وضع داكن
26-12-2024
Logo
الدرس : 14 - سورة المائدة - تفسير الآية 18 أمراض بني إسرائيل وقع فيها المسلمون اليوم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين. 
اللّهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

السبب في الإكثار من الحديث عن بني إسرائيل في القرآن الكريم:


أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع عشر من دروس سورة المائدة، ومع الآية الثامنة عشرة وهي قوله تعالى: 

﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ(18)﴾

[ سورة المائدة ]

أيها الإخوة؛ قد يسأل سائل: لماذا يُكثر الله -جلَّ جلاله- من الحديث عن بني إسرائيل في القرآن الكريم؟ والجواب واضح جداً؛ لأنهم أهل كتاب، ونحن أهل كتاب، نحن أهل القرآن، وأمراض أهل الكتاب مُعَرَّضُون لها نحن تماماً.

الأمراض التي وقعت بها بنو إسرائيل وقابلية انتقالها لنا:


وحينما يحدّثنا ربنا عن أمراض أهل الكتاب من قبل فهذا أسلوب تربوي رائع اسمه (التوجيه غير المباشر)، فالأمراض التي وقعت بها بنو إسرائيل المؤسف أننا وقعنا فيها، مثلاً: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ونحن نجامل، ولا نأمر بالمعروف، ولا ننهى عن المنكر، وفي اللحظة التي نكفُّ فيها عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقدنا خيريتنا لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: 

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ (110)﴾

[ سورة آل عمران ]

علة هذه الخيرية ﴿تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ ، فإذا فُقدت علة خيريتنا فقدنا خيريتنا وأصبحنا أمة من الأمم ليس لنا عند الله شيء، إذاً هذا مرض من أمراض بني إسرائيل؛ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، نحن فعلنا مثلهم، ونعيش نحن في هذا العصر شيئاً من هذه المصيبة، أن المعروف أصبح منكراً، وأن المنكر أصبح معروفاً، إذاً هذا مرض انتقل إلينا، فالحديث عن أمراض أهل الكتاب يعنينا بكل ما فيه، مرض آخر؛ يقول عليه الصلاة والسلام: 

(( أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. ))

[ صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين    ]

هذا يُعبر عنه اليوم بازدواج المعايير وازدواج المكاييل، فالحد لا يطبق على كل الناس، يطبق على بعضهم، وهذا من أسباب هلاك الأمم، ومن أسباب هلاك الأمم:

﴿ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍۢ مُّعَطَّلَةٍۢ وَقَصْرٍۢ مَّشِيدٍ (45)﴾

[ سورة الحج  ]

أي المرافق الأساسية معطلة، وأهل الغنى يتمتعون بحياة تفوق حد الخيال، بيوت فخمة جداً، إنفاق بغير حساب، والمرفق الأساسي للناس وهو البئر معطل ﴿وَبِئْرٍۢ مُّعَطَّلَةٍۢ وَقَصْرٍۢ مَّشِيدٍ﴾ ، هذا مرض آخر من أمراض الأمم السابقة التي استحقوا عليها الهلاك موجود عندنا؛ أي مليون لا يملكون واحداً وواحد يملك مليوناً، هذا المال ليس وفق تصميم الله -عزَّ وجلَّ-، حينما خلق الله المال خلقه ليكون متداولاً بين كل الناس، فإذا تجمع في أيدٍ قليلة وحُرِمَت منه الكثرة الكثيرة استحق هذا المجتمع الهلاك؛ لأنه مجتمع لا يرحم، القوي هو الغني فقط، والقوي لا يرحم، والغني لا يرحم.
أمراض كثيرة ألمَّت ببني إسرائيل، ونحن مرشحون أن نُصاب بها؛ لذلك هذا مرض من هذه الأمراض ادعاء أننا أمة محمد، ادعاء أننا أمة القرآن الكريم، يا أمة القرآن لسنا مُطبقين شيئاً منها، ادعاء أننا أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، نحن أمة مُختارة... تحدَّثْ ما شئت، الله -عزَّ وجلَّ- لم يقبل منا ذلك بدليل أنه يُعذبنا في شتى بقاع الأرض؛ هذه آية، إخوتنا والله الذي لا إله إلا هو أكاد لا أجد آية متعلقة بأهل الكتاب تنطبق على المسلمين كهذه الآية، ادعاء: 

وكلٌّ يدعي وصلاً بليلى       وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا

كل فئة تدّعي أن الله لها وحدها، وأن الجنة لها وحدها؛ كل فئة، كل فقاعة من فقاعات العالم الإسلامي تدّعي أن الله لها وأنها الفرقة الناجية، وأنها وحدها على حق وما سواها على الباطل وإلى النار، هل بعد هذا التمزق من تمزق؟! هل بعد هذه الشرذمة من شرذمة؟! أمراض أهل الكتاب وقعنا فيها ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُ﴾ هذا ادعاء: ﴿وَأَحِبَّٰٓؤُهُ﴾ ، لو أن الله -جلَّ جلاله- قبل دعواهم لما عذبهم: ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ هذا الدليل أنه ما قَبِل هذه الدعوة بل ردها، والدليل الموقف العملي، أي إذا كنت تدعي أن لك علاقةً بفلان حميمة، وأن إشارتك إليه أمر، وأنك إذا دخلت عليه قامت الدنيا ولم تقعد ترحيباً بك، فذهبت مع صديقك إلى مكتبه، ولم يقل لك: اجلس، ولم يلتفت إليك، ولم ينادك باسمك، "من أنت؟ ماذا تريد؟" كل الذي قاله من علاقة متينة، وعلاقة وشيجة مع هذا الإنسان باطلة، بدليل أن فعل هذا الإنسان لا ينطبق على دعوى الأول؛ دعوى باطلة، وأسوق لكم قصةً أيها الإخوة؛ في الحقيقة قصة ذات تعبير كبير، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وكلامه حق.

﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ (4)﴾

[ سورة النجم ]

كان إذا دخل عليه سعد بن أبي وقاص يقول: 

(( هذا خالي فليُرِني امرُؤٌ خالَه ))

[  أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله  ]

مداعباً له، والعظماء إذا داعبوا إنساناً فلمقامه الكبير (هذا خالي فليُرِني امرُؤٌ خالَه) لم يَرِد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فدَّى صحابياً بأمه وأبيه إلا سعداً، قال له: 

(( ما سمعتُ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم يفدي أحدًا بأبويْهِ إلاَّ لسعدٍ فإني سمعتُهُ يقولُ يومَ أحدٍ: ارمِ سعدُ فداكَ أبي وأمّي ))

[ متفق عليه عن علي بن أبي طالب ]

ومع كل ذلك قال له عُمر بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى، قال: "يا سعد لا يَغُرَّنك أنه قد قيل: خال رسول الله" ، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، هذه حقيقة أيها الإخوة تحل مليون مشكلة:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات ]

 وقال الله عن عم النبي:

﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍۢ وَتَبَّ (1) مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2)﴾

[ سورة المسد ]

أين النسب؟ عم النبي ﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍۢ وَتَبَّ﴾، هذا هو الدين، الناس سواسية كأسنان المشط، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ﴾ .

القيم المعتمدة في القرآن الكريم:


 يجب أن تنطلق من أن أي إنسان خلقه الله -عزَّ وجلَّ- له عند الله مكانة لا تقل عن مكانتك، وإذا تمايز العباد فبعلمهم وباستقامتهم، العباد يتمايزون باستقامتهم وبإيمانهم؛ لأن قيمة الإيمان والعلم مُعتمَدة في القرآن الكريم، ولأن قيمة العمل مُعتمَدة في القرآن الكريم، أما قيم لا تُعد ولا تُحصى معتمَدة عند أهل الأرض لا قيمة لها عند الله، يقول لك: أنا أبيض، خير إن شاء الله، فلان ملون، قد يكون قلامة ظفر الملون تعدل عند الله مليون أبيض، هذه قيمة جاهلية تحت أقدامنا، كان أصحاب النبي إذا ذكروا سيدنا الصديق قالوا: "هو سيدُنا وأعتق سيدَنا" ؛ أي بلالاً، فقيمة اللون تحت أقدامنا، قيمة المال؛ الله -عزَّ وجلَّ- أعطى المال لمن لا يحب، أعطاه لقارون، وكان عليه الصلاة والسلام فقيراً، فبالمئة فقير قد ينجو ثمانون، لكن بالمئة غني قد لا ينجو عشرة، فالضعف المادي وضعف القوة أقرب إلى العبودية من قوة المال وقوة السلطة، فلذلك الله أعطى المال لمن لا يحب، وأعطى القوة لمن لا يحب، هل يحب فرعوناً؟ لا، جعله ملك مصر، ليس معنى هذا أن كل ملك كفرعون! لا، سيدنا سليمان آتاه الله المُلك، قيمة حيادية لا تقدم ولا تؤخر ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ﴾ ، أما هؤلاء الذين يحبهم الله -عزَّ وجلَّ- ماذا أعطاهم؟ 

