- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الافتقار إلى الله تعالى :
أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في موضوعٍ متصلٍ أشد الاتصال بـ :"سبل الوصول وعلامات القبول"، ألا وهو "الافتقار إلى الله تعالى".
أيها الأخوة، بادئ ذي بدء: قد يكون الإنسان على درجة عالية جداً من العلم، يلتقي بمن هو أدنى منه، يقول له: نحن تلاميذكم، هذا من باب الأدب، من باب التواضع، أما هو في الحقيقة أعلم منه، إلا أن الافتقار إلى الله شيءٌ آخر، هو واقع، أي العبد عبدٌ، والرب رب، أنت حينما تكون مفتقراً إلى الله، أنت في أعلى درجات الواقعية، لماذا؟ لأن العلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل، إن لم يكن هناك الدليل فهو التقليد، وإن لم يكن هناك مطابقة للواقع فهو الجهل.
أخوتي الكرام، يتوهم بعضنا أن الجاهل وعاؤه فارغٌ من المعلومات، لا، الجاهل وعاؤه ممتلئٌ بمعلوماتٍ ليست صحيحة، قد يحمل الجاهل أعلى شهادة، يتصور الدنيا هي كل شيء وليس هناك شيءٌ بعد الدنيا، القوة قوة المال فقط، الجنة في الدنيا، قد يحمل إنسان أعلى شهادة، وكل معلوماته الكبرى، وتصوراته، غير صحيحة، فالعلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
من الناس من يدري ويدري أنه يدري، فهذا عالمُ فاتبعوه، ومن الناس من لا يدري ويدري أنه لا يدري، فهذا جاهلٌ فعلموه، ومن الناس من لا يدري ويدري أنه يدري، فهذا شيطانٌ فاحذروه.
المؤمن عبد شكرٍ لأنه أدرك العبودية لله عز وجل :
لذلك الجاهل له ميزة، أنه يتقبل أن يتعلم، والعالم له ميزة، أنه عرف الحقيقة، لكن الخطورة في نصف العالم، لا هو عالمٌ فينتفع بعلمه، ولا هو جاهلٌ فيقبل أن يتعلم، فلذلك الافتقار إلى الله واقع، أنت عبدٌ فقيرٌ إلى الله، أي المؤمن فقير، والكافر فقير، والمشرك فقير، والفاجر فقير، والعاصي فقير، وكل إنسان مفتقر إلى الله،
لذلك ورد في القرآن الكريم عبيد وعباد، العبيد: جمع عبد الفقر، عبد القهر، والعباد: جمع عبد الشكر، أي إنسان لو تجمدت نقطة دمٍ في أحد أوعية الدماغ شُل، فهو عبد القهر، بأي لحظة الإنسان يفقد حركته، يفقد سمعه وبصره، يفقد توازنه:
(( اللَّهمَّ أَمتِعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقُوَّتنا ما أَحيَيتنا ))
فنحن جميعاً على اختلاف مشاربنا، وعلى اختلاف مستوى إيماننا، عبيدٌ قهرٍ، قال تعالى:
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
لكن المؤمن عبد شكرٍ، أدرك هذه العبودية.
الإنسان قبل أن يعرف الواحد الديان ضعيف كثير الجزع وحريص على ما في يده :
لذلك دققوا في هذا الدليل:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
هذا شأن الإنسان قبل أن يعرف الواحد الديان، شأن الإنسان أنه ضعيف، كثير الجزع، حريص على ما في يده.
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ* وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ* وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ* إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُون* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾
فالإنسان شأنه أنه فقير، جاهل، ضعيف، هذا شأن أي إنسان، لذلك ورد أنه:
((ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وأوى الغريب، كل ذلك لي وعزتي وجلالي، إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلؤه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عني كمثل الفردوس، لا يمس ثمرها، ولا يتغير حالها ))
المفتقر إلى الله مرتبةٌ في الإيمان عاليةٌ جداً :
إذاً أي إنسان كائناً من كان، مؤمن، كافر، ملحد، فاسق، فاجر، هو فقير إلى الله، لكن فقره فقر قهر، من هو المفتقر إلى الله؟ الذي رأى هذه الرؤية وهو قوي، رأى افتقاره إلى الله وهو غني، رأى افتقاره إلى الله وهو عالم، لذلك المفتقر إلى الله مرتبةٌ في الإيمان عاليةٌ جداً، من هو المفتقر؟ الذي شهد افتقاره، هو قوي يعلم علم اليقين أنه بثانية يصبح طريح الفراش، بثانية يصبح خبراً بعد أن كان رجلاً، بثانية يصبح في نعش كالبضاعة، الإنسان إذا سافر ومات في مكان السفر يرجع بضاعة، بأوراق معينة، بتخليص، بوثائق، كان شخصاً راكباً على مقعد، رجع بالنعش، فالإنسان الذي يشهد افتقاره إلى الله، هذه مرتبة في العبودية عالية جداً، يشهد افتقاره وهو قوي، يشهد افتقاره وهو غني، يشهد افتقاره وهو عالم.
