الله خلقنا ليرحمنا، وخلقنا ليسعدنا، هذه حقيقة دقيقة جداً؛ أن الله  -عزَّ وجلَّ-  ما خلقنا إلا ليسعدنا، وما خلقنا إلا ليرحمنا، لذلك كان ربنا، الحمد لله رب العالمين، والربُّ يعني المربي، ملخص هذا الشرح أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، وهذا الكون يدل على كمال خلق الله -عزَّ وجلَّ-، ومن لوازم كمال خلق الله كمال تصرفه، ومن أبرز كمالات تصرفه أنه يرسل رسلاً، وينزل كتباً، لكن هؤلاء الرُّسل متفرقون على امتداد الزمان، فبين الرسول والرسول والنبي وَالنبي حقب من الزمان، بين رسولين فترة؛ أي انقطاع، لكن لنعرف ما حكم هذه الفترة؟

الميثاق الذي واثقنا الله به:


أيها الإخوة، الميثاق الذي واثقنا الله به هو ميثاق العقل، وميثاق الفطرة، وميثاق التشريع، فإذا لم يصل إلينا تشريع، ولم تبلغنا رسالة فنحن محاسبون على ميثاق العقل وميثاق الفطرة، فالعقل كافٍ كي نعرف الله به، والفطرة كافية كي نعرف خطأنا بها، فتعرف الله بالعقل، وتعرف خطأك بفطرتك، إذاً الميثاق ثلاثة بنود: أهل الفترة معفون من البند الثالث، لذلك أهل الفترة معفون من تفاصيل الشريعة، لكن لو أن إنساناً ولد في جزيرة ولم يتلقَ أية رسالة -كائنة من كانت- وكان جائعاً، وكانت أمه جائعة، فجاء بطعام فأكله وحده، ألا يشعر أنه مذنب بحق أمه؟! هناك ثوابت في الإنسان، أي إنسان في أي زمان ومكان، في أي قطر ومِصر، في أي حقبة، في أي نظام، في أي ثقافة، في أي بقعة، الإنسان له خصائص، وله فطرة، لذلك أيها الإخوة من أروع ما استخدم القرآن الكريم من مصطلحات مصطلح المعروف، ما هو المعروف؟ أي أشياء كثيرة تعرفها الفِطر السليمة بداهة، ما هو المنكر؟ أشياء قبيحة تنكرها الفِطر السليمة بداهة، اعتمد القضاء الغربي على هذه الحقيقة، فيأتي برجال متفرقين من الطريق يُسمون المحلفين، تعرض عليهم قضية بفطرتهم وبحسن إدراكهم يكتشفون الحكم الصحيح في هذه القضية، لذلك المعروف ما عرفته الفطر السليمة بداهة، والمنكر ما أنكرته الفطر السليمة بداهة، فالإنسان بفطرته يعرف أخطاءه، وبعقله يعرف ربه، فالميثاق الذي واثقنا الله به ميثاق الفطرة وميثاق العقل وميثاق المنهج.

مهمة الأنبياء والرسل والدعاة:


 المنهج قد يكون واضحاً جلياً في عصر، وقد تضعُف ملامحه في عصر آخر، فكلما ضعفت ملامح منهج الله -عزَّ وجلَّ- بعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة دينها، طبعاً الأنبياء ليسوا مكلفين برسالة، الرسل هم أنبياء معهم رسالة، معهم منهج، فهناك رسل، وهناك أولو العزم من الرسل، وهناك أنبياء، وهناك دعاة صادقون ينوبون عن الأنبياء في تبليغ الحق للناس، وشاءت حكمة الله أن يبعث على رأس كل مئة عام من -(من) لا تعني واحداً، تعني نوعاً، أي في كل بلد، في كل مصر، في كل مكان- هناك من يجدد المعاني الصحيحة لهذا الدين، هناك من يُرجع الدين إلى أصوله الصافية، هناك من يكشف النقاب عن حقيقة الدين، هناك من يزيح غبار التقليد عن جوهر الدين، فعلى رأس كل مئة عام يبعث الله من يجدد لهذه الأمة دينها: ﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا﴾ أي محمد -صلى الله عليه وسلم- ﴿ يُبَيِّنُ لَكُمْ﴾ ما اشتبه عليكم، وكما تعلمون قد يقع حادث في مكان ما، الأخبار تتناقله فيصل بعكس ما أراد المتكلم، أنا فوجئت أحياناً أن بعض رؤوس الديانات الوثنية هم في الحقيقة كانوا أنبياء ثم أُلِّهوا وعبدوا من دون الله، هناك أشخاص كثيرون في البلاد البعيدة شرقاً يُعبدون كآلهة، هم كانوا أنبياء ومعهم بعض الدلائل على نبوتهم، فحينما يطول الأمد على الرسالة تُشوه معالمها، والإسلام كأي دين سماوي نزل صافياً نقياً واضحاً كما قال عليه الصلاة والسلام: 

(( وعظَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ فقلنا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ فماذا تعهَدُ إلينا؟ فقال: تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ، وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ ))

[   أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد باختلاف يسير عن العرباض بن سارية   ]

ما الذي حصل؟ أُضيف على الدين ما ليس منه، وكأن نبعاً صافياً في أثناء مسيره كنهر جاءته روافد، بعد حين أصبحت المياه آسنة وسوداء، فنحن ينبغي أن نعود إلى الينابيع، أن نعود إلى الأصول. 

(( بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة  ]

ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ما المقصود بتجديد الدين؟


الآن نستمع كثيراً إلى كلمات كالتجديد في الإسلام، والتجديد أيها الإخوة له معنى دقيق جداً لا يجوز أن نحيد عنه قيد أنملة، معنى التجديد أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه فقط، ولا يحتمل التجديد في الإسلام شيئاً آخر، إنه منهج الله، إنه كلام الله، إنه شرح المعصوم، أية زيادة على الدين يعني اتهاماً له بالنقص، وأي حذف من الدين تعني اتهاماً له بالزيادة، الحذف يعني اتهام الدين بالزيادة، والإضافة يعني اتهام الدين بالنقصان. 

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلْأَزْلَٰمِ  ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ  ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ  ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا  فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)﴾

[ سورة المائدة ]

فالإتمام عددي والإكمال نوعي؛ أي أن عدد القضايا التي عالجها الدين تامة عدداً، وأن طريقة المعالجة التي عالجها الدين لهذه القضايا كاملة نوعاً، والتجديد يعني أن ننزع عن الدين كل ما علق به كل مما ليس منه، كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( أما بعدُ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وإنَّ أفضلَ الهديِ هديُ محمدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ أتتْكم الساعةُ بغتةً، بُعِثتُ أنا والساعةُ هكذا، صبحَتْكم الساعةُ ومستْكم، أنا أولى بكلِّ مؤمنٍ من نفسِه، من ترك مالًا فلأهلِه، ومن ترك دَيْنا أو ضَياعًا فإليَّ وعليَّ، وأنا وليُّ المؤمنين ))

[ أخرجه النسائي، وأحمد باختلاف يسير عن جابر بن عبد الله  ]

البدعة في الدين مرفوضة، لكن الابتداع في الدنيا محمود ومطلوب ومندوب، أن نطور سبل معيشتنا، أن نطور حياتنا، أن نهيئ لشبابنا مساكن، أن نحل مشكلاتنا، هذا كله مطلوب، لكن المسلمين -وللأسف الشديد- طوروا في دينهم وقلدوا في دنياهم، والأولى أن يطوروا في دنياهم وأن يقلدوا في دينهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يجري على لسانه في القرآن الكريم:

﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)﴾

[ سورة الأحقاف ]

سيدنا الصديق قال: إنما أنا مُتبع، فالإتباع من صفات المؤمن الصادق؛ لأنه يتبع منهج الله -عزَّ وجلَّ-، منهج الحكيم العليم؟

ضرورة اتباع المنهج الذي أمرنا الله به:


 ﴿يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍۢ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٍۢ وَلَا نَذِيرٍ﴾ الإنسان حينما كُلّف حمل الأمانة كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾

[ سورة الأحزاب  ]  

