الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللّهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
ما الميثاق الذي بين العبد وبين ربه؟
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثاني عشر من دروس سورة المائدة، ومع الآية الثانية عشرة من هذه السورة، وهي قوله تعالى: بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ
﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ(12)﴾
أيها الإخوة؛ تكلمت في درس سابق عن الميثاق الذي بين العبد وبين ربه، من أوجه ما قاله المفسرون عن الميثاق: أن العقل من الميثاق، وأن الفطرة من الميثاق، وأن الرسالة من الله عن طريق النبي من الميثاق؛ أي أن الله -سبحانه وتعالى- أعطاك عقلاً تستطيع به أن تتعرف إلى الله، فهو مناط التكليف، بل إن بُنية العقل متوافقة مع قوانين الكون، فكما أن في الكون لا يحدث شيء إلا بسبب، ولا يحدث شيء إلا لغاية، ولا يمكن أن يكون في الكون تناقضٌ، كذلك العقل لا يفهم شيئاً إلا بسبب، ولا يفهم شيئاً إلا بغاية، ولا يقبل التناقض.
فالميثاق الأول هو العقل الذي بمبادئه متوافق مع قواعد الكون وأداة معرفة الله، والفطرة جبلّة جبلنا عليها، هذه الجبلة متطابقة تطابقاً تاماً مع منهج الله بنداً بَنداً، إذا أمرك الله أن تكون صادقاً فإنك جُبلت على حب الصدق، لذلك سيّان بين أن تطيع الله أو أن تستجيب لقوانين فطرتك، فأنت في الحالين واحد، الآن من يعصي الله يختل توازنه من حيث الفطرة، إذاً الفطرة ميثاق، والعقل ميثاق، وهذا الشرع الذي أنزله الله ميثاق ، فرسالة الله إلى البشر ميثاق، وعقولهم ميثاق، وفطرتهم ميثاق.
﴿وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾ أي رئيساً؛ إنسانًا يتولى شؤون من حوله، يطّلع على أحوالهم، يأخذ بيدهم إلى الله -عزَّ وجلَّ-، هؤلاء النقباء اثنا عشر، لكن مركز الثقل في الآية: ﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ﴾ أي من الحياة الواقعية، إذا قالت أعلى جهة في الدولة لمواطن: أنا معك، فمن يستطيع في هذا النظام كله أن يصل إليك؟ إذا قال رأس النظام: إني معك، هذا في عالم الدنيا، فإذا قال خالق الأكوان، إذا قال رب العالمين، إذا قال الواحد الدّيّان: أنا معك، من يستطيع في الأرض أن يصل إليك؟ إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك، لكن العلماء قالوا: المعية معيتان؛ معية عامة، ومعية خاصة، المعية العامة أن الله مع كل الخلق، حتى الكفار، حتى الملحدين، معهم بعلمه، الله -عزَّ وجلَّ- مهيمن، مسيطر، لا تغيب عنه غائبة، لا يخفى عليه شيء، لا يقع شيء في الكون إلا بإذنه وإرادته، إذاً الله مع الخلق جميعاً، لكن معهم بعلمه، إلا أنه مع المؤمنين من نوع آخر، مع المؤمن بالتوفيق، مع المؤمن بالحفظ، مع المؤمن بالتأييد، مع المؤمن بالنصر، مع المؤمن بأن يأخذ بيده إلى سعادته، لذلك إذا قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنِّى مَعَكُمْ﴾ فهذه معية خاصة، لذلك الآية:
﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ (19)﴾
﴿ ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَٰتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ (194)﴾
مع التفصيل ﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ﴾ الآن ثمن المعية، ليس هناك شيء بلا ثمن في الأرض، في أصل الخلق ما من شيء بلا ثمن.
﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ أنت حينما تصلي الصلاة التي أرادها الله كأنك تدفع ثمن معية الله، دفعت بند من هذا الثمن، إن صليت صلاةً خاشعة، إن سبقت الصلاة استقامة على أمر الله، إن صليت وأقبلت، إن صليت وخشعت، إن صليت واتصلت ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ ، لذلك الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين.
(( إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ. ))
[ أخرجه مسلم عن عبد الله بن جابر ]
الصلاة هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، يسقط الصيام عن المريض والمسافر، ويسقط الحج عن الفقير والمريض، وتسقط الزكاة عن الفقير، والنطق بالشهادة مرة في العمر، الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو الصلاة، ذلك أن الصلاة فيها معنى الصيام ، فإذا كان الصائم يدع الطعام والشراب فالمصلي يدع الطعام والشراب والكلام والحركة، ففيها من الصيام معنى الترك، وفيها من الحج معنى التوجه إلى القبلة ، أنت في الصلاة تتوجه إلى القبلة إلى بيت الله الحرام، وفيها من معنى الزكاة أن الوقت أصل في كسب المال، فكسب المال يحتاج إلى أربعة عناصر، هذه حقائق تدرس في الجامعة، يحتاج إلى مواد، ويحتاج إلى معلومات، ويحتاج إلى أشخاص، ويحتاج إلى وقت، ما من إنجاز على وجه الأرض إلا وفيه مواد، معلومات، أشخاص، وقت، فالوقت بل إن الوقت أخطر هذه العناصر كلها، فمن دون وقت لا تجد أشخاصاً، ولا تجد أموالاً، ولا موادَ، ولا خبرات، الوقت وعاء كل ذلك، فإذا كان الوقت أصلاً في كسب المال فمن اقتطع من وقته وقتاً ليصلي فكأنه أدى مقابل هذا الوقت مالاً، إذاً في معنى الزكاة الوقت، أن الوقت أصل في كسب المال، من معنى الحج التوجه إلى بيت الله الحرام، من معنى الصيام ترك الطعام والشراب والحركة والكلام، من معنى الشهادتين في الصلاة نطق للشهادتين، ﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ لذلك لا يمكن أن نتساهل في الصلاة، فإذا جاءك خاطب لابنتك ولا يصلي ليس لك معه مصلحة إطلاقاً؛ لأنها أول عبادة، عماد الدين، عصام اليقين، سيدة العبادات، غرة الطاعات، معراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات هي الصلاة.
﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ أي بالمفهوم الضيق أديت زكاة مالك، لكن بالمفهوم الواسع الزكاة عطاء، بذل، فلعل المعنى هنا العمومي الشمولي أنك تتصل بالله وتبذل للخلق، كما قال سيدنا عيسى:
﴿ وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)﴾
كأن الدين كله حركة نحو الله اتصالًا واستغفارًا وتوبة ومناجاة وإقبالًا، وحركة نحو الخلق إحساناً، ما من مسلم إلا وله صلة بالله، وإحسان إلى الخلق، ما من إنسان شارد ضائع إلا وله قطيعة مع الله وإساءة إلى الخلق، إن أردت فرقًا واضحاً فاضحاً هو أن المؤمن متصل ومحسن، وغير المؤمن منقطع ومسيء ﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ لذلك:
(( يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها ))
[ صحيح أبي داود عن سالم بن أبي الجعد ]
الصلاة نور، قلما يرى المصلي رؤية مشوهة، ما من عمل سيّئ إلا وراءه رؤية غير صحيحة، أما أوضح شيء؛ ماذا يرى السارق قبل أن يسرق؟ يرى أنها كسب كبير بجهد قليل، ماذا يرى الزاني قبل أن يزني؟ فرصة لا تعوض، إذاً كل الأعمال الكبيرة الإجرامية وراءها رؤية خاطئة، إنك إن صليت اتصلت بالله، ألقى الله في قلبك النور، رأيت الحق حقاً والباطل باطلاً.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ (29)﴾
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِۦ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِۦ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28)﴾
فالصلاة نور، والصلاة طهور، لا غل مع الصلاة ولا حقد، وليس هناك أمراض نفسية مع الصلاة، هي طهور ونور وحبور، وسعادة- أرحنا بها-، والصلاة عقل.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰٓ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)﴾
معنى المصلي يعقل ما يقرأ: ﴿حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ فالذي لا يعلم ما يقول لم يعقل من الصلاة شيئاً كأنه لم يصلّ، فالصلاة عقل، الصلاة قرب.
﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب (19)﴾
الصلاة ذكر:
﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14)﴾
الصلاة معراج، الصلاة ميزان فمن وفّى استوفى، وبشكل مختصر لا تستطيع إن عملت عملاً سيئاً أن تصلي، ثمة حجاب كثيف بينك وبين الله، بل إن إقبالك على الله عقب عمل ما دليل صحته؛ لأنك لو كنت صادقاً مع نفسك وعملت عملاً سيئاً أنت في الصلاة تشعر بحجاب كثيف، وكأن هناك حُجباً بينك وبين الله، فالصلاة معراج المؤمن.
﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ أحسنت بذلت، طبعاً أداء الزكاة داخل في هذه الآية، لكن لو وسعت المعنى: مطلق العطاء، المؤمن يعطي، وغير المؤمن همه الأخذ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا شيئاً، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا، وهناك أناس بينَ بين، يأخذون ويعطون.
الإيمان بالرسل واتباع المنهج:
﴿وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى﴾ الرسول بأحاديثه الشريفة الموضحة لكتاب الله مرجع لك، فالمؤمن الصادق مرجعه الوحيان الكتاب والسنة، لكن هناك إنسان مرجعه القانون فقط، فإذا كان القانون معه ولو كان ظالماً يعتزّ به، بينما المؤمن لا يرتاح إلا إذا كانت السنة النبوية معه، من هنا يقول الله -عزَّ وجلَّ-:
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾
النبي توفاه الله -عزَّ وجلَّ- وانتقل إلى الرفيق الأعلى، ما معنى الآية؟ أي ما دامت سنة النبي؛ منهجه قائماً في الناس، بيعك، شرائك، كسبك للمال، بيتك، بناتك، زوجتك، أولادك، اللهو كيف يكون؟ الأفراح كيف تكون؟ الأتراح كيف تكون؟ السفر كيف يكون؟ ما دامت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمة في حياتنا فنحن في مأمن من عذاب الله ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ ، الآن أخطأوا لا زلنا في بحبوحة ثانية ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ ، أنت في الحالتين لا تُعذَّب إذا كنت وفق منهج رسول الله أو كنت تستغفر، أما إذا لم تكن على المنهج، ولا تستغفر إذاً لا بد من أن تعذب.
﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى﴾ الرسول أهم شخص في حياتك، منهجه أهم منهج، توجيهه أهم توجيه، أما الرسول فقط تصلي عليه صلاةً جوفاء وأنت تخالف منهجه في كل دقيقة فليس هذا إيماناً بالرسول، الإيمان بالرسول أن تؤمن بمنهجه، ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ أي نصرتم رسل الله، وبعد ارتحال النبي إلى الرفيق الأعلى أيّدتم من ينطق نيابة عن رسول الله، هناك إنسان أساس حركته بالحياة تأييد للحق، وإنسان آخر نقد له، الآن أحياناً يبلغك أن أخاً صديقاً التحق بجامع، والجامع عقيدته سليمة، منهجه صحيح، فأنت إما أن تمتّن وأن تثني على هذا الأخ الذي انضم، والتزم، واستقام، أو أن تثبّط عزيمته، فصفات المؤمن مُعزِّز﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾
كل إنسان دعا إلى الله، وكان صادقاً، وكانت عقيدته سليمة، ومنهجه صحيحاً، وكان بالتعبير المعاصر نظيفاً ينبغي أن تدعمه، يكفي أن تدعمه بالقول، فإذا التزم شخص عنده: بارك الله، والله فرحت لك، الزم؛ هذا نوع من الدعم، وإن كنت أنت معه دعمته أيضاً إما بحضورك-الحضور دعم- أنت عندما تحضر درساً تقوّي همة الآخرين، وإذا وجد عند أحد أربعة أو خمسة فقط يحكم عليه من العدد، وإن وجد جمعًا كبيرًا معنى هذا أن ثمة شيئاً ثميناً في الدرس، فأنت حينما تكثر سواد طلاب العلم هذا نوع من الدعم، قد تكون مشغولاً لكن لمجرد أنك أطللت إلى المسجد ولك مكانتك يتأسى الضعاف بك: فلان يحضر يا أخي، إذا كانت لإنسان مكانة، له شأن، له دراسة، يحمل شهادة، له دور أساسي بالحياة ، ولزم مجلس علم، وجلس على الأرض، وأصغى إلى الدرس فهذا دعم كبير جداً للحق ، وهناك أعمال صالحة تكلفك حضوراً فقط، أنت بهذا كثرت سواد أهل الحق، لكن أحياناً تجد من أجل مباراة رياضية يقول لك: مئتان وخمسون ألفاً، ما شاء الله!! ومن أجل حضور أمسية غنائية يقول لك: ستون ألفاً حضروا مثلاً، فأنت بين أن تدعم أهل الباطل وبين أن تدعم أهل الحق ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ أنت أيدت ونصرت وعززت، إن كنت مع رسول الله ينبغي أن تعزّر هذا النبي الكريم، وإذا كنت مع مخلص ينوب عنه بإلقاء العلم يجب أن تعاونه، فأقلّ أنواع المعاونة إذا التزم إنسان هنئه وشجعه، وهناك إنسان -والعياذ بالله- هدفه قطع الناس عن الحق، ماذا تريد من هذا الزحام؟ اجلس في بيتك فثمة الراحة، لا أحد جيد، لا أحد نظيف، كله دجل؛ هكذا يقولون، لا عمل له إلا أن يقطع الناس عن منابع الدين أو عن مرجعيات الدين، فأنت أقل دعم إذا كان لك أخ صديق والتزم بجامع واستفاد، وتاب وغيّر سلوكه: بارك الله، هنيئاً لك، وأنا أتمنى أن أكون معك، وإن شاء الله ألحق بك؛ هذا دعم، لكن هناك دائماً أناس مشككون مهما كان الدرس مفيداً، يقول لك: كله أعرفه، كله مُعاد، لا شيء جديد، ولا أحد نظيف، دائماً يتكلم كلاماً قبيحاً وماكرًا عندما يُعرض له إنسان، أنا أتكلم بشكل عام، فهناك شخص همه أن يقطع الناس عن مجالس العلم للتشكيك؛ تشكيك بلا ثمن، ﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ فأنت حينما تطبق السُّنة تعزّر رسول الله، قد يكون هناك اجتماع ضخم قبل المغرب وسينتهي بعد العشاء، ما قام أحد ليصلي إطلاقاً، ثم قام أحدهم فقال: أريد أن أصلي، فلحق به الثاني، والثالث، والرابع، والخامس، والعاشر... ومئة، الكل صلى، من الذي بدأ؟ الذي قام أولًا، عندما قام ليصلي شجع الآخرين، فقيامك للصلاة تعزيز لرسول الله، وهناك علاقة ربوية لا أفعلها، لما قام الكل بالعلاقة الربوية تزلزل الناس، الكل مخطئون، أما إذا امتنع الكل فأنت عززت سنة رسول الله، لا تتصور أنت حينما تطبق السنة تعزز رسول الله، الكل صافح، أنت لم تصافح وطبقت السنة، هناك بقية حق، الكل جامل وأنت لم تجامل، الكل نافق وأنت لم تنافق، أما إذا لم ينافق الكل، والكل لم يجامل، والكل لم يصافح، والكل لم يأكل الربا لكنا بخير، ما كان الله ليعذبنا ساعتئذٍ، أما الآن فنعاقب بشدة: ﴿وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ أي تعزيز الرسول إما أن تدعم من ينوب عنه في إلقاء العلم؛ هذه واحدة، تبنَّ داعية يا أخي، هذا طالب علم جاء من بلاد بعيدة، يطلب العلم ليعود خطيباً في بلده، أنت قدم له شيئاً، قدم له كساءً، قدم له طعاماً، قدم له غرفة صغيرة ينام فيها، قدم له أثاثاً هذا أيضاً دعم، أو أن تطبق السنة وتعزّز سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وأحياناً تجد مكان البيع فيه مسجد صغير، والله شيء جميل!! في أثناء السفر تجد مسجداً، صاحب هذا المطعم بنى مسجداً، هذا الإنسان يريد أن يصلي، فإنشاء مسجد إلى جانب مطعم هذا تعزيز لرسول الله.
﴿إِنِّى مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيْتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ الله -عزَّ وجلَّ- الذات الكاملة، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، هل يحتاج إلى أن تقرضه؟ أي عمل صالح مع مخلوقاته قرض له، إذا قال لك ملك معه أموال الدنيا كلها، قال لك: أقرضني ليرة واحدة ليعطيك مقابلاً لها مليون ليرة تقريباً، ملك الملوك يقول لك: أقرضني ليرة وسأكافئك عليها بمليون ليرة.
﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾
الله -عزَّ وجلَّ- يطلب منا أن نقرضه، يا عبدي اعمل عملاً وتاجر معي، اربح عليّ، اعمل عملاً لي حتى أكافئك مكافأة لا تُعد ولا تُحصى؛ هذا معنى ﴿وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ ، أي عمل صالح من دون استثناء مع أي مخلوق هو في حقيقته قرض لله -عزَّ وجلَّ-.
الآن الله -عزَّ وجلَّ- أعطاك ثمن معيته الخاصة، معيته الخاصة أكبر ميزة ينالها الإنسان على وجه الأرض، الأقوياء لهم ميزات لكنهم سيُقصَمون، لكن أنت في سلام مع الله -عزَّ وجلَّ-، أن يكون الله معك هذه معية خاصة، هو معك بالتأييد، بالحفظ، بالتوفيق، بالنصر، معك بالسكينة، معك بالتجلي، هذه المعية ثمنها أن تقيم الصلاة، وأن تؤتي الزكاة، وأن تؤمن برسول الله، وأن تعزّره، وأن تقرض الله قرضاً حسناً، هذه بنود الثمن ﴿وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ﴾ فكل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون، السيئات كلها تمحى مع هذه الأعمال البطولية: ﴿ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ﴾ ، والله يا أيها الإخوة، قضية رائعة جداً؛ معية الله ثمنها أداء الصلوات، وأداء الزكاة، والإيمان بالرسول ودعمه بأية طريقة، ثم العمل الصالح، اِفعل هذه البنود وعندئذٍ يكون الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك.
كن مع الله تَرَ الله معكْ واترك الكل وحاذر طمعَكْ
وإذا أعطـــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
ماذا فعل اليهود؟ قال تعالى:
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَٰقَهُمْ لَعَنَّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ ۙ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍۢ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ (13)﴾
الباء هنا باء السبب؛ أي بسبب نقضهم الميثاق، ﴿ لَعَنَّٰهُمْ﴾ أي أبعدناهم وطردناهم، إذاً أكبر عقاب يقابل أكبر مكسب أن يكون العبد ملعوناً من قِبل الله؛ أي مطروداً ومحروماً ومبعداً، ﴿ لَعَنَّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً ﴾ قسوة القلب دليل البعد عن الله، قسوة القلب دليل الطرد، قسوة القلب دليل اللعن، كل إنسان قلبه قاسٍ مطرود بعيد ملعون، إذا كان للإيمان مؤشر كعداد المركبة، وللرحمة في القلب مؤشر، فمؤشر الرحمة ومؤشر الإيمان يتحركان معاً، أنت رحيم بقدر إيمانك، رحيم بقدر إقبالك، ﴿لَعَنَّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً﴾ الآن استحكمت فيهم الشهوات، الآن سيوجهون النصوص الدينية لصالحهم، هو يريد أن يأكل الربا لكن هناك آية محرّمة تحريماً قطعياً، اقرأ الآية:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضْعَٰفًا مُّضَٰعَفَةً ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)﴾
الله نهى عن النسب العالية فقط!! الآن لأنه أراد الدنيا وقلبه قاسٍ عندئذٍ ﴿يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ فيصرف الآيات لصالحه.
﴿ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ (99)﴾
أنا أيقنت وانتهى، العبادة انتهت، أنا أيقنت أن الله موجود.
﴿ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ (41)﴾
الله لم يمكّنّا حتى نصلي، لسنا ممكنين في الأرض، هذا من أمثلة تحريف الكلم عن مواضعه عند المسلمين، قال النبي -اللهم صلّ عليه-:
(( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ في غَزْوَةِ خَيْبَرَ: مَن أكَلَ مِن هذِه الشَّجَرَةِ- يَعْنِي الثُّومَ- فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا. ))
[ أخرجه البخاري ومسلم باختلاف يسير عن عبد الله بن عمر ]
يأكل حبتين من الثوم، يقول لك: أنا لا أقدر أن أصلي، النبي نهاني أن أصلي، أكل حبتين، هناك ملايين الأمثلة المضحكة من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، طبعاً هذا شيء مضحك، لكن هناك فتاوى غير مضحكة-تُبكي-، للمرأة أن تنزع حجابها في بلاد الغرب ضماناً لسلامتها من أن تتهم من أنها إرهابية، انزعي الحجاب، ولك أن تقاتل مع جيش يقاتل المسلمين، إنك أقسمت الولاء لهم، ينبغي أن تقاتل معهم، الآن تخرج فتاوى يخرج الإنسان من جلده منها، هذا تحريف للكلم عن موضعه.
﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَٰقَهُمْ لَعَنَّٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَٰسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ ۙ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ أخذوا من الدين مظاهره؛ الجلابية البيضاء، وعطر المسك، والمسبحة الفيروزية، لكن ليس لا يوجد دين أبداً، ﴿وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ تركوا التطبيق وأخذوا المظاهر، ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍۢ مِّنْهُمْ﴾ من جبلتهم الخيانة، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾ هذه الموضوعية في القرآن الكريم، وهناك بعض من أهل الكتاب صالحون وورعون ومؤمنون ﴿فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ﴾
﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (14)﴾
الآن دققوا: ﴿فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ لم يطبقوا بنود منهجهم، لكنهم انتموا إلى هذا الدين، هناك انتماء وهناك تطبيق، الآن أي إنسان؛ أعطني هويتك مسلم من أب مسلم وأم مسلمة، هذا ينتمي إلى هذا الدين لكن لا يطبق منه شيئاً، ففرق كبير بين أن تنتمي وبين أن تلتزم، الانتماء قائم ولكن الالتزام غير قائم، ﴿وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ ﴾ ينتمون إلى النصرانية، ﴿ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ ؛ النتيجة ﴿ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ﴾
ما هو قانون العداوة والبغضاء؟ قانون العداوة والبغضاء أنك إذا نسيت حظاً مما ذُكّرت به تصبح إنساناً عدوانياً، تصبح إنساناً همك العداوة والبغضاء، العداوة والبغضاء من صفات المتفلتين من منهج الله، ليس هناك آية أوضح من ذلك ﴿فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ﴾ الخصومات، والحزازات، والكراهية، والطعن، والخلافات، وهذه بين المسلمين أيضاً -التجمعات الإسلامية-؛ لأنها غير ملتزمة حقيقة بأحكام الدين، تجمعات مصلحية أساسها العدوان، والطعن، والتحزّب، والتعصب.
دققوا أيها الإخوة؛ ما من فرقة ضالة من عهد رسول الله إلى يوم القيامة إلا ولها أربع خصائص: تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد النصوص الضعيفة، والنزعة العدوانية، هذه الآية ﴿وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾
النتائج المستنبطة من الآيات:
نعيد النتائج المستنبطة من هذه الآيات: أولاً: لله -عزَّ وجلَّ- معية عامة: هي معية العلم.
﴿ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)﴾
معكم بعلمه، ومعية خاصة: معية المؤمنين والمتقين والصادقين، المعية الخاصة: تأييد ونصر وحفظ وتوفيق، المعية الخاصة لها ثمن؛ إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالسُّنة، وتعزيز النبي بتطبيق سنته، أو تعزيز من ينوب عنه بإلقاء العلم، وأن تقرض الله قرضاً حسناً؛ أن تعمل الصالحات
ثانياً: أما اليهود حينما نقضوا ميثاقهم لعنهم الله وجعل قلوبهم قاسية، وحينما قسا القلب تعلقت النفس بالدنيا والمال، النصوص تصطدم مع هذه الشهوات، إذاً نعدل النص ﴿يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ ۙ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍۢ مِّنْهُمْ﴾ الخيانة ديدنهم، ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ﴾ الموضوعية، ﴿فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ* وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ﴾ فهذه العداوة بين جماعات المسلمين، وبين جماعات غير المسلمين، وبين المسلمين وغير المسلمين، عداوات لا تنتهي سببها أن كل الأطراف ﴿ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ ، بشكل مبسط:
(( ما توادَّ اثنانِ في اللهِ فيُفَرَّقُ بينهما إلَّا بذنْبٍ يُحْدِثُهُ أحدُهما ))
[ أخرجه البخاري عن أنس بن مالك ]
هذه هي، بشكل مبسط رائع: (ما توادَّ اثنانِ في اللهِ فيُفَرَّقُ بينهما إلَّا بذنْبٍ يُحْدِثُهُ أحدُهما) المعصية تعني البغضاء والعداوة، والتعصب والغطرسة، والاستعلاء والطعن، والغمز واللمز، نسيان الحظ مما ذُكّر الإنسان به.
الملف مدقق