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

إذاً أيها الإخوة مقاييس الأرض المال، أندمُ الناس غنيٌّ دخل ورَثَتُه بماله الجنة، ودخل هو بماله النار، دخل ورَثَتُه بماله الجنة، لأن ورَثَتَه ورثوا مالاً حلالاً، أنفقوه في طاعة الله فدخلوا به الجنة، أما هو فكسب مالاً حراماً فدخل به النار، لذلك ما من ميت إلا وروح الميت ترفرف فوق النعش، تقول: يا أهلي يا ولدي لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحرُم، فأنفقته في حِلِّه وفي غير حِلِّه، فالهناء لكم والتَبِعَة علي، قيمة المال لا قيمة لها:

(( رُبَّ أشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ لو أقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ ))

[ صحيح مسلم عن أبي هريرة  ]

الإنسان الذي في الدرجة الدنيا اجتماعياً قد لا يُستقبل، قل له: ليس هنا، قد لا يستقبل، (مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ لو أقْسَمَ علَى اللهِ لأَبَرَّهُ) ، لذلك قال تعالى: 

﴿  إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3)﴾

[ سورة الواقعة ]

قد تجد المسكين والفقير يوم القيامة في أعلى مقام، وقد تجد الغني المُترف يوم القيامة في أدنى مقام، إذاً حينما نعتمد قيماً أرضية لا نفلح، قيم أهل الأرض المال، ومع المال القوة، ومع القوة الوسامة، ومع الوسامة الذكاء، ومع الذكاء الحسب والنسب، هذه قيم أهل الأرض لم تُعتمد في القرآن الكريم إطلاقاً، إنما الذي اعتُمد قيمة العلم. 

﴿ أَمَّنْ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيْلِ سَاجِدًا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ ٱلْءَاخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِۦ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ (9)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾

[ سورة المجادلة ]

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

والقيمة القرآنية المعتمدة قيمة العمل. 

﴿  وَلِكُلٍّۢ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ ۚ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

[ سورة فاطر ]

قيمة العلم والعمل، فلذلك حينما نعتمد قيم أهل الدنيا لا نفلح، أما إذا اعتمدنا قيم القرآن الكريم نفلح، قال -عليه الصلاة والسلام-: 

(( اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة ))

[  رواه البخاري عن أنس بن مالك ]

نظام الإسلام عجيب جداً، جيش من كبار الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، قائد الجيش شاب في السابعة عشرة من عمره؛ أسامة بن زيد، يركب أسامة الناقة، ويمشي أبو بكر خليفة المسلمين -هو أديب جداً-، قال: والله يا خليفة رسول الله لتركبَنْ أو لأنزلَنْ، قال: والله لا نزلتَ ولا ركبتُ، وما عليَّ أن تغبرَّ قدمي ساعة في سبيل الله، عينه قائداً للجيش، الآن اضطر أبو بكر -رضي الله عنه- أن يبقي عمر، هذا عمر جندي تحت إمرة أسامة، إذاً لا بدّ لخليفة المسلمين من أن يستأذن أسامة في عمر، فقال له: أتأذن لي بعمر يا أسامة؛ هذا هو الإسلام، نظام ما بعده نظام.
هذه الأمة التي هي الآن تعشش فيها الفوضى، أنا أقول: لعلهم فحصوا دم العربي فوجدوا فيه كرية حمراء وكرية بيضاء وكرية فوضى، لكن أجدادنا -السلف الصالح- كانوا على مستوى من النظام يفوق حد الخيال، ما فتحوا الأرض بالفوضى، الآن لو ذهبت إلى الحج أو إلى العمرة أنت مع من؟ مع إنسان سيؤدي أعلى فريضة في الإسلام، يركبون في طائرة، والطائرة لا يمكن أن تقلع من دون واحد من هؤلاء، وهذا الواحد له محل مرقم، لا يمكن أن يجلس بمحل آخر، انظر إليهم على سُلَّم الطائرة كيف يتزاحمون، أين عقلهم؟ لا يمكن أن تقلع الطائرة من دون واحد من هؤلاء، ولا يمكن أن تجلس في مكان غير مكانك، ومع ذلك ترى التدافع والشد، عجيب الأمر! أين العقل؟ فنحن أمة النظام، نحن أمة الحضارة، ولكن الذي يؤسَف له أن واقعنا ليس في مستوى ماضينا.

قيمتا العلم والعمل سبب للارتقاء إلى الله:


إذاً حينما نعتمد قيمة العلم والعمل نرتقي إلى الله، أما إذا اعتمدنا قيماً أخرى كقيمة القوة والمال لا نرتقي إلى الله، والله يوجد أمراض في العالم الإسلامي شهد الله كأنها أمراض وبيلة، أمراض عضالة؛ الرغبة بالكسل، استلقاء، تأمل، متابعة أخبار، تقييم الناس، لا يقدم شيئاً، بالمناسبة أنا من عادتي أنني- وهذا حال أي مؤمن، وأرجو أن أكون كذلك- أُعَظِّم النبي إلى درجة غير معقولة لأنه سيد الخلق وحبيب الحق، ولأنه لا يخطئ معصوم، وإنني أحتقر واحداً لا يخطئ، من هو الذي لا يخطئ ويُحتقر؟ هو الذي لا يعمل، لم يعمل شيئاً حتى لا يغلط، لا يعمل إذاً لا يُخطئ، هذا أحتقره، أما أي إنسان قدم شيئاً، ويوجد مع الشيء خطأ، فالخطأ يُغفَر ونُكْبر هذا الشيء، فمن لا يعمل لا يخطئ، فأنا أتمنى أن نعود إلى سيرة أصحاب النبي -عليهم رضوان الله-، ونَعود إلى سيرة النبي   -صلى الله عليه وسلم- كيف عامل أصحابه؟ وكيف أحبه أصحابه؟ وكيف كانوا رهبانُا في الليل فرساناً في النهار؟ وكيف أعطوا كل شيء؟ وكيف ضحوا بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس؟

وجوب تطابق الدعوى مع السلوك:


أيها الإخوة: هذه آية متعلقة بأهل الكتاب، ولكنها -والله الذي لا إله إلا هو- تنطبق علينا أشد الانطباق ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُ﴾ هذه دعوى، ولك أن تقول ما شئت، الآن قل: أنا أعظم مؤمن بالأرض، كلام فارغ، كلام تلقيه على عواهنه، الآن قل: معي مليار دولار، خيرٌ إن شاء الله، مضطر لرغيف خبز، الذي يملك ملياراً لا يطلب نقوداً من أجل رغيف خبز، فدائماً السلوك لا يؤكد الدعوى، الدعوة عريضة جداً، أمَّا السلوك ضعيف جداً، فلذلك ربنا -عزَّ وجلَّ- متكفل بأن يضع الإنسان في حجمه الصحيح، كيف؟ بعمل، يضع الإنسان في ظرف وهذا الظرف دقيق جداً، تُمتحن دعواه، فإما أن يصمد وأن يأتي عمله موافقاً لدعواه، وإما أن يسقط فيكون الله قد امتحنه، ويكون قد فرزه، لذلك الآية الكريمة: 

﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾

[ سورة العنكبوت ]

القضية سهلة، تقول: أنا معي دكتوراه، من أين أخذت هذه الشهادة؟ بمعلوماته ولغته هذا لا يؤكد ذلك، والله مرة -قصة طريفة جرت معي- دعيت إلى عزاء، يوجد إنسان في هذا العزاء توهمته أحد علماء الحديث في هذه البلدة، ظننته كذلك لأن له شكلاً يشبه ذاك مئة في المئة، ألقى كلمة، صدقوا أنه رفع المفعول به، فحينما رفع المفعول به أيقنت مئة بالمئة أنه ليس هذا العالم، من كلمة، من ضمة، لأن ذاك العالم مستحيل على سليقته وعلى علمه أن يرفع المفعول به، فلما رفع المفعول به أيقنت أنه ليس هذا الذي توهمته، من كلمة واحدة، أنت تكلم ما شئت، ادّعِ أنك مؤمن كبير، لكنّ تصرفاً واحداً يسقطك: 

﴿ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَٰذِبِينَ (3)﴾

[ سورة العنكبوت ]

الله -عزَّ وجلَّ- ابتلاءاته عجيبة، كل إنسان يضعه في ظرف يُكشف على حقيقته، إنسان يقول لأمه ليل نهار: يا أمي حينما أتزوج سأكون أنا وزوجتي في خدمتك، قال هذا الكلام ثلاثين عاماً ثم تزوج، الله -عزَّ وجلَّ- يخلق ظرفاً فينشأ شجار بين أمه وزوجته، فيأتي ويسمع من زوجته فقط، ويغضب ويتوعد، وينظر إلى أمه نظرة قاسية، ويقول: كل البلاء منكِ، إذاً كل كلامه السابق تحت قدمك، كلام بكلام، أنا أرى الأخ الذي يحلق يستخدم المقص، يمكن عشرين قصة في الهواء، وواحدة على الشعر، وهذا كلام أهل الناس كلام بكلام، أنا مؤمن، وأنا كذا...، تأتي عند التطبيق العملي بعيداً عن هذا الذي قاله بُعد الأرض عن السماء، لذلك كلما رأيت من سقوط الناس، ومن تقصير الناس، ومن أن البنية التحتية لا ترضي الله -عزَّ وجلَّ- تعلم لماذا تخلى الله عنا؟ والله الذي لا إله إلا هو، وإن شاء الله لا أحنث بهذا القسم أنه لو وجد في العالم الإسلامي اثنا عشر ألف مؤمن كما يريد الله -عزَّ وجلَّ- لن يُهزموا في الأرض، ليقل لي أحدكم: من أين جئت بهذا الكلام؟ أقول: جئته من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-:

(( خَيْرُ الصَّحابَةِ أرْبَعَةٌ وخَيْرُ السَّرَايا أرْبَعُمِائَةٍ وخَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلاَفٍ ولا يُغْلَبُ اثْنا عشرَ ألْفًا من قِلَّةٍ ))

[ أخرجه أبو داود، والترمذي، وأحمد عن عبد الله بن عباس   ]

مليار ومئتا مليون غثاء كغثاء السيل، واحد كألف من الصحابة، وألف كأُف من الناس في آخر الزمان، مرة ذهبت إلى العمرة أكرمني الله بها، لكني اخترت طريقاً قديماً؛ الذي يمر على موقعة بدر، والله وقفت ساعة وتأثرت تأثراً شديداً، وجدت الناس يجلسون، يمدون ليجلسوا، يأكلون أطيب الطعام، يركبون أفخر المركبات، فقلت كلمة: والله هذا الطقم الذي أمامي غير الطقم الذي عاش مع النبي، أين الثرى من الثريا؟! 

﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا ۖ سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًۢا(29)﴾

[ سورة الفتح ]

والله بعضنا يقسو على بعض، الآن أنت أمام القوي كالهر، أما أمام أخيك المؤمن تريد أن تذبحه من الوريد إلى الوريد، جرب أن يكون لك علاقة مع إنسان مسلم لا يرحمك أبداً، أما أمام القوي فيخضع، ما صفة المؤمنين؟ ﴿أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍۢ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ  ﴾

[ سورة المائدة ]

الآن بالعكس، أمام الكافر كالهر، أما أمام مؤمن يقوى ويزبد ويرعد ويربي، أيها الإخوة ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُ﴾ أكبر دليل على أن الله لم يقبل دعواهم أنه يعذبهم ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ ، وها نحن نعاني ما نعاني من كل لون، من كل ألوان المصائب، الدليل أن الله لم يقبل دعوانا أننا أمة محمد، أمة خاتم الأنبياء، يا أمة القرآن أنا أقول لكم كلمة مؤلمة حقيقةً، وأنا أعتمد الحقيقة المرة لأنني أعتقد أنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح: في حرب العراق هل هناك مسجد في العالم الإسلامي لم يقنُت في الصلوات؟ ويدعو على أعداء الله ليدمرهم، وأن يجعل بأسهم بينهم، وأن يزلزل الأرض تحت أقدامهم، لم يكن كذلك لأن النصر له شروط لم تكن متوافرة عندنا، فالكلام لا يقدم ولا يؤخر، كطالب ما درس أبداً ودخل إلى الامتحان: يا رب ليس لي غيرك، يا رب أنت الموفق، يا رب ألهمني الصواب، ما قرأ ولا كلمة، هذا كلام بكلام، لم تأخذ بالأسباب، الإيمان أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، إن لم تأخذ بالأسباب لا تطمع، لكن الله رحيم لم يطالبنا أن نأخذ بالأسباب المكافِئة للطرف الآخر، بل بالأسباب المتاحة، فقال: 