الإنسان حينما قَبِل حمل الأمانة أعطاه الله مقومات هذه الأمانة، أعطاه كوناً ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، أعطاه عقلاً مبادئه متوافقة مع مبادئ الكون، أعطاه فطرة تدله على خطئه، أعطاه شهوة كقوة دافعة إلى الله -عزَّ وجلَّ-، أعطاه اختياراً ليثمّن عمله، ثم أعطاه منهجاً، وكأن المنهج يعني مرجعية ليس غير، الإنسان إذا أعرض عن التفكُّر في خلق السماوات والأرض، فالمنهج يشير إلى آيات الله الدالة على عظمته، إذا طغى العقل وبغى فالمنهج يضع العقل عند حدوده المشروعة، الفطرة إذا طُمست المنهج يصحح لها انطماسها، الشهوة إذا جمحت، الشرع مرجع، مرجع للكون وللعقل وللفطرة وللشهوة وللاختيار، فلذلك لئلا يقول الناس يوم القيامة: يا رب أعطيتنا كوناً ولكن ما فكرنا به، أعطيتنا فطرة ولكنها انطمست يا رب، أعطيتنا عقلاً ولكنه جمح بنا، أعطيتنا اختياراً ولكننا أسأنا استخدامه، أعطيتنا شهوة ولكنها طغت وبغت، لولا أنك أرسلت إلينا رسولاً، فجاء الرسول ليقطع حجة البشر، لذلك: 

﴿ وَلَوْلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌۢ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة القصص ]

﴿ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَٰهُم بِعَذَابٍۢ مِّن قَبْلِهِۦ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ (134)﴾

[ سورة طه  ]

﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍۢ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٍۢ وَلَا نَذِيرٍ﴾ النبي والرسول معه منهج، معه تعليمات الصانع، فالذي يطبق هذا المنهج يلقى نتائجه في الدنيا قبل الآخرة فكأنه بشير، والذي يخالف هذا المنهج يُعاقب في الدنيا قبل الآخرة فكأنه نذير، فمن صفات النبي الكريم أنه بشير لمن أطاعه، ونذير لمن عصاه، نقول للمريض: هذا الدواء مفيد فإن استعملته شُفيت من مرضك فنحن نبشّرك بالصحة، وإن أبيت إلا أن تتابع خطأك فنحن ننذرك بمضاعفات لهذا المرض قد تحتاج معها إلى عمل جراحي، فنحن بهذا ننذره.
﴿أَن تَقُولُواْ﴾ أي لئلا تقولوا: ﴿مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٍۢ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ لتقوم الحجة على الخلق، ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾ الله -عزَّ وجلَّ- فضلاً على أنه خلق الكون فقد نوّره بالعلم. 

﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَا ۜ (1)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿  ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍۢ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍۢ مُّبَٰرَكَةٍۢ زَيْتُونَةٍۢ لَّا شَرْقِيَّةٍۢ وَلَا غَرْبِيَّةٍۢ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍۢ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَٰلَ لِلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ (35)﴾

[ سورة النور  ]

فقط للتقريب؛ تُشقّ الطرقات، وبعد أن تشق الطرقات توضع الإشارات: منحدر خطر، تقاطع خطر، منزلق، منعطف، طريق صاعدة، هذه كلها إشارات تحذيرية تكون قبل أماكن الخطر، فكما أن الإنسان الحكيم يصنع شيئاً ويقدم له تعليمات، والآن في أكثر الآلات يأتي الجهاز معه تعليمات التشغيل والصيانة، معه تحذيرات، والتحذير دليل الحكمة والرحمة. 

تذكير بني اسرائيل بنعم الله تعالى عليهم: 


 ثم يقول الله -عزَّ وجلَّ-:

﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ (20)﴾

[ سورة المائدة ]

(إذْ) -أيها الإخوة- بمعنى حين؛ أي اذكر يا محمد حين قال موسى لقومه: ﴿يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ، واذكروا يا أتباع محمد حين قال موسى لقومه: ﴿يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ، واذكروا يا قُراء القرآن الكريم حين قال موسى لقومه: ﴿يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ ، ولكن متى يُقال لإنسان: اذكر أنك ابن فلان؟ حينما يأتي بعمل منكر، حينما نقول لطالب: اذكر أنك ابن فلان؛ أي أن عملك الآن سيئ، لا يليق بك أن تفعل هذا العمل وقد نُسبت إلى هذا الأب الكريم، لذلك الله -عزَّ وجلَّ-  يشير في هذه الآية إلى أن بني إسرائيل وقفوا موقفاً لا يليق بهم من أنبيائهم، فسيدنا موسى يقول: ﴿يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ النعمة -أيها الإخوة- لعلها اسم جنسٍ؛ أي اذكروا كل نِعَم الله مطلقة، نعمة الإيجاد، نعمة الإمداد، نعمة الهدى والرشاد، نعمة السمع والبصر، نعمة النطق، نعمة الكلام، نعمة هذه الأجهزة التي تعمل بانتظام، نعمة الزوجة، نعمة الولد، نعمة الأمن، نعمة المال، هذه كلها نِعَم لا تُعد ولا تُحصى، وأما كلمة (نعمة) بمعنى اسم جنس هذا يؤيده قول الله -عزَّ وجلَّ- :

﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)﴾

[ سورة النحل ]

أي وإن تعدوا نعم الله لا تحصوها، أو المعنى الآخر أن النعمة الواحدة لو أمضيت كل حياتك في تعداد بركاتها ما انتهيت إلى نتيجة، ﴿ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ﴾
 أولاً: ﴿إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنۢبِيَآءَ﴾ الأنبياء جاؤوكم يتبع بعضهم بعضاً، وهذا دليل رحمة الله بكم، كما لو عندك مريض وهو غال عليك، فتأتيه بالطبيب، التحسن طفيف، تأتيه بطبيب آخر، صار هناك نكسة تأتيه بطبيب ثالث، أن يأتي الأطباء تباعاً إلى مريض هذا دليل العناية الفائقة لولي هذا المريض، فكأن الله -عزَّ وجلَّ-  أراد أن يذكر هؤلاء بنعمة الله عليهم إذ جعل فيهم الأنبياء، والأنبياء دليل الحرص الإلهي والرحمة الإلهية: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ لماذا تعارضونني؟ لماذا لا تستجيبوا لي؟ هذه آيات بينات، بعصاه ضرب البحر فأصبح طريقاً عظيماً، نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، معجزات جاء بها ليؤكد لهم أنه هو رسول الله، من يستطيع من بني البشر أن يجعل البحر طريقاً يبساً؟ كيف أن سيدنا موسى -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- كان مع قلة من بني إسرائيل؟

﴿ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ (55)﴾

[ سورة الشعراء ]

اتّبعهم فرعون، وصلوا إلى البحر، اليقين بالهلاك بالمئة مئة.

﴿ فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ (62)﴾

[  سورة الشعراء ]

الأمل بالعقل والواقع معدوم، فرعون بجبروته وطغيانه، وحقده، ورجاله، وأسلحته وراء شرذمة من المؤمنين فيهم سيدنا موسى، فقال موسى: " كلا " ، ردعهم عن أن يقولوا: إنا لمدركون، فماذا فعل هذا النبي الكريم؟ ضرب البحر بعصاه فإذا كل طريق كالطود العظيم، هذه شهادة الله له أنه رسول، نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فهذه من نعم الله الكبرى ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا﴾ ، هناك مالك، وهناك ملك، قال بعض علماء اللغة: أنا أملك بيتي فأنا مالك، أملك مركبتي فأنا مالك، ولكن الذي يملك من يملك هو المَلِك، الذي يملك يسمى مالك، أما الملك فيملك من يملك؛ لذلك الله -عزَّ وجلَّ- جعل في بني إسرائيل الملوك أيضاً، جعلهم مالكين، وجعل فيهم الملوك، في قصة سيدنا يوسف: 

﴿ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦٓ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾

[ سورة يوسف ]

طبعاً في مصر كان هناك فراعنة، ولكن في حقبة معينة كان فيها ملوك، ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ﴾ الميزة -كما قالوا- لا تقتضي الأفضلية، ﴿وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ ٱلْعَٰلَمِينَ﴾ هذه ميزة لهم، ولكن هذه الميزة لا تقتضي أنهم مفضّلون عند الله -عزَّ وجلَّ- ، أنت أحياناً تشدد العناية بجهة حرصاً عليها، فإن لم تستجب ليس لها فضل على غيرها، أخذت ميزة ولم تكن مفضلة على غيرها.

علة وجود الإنسان على الأرض عبادة الله -عزَّ وجلَّ-:


﴿ يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُواْ ٱلْأَرْضَ ٱلْمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِى كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ (21)﴾

[ سورة المائدة  ]

الأرض المقدسة المطهرة، والأرض تطهر بطاعة الله وتنجس بمعصية الله، بل الله -عزَّ وجلَّ-  يقول: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦٓ إِن شَآءَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)﴾

[ سورة التوبة ]

لم يقل: نجسون؛ لأن النجس يُطهر، لكنهم عين النجاسة، أينما حلوا أساؤوا، وفتنوا، ونشروا الفتن، ونشروا المعاصي والآثام، فالأرض المقدسة هي الأرض التي يُعبد الله فيها، والمؤمن حقيقته أنه ينبغي أن يعيش في أرض يعبد الله فيها؛ لأن علة وجوده عبادة الله -عزَّ وجلَّ-، وأي مكان حال بينك وبين عبادته ينبغي أن تغادره. 