لذلك قال بعض العلماء:
والفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لاَزِمٌ أبَداً كَمَا أَنَّ الغِنى أَبداً وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
***
العبد عبدٌ، والرب رب، أما أنت كلما افتقرت إلى الله، أي كلما شهدت ضعفك أمام الله، كلما شهدت جهلك أمام علم الله، ماذا قال الشافعي؟ والله كلام رائع، قال: كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي.
﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾
لذلك قال بعض العارفين: عين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به، أنت حينما تعجز عن إدراك ما ينبغي أن تدركه، فهذا نوعٌ من الإدراك، قال الصديق: العجز عن إدراك الإدراك إدراك.
لو سُئلت وأنت على شاطئ بحر، هذا المحيط الهادي كم لتر؟ أي رقم تعطيه فأنت جاهل، لو سُئلت أمام المحيط الهادي، كم لتر؟ أي رقم تدلي به فأنت جاهل، إذا قلت: لا أدري فأنت عالم.
مع الذات الإلهية عين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به، ولا يعرف الله إلا الله، حتى إن سيد الأنبياء والمرسلين هو أعلمنا بالله، لكنه في الحقيقة لا يعرف الله إلا الله.
أي شيءٍ يؤلهه الإنسان الله عز وجل يخيب ظنه به :
أيها الأخوة، الافتقار إلى الله وأنت في أعلى درجات القوة تشهد ضعفك أمامه، وأنت في أعلى درجات الغنى تشهد افتقارك أمامه، إنسان أظنه صالحاً، ولا أزكي على الله أحداً، أخطأ خطأ في التوحيد، قال: الدراهم مراهم، توهم أن في الدراهم تحل كل المشكلات، وقع في مشكلة، بقي في المنفردة ثلاثةً وستين يوماً، أدبه الله، الدراهم ليست مراهم، المراهم رحمة الله، المراهم حفظ الله، المراهم توفيق الله، المراهم نصر الله لك.
لذلك أيها الأخوة، أي شيءٍ تؤلهه لحكمةٍ بالغةٍ بالغة، وغيرة عليك، ومحبة لك، الله عز وجل يخيب ظنك به، تعتمد على المال، هناك مشكلات لا تحل بالمال.
مرة كنت عند طبيب قلب، جاءه هاتف، قال له: أي مكان بالعالم، وأي مبلغ، قال له: والله لا يوجد أمل، الورم بالدرجة الخامسة.
لذلك رحمة الله خير، والشيء العجيب أنه يؤتى الحذر من مأمنه، أي مع الله لا يوجد ذكي أبداً، لكن هناك إنسان مستقيم، الاستقامة تنفعك، أما الذكاء مع الله لا ينفعك، لأن الحذر يؤتى من مأمنه، لهذا قال الله عز وجل:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾
لو أن أبا لهب جاء إلى النبي، وأعلن الشهادة شكلاً، من باب الذكاء، لألغى هذه السورة، ولكن الله إرادته مطلقة:
﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾
السين للاستقبال:
﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾
هؤلاء السفهاء لو سكتوا لألغوا هذه الآية، يؤتى الحذر من مأمنه، لا تقل: أنا، ولي، وعندي، ونحن، لا تقل: لا أنا، ولا نحن، ولا لي، ولا عندي.
مرتبة الافتقار من أعلى درجات العبودية لله عز وجل :
أيها الأخوة، هذه المرتبة، مرتبة الافتقار، من أعلى درجات العبودية لله عز وجل، أنا أقول: افتقار وأنت قوي، أما أي إنسان حينما يكون ضعيفاً يكون مفتقراً، مفتقراً قهراً، وأي إنسان حينما يكون فقيراً حقيقةً هو مفتقر، ضعيف مفتقر، جاهل مفتقر، أما البطولة وأنت في أوج قوتك، وفي أوج علمك، وفي أوج غناك، أن ترى ضعفك أمام الله، هذه درجة في الإيمان عالية جداً، لذلك هذه المرتبة ليست سهلة، كفكرة سهلة، أما أن تعيش بها دائماً فليست سهلة.
لذلك الأقوياء يستكبرون، والأقوياء يقعون في شر أعمالهم، والأقوياء يغترون، وقلت لكم من قبل: طريق القمة صعبٌ جداً، تصور الطريق صاعدة، وهناك غبار، وحر، و أكمات، ووهاد، ومشقة، لا تبلغ القمة إلا بشق الأنفس، ولكن البطولة لا أن تصل إليها أن تبقى فيها، لأن الهبوط من القمة إلى الحضيض سهل جداً، بثانية، لذلك أخطر مرض يصيب الناجحين في الحياة هو الغرور، احفظوا هذه الكلمة: بطولتك لا أن تصل إلى قمة النجاح، أن تبقى في هذه القمة، ولن تبقى في القمة، إلا إذا كنت مفتقراً إلى الله.
دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً، كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل.
للتقريب: تجد أحياناً اسماً، قبله حرف الدال، ما معنى اسم قبله حرف الدال؟ أي هذا معه ابتدائية، وإعدادية، وثانوية، ولسانس، ودبلوم عامة، ودبلوم خاصة، وماجستير، ودكتوراه، ومؤلف كتاب، والكتاب له طابع إبداعي، كلمة دال تعني كل هذه المراحل، وكلمة مفتقر إلى الله تعني إنسان مؤمن إيماناً كبيراً عرف الله فتواضعت نفسه، أي كما قلت في لقاءٍ سابق: العبودية لله لا تحتمل الكبر أبداً:
(( لا يدْخُلُ الجنةَ مَنّ كان في قلبه مثقالُ حبَّة من كِبْر ))
العلم أحد أسباب الافتقار إلى الله عز وجل :
لذلك مرتبة الافتقار مرتبةٌ في أعلى درجات العبودية لله عز وجل، هذه تحتاج إلى مقومات، قال: الافتقار يحتاج إلى علم يسوسه ، وورع يحجزه، ويقين يحمله، وذكر يؤنسه.
مثلاً: يعرف الطبيب أنه بأي ثانية الإنسان يفقد حركته، إذاً هناك أدب، لا يقول: أنا، يبدو كان هناك شيخ النجارين في العهود السابقة، نشبت مشكلة بينه وبين الملك، أراد الملك أن ينتقم منه، فكلفه بأن يأتيه بمئة كيس من النشارة، هذه تحتاج إلى عشر سنوات، أيقن هذا النجار الكبير أن الملك أراد قتله، فإن لم يأتِ بها في صبيحة اليوم يُقتل، طرق الباب صبيحة اليوم ودع زوجته، وأولاده، وعمل الوصية، قال له: تفضل، قال له: لا، الملك مات، اصنع له نعشاً، فالإنسان بأي لحظة يفقد حياته، يفقد صحته.
(( اللهم إنا أعوذ بك من فجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك، ولك العتبى حتى ترضى))
لا يوجد إنسان أغبى من إنسان لم يدخل الله في حساباته، لا تفتقر بلا علم، العلم أساس الافتقار، يجب أن تعلم من أنت، يجب أن تعلم أنك بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منك، يجب أن تعلم أن الأمر كله بيد الله:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
ينبغي أن تعلم أنك في قبضة الله في كل ثانية، العلم أحد أسباب الافتقار إلى الله، لا يوجد حركة، ولا سكنة، إلا بيد الله عز وجل.
أغنى أغنياء بريطانيا، روتشيلد، عنده خزانة، فيها أموال تحتاجها الدولة، وكثيراً ما أقرض الدولة في بريطانيا، وكان كثير الأسفار، أحياناً يغادر لندن إلى باريس، إلى روما، فمرةً دخل خزنته، غرفة كبيرة، أُغلق الباب خطأً، و لم يسمعه أحد، قبل أن يفارق الحياة، جرح يده، وكتب على الحائط: أغنى رجل في العالم يموت جوعاً وعطشاً.
المفتقر إلى الله يحتاج إلى ورع يحجزه عن معاصي الله :
الله عز وجل قادر، الإنسان لا ينتفع بالمال كله، ولا بأولاده أحياناً، يعتني بالابن عناية فائقة، يرسله إلى بلاد الغرب، يتزوج أجنبية، ويتجنس، وينسى أباه، لأنه وضع أمله فيه لذلك:
(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً، لكان أبو بكرٍ خليلي، ولكن أخٌ وصاحبٌ في الله ))
المفتقر إلى الله يحتاج إلى علم، ويحتاج إلى ورع، يحجزه عن معاصي الله، من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله.