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

[ سورة الأنفال ]

والله مرةً أيها الإخوة- أنا أتكلم من ألم- كنت في إحدى الحجات، أقمت خمسة عشر يوماً زيادة عن الوقت المطلوب وأردت أن أُقَبل الحجر الأسود مرةً في حياتي، فذهبت إلى الحرم المكي في يوم قائظ و الحرارة 56، قبيل العصر وهذا أفضل وقت لقلة الزحام، وجدت خمسين شخصاً لا غير، ولو اصطفوا في نسق لقبّلوا جميعاً الحجر الأسود، رأيت زحاماً وتدافعاً، رأيت شدّاً حتى إن امرأةً خرجت من دون حجاب من بين الرجال، قلت: هؤلاء يخيفون العالم؟! خمسون إنساناً لا يستطيع أحد أن يقف في نسق، هؤلاء يخيفون العالم؟! الأمر مؤلم جداً أيها الإخوة، أنا لا أتكلم عن الناحية السوداء في حياتنا، لكن هذه الناحية السوداء موجودة، وهي سبب تخلي الله عنا، لايوجد نظام، والله أيها الإخوة لما عدنا من الحج تأخرنا أكثر من خمس ساعات، أو سبع ساعات في الطائرة.
﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ أنتم الآن مادمتم لم تستقيموا على أمر الله ﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ ، أحياناً الإنسان يكون رقماً فقط، ليس له قيمة إطلاقاً، رقم لا شأن لك عند الله، ما قدمت شيئاً حتى ترتقي إلى الله ﴿بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ 
مرة كنت في الخليج قبيل العدوان، وكان هناك دعوة إلى مقاطعة البضائع الأجنبية والدول المساندة إلى اليهود، والله إنسان قال لي: أَمِّن لي البديل قبل أن تطالبني أن أقاطع البضائع الأجنبية، قلت له: مثل ماذا؟ قال: البيبسي، ليس مستعداً أن يتخلى عن البيبسي من أجل قضية أمته، ولما حصل اختيار إحدى المغنيتين كم اتصالًا صدر من العالم الإسلامي؟ تسعة وسبعون مليون اتصال، لأن هذه قضية مصيرية، هذه قضية أمة، أي المغنيتين سوف تفوز؛ هذه أمة الإسلام أمة الغناء والطرب، أليس كذلك؟! ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾ مع هذا الكم الهائل، مع هذه الأمم المعذبة، وأنا أقول: هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، والله المسلم ما له قيمة بقرش، أما إذا وقعت طائرة وفيها ركاب من الطرف الآخر دية كل راكب خمسمئة مليون، عشرة ملايين دولار سوف ندفعها مرغمين، مئتين وسبعين ملياراً، ملياران وسبعمئة مليون دية مئتين وسبعين راكباً، أما هذه الألوف المؤلفة التي قتلت في حرب الخليج، وبعضهم قتل خطأً، خطأً مات 125، هذه لا قيمة لها(صفر)، هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله.

المغفرة من دون مصيبة تحتاج للتوبة:


إذا ما فكر الإنسان يبدأ بنفسه، يبدأ ببيته، يبدأ بعمله، يبدأ بأولاده، ما كلفك الله فوق ما تطيق، أقم الإسلام في نفسك، في بيتك، في عملك، ربِّ أولادك حتى تستحق أن تسأل الله النصر، أيها الإخوة ﴿وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ﴾ ؛ أي تتوب إلى الله وأنت معافى يغفر لك، لا تتوب تأتي الشدة كي تحملك على التوبة، تماماً كما يقول الطبيب لمريضه: معك التهاب معدة حاد، إما أن تطبق نظام حمية قاسٍ جداً، فلعلك تشفى من هذا المرض، أو تحتاج إلى عملية جراحية، الأمر بيدك، تحب معالجة دوائية من دون عملية جراحية تحتاج إلى حمية عالية جداً، تُؤثر الطعام والشراب فانتظر أن تثقب المعدة، وتضطر لإجراء عملية لترقيع المعدة، إما دوائية أو عملية جراحية، هذا معنى ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ﴾ هذه تعود على الإنسان، من شاء أن يغفر له من دون مصيبة فليتب، ومن لم يشأ أن يغفر له من دون مصيبة، فلينتظر من الله المصيبة، ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ﴾  كل شيء بيد الله -عزَّ وجلَّ-.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور