- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الذكر :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعٍ يتصل أشد الاتصال بـ: "سبل الوصول وعلامات القبول" ألا وهو "الذكر"، والذكر من أفضل القربات إلى الله عز وجل، من فوائد هذا الذكر: أنه يطرد الشيطان ويقمعه، وقد وصف الله الشيطان بأنه وسواسٌ لكنه خناس، لمجرد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الشيطان يخنس، لذلك معك سلاحٌ فعال لا يخيب.
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾
الاستعاذة التي ذكرها الله عز وجل أن تكون حاضر القلب مع الله.
لذلك ما من مصيبةٍ في الأرض، ما من بلاءٍ كبير، إلا بسبب وسوسة الشيطان، سيدنا موسى ماذا قال؟ قال:
﴿ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾
ما يجري في الأرض من حروب، من اجتياحات، من قتل، من تدمير، هذا من عمل الشيطان.
الإنسان معه ملكٌ يلهمه وشيطانٌ يوسوس له فإما أن يستجيب لهذا أو لهذا :
لذلك بشكل أو بآخر معظم المؤمنين موضوع الشيطان ليس داخلاً في قناعاتهم، أو في حياتهم بشكلٍ كما ينبغي في القرآن الكريم .
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ﴾
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ﴾
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ﴾
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
آياتٌ كثيرة تقترب من مئة آية تتحدث عن فعل الشيطان، فالإنسان معه ملكٌ يلهمه وشيطانٌ يوسوس له، فإما أن يستجيب لإلهام الملك، فيسلم ويسعد في الدنيا والآخرة، وإما أن يستجيب لوسوسة الشيطان فيهلك ويشقى في الدنيا والآخرة،
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ﴾
وما أدخل الله آدم عليه السلام وحواء الجنة التي في الأرض إلا ليلقن هذا الإنسان الأول وذريته من بعده هذا الدرس البليغ.
من استعاذ بالله من الشيطان الرجيم صرفه الله عنه :
لكن الآية المطمئنة:
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾
مثلٌ أضربه كثيراً: إنسان يرتدي أجمل ثياب وأغلى ثياب، نزل في حفرةٍ فيها مياهٌ سوداء ـ مياه مجاري ـ فلما خرج منها ذهب إلى مركز الشرطة ليشتكي على إنسان، فسأله المحقق هل دفعك إلى هذه الحفرة؟ قال له: لا والله ما دفعني، هل أشهر عليك مسدساً وأمرك أن تنزل بها؟ قال له: لا والله ما فعل هذا، قال له: هل أمسكك ووضعك فيها؟ قال له: لا والله ، قال : لِمَ تشتكي عليه؟ قال: لأنه قال لي: انزل فنزلت، هذا يستحق مستشفى المجانين.
هذا الوضع نفسه،
﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
أنت بين إلهام الملك، وبين وسوسة الشيطان، لابدّ من أن تأخذ موقفاً، ولمجرد أن تستعيذ بالله عز وجل صُرف عنك الشيطان.
﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا ﴾
أي ذكروا الله.
فوائد الذكر :
1 ـ ابتعاد الشيطان عن الذاكر :
أول فائدة من فوائد الذكر أن الذاكر يبتعد عنه الشيطان، يا عمر:
(( ما لقيك الشيطان قطُّ سالكا فجّاً إِلا سلك فَجّاً غير فَجِّكَ ))
الذاكر بعيدٌ عن وسوسة الشيطان، وكل الأعمال الخطيرة والمصائب الوبيلة تبدأ بوسوسة، ثم برغبة، ثم بإرادة، ثم بعمل، ثم بشقاء في الدنيا والآخرة.
2 ـ الذاكر يرضي الرحمن :
من فوائد الذكر أنك ترضي الرحمن، ورد في الأثر:
(( يا موسى: أتحب أن أكون جليسك؟ قال: كيف ذلك يا رب؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني ))
أنا جليس الذاكرين، أي هل هناك أعظم من أن يكون الله معك؟ معك إذا ذكرته، لكن اجعل هذه الكلمة نصب عينيك، أنا جليس الذاكرين، إن ذكرته كان معك، وإذا كان معك فمن عليك؟ لذلك قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
بعض العلماء فسر حق التقوى: أن تذكره فلا تنساه، أن تطيعه فلا تعصيه، أن تشكره فلا تكفره، معنى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أن تذكره فلا تنساه، أن تطيعه فلا تعصيه، أن تشكره فلا تكفره.
أي إذا رضي الله عنك كان معك، وإذا كان معك فمن عليك؟ من يستطيع في الأرض أن يصل إليك؟
مثلاً إنسان يكون شرطياً عند ملك يخافه جميع الناس، لأن وراءه الملك، فإذا كنت مع الله من يستطيع أن يصل إليك؟ من يستطيع أن ينال منك؟ فمعية الله شيء لا يقدر بثمن ، وقد قال الله عز وجل :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذه معيةٌ عامة مع كل الخلق، مع الملحد، مع الكافر، مع الفاسق، مع الماجن، معهم بعلمه، أما إذا قال الله عز وجل: إن الله مع المؤمنين، مع المتقين، مع الصادقين، هذه معيةٌ خاصة أي معهم بالحفظ، والتأييد، والتوفيق، والرعاية، والنصر.
3 ـ يزيل الهم و الحزن :
أيها الأخوة، من فوائد الذكر أنه يزيل الهم والحَزن، إنسان ذاكر يشعر بالهم؟ مستحيل وألفُ ألفِ مستحيل، من غفل عن الله عز وجل ابتلاه الله بالهم، والدليل:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
الإعراض عن ذكر الله يفضي بالإنسان إلى معيشةٍ ضنك :
قد يقول قائل: هؤلاء الذين يملكون المليارات أية معيشةٍ ضنك؟ الجواب: ضيق القلب، الأقوياء والأغنياء إذا أعرضوا عن ذكر الله ابتلوا بضيق القلب.
لذلك أحد كبار العارفين الذي كان ملكاً قال: والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف، إذا كنت مع الله كنت في سعادة، كنت في طمأنينة، لذلك ملخص وملخص الملخص:
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
لم يقل الله عز وجل تطمئن القلوب بذكر الله، إن كانت الآية كذلك أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله، أما حينما جعل الله العبارة عبارة قصر وحصر،
﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
أي أن القلوب لا تطمئن، ولا تستقر، ولا ترتاح، إلا بذكر الله، بشكل أو بآخر هناك حاجة عند الإنسان لا تملؤها أموال الأرض، ولا أعلى منصب، يملؤها ذكر الله، تجد الأغنياء الأقوياء يبحثون عن سعادةٍ مفقودة، لو عرفوا الله وذكروا الله لاستقرت نفوسهم.
بعض العلماء الكبار قال: ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ لذلك قالوا: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
هذه جنة القرب ذكرها الله عز وجل قال:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
في الدنيا أذاقهم طعمها، والله أنا لا أبالغ إن لم تقل: أنا أسعد الناس قاطبةً، إلا أن يكون أحد الناس أتقى مني، ففي الإيمان خلل، هل هناك شقاء مع معرفة الله؟ هل هناك شقاء والله وليك؟ هل هناك شقاء والله بيده كل شيء؟ هل هناك شقاء وكل من في الكون بيد الله؟ وأنت مع الله؟ وملخص الملخص: إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟.
4 ـ للذكر فائدتان؛ فائدةٌ تطهيرية وفائدةٌ تعطيرية :
الفائدة الأخرى للذكر: الذكر له فائدتان، فائدةٌ تطهيرية وفائدةٌ تعطيرية، أحياناً أنت تغسل الإناء وتملؤه بماء الزهر ، تغسله أولاً وتملؤه بالعطر، فالغسل هدف تطهيري، وإملاءه بالعطر هدف تعطيري، فالمؤمن بالذكر يطهر ويزكو، تقول: لا يكذب ـ طهارة ـ لا يشك، لا يغتاب، لا ينحرف، لا يغش المسلمين، تقول ألف كلمة قبلها لا هذا تطهير، لكن لطيف ـ تعطير ـ حليم، رحيم، ودود، متواضع، هناك تطهير وهناك تعطير، الذكر يطرد الشيطان، ويرضي الرحمن، ويزيل الهم والحَزن، ويجلب للقلب الفرح والسرور، الذكر يطهر ويعطر.
5 ـ يقوي البدن :
من فوائد الذكر: أنه يقوي البدن، هذه تحتاج إلى شرح، ما علاقة الذكر بالصحة؟ الآن ثبت أن الشدة النفسية وراء معظم الأمراض، القلق، الحقد، الخوف، أمراض المعدة قد تبدأ بالشدة النفسية، أمراض القلب تبدأ بالشدة النفسية، أنا أعتقد أنه كلما تقدم الطب كشف العلاقة المتينة والقوية بين خطأ في العضوية وبين الشدة النفسية، بل إن في القرآن الكريم إشارة إلى هذه الشدة:
﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ﴾
الغيظ قاتل، الشدة النفسية تفك القامع عن الخلايا السرطانية، الشدة النفسية أي وحشة، بعد عن الله، خوف، قلق، إحباط، يأس، هذه الشدة النفسية، والشدة النفسية الآن مرض العصر الأول لبعد أهل الأرض عن الله عز وجل
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
يمكن أن تضع محلها الشدة النفسية، الآن أكثر الأطباء المتعمقين في الطب يربط بين المرض وبين أزمة نفسية طاحنة.
لذلك الذكر يجعلك صحيحاً، ماذا أقول لكم؟ أخطر جهاز بالإنسان جهاز المناعة المكتسب، هذا الجهاز يقويه الفرح، يقويه الأمن، يضعفه القلق، والخوف، والحزن، الذكر يملأ القلب نوراً، فترى بقلبك المستنير الحق حقاً والباطل باطلاً، والذكر يملأ الوجه نوراً، لا بالمقياس الجمالي المادي، قد يكون الإنسان ليس فاتح البشرة، لكن يوجد بوجهه نور يتلألأ، وقد يكون أسود البشرة، هناك بالذاكر شيء يجذبك، ترتاح، تسعد بالنظر إلى وجهه، فالذكر يملأ القلب نوراً فترى به الحق حقاً والباطل باطلاً، ويملأ الوجه نوراً فيتألق الوجه.
6 ـ يجلب الرزق :
الذكر يجلب الرزق، عجيب! لأنه ورد أن الإنسان قد يحرم الرزق بذنب يصيبه، الله عز وجل قال:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً ﴾
معنى ذلك أنك إذا ذكرت الله فالله يتولى أن تكون في حياةٍ مريحة، الذاكر يكسوه الله مهابة، ومن هاب الله وذكره هابه كل شيء.
عندما أمر الحجاج بقتل الحسن البصري، جاؤوا به والسياف واقف، وقد مدّ النطع، دخل الحسن البصري على الحجاج، فإذا بالحجاج يقف له، ويدعوه إلى مجلسه، ويسأله، ويعطره، ويضيفه، ويشيعه إلى باب القصر، فصعق السياف، ولما غادر الحجاج تبعه الحاجب، وقال له: يا أبا سعيد! لقد جيء بك لغير ما فُعل بك، فماذا قلت لربك؟ هو عندما دخل حرك شفتيه، قال له: قلت لربي: "يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم".
فالذاكر له هيبة، احفظوا هذه القاعدة: من ذكر الله هابه كل شيء، ومن لم يذكر الله أخافه الله من كل شيء.
7 ـ يورث المحبة :
الآن الذكر يورث المحبة، هي روح الإسلام، الآن هناك مساجد، وكتب إسلامية، ومكتبات إسلامية، ومؤتمرات إسلامية، ولقاءات إسلامية، كل شيء إسلامي، لكن لا يوجد حب، الذكر يورث المحبة، إن لم تحب المؤمنين، إن لم تنتمِ إلى مجموع المؤمنين، فلست مؤمناً، هذه الفقاعات، جماعات، خصامٌ بينها، تراشق تهم بينها، تكفير، تبديع، هؤلاء ليسوا كما يرضى الله عز وجل، لو أنهم ذكروا الله الذكر الحقيقي لأحب بعضهم بعضاً، الحب أصل في الدين.
(( لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه ))
إن أردت أن يحبك الله عز وجل فأكثر من ذكر الله، ورد في الأثر:
(( إذا أردتم رحمتي فاذكروني ))
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾
8 ـ يفضي بالإنسان إلى مراقبة الله عز وجل :
الذكر أيها الأخوة، يفضي بك إلى المراقبة، تراقب الله عز وجل، والمراقبة تفضي بك إلى الإحسان، والإحسان أعلى مراتب الإيمان.
(( أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنَّه يراك ))
9 ـ يورث القرب من الله عز وجل :
الذكر يورث القرب من الله عز وجل، فعلى قدر ذكرك لله يكون قربك منه، وكلما كنت أقرب إلى الله كنت أسعد الخلق، وعلى قدر الغفلة يكون البعد، وكلما كان العبد بعيداً عن ربه كان شقياً، قضية كالرياضيات واضحة جداً، وأكبر عقاب يناله الإنسان.
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
مثلاً: يقول لك إنسان: أنا معي مال كثير، وعملت فحوصاً كاملة، فتقول له: خير إن شاء الله، معك مال ومعك صحة طيبة، لكنك مقطوع عن الله، بعضهم قال: الذكر يفتح أبواباً كثيرة من أبواب المعرفة، أي إن صحّ أن هناك معرفة اشراقية هي من ثمار الذكر، هذه المعرفة الاشراقية منضبطة بالكتاب والسنة، فلعل الله عز وجل يزيد المؤمن بذكر الله عز وجل فهماً لكتابه.
﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾
وفهماً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإدراكاً للحكم من وراء النصوص، هذه معرفة اشراقية أحد أسبابها الذكر، والشيء الذي أذكره كثيراً: أن ذكر الله يورثك أن يذكرك الله.
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
أما إذا ذكرك الله عز وجل منحك الأمن، منحك الحكمة، منحك الرضا، منحك السكينة، منحك التأييد، منحك النصر، شيء لا يقدر بثمن أن يذكرك الله عز وجل، قال لك:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
إذا ذكرك كنت الإنسان الأول، والحقيقة الذكر حياةٌ للقلب، الذكر للقلب كالماء للسمك بالضبط، كيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟ صدق ولا أبالغ ويكون حال المؤمن إذا غفل عن ذكر الله كالسمك الذي أُخرج من الماء، قالوا: الذكر قوت القلوب.
10 ـ يبعد القلوب عن السأم و الملل و الضجر :
الآن الذاكر من إكرام الله له أن قلبه الصدئ يذهب عنه الصدأ، الدليل: إن هذه القلوب تصدأ، أي يصيبها حالة ملل، سأم، ضجر، لا يوجد رغبة بالطاعة ولا بالصلاة، يقرأ القرآن لا يحس ب شيء، رأساً ينصرف عنه، إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: فما جلاؤها؟ قال: ذكر الله ،أنت بالذكر ينتعش قلبك، وبالذكر تزول الوحشة بينك وبين الله:
فــليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضاب
ولـيت الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين الـعالمين خراب
إذا صحّ منك الوصل فالكل هين ٌ وكل الذي فوق التراب تراب
* * *
11 ـ ينجي من عذاب الله تعالى :
والذكر ينجي من عذاب الله تعالى، ورد أنه:
(( ما عَمِل ابنُ آدمَ من عَمَل أنْجَى له من عذابِ الله من ذِكْرِ الله ))
ارتباط الذكر بتنزل السكينة، السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، أحد أسباب السكينة ذكر الله عز وجل، ما دمت تذكر الله معنى ذلك أنك ابتعدت عن الغيبة والنميمة، لابد من أن تتكلم، إذا كان كلامك ذكر الله عز وجل.
(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة، وآمرُ بالعُرْف ))
إذا تكلمت فتكلم بذكر الله، كي تبتعد عن كل معاصي اللسان.
12 ـ الذكر سبب لعطاء الله :
لذلك آخر شيء: الذكر سبب لعطاء الله، والله أيها الأخوة، ما من نصٍ أثّر في حياة المؤمنين كهذا النص:
(( يقول الرب تباركَ وتعالى: مَن شَغَلَهُ قراءةُ القرآن عن مسألتي أعطيتُهُ أفضلَ مَا أُعْطِي السائلين ))
أي بشكل أو بآخر بعضهم عدّ للذكر مئة فائدة ذكرت بعضها، لكن هذه كلها تلخص في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ﴾