(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعةٍ من مخلط ))
بعض العلماء قال: والله لترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد حجة الإسلام، الدانق كما قال العلماء سدس الدرهم، أي نصف ليرة سورية، ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد حجة الإسلام، العبادات الشعائرية، منها الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، لا تقبل، ولا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية، وهي الصدق، والأمانة، والعفة، والورع، والرحمة، والإنصاف، والتواضع، هذه الأخلاق هي أسباب قبول العبادات.
المؤمن الصادق يتمتع برؤية لا يملكها أكثر الناس يرى الحق حقاً والباطل باطلاً :
ويحتاج هذا الافتقار إلى يقين:
﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
المؤمن الصادق لو كفر ستة آلاف مليون لا يكفر، المؤمن الصادق لا تأخذه الكثرة، قد تكون الكثرة شاردة عن الله عز وجل:
﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ* لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾
المؤمن الصادق يتمتع برؤية لا يملكها أكثر الناس، يرى الحق حقاً، والباطل باطلاً، يرى مصيره، مثلاً سيدنا يوسف شاب، في ريعان الشباب، وغريب، وجميل الصورة، العلماء عددوا عشرة أسباب تدعوه لقبول عرض امرأة العزيز:
﴿ قالَ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾
له رؤية، رؤيته منعته أن يعصي الله، بينما مليون مليون شاب لو كان مكانه لرأى مقاربة هذه المرأة مغنماً كبيراً، يحتاج إلى علم، وإلى ورع، وإلى يقين، وإلى ذكر ليأنس بالله، لذلك قال تعالى:
﴿ يا أيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
سُئل بعض العلماء: متى يستريح الفقير؟ قال: إذا عاش كل يومٍ بيومه، لأنه ما مضى فات، والمؤمل غيب، الذي مضى مضى، لا جدوى من الحديث فيه، والأغبياء دائماً يتغنون بالماضي.
ألهى بني تغلب عن كل مكرمةٍ
* * *
قصيدةٌ قالها عمر بن كلثوم، التغني بالماضي من دون حاضر قوي نوع من الغباء، والمستقبل لا أحد يملكه، إنسان مرة حدثني عن عشرين سنة قادمة، قرأت نعوته في اليوم نفسه، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، لا تملك إلا هذه الساعة.
الافتقار إلى الله له بداية وبدايته التذلل إلى الله وله نهاية ونهايته العز :
الافتقار إلى الله له بداية، وله نهاية، له ظاهر، وله باطن، بدايته التذلل إلى الله ونهايته العز.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
* * *
ظاهره تذلل، أما باطنه سموٌ إلى الله عز وجل.
أخواننا الكرام، شيء عجيب! هذا الدرس، والدرس السابق، فيه حقيقة خطيرة، كلما تواضعت لله، وافتقرت إليه، رفعك، وكلما تكبرت وضعك، أنت في أعلى درجات العز، والقوة، والهيبة، والوقار، حينما تكون في أعلى درجات الافتقار إلى الله، فكلما تواضعت لله رفعك، دقق في هذه الآية:
﴿ أولئك َعَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾
الهدى رفعهم، الافتقار رفعهم، الشعور بالضعف أمام الله رفعهم، لذلك أنا أتمنى كل عمل تقدم عليه أن تقول: يا رب إني تبرأت من حولي، وقوتي، وعلمي، والتجأت إلى حولك وقوتك، وعلمك، يا ذا القوة المتين، إن كنت طبيباً قبل أن تعالج المريض، يا رب أنا فقير إلى هدايتك، إن كنت محامياً أن تستلهم ربك عز وجل قبل كتابة المذكرة، إن كنت تاجراً، قبل أن تشتري هذه الصفقة، قد تكون فيها خسارة كبيرة، فلذلك الافتقار إلى الله أحد أكبر أسباب النجاح.
أيها الأخوة، البطولة أن تداوم على الافتقار إلى الله، طبعاً كل إنسان بساعات الضعف، ساعات المرض، يفتقر، هذا افتقار طبيعي، افتقار عام، أما الذي أتمناه أن يكون الافتقار مستمراً في حياتك، وهذا من علامة إيمانك.
الافتقار إلى الله يحتاجه كل إنسان في كل وقت :
أيها الأخوة الكرام، موضوع الافتقار إلى الله موضوع يحتاجه كل واحدٍ منا، لكن ألخص هذا الموضوع بكلمتين: إذا كنت مفتقراً إلى الله تولاك الله، بالرعاية، والحفظ، والتأييد، والتوفيق، والنصر، وإذا اعتمدت على مالك، أو على جاهك، أو على أسرتك، أو على أتباعك، أو اعتمدت على هذا الجهاز المحمول، تكون في أدق الحاجة إليه، لا يوجد تغطية، سيدنا يونس وهو في بطن الحوت، في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت:
﴿ فنادى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