- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (009)سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أغننا بالعلم، وزيّنا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجمّلنا بالعافية.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس السابع والعشرين من دروس سورة التوبة، ومع الآية الواحدة والثلاثين وهي قوله تعالى:
﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) ﴾
أيها الإخوة الكرام، لهذه الآية أهميتها الكبيرة، لأن الأمراض التي وقع بها أهل الكتاب في الأعمّ الأغلب وقع بها المسلمون، أين نقطة الضعف في حياة المسلمين؟ ينطلق شرح هذه النقطة من أنه:
(( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ))
أضرب لكم مثلاً من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-: أنصاري أُمّر على بعض من أصحاب النبي، هو أميرهم لسرية، فقال هذا الأمير: أضرموا ناراً عظيمة فأضرموها، قال: اقتحموها، فأبوا، قال لهم: ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ وقع الصحابة في حيرة كبيرة، هو أميرهم وأمره نافذ، لكنه أمرهم أن يقتحموا النار لتحرقهم وليموتوا فيها، فقالوا: إنما آمنا بالله فراراً منها، فكيف ندخلها؟! يبدو أنهم لم يفعلوا، لكنهم أخبروا النبي -عليه الصلاة والسلام- بما فعله بهم أميرهم، فقال عليه الصلاة والسلام: والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.
(( بَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَرِيَّةً، فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ وأَمَرَهُمْ أنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقالَ: أليسَ أمَرَكُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تُطِيعُونِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فَاجْمَعُوا لي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقالَ: أوْقِدُوا نَارًا، فأوْقَدُوهَا، فَقالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، ويَقولونَ: فَرَرْنَا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَما زَالُوا حتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: لو دَخَلُوهَا ما خَرَجُوا منها إلى يَومِ القِيَامَةِ؛ الطَّاعَةُ في المَعروفِ. ))
هذا درس بليغ، أريد في هذا اللقاء الطيب، أن يكون واضح لديكم أنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
الإنسان مع القرآن الكريم أو ما ثبت في السنة الشريفة لا اختيار له :
الآية الكريمة نخضع لها، فهمنا أو لم نفهم، قنعنا بها أو لم نقنع، هذا كلام الله، وأما المعصوم النبي -عليه الصلاة والسلام- فمعصوم من أن يخطئ، في أقواله، وأفعاله، وإقراره.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
فأنا مع القرآن الكريم ليس لي اختيار.
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
قد ترغب بشراء هذا البيت، قد تشتريه وقد لا تشتريه، شراء البيت مباح، قد ترغب في سفر، قد تسافر وقد لا تسافر، قد يعرض عليك عمل، قد تقبل وقد لا تقبل، أما حينما يأتي أمر من الله، أو أمر من المعصوم من رسول الله ثبت عنه، فليس لك اختيار إذا كنت مؤمناً، أي الأمر الإلهي بوحي السماء، بالقرآن، والأمر النبوي وهو وحي آخر لأن الله يقول: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
الأمر في القرآن وما صحّ من أمرٍ في سنة النبي العدنان، لا اختيار لك في تطبيقه أو عدم تطبيقه، والدليل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴾
مثلاً تسأل إنساناً هل أنت جائع؟ يقول لك: لا، لكن لو قلت له -لا سمح الله ولا قدر- وهو مؤمن كبير هل أنت سارق؟ يقول لك: ما كان لي أن أسرق، هذا اسمه في اللغة نفي الشأن، أي أنا لا أفعل السرقة، ولا آمر بها، ولا أرضى بها، ولا أحبّذها، ولا أصاحب سارقاً، ولا ولا يمكن أن تمضي إلى أنواعٍ لا تعد ولا تحصى من النفي، هذا اسمه نفي الشأن، فرق كبير بين نفي الحدث ونفي الشأن، هل أكلت صباحاً؟ يقول لك: لا، نفى الأكل، أما هل أنت سارق؟ ينبغي أن تقول ما كان لي أن أسرق، ليس من شأني، ولا من طبيعتي، ولا من أخلاقي، ولا من مذهبي، ولا أرضى به، ولا آمر به، ولا أقرّ عليه، كلما مرّ معكم في القرآن:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ
أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعذَّب المسلمون وفيهم سنة رسول الله مطبقة، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ
لو بحثت في القرآن الكريم عن الآيات التي تبدأ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ﴾
مرة ثانية: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
من آثر إرضاء الآخرين على إرضاء الله عز وجل خسر الدنيا و الآخرة :
هؤلاء أهل الكتاب ماذا فعلوا؟ فعلوا بخلاف هذه القاعدة، قال:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ﴾
﴿وَرُهْبَانَهُمْ﴾
أي عاملوهم كآلهة، مثلاً لو أن امرأة طلبت من زوجها طلباً لا يرضي الله، فخضع لها حفاظاً على مودتها، عصى الله وأطاعها، لك أن تقول أنّ هذا الزوج: عبد زوجته من دون الله بالضبط، هو ما قال لها أنت إله إطلاقاً، لكن لأنه آثر إرضاءها ولم يعبأ بإرضاء الله عاملها كإله.
فحينما تعبد إنساناً، أنت لا تقول هو إله، وما كان لك أنت تقول ذلك، لكن عاملته كإله، وانتهى الأمر، لذلك (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
ما ترك عبدٌ شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه :
أيها الإخوة،
(( إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه. ))
صدقوا ولا أبالغ، أن هذا النص (إنك لن تدع شيئا لله عز و جل إلا بدّلك الله به ما هو خير لك منه)
مرة حدثني أخ توفي -رحمه الله- قال لي: استطعت أن آخذ محضراً في أرقى أحياء دمشق بنصف قيمته، قلت له: كيف؟ قال لي: بالمناقصة، لي ترتيبات معينة، أي استطعت أن آخذ هذا المحضر عن طريق المناقصة بمزاودين خلبيين من طرفي، واستقر الثمن على ما يساوي نصف هذا المحضر، قلت له: وكم شخص يملكون هذا المحضر؟ قال لي: ثلاثمائة شخص تقريباً، قلت له: هؤلاء أليس بهم أيتام؟ قال لي: طبعاً، قلت له: أعطيت هؤلاء الأيتام نصف ما يستحقون عن طريق هذه المناقصة الخلبية؟ كيف تواجه الله -عز وجل-؟ والله الذي لا إله إلا هو، أنا ما رأيت على وجه الأرض إنساناً أغبى ممن يؤثر دنياه على آخرته، هو وعدني أن ينسحب من هذه المناقصة، أو وعدني أن يدفع الفرق لأصحاب الأرض، كيف تواجه الله يوم القيامة؟ ثلاثمئة إنسان يملكون هذا المحضر، بعضهم أيتام، أعطيتهم نصف حقهم، وتركت هذا المال لأولادك؟!
الفتوى على قدر النص :
و الأمراض التي أصيب بها أهل الكتاب، أنا لا أبالغ ولست متفائلاً كثيراً أصيب بها المسلمون، يقول لك: معي فتوى من الشيخ الفلاني، إذاً ما قولك إذا استطعت بحنكة بالغة وذكاء لمّاع أن تنتزع من فم النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم الذي يأتيه وحي السماء فتوى لصالحك ولست محقاً بها؟ الجواب: لا تنجو من عذاب الله، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:
(( لَعَلَّ أحدكم أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن الآخر، فإذا قضيت له بشيء، فإنما أَقْطَعُ له قطعة من النَّار ))
ما قولك؟ يقول لك: والله هناك إنسان لا أعرف ربما كان مؤذناً أو إمام مسجد، والله سألته وأفتى لي، لا يعرف اسمه، ولا يعرف وظيفته، ولا يعرف علمه، وأخذ هذه الفتوى وارتاح، لو انتزعت من فم النبي الكريم، من سيد الخلق، ومن حبيب الحق، ومن سيد ولد آدم، لو انتزعت من فمه فتوى لصالحك ولم تكن محقاً بها لا تنجو من عذاب الله.
بالمناسبة أخ يذكر لي قصة، يسألني ما الحكم؟ أنا بحسب هذه القصة أقول له الحكم، لكن مدى انطباق هذه القصة على الواقع، هذا مسؤولية السائل لا المسؤول، لو أنه فرضاً قال لي: زوجتي تخونني فرضاً ومرات كثيرة، هل عليّ إثم إن طلقتها؟ أقول له: لا أبداً طلقها، لكن لو أن الكلام غير صحيح يقول الفلان الفلاني وافق لي على تطليقها، هل ذكرت لهم ماذا قلت له؟ ذكرت الخيانة المتكررة، وعدم الانصياع، وعدم التوبة، طبعاً ساعتئذ لا يوجد مانع.