﴿  إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ قَالُوٓاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا ۚ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا (97)﴾

[ سورة النساء ]

لأن علة وجودك أن تعبد الله فأي مكان حال بينك وبين عبادة الله ينبغي أن تغادره، أحدهم ذهب إلى بلد ليأخذ دكتوراة، جلس مع أصدقاء في غرفة صرفوه عن الدراسة، لما صرفوه عن الدراسة صرفوه عن هدفه الأساسي في هذا البلد، ينبغي أن يغادرهم إلى مكان آخر، أما إذا بقي معهم يرجع خائباً خاسراً، فأي مكان حال بينك وبين أن تعبد الله ينبغي أن تغادره، كنت في مؤتمر وألقى بعض العلماء كلمة في هذا المؤتمر بيَّن أنه إن لم تضمن أن يكون ابن ابْن ابنك مسلماً في بلد ما ينبغي أن تغادره، ذكرت هذا في كلمة في عقد قران، وكان حضور هذا العقد أكثرهم من الجالية الإسلامية في بلد بعيد، فتقدم مني واحد ورأيت دمعة تسيل على خده، قال: ابن ابْن ابني، ابني ليس مسلماً، لأنني هناك ابني ليس مسلماً.

الحكمة من كثرة قصص بني إسرائيل في القرآن الكريم:


أيها الإخوة الكرام؛ أكرر وأعيد أن قصص بني إسرائيل في القرآن كثيرة، وأن الحديث عن أهل الكتاب كثير، والحكمة من ذلك أنهم أهل كتاب، وأن كل منزلقاتهم، وكل انحرافاتهم، وكل أمراضهم، نحن كوننا مسلمين معرّضون لها، وقد قيل عن هذا الأسلوب: إنه أسلوب بليغ "إياكِ أعني، واسمعي يا جارة"، وحينما قال عليه الصلاة والسلام: 

(( أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. ))

[ صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين  ]

وفي مجتمعات المسلمين المتخلفة إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، من أسباب هلاك بني إسرائيل أنهم كانوا: 

﴿ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍۢ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)﴾

[ سورة المائدة ]

وقد تجد في أوساط إسلامية كثيرة أن المنكر لا يُنكر إطلاقاً،يُرَحب به تحت اسم مجاملات، ولباقة اجتماعية، وذكاء اجتماعي، ومرونة، وفهم عميق للدين، فالمنكر لا يُنكر، فلذلك أكثر أمراض بني إسرائيل أو أكثر أمراض أهل الكتاب أصبحنا مبتلين بها، فلذلك الحديث عن هؤلاء هو حديث عن أنفسنا، عن أخطاء، وعن منزلقات، وعن ترهات سلكها أهل الكتاب، ونحن معرضون لمثلها، حينما احتال بنو إسرائيل على ربهم في قضية صيد السمك، فحينما حُرِّم عليهم الصيد يوم السبت، كانوا يبنون الترع والبحيرات لتأتي الأسماك يوم السبت شرّعاً، ثم تغلق أبواب هذه البحيرات ويصطاد السمك يوم الأحد، فهذه كلها حيل، وما أكثر الحيل التي يتبعها المسلمون اليوم للتملص من أحكام دينهم، فلو ذهبت توازن بينما يفعله أهل الكتاب وبين ما يجري بين المسلمين ستجد شبهاً عجيباً.

﴿ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَٰرَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ (111)﴾

[ سورة البقرة ]

والمسلمون اليوم يتوهمون أنهم وحدهم يدخلون الجنة، وهذا خطأ كبير.

﴿ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)﴾

[ سورة البقرة ]

هذا الذي يدخل الجنة، أيضاً زعم اليهود أنهم إذا دخلوا إلى النار لن يلبثوا فيها إلا أياماً معدودات ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ﴾ ، والمسلمون اليوم يزعمون أنهم أمة محمد، أمة الشفاعة، فشفاعتي بفهم ساذج لأهل الكبائر من أمتي، تطابق عجيب بين ما اعتقده وما فعله أهل الكتاب، وبين ما نعتقده اليوم ونفعله نحن، لذلك الحديث عن أهل الكتاب في القرآن الكريم هو توجيه لطيف غير مباشر للمسلمين، وفي درس قادم -إن شاء الله- نتابع هذه الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور