- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (009) سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
فلآية المائة والعشرون، من سورة التوبة، وهي قوله تعالى:
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)﴾
أيها الأخوة: من خلال هذه الآية، تستنبط حقائق كثيرة.
الحقيقة الأولى: أن العبادة تشمل الحياة كلها، النشاطات كلها الأوقات كلها، مناح الحياة كلها، قد يتوهم الإنسان، أن العبادة، تلك العبادات الشعائرية، من صومٍ، وصلاةٍ، وحجٍ، وزكاة.
ولكن حقيقة العبادة، أن تأتمر بما أمر الله، وأن تنتهي بما نهى عنه، في كل شؤون حياتك، أيعقل أن يكون، ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا، ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب يعني كل نشاطات الحياة، في بيتك، في عملك، في جهادك، في لقائك مع العدو، إذا حجمت العدو، صغرته أعززت الدين، هذه عبادة.
لذلك عرفوا أن العبادة، بأنها عبادة طوعيه، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية، تفضي إلى سعادةٍ أبدية.
أوضح لكم هذه المعاني بشكلٍ آخر، كل واحد منا له عمل اختصاصه حرفته، صناعته، تجارته، وظيفته، عملك يمكن أن يكون عبادة، بكل معاني هذه الكلمة، لو أن العمل مشروعٌ، وتعاملت معه بطريقةٍ مشروعةٍ إسلامية وابتغيت به خدمة نفسك، وكفاية أهلك وأولادك، وخدمة المسلمين، ولم يشغلك عن فرض أو عن واجبٍ، أو عن طلب علمٍ، انقلب العمل إلى عبادة، إذا دعوة الله فأنت في عبادة إذا طلبت العلم فأنت في عبادة، إذا أمرت بالمعروف فأنت في عبادة حتى إذا تبخترت في مشيتك في الحرب.
أحد الصحابة تبختر في مشيته، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله يكره هذه المشية إلا في هذا الموطن، لأن المتكبر على المتكبر صدقه.))
معنى ذلك: أنه العبادة لا تقتصر على الصلاة، والصيام والحج والزكاة، كل نشاطاتك، إذا أدخلت على قلب أولادك السرور فأنت في عبادة، إذا جلست مع أولادك تؤنسهم، وتفرحهم، فأنت في عبادة، إذا أدخلت على قلب مؤمن السرور فأنت في عبادة، إذا فهمت العبادة، بمعناها الواسع كل نشاط المؤمن، كل حركاته، عطاءه منعه، غضبه، رضاه، صلته، قطعه، إلقائه تكلمه، سكوته، هي كلها عبادة، العبادة غاية الخضوع إلى الله، أنت بس تفهم الأوامر كثيرة جداً، الإسلام نظام متكامل، ادخل بعلاقتك مع جسدك، ادخل في بنظافتك، ادخل بعلاقتك مع أهلك، مع أولادك، ادخل بعلاقتك مع ربك، بكسب المال، بإنفاق المال، حتى في لهوك، اللهو في له مشروعية بالإسلام، حتى في الحزن، المسلم يأتمر بما أمر الله، في كل مناح الحياة، هي الآية تقريباً تجسد هذا المعنى، ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب تعب يعني، ولا مخمصة، جوع، في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح، معناها الجوع الذي تجوعه في سبيل الله فهو عمل صالح، الظمأ الذي تظمئه في سبيل الله فهو عمل صالح التعب الذي تتعبه في سبيل الله فهو عمل صالح إذا نلت من عدو نيلاً، لو ناقشت إنسان، لو جلست معه أربع ساعات وأقمت عليه الحجة هذا عمل صالح حجمته، كان يلقي الشبه على الناس، أنت حجمته، أنت بينت عظمت الدين.
﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً﴾
ذهبت تعزي إنسان، تبارك لإنسان، دعاك إنسان لزيارته توجهت إليه قطعت مسافة، ضيعت وقت، هذا كله محفوظ.
﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)﴾
هذه الآية تشير إلى أن كل حركات المسلم، وكل نشاطاته وكل أعماله، أعماله القولية، والفعلية، مواقفه، هذه كلها من عبادته، فإذا فهمنا العبادة بمعناها الواسع تشمل بيتك، وعملك، وعلاقاتك مع إخوانك، ودعوتك إلى الله، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر هي العبادة.
لذلك الله عز وجل قال:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
فإذا الإنسان توهم أنه العبادة الصلاة فقط، أو الصيام فقط أو الحج فقط، يعني الله خلق الكون من أجل أن نؤدي هاتين الركعتين لا، خلق الإنسان من أجل أن ينصاع إلى أمره، فإذا انصاع إلى أمره سعد بقربه في الدنيا والآخرة.
فهذه العبادة فيها ثلاث أشياء:
فيها شيء فكري.
وشيء سلوكـــي.
وشيء جمالــي.
الفكري أولاً، السلوكي ثانياً، الجمالي ثالثاً.
الفكري ثمن، والسلوكي هو صلب العبادة، والجمالي الجائزة.
فأنت تتعرف إلى الله، وإلى منهجه، الآن تنطلق إلى التطبيق الآن تسعد بقربه، طاعةٌ طوعيه، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، أساسها معرفةٌ يقينية، تفضي إلى سعادةٍ أبدية.
يعني إذا أردت أن تلخص الدين كله، هذا هو الدين معرفة وسلوك وسعادة، السعادة هي الهدف، هي النهاية، هي المصير، هي الجائزة، هي الإكرام والسلوك هو الثمن، والمعرفة هي السبب، سبب وثمن، وجزاء.
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ﴾
في بالآية إشارة ثانية:
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾
يعني كأنه الآية تشير إلى أن المؤمنين يجتمعون، يتعاونون لا يتخلفون، لا يتنصلون، لا ينسحبون، ليسوا فرادة، هم أمة مجتمعة طبعاً في عهد النبي الآية لها معنى، إنسان يتخلف عن رسول الله معناها ما في إيمان إطلاقاً، لكن بعد عهد النبي، ماذا تعني الآية ؟ كن مع جماعة المؤمنين، كن معهم، عاونهم، أيدهم، قوهم، بمالك باختصاصك، بخبرتك، لا تكن فرد، الأفراد ضعفاء، يد الله مع الجماعة.
فالآية فيها نقطتان:
النقطة الأولى أن تلزم جماعة المؤمنين، وأن تكون أنت لهم وهم لك، إمكانيتك لهم جميعاً، وهم جميعاً لك، هكذا الإيمان وجماعة المؤمنين بأوسع دائرة طبعاً، جماعة المؤمنين كافةً، أن تكون معهم.
والمعنى الثاني، أن كل نشاطاتك في الحياة، إذا كنت تعرف الله عز وجل وتبتغي رضوانه، تصبح عبادة، كل نشاطاتك.
النبي الكريم قال: وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة حتى لو الإنسان قارب أهله له أجر، أنه مشى في الطريق المشروع لو لم يفعل هذا لفعل العكس، لفعل المعصية.
فإذاً حياتك، نشاطاتك، عطائك، منعك، هذا كله عبادة فينبغي أن نفهم العبادة بمعناها الواسع، جزء من العبادة، العبادة الشعائرية، جزء، من هذه العبادات، يعني كل شيء الله أمر فيه الائتمار به عبادة، كل شيء الله نهى عنه الانتهاء عنه عبادة، في شتى مناح الحياة، جزء من هذه العبادة، الصلاة والصوم، والحج والزكاة، جزء منها، هي سموها عبادة شعائرية، أما العبادة التعاملية هي الأصل، إذا صحت العبادة التعاملية، صحت العبادة الشعائرية.
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا وصلى على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.