فدائماً الفتوى على قدر النص، وهذه المشكلة يعاني منها كل الدعاة إلى الله، يقول لك كلام على هواه، كلام يحملك شئت أم أبيت على فتوى معينة، فإذا أفتيت له بهذه الفتوى، أخذ نص كلامك وأبلغ الناس جميعاً أنه أفتى لي، أفتى لي بذلك.
والله مرة كنت ببيت، قال: والله نحن مستغربون نحن لا نجلب بيرا بلا كحول لكن قال: أنت أفتيت بها، أنا والله ذكرت العكس عشرات المرات، لأن الإمام مالك حرم خنزير البحر وهو سمك من اسمه، أي أكثر من مئة نوع من الشراب لا يحلو لك إلا كلمة بيرا بلا كحول! شراب الشعير، أحضر شعيراً وخذ شرابه، لا بيرا بلا كحول.
على المؤمن أن يكون واعياً في كل مواقف حياته :
إخواننا الكرام صدقوا هناك أشخاص يدّعون أنهم سمعوا فتوى من علماء أجلاء، وكلامهم كذب، لمصالح يحققونها، فأنت كمؤمن كن واعياً، أنا بينكم، اتصل بي، اسألني، هل صحيح أنك قلت كذا؟ لولا أنني أعاني كثيراً، والله هناك أشياء أبلغ من ذلك لكن لا أقولها في الدرس، أعاني أكثر من ذلك، مثلاً طلب مني أخ كريم، قال: والله جاء إنسان من طرفك وطلب مئة ألف و أنا أحبك كثيراً فأعطيته إياها، والله لا أعلمه إطلاقاً، وصل الموضوع للسرقة، فأنتم كونوا واعيين، لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، اسأل يا أخي، لا تبقى ساكتاً، لا تحمل شيئاً من دون دليل قطعي، لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض من دون دليل، لأن هناك كذباً في هذا العصر لا يعلمه إلا الله.
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(11) ﴾
هذا موقف، فـ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
الإنسان مع القرآن له مهمة واحدة أما مع الحديث فله مهمتان :
أنا بحياتي وبحياة كل واحد منكم إنسان واحد نطيعه بلا تردد، وبلا دليل، هو النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم فقط، طبعاً ما صحّ عنه، قد يكون هناك حديث ضعيف، وقد يكون هناك حديث موضوع، لأن الزنادقة وضعوا في بعض الروايات أربعمئة ألف حديثاً عن النبي لا أصل له، فلا بدّ من أن تتأكد من صحة الحديث، فأنت مع القرآن مكلف أن تفهم ماذا أراد الله بهذه الآية، وبعدها تطبق أمر الله، لكن مع الحديث أن مكلف بمهمتين، مع القرآن لأنه قطعي الثبوت أنت مكلف بمهمة واحدة، لكن مع الحديث لأنه ظنّي الثبوت، هناك أحاديث غير صحيحة، هناك أحاديث موضوعة، كل الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى – أعوذ بالله- إلا المخلصون، قال: والمخلصون على خطر عظيم، لم يبقَ أحد، هذا الحديث وضعته الزنادقة للتيئيس، عالم لا تنفد، عامل لا تنفد، مخلص لا تنفد، كل الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم، هذا الحديث وضعته الزنادقة للتيئيس، أي لا يوجد أمل.
أنت مع القرآن لك مهمة واحدة، أن تبحث عن المعنى الذي أراده الله. فإن لم تعلم:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
أما في الحديث فعندك مهمتان، أول مهمة أن تتأكد من صحة الحديث، والمهمة الثانية أن تفهم المقصود، وأن تطبقه، هذا مع القرآن وهذا مع السنة، أما مع نص آخر، لأي إنسان كائناً من كان من آدم إلى يوم القيامة، أما مهمتك مع نص آخر غير القرآن والسنة، لك كم مهمة؟ ثلاث مهمات، أول مهمة: أن تتأكد من مطابقة هذا الأمر أو هذا النهي للقرآن والسنة، فإن لم يطابق القرآن والسنة فاركله بقدمك.
