- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
البراء انقطاع العصمة والعصمة تعني التمسك :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس من دروس سورة التوبة، ولا زلنا في الآية الأولى:
﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(1) ﴾
أولاً:
فلذلك الله -عز وجل- من عنده مباشرة تبرّأ من العهود التي كانت بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش، وبعض قبائل العرب لأن هؤلاء خانوا العهود.
مثلاً: الدَّين قيد، فإذا الإنسان أدى الدَّين برئت ذمته من هذا الدَّين، والمرض قيد فإذا شُفي الإنسان برئ من هذا المرض الذي أقعده في الفراش.
فالاستمساك نقيضه البراء ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
ثقة النبي عليه الصلاة والسلام بنصر الله عز وجل :
دائماً المؤمن الموفق، الناجح، يعمل بعقله، وغير المؤمن يتحرك بعاطفته الهوجاء، فقد يخسر خسارة كبيرة، وهذه حقيقة دقيقة جداً بين أن تعمل بعقلك، أن ترسم خطة، أن تخطط، وبين أن تتحرك بعاطفتك.
يعني الصحابة الكرام قبل الهجرة مُنعوا منعاً باتاً، أُمروا أن يكفوا يدهم عن أي عمل يسيء للمشركين، الأوراق مختلطة، يوجد بكل بيت مؤمن ومشرك، لذلك:
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ
فالتزموا، لما أصبح لهم كيان في المدينة، استطاعوا أن يحاربوا الروم والفرس، لذلك لما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في الهجرة، وتبعه سراقة، سراقة طمع بمئة ناقة، وقد وُضعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، والله قال له كلاماً العقل يصعب أن يصدقه، إنسان أُهدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يتبعه إنسان طامع بهذه الجائزة، يقول له: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟
أكبر مصيبة تصيب المسلمين انهيار ثقتهم بأنفسهم :
أقول لكم الآن: أكبر مصيبة تصيب المسلمين انهيار ثقتهم بأنفسهم، لها اسم آخر: انهزامهم من الداخل، إحباطهم، شعورهم أنهم قد انتهوا، لأن أعداءهم أقوياء جداً، أكبر مصيبة تصيب الإنسان أن يُهزَم من الداخل.
أُهدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، يقول له: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟ وفي عهد عمر جاءت كنوز كسرى، وقف صحابيان من كل طرف، رفع كل واحد منهما رمحه، لم يرَ الأول رمح الآخر، فقال عمر: إن الذي أدى هذا لأمين، فقال له سيدنا علي: يا أمير المؤمنين أعجبت من أمانتهم؟ لقد عففت فعفوا، ولو وقعت لوقعوا.
أيها الإخوة، أخطر شيء أن نُهزَم من الداخل، أخطر كلمة أن نقول: لقد انتهينا، أخطر مصيبة تصيب الأمة حالة الإحباط واليأس.
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139)﴾
فلذلك في السنة الثامنة تحرر المكان من الأصنام بفتح مكة، وكُسرت كل الأصنام، وفي السنة التاسعة تحرر الإنسان بنقض هذه العهود التي لم يرعها الكفار.
النبي معصوم بمفرده وأمته معصومة بمجموعها :
أيها الإخوة، لكن لئلا تعتقد أن هذا القرار قرار بشري، هو قرار إلهي، الإنسان يجتهد؛ قد يصيب، وقد لا يصيب، لكن هذا القرار قرار إلهي، والدليل:
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
(( إنَّ اللَّهَ لا يجمعُ أمَّتي على ضلالةٍ
النبي وحده معصوم بمفرده، وأمته معصومة بمجموعها.
لذلك هذا القرار قرار إلهي ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
النبي معصوم، لكن لحكمة بالغةٍ بالغة بالغة، سُمح له صلى الله عليه وسلم بهامش اجتهادي، فإن أصاب أقره الوحي على اجتهاده، فصار اجتهاده كالوحي تماماً، وإن لم يكن اجتهاده كما يريد الله -عز وجل- يأتي الوحي ويصحح له.
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)﴾
الله عز وجل سمح للنبي الكريم بهامش اجتهادي :
لماذا؟ لماذا سُمح للنبي -صلى الله عليه وسلم- بهامش اجتهادي؟ ليكون فرق بين مقام الألوهية المطلق ومقام البشر، بالنهاية النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم بمفرده من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، أقواله سنة وتشريع، وأفعاله سنة وتشريع، وإقراره إذا رأى شيئاً فسكت تشريع.
والدليل: عندما كان في بيت أحد أصحابه وقد توفاه الله، سمع امرأة من وراء الستار تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لو أنه سكت لكان كلامها صحيحاً، وتشريعاً، فقال لها: ومن أدراكِ أن الله أكرمه؟
(( أنَّهُمُ اقْتَسَمُوا المُهاجِرِينَ قُرْعَةً، قالَتْ : فَطارَ لنا عُثْمانُ بنُ مَظْعُونٍ وأَنْزَلْناهُ في أبْياتِنا، فَوَجِعَ وجَعَهُ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وكُفِّنَ في أثْوابِهِ، دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أبا السَّائِبِ، فَشَهادَتي عَلَيْكَ لقَدْ أكْرَمَكَ اللَّهُ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما يُدْرِيكِ أنَّ اللَّهَ أكْرَمَهُ فَقُلتُ: بأَبِي أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ، فمَن يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا هو فَواللَّهِ لقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ، واللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو له الخَيْرَ، وواللَّهِ ما أدْرِي وأنا رَسولُ اللَّهِ ماذا يُفْعَلُ بي فقالَتْ: واللَّهِ لا أُزَكِّي بَعْدَهُ أحَدًا أبَدًا. ))
فأن تحكم على إنسان بالجنة أو بالنار حكماً قطعياً، هذا سماه العلماء التألي على الله، من أنت حتى تقول فلان من أهل النار؟ لعله يتوب ويسبقك، ومن أنت حتى تقول فلان من أهل الجنة؟ لعله يخطئ، ومن أدراكِ أن الله أكرمه؟ قولي أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
هذا هو الأدب مع الله، قل دائماً إن أعجبك إنسان: أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً، إن طُلب منك أن تشهد بإنسان، قل: هذا علمي به، فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب، كن أديباً مع الله.
إذاً: النبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم بمفرده، وأمته معصومة بمجموعها، وعصمة النبي معها هامش اجتهادي ضيق جداً، فإن أصاب النبي أقره الوحي على ذلك، وإن لم يكن اجتهاده كما يريد الله -عز وجل- جاء الوحي وصحح له، ففي النهاية النبي معصوم بأقواله، وأفعاله، وإقراره.
النبي -صلى الله عليه وسلم- حالف خزاعة، ولها قبيلة مناوئة لها هي قبيلة بكر، بكر تحالفت مع قريش، لذلك قريش أعانت بكراً على حرب خزاعة، وفي هذا نقض للعهد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين قريش وبكر، قريش وبكر، والنبي وخزاعة ـ قريش أعانت بكراً على قتال خزاعة، والنبي حليف لها، وحليف الحليف حليف، فلذلك كان هذا هو النقض الذي سبب أن الله في عليائه برأ من العهود والمواثيق التي كانت بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين المشركين.
رحمة الله عز وجل بعباده :
لكن بعضهم تساءل: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ(2)﴾
فكيف يبلغ الله نبيه ببراءة نبيه من العهود مع المشركين ثم يخاطب المشركين؟ قال علماء التفسير: كأن الله أراد من المؤمنين ومن أصحاب النبي أن يبلغوا المشركين، أي قولوا لهم.
الآن الوقفة الرائعة أنه في العالم كله لا يجوز أن تُطبَّق القوانين بمفعول رجعي، وهذا ظلم للإنسان ما بعده ظلم، شيء مباح، مسموح، إنسان فعله في ظلّ القوانين القائمة، أي موضوع مباح مسموح، الحاكم ارتأى أن يمنع هذا الشيء، له أن يمنعه، أما أن يطبق هذا المنع على من فعله سابقاً، هذا منتهى أنواع الظلم.
لذلك شيء ثابت في عالم القوانين أن القوانين يُمنَع منعاً باتاً أن تُطبَّق بمفعول رجعي هذا عدل، لكن الإحسان أبلغ من ذلك، للتقريب: لو أن بلداً اكتشف أن هناك بضائع كثيرة جداً غير نظامية، وهذه البضائع تفوّت على الدولة أرباحاً كبيرة جداً، لأنها جاءت بطريق غير نظامي، هل يعقل والأسواق تعج بالبضائع غير النظامية أن يصدر قانون بمحاسبة المخالفين فوراً؟ التساهل السابق شجع الناس، فإذا منعت ينبغي أن تصبر على الناس حتى يُسوُّوا أوضاعهم، الآن تطبيق القانون بمفعول رجعي جريمة، لكن الرحمة أن تعطي الناس مهلة كي يسووا أمورهم.
