- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (009) سورة التوبة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين:
أيها الأخوة الكرام:
فلآية التاسعة عشرة، من سورة التوبة، وهي قوله تعالى:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)﴾
الحقيقة، أحياناً نتوجه بالخطاب، لعامة الناس، فنقول لهم: استقيموا، اعبدوا ربكم، آمنوا بالله، اعملوا الصالحات.
لكن إذا توجهنا بالخطاب إلى المؤمنين، خاصةً، نبين لهم أن هناك أعمال صالحة كثيرة، لكن بعضها أعظم من بعض.
إذا رأيت إنساناً شارداً واستقام على أمر الله، فهنئه، وبارك له وشجعه، لكن إذا رأيت مؤمناً يعرف الله عز وجل، يختار من الأعمال أهونها، ويدع الأعمال الجليلة، فينبغي أن تنصحه.
فأحياناً في أعمال صالحة، ما بتكلف، دفع مبلغ، يعني أحياناً إنشاء جمعية خيرية، شي جميل، جمعية، ولها مقر، ولها مكتب فخم وتبرعات، وجاهة، وعطاء، أيام إنشاء مسجد عمل عظيم، لكن عملية شراء أرض وتطويب، ورخصة، وهندسة.
أما غض البصر غير سهل، غض البصر، التفكر في خلق السماوات والأرض ليس سهلاً، ففي أعمال فيها بناء للنفس، وفي أعمال أخرى أعمال صالحة مشكورة، لكن ما بتكلف جهد، ولا بتكلف مجاهدة، ولا بتكلف ضبط نفس، ولا بتكلف صراع.
فربنا يقول جل جلاله:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾
واحد فكر بالكون، عرف الله ضبط جوارحه، ضبط بيته، ضبط عمله، ازداد معرفة بالله، فهم كتاب الله، فهم سنة رسول الله، دعا إلى الله، جاهد نفسه وهواه بذل جهد كبير.
واحد حالته المادية جيدة جداً، قال: مائة ألف عليّ هذا شك نحن نشكره، نشكره أشد الشكر، لكن يلي معه مائة مليون، ودفع مائة ألف ما انهزت شعرة، وله سهرات مختلطة، وله نظر للنساء، ودخله في شبه، بيدفع إذا بدك.
نحن بدنا عمل صالح، يصل إلى أعماق النفس، نحن بدنا انضباط، بدنا سمو، بدنا إنسان تسمو نفسه، فليس كل إنسان عمل عمل صالح مادي، شكلي، كلامي دقيق جداً، أنا قبل كل شيء قلت: لو توجهنا بالخطاب لعامة الناس، ورأينا إنسان يبذل، يبني مسجد ينشئ جمعية، يبر أيتام، نشكره، ونهنئه، ونمتن منه.
أما إذا تحدثنا للمؤمنين، يعني واحد خارج المدارس، قام التحق بمدرسة، بارك الله، أما الآن إذا كان درسنا، وجلسنا مع طلاب مدرسة، اختاروا فرع أدبي، نقول لا: الفرع لا يناسبكم، بدكم فرع علمي، بدنا أطباء، بدنا مهندسين، بدنا علماء، ما بدنا خطباء، ولا بدنا شعراء، ولا بدنا حالمين.
فإذا كان توجهنا إلى طلاب العلم، ندلهم على أعظم الفروع أما إذا خاطبنا الجهلة، نقول لهم ادرسوا، التحق بأي مدرسة التحق.
فالدرس اليوم ليس لعامة الناس، طبعاً عامة الناس، إذا واحد ساهم ببناء مسجد، نشكره أشد الشكر، ونثني عليه، وعلى كرمه وعلى عمله الصالح، وعلى إحسانه، أنشئ جمعية خيرية، نشكره أشد الشكر.
لكن في أعمال الإنسان بيبذلها، لكن نفسه متلبسة بالمعصية بالمخالفات، المخالفات حجاب.
فلذلك، بناء النفس عمل عظيم، بناء النفس، تحقيق الإيمان عمل عظيم، تتعرف إلى الله عز وجل عمل عظيم، تتعرف إلى كتابه عمل عظيم، تعرف سنة رسوله عمل عظيم، توقع أعمالك وفق السنة عمل عظيم، يكون بيتك إسلامي عمل عظيم، عملك إسلامي عمل عظيم تجارتك وفق الأحكام الشرعية عمل عظيم، أن تكون داعياً إلى الله أن تكون آمر بالمعروف، ناهي عن المنكر، ضابط جوارح ضابط بيتك، زوجتك، أولادك، هذا العمل العظيم.
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾
الأعمال المادية، التي لا تكلف شيئاً، أيام واحد بقلك أرباحه من البنوك أنشئ فيها مسجد، بثلاثين مليون، كثر خيرك يا سيدي فضلت، نثني عليه.
لكن إذا خاطبنا كبار المؤمنين، نقول لهم: لا، يجب أن تبنوا نفوسكم بناءً صيحاً.
دائماً نحنا المتفوقون لهم حساب خاص، أهل الإيمان لهم حساب خاص.
النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا استيقظ في الليل، له دعاء يقول: والدعاء قرآني أساساً:
اللهم اهدني لما أختلف فيه من الحق ضمن الحق
في حق، وفي أحق، في عمل صالح، وفي أصلح وفي عمل مادي، وفي عمل كبير.
الآن إذا ا_لإنسان صلى، على العين والرأس، وصام، وحج وزكا عبادة هي، لكن، فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب.
فإذا الإنسان سلك طريق الإيمان، ينبغي أن يبحث عن البطولات، عن الأعمال الجليلة، الأعمال العظيمة، أما إذا خاطبنا عامة الناس، لو شفنا إنسان تحرك حركة نحو الحق، نصفق له ونشجعه، ونثني عليه، بارك الله بك، بارك الله بمالك، وأهلك وأولادك، إذا كان دفع ألف ليرة لجامع.
لكن المؤمنين، الله لا يكتفي، لا يقبل منك أن تنفق مالك وأنت لست منضبطاً على كتاب الله، في كثير أشخاص، البذل سهل عليه، إذا واحد أمواله ضخمة، البذل ليس صعب عليه، أخي علي خمسين ألف علي، مرة حضرنا جلسة، والله أنا أكبرتهم إخوانا التجار، مليونين ونصف بربع ساعة للأيتام، شي جميل، بس يا ترى لو فتت لبيت التجار، بتلاقي في انضباط، هون البطولة، الانضباط في البيت، في العمل، في السلوك، في الجوارح، في كسب المال في إنفاق المال، فهذه الآية خاصة للمؤمنين، ليست لعامة الناس.
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)﴾
فكل واحد منا يبحث عن عمل عظيم، أنا أرى أنه أعظم عمل بناء النفس، قل لي وين الدليل ؟ إليك الدليل:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) ﴾
يلي بزكي نفسه، بطهرها من الأمراض القصية، بحلي بالكمال، من خلال مجاهدة نفسه وهواه، من خلال طلب العلم الجلوس في مجالس العلم، تلاوة القرآن، فهم القرآن، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، تربية أولاده التربية الصحيحة، تربية زوجته، اختيار إخوانه من المؤمنين، يعني له عمل صالح، حجمك عند الله بحجم عملك، فإذا كان عملت عمل صالح، اعتبر أعظم عمل صالح، أن تزكي نفسك، الله قال:
﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾
بالقرآن.
﴿جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾
فمن أنواع الجهاد: الجهاد واسع جداً، هو الجهاد بذل للجهد أيام إنسان بزيح كأس، هذا شيء بسيط، لكن أزاحت صخرة، بقلك تنهنهت، هذا الجهاد، الجهاد بذل الجهد، إما في ساحات المعركة وإما في الدعوة إلى الله، وإما في فهم القرآن، وإما في تفسير القرآن.
فالمؤمن مطالب أن يختار أعظم الأعمال، أجل الأعمال، أجلُ عملٍ أن تزكي نفسك، أجلُ عملٍ أن تزكي نفسك، أجلُ عملٍ أن توقع سلوكك وفق الكتاب والسنة، أجلُ عمل أن تكون داعيةً إلى الله عز وجل، أجلُ عملٍ أن تكون قدوةً للناس، أجلُ عملٍ أن يتسع خيرك ليس هذا تقليلاً من شئن الصدقات، إياكم أن تفهموا عني خطأً، أنا ما قصدت أن أقلل من شئن بناء المساجد، ولا إنشاء الجمعيات ولا رعاية الأيتام، كلها أعمال جليلة، لكن لو اكتفينا بها، ولم نستقم على أمر الله، لو اكتفينا بها، ولم نغض أبصارنا، لو اكتفينا بها، ولم نحرر دخلنا، لو اكتفينا بها، ولم نضبط جوارحنا، لو اكتفينا بها ولم نربي أولادنا، لا تكفي، هذه الأعمال المادية لا تكفي، لأنه سهلة.
لكن جهاد النفس والهوى، بناء النفس، تزكية النفس، هو الذي أراده الله عز وجل.
هذه الآية تعطي هذا المعنى، وإن كان لها أسباب نزول وملابسات أخرى، لكن القرآن المطلق على إطلاقه، تعطي المعنى أنه أهم شيءٍ تفعله أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، وأن تجاهد في سبيل الله، من أجل أن تزكي نفسك، وأن تبنيها البنية الصحيحة، هذا العمل العظيم، إذا أضفت إليه الإنفاق في سبيل الله، يا عيني نور على نور، إذا ساهمت في بناء المسجد يا عيني، إذا ساهمت في تأسيس جمعية خيرية، ترعى الأيتام، ترعى الفقراء، عمل عظيم الأعمال المادية تكسب قيمتها الجليلة، لأن صاحبها ملتزم، أما من دون التزام، مشكلة، بقلك مثلاً يا نصيب خيري، حفلة غنائية يرصد ريعها لليتامى، لا تصح هي، هي أشياء تخليط اسمها، تخليط الحق بالباطل.
إذاً الآية الكريمة:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) ﴾
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.