على الإنسان أن يطيع الله في قرآنه و النبي في سنته :
العز بن عبد السلام -رحمه الله تعالى- جاءه رجل قال له: رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال لي: اذهب إلى مكان كذا وكذا فتجد كنزاً فخذه، ولا تدفع زكاته، قال له: ماذا تقول؟ قال له: هل وجدت الكنز؟ قال: نعم، قال له: ادفع زكاته، لأن فتوى النبي في حياته هي الأصل، نحن أي رؤيا لا يمكن أن يُستنبَط منها حكم شرعي، لأن ديننا دين شرع، دين نص، دين أدلة، دين حقائق، لذلك هؤلاء أطاعوا مخلوقاً وعصوا ربهم.
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ﴾
إخواننا الكرام، هؤلاء ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
الله عز وجل هو الجهة الوحيدة التي ينبغي على الإنسان أن يطيعها :
يا أيها الأخ الكريم اعتقد يقيناً أن بحياتك جهة واحدة تطيعها هي الله، وإن جاءك الأمر من رسوله وكان صحيحاً أيضاً ينبغي أن تطيعه، ينبغي أن تطيع الله في قرآنه، وأن تطيع النبي في سنته، والدليل الحديث الشريف:
(( ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حَلاوَةَ الإيمان ))
حلاوة الإيمان شيء لا يوصف، حلاوة الإيمان تجعلك رجلاً فذاً، تجعلك عالماً، تجعلك شجاعاً، سخياً، كريماً، حليماً، حلاوة الإيمان تجعلك أسعد الناس، والله لا أبالغ إن لم تقل أنا أسعد الناس ففي الإيمان مشكلة، حلاوة الإيمان، حقائق الإيمان أيّ إنسان يتمتع بذاكرة قوية، واستمع إلى درس، وحفظه، يعيده، قضية سهلة، أي قد يأتي إنسان غير مسلم في الأصل، نحن عندنا مؤلفات كبيرة جداً وعملاقة ألفوها أجانب، مستشرقون، في الحديث هناك مؤلفات عملاقة ألفوها أناس ليسوا مسلمين.
لذلك قضية ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً﴾
للتقريب: صحابي له امرأة طلبت منه حاجة لا يملك ثمنها، فلما ألحت عليه، قال لها: اعلمي أيتها المرأة أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بك من أجلهن، أهون من أن أضحي بهن من أجلكِ، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
على الإنسان ألا يقبل شيئاً من دون دليل :
الآن تقول لي لو فرضنا - لا سمح الله ولا قدر - شيخ قال لي: اعمل شيئاً لا يرضي الله لأرضى عنك، هل أعمل هذا الشيء؟ طبعاً هناك قصص تروى مضحكة، قيل: إنسان نزل لقبره، جاءه ملكان فتلقى الملكان ضربة أخرجتهما من القبر، قيل لهما: أمثل هذا يُسأل؟ هذا من تلاميذي، كلام مرفوض، خرافات، خزعبلات، ترهات، أباطيل، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(13) ﴾
من هو؟ سيد الخلق وحبيب الحق، ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾
﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ
هذا مقام النبوة، فلذلك أريد أن أؤكد طالب بالدليل، لا تقبل شيئاً من دون دليل، مثلاً قاطع أختك، قد يقول لك الأب ذلك، غضب من ابنته أراد أن يؤدبها، قال له: قاطع أختك من دون دليل، ماذا فعلت؟ لم تفعل شيئاً، لكنها أرادت أن تقيم أمر الله في بيتها، وأنت أردت خلاف ذلك فغضبت عليها، فأمرت ابنك أن يقاطع أخته، لا تتحرك من دون دليل، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء.
من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا وأقرب مما اتقى :
هذا الكلام ملخص هذا الدرس، ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً﴾
﴿أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾
أيها الإخوة، ملخص مخلص المخلص، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا تخف، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، من ابتغى أمراً بمعصية سخط الله عنه وأسخط عليه الناس، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أطاع ربه وأغضب خلقه .
الآية:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.