سمعت عن بلد في بإفريقيا، أعجبني هذا القرار، صدر قرار بإلزام الناس بأشياء معينة في الاستيراد، أعطاهم ستة أشهر ليسووا أوضاعهم، معنى ذلك أن هناك رحمة.
دقق:
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
﴿فَسِيحُوا﴾
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ﴾
إخواننا الكرام، من هو العدو التقليدي للمؤمن؟ المشرك والكافر، أنت إذا أردت أن تؤذيه تُحاسب، المؤمن مكلَّف أن يحسن لكل من حوله، لكن وفق خطة، قال:
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ﴾
من عدل مع المشرك قربه إلى الله :
أيها الإخوة، هناك سؤال آخر: أن الله -سبحانه وتعالى- أبلغ رسوله أن يتبرأ من عهوده مع الكفار، ثم خاطب الكفار مباشرة، كيف؟ مرة ثانية: الله -عز وجل- أراد من النبي، ومن خلال الصحابة أن يخاطب المشركين بهذا القرار الإلهي، هناك آية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ
أي لا يحملنكم ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾
الابتعاد عن الاعتداد بالقوة لأن الإنسان في قبضة الله عز وجل :
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾
إذاً:﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾
ثم قال الله -عز وجل- بعد أن قال:
التولي و التخلي :
أصحاب النبي الكريم قالوا: الله في بدر فانتصروا.
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ
ضعاف، وفي حنين، هم هم، ومعهم سيد الخلق، وحبيب الحق، قالوا: لن نغلب من قلة، نحن كُثر، اعتدوا بكثرتهم.
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25)﴾
وأنت أيها الأخ الكريم، أنت بحاجة إلى هذين الدرسين لا كل يوم، كل ساعة، كل دقيقة، تقول: أنا دارس، متعلم، أبي فلان، يتخلى الله عنك، تقول: يا رب ليس لي غيرك يتولاك، تقول: أنا يتخلى عنك، تقول: يا رب أنت وحدك القوي يتولاك، فأنت في كل لحظة بين التولي والتخلي، تعزي تفوقك إلى ذاتك يتخلى الله عنك، تعزي التفوق إلى الله يتولاك، يتابع التوفيق، الدرس الوحيد الذي يحاسب عليه كل مؤمن كل ساعة هذا الدرس، التولي والتخلي.
فلذلك: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾
لا يوجد إنسان قوي مع الله، لا تقل أنا، ألغِ كلمة أنا من حياتك، انظر إلى فضل الله عليك، حتى إن علماء القلوب يرون أن أي مؤمن شهد عمله فقد أشرك، لأنه إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك.
الدين الإسلامي دين عظيم لا يفرق بين إنسان و إنسان:
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾
﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ
أنتم لا تتصورن من هم أصحاب النبي؟ شباب، صغار، ضعاف، فقراء، صناديد قريش، أعلام، كبار، زعماء، أقوياء، أذكياء، فصحاء، أين هم صناديد قريش؟ في مزبلة التاريخ، تقول سيدنا أبو جهل؟ هل تستطيع أن تقولها؟ أبو لهب؟ تقولها؟ أعوذ بالله، سيدنا الصديق، سيدنا بلال، بلال عبد فلما أراد الصديق أن يشتريه من سيده الذي كان يعذبه كل يوم، يضع على صدره صخرة ليكفر بمحمد، يقول: أحد أحد، فاشتراه منه، أراد سيدُ بلالٍ أن يهين بلالاً، قال له: والله لو دفعت به درهماً واحداً لبعتكه، فقال له الصديق: والله لو طلبت به مئة ألف درهم لدفعتها لك، فلما أنقذه من سيده وضع يده تحت إبطه، سيدنا الصديق من أكبر رجالات قريش، وقال: هذا أخي حقاً.
هل تصدقون أن عمر خليفة المسلمين خرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً؟ هذا ديننا، عبد، سيد، أبيض، ملون.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
مرة تروي بعض الروايات أن بعض زعماء قريش وقفوا بباب عمر بعد فتح مكة، بعد الانتصار الحاسم، لم يؤذن لهم، آلمهم جداً أن صهيباً وبلالاً يدخلان ويخرجان بلا استئذان، فلما دخلوا عليه عاتبوه، فقال لهذا الذي عتب عليه: أنت مثلهما؟.
سيدنا بلال! نقول: سيدنا بلال، وكان عبداً حبشياً، أسود اللون، لكن هو عند الله في أعلى مقام، هذا الدين، الدين أممي، والدين لا يفرق بين إنسان وإنسان.
من أطاع الله عز وجل فهو في أعلى مقام :
أقول لكم: والله أي واحد منكم، أي إنسان من أي بلد، من أي مكان، من أي جنس، مادام مطيعاً لله فهو عند الله في أعلى مقام.
وأنا أخاطب كل شاب منكم: ليس معك شهادة، أول حياتك، من أسرة فقيرة، نعم، لكن مستقيم قلامة ظفرك تساوي مليون رجل فاسق ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
مرة كنت بإذاعة بأستراليا على الهواء مباشرة، فيبدو أن هناك إنسان مغرض، قبل نهاية الندوة بدقيقة، قال لي: الإسلام دين الجهل، والقتل، والفقر، والإرهاب، والإجابات تحتاج إلى ساعة، تعلم علم اليقين أن الندوة انتهت، و لم يبقَ غير دقيقة، وهذه تُهم تحتاج لساعات، فقلت له كلمة واحدة: ما ضرّ السحاب نبح الكلاب، وما ضرّ البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، ولو تحول الناس إلى كناسين ليثيروا الغبار على الدين ما أثاروه إلا على أنفسهم.
خلاص العالم بالإسلام إن أحسن المسلمون فهمه و تطبيقه :
هذا دين الله، لا تقلقوا على هذا الدين إنه دين الله، ولكن لنقلق جميعاً ما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن نكون جنوداً له، اقلق على هذا فقط، لا تقلق على هذا الدين، والله الذي لا إله إلا هو العالم كله الآن يحارب الدين، والدين في أعلى مستوى بانتشاره.
مؤتمر عقد بفرنسا حضره كل دول العالم، المشتركون في المؤتمر مئة و خمسون ألفاً في وسط العاصمة الفرنسية، هذا الدين بخير، هناك إحصائيات دقيقة أن خمسين فرنسياً يدخلون في الإسلام يومياً، و ببلاد الغرب البعيدة في أمريكا يدخل ثلاثة و ثلاثون إنساناً في الإسلام يومياً.
لذلك قال عالم أمريكي هداه الله إلى الإسلام: أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوّة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، هم ضعاف، ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام، أنظمة الغرب لم تنجح في إسعاد البشر، وأنظمة الشرق لم تنجح في إسعاد البشر، والعالم كله يتعلق اليوم بالإسلام، ولكن بشرط أن يحسن المسلمون فهم دينهم، وأن يحسنوا تطبيقه، وأن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر، هذه البطولة.
لذلك انهيار النظام العالمي المالي نظام عملاق، مئة و خمسة و خمسون مصرفاً أعلنوا إفلاسهم، لأن هناك ربا، أليس هذا جرعة منعشة للمسلمين؟ انتصار إخوتنا العشرة آلاف في غزة على أقوى جيش في المنطقة، أليس هذا جرعة منعشة؟ كأن الله يقول لنا: أنا موجود يا عبادي، لا تيئسوا، أنا موجود، كل شيء بيدي، لكن كونوا لي كما أريد، أكن لكم كما تريدون.
الكافر إلى خزي والمؤمن إلى الله عز وجل :
أيها الإخوة ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾
لسيدنا علي كلمة رائعة:
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك؟
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾
﴿ أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ
الهدى رفعهم، رفع قدرهم، رفع شأنهم، رفع مكانتهم، والباقي:
﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ
في كآبة، أو في السجن، في تفيد شيئاً ضمن شيء، المؤمن على، على تفيد العلو ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾
فلذلك إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، لأنك مفطور على حبّ وجودك، وعلى حبّ سلامة وجودك، وعلى حبّ كمال وجودك، وعلى حبّ استمرار وجودك، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً.
مجيئكم إلى هذا المسجد ـ جزاكم الله خيراً ـ يشبه تماماً شحن هذا الهاتف، إذا لم تشحنه يتوقف، إنسان بلا شحن نوبي، أسبوعي يسكت، يضيع، تأتيه كآبة، يأتيه إحباط، يأتيه تشاؤم، يأتيه ضجر، تزل قدمه، يرتكب معصية، لأنه لم يُشحن.
فهذا اللقاء الطيب إن شاء الله شحنة لهذا الإنسان.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق