الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
شعار المسلم أنه يبدأ الناس بالسلام:
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأربعين من دروس سورة النساء، ومع الآية السادسة والثمانين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا(86)﴾
من شعار المسلم أنه يبدأ الناس بالسلام، ويسلم على مَن يعرف وعلى من لا يعرف، ويستخدم الصيغة القرآنية في السلام، والصيغ الأخرى التي يستعملها أناس آخرون بعيدون عن الدين يترفع عنها تأدباً مع أدب الإسلام. الله عز وجل قال:
﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُۥ سَلَٰمٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا(44)﴾
والحقيقة كلمة السلام تعني السلامة، والسلامة مطلقة، تعني سلامة الدين، وتعني سلامة الصحة، وتعني سلامة العِرض، فإذا قلت لإنسان: السلام عليكم فأنت تدعو له بكل أنواع السلامة؛ بدءاً من سلامة الدين والعقيدة إلى سلامة الصحة إلى سلامة العِرض والسمعة.
والله عز وجل من أسمائه السلام، فأنت إذا كنت مطبقاً لمنهجه نالك هذا الاسم، فقد تحيا حياة طيبة، كما قال الله عز وجل:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
تحيا حياة طيبة، وإذا انقلبت إلى الآخرة فلك جنة عرضها السماوات والأرض.
الحكمة من ذكر آيات السلام ضمن آيات الحرب:
والجنة أساساً هي دار السلام، أنت في الدنيا في سلام، فإذا انتقلت إلى الرفيق الأعلى كنت في دار السلام، والتعامل مع الله كله سلام بسلام، والله يدعو إلى دار السلام، والسلام كما قلت: كلمة تحتمل كل المعاني التي يمكن أن تندرج تحتها.
والحقيقة حكمة أن تأتي آيات السلام ضمن آيات الحرب هناك حكمة بالغة! ذاك أن الذي تحاربه هو إنسان، فإذا سلّم عليك، أي طلب منك أن تعامله بالإحسان فلا ينبغي أن تقتله، فأي إنسان يسلم على مسلم في الحرب ينبغي أن يكف عن قتاله، فلعله يُسلِم على يديه، وقد غضب النبي أشد الغضب حينما قتل أحد الصحابة مشركاً وقد تلفّظ بالشهادة:
(( عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، قال: فصبَّحنا القوم فهزمناهم، قال: ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلًا منهم، قال: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، قال: فكفَّ عنه الأنصاري، فطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لي: يا أسامة، أقتلْتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، قال: فقال: أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال: فمازال يُكرِّرها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. ))
فحكمة أن تأتي آيات السلام ضمن آيات الحرب، أي أنك تحارب لا من أجل أن تُبيد الطرف الآخر، ولا من أجل أن تُزهق روحه، إنما تحاربه من أجل أن تأخذ بيده إلى الله، وأساس الجهاد أنه لا يُقبَل الجهاد قبل أن يمر بالمراحل التالية: لا بد بادئ ذي بدء أن تعرض عليه الإسلام، واضحاً جليّاً بيّناً مُدعَّماً بالأدلة، لذلك قال بعض العلماء: مَن عرضَ الإسلام عرضاً سطحياً، عرضاً غير متين، عرضاً هزيلاً، عرضاً غير متماسك، ثم إنه لم يستخدم الأسلوب الصحيح التربوي أو العلمي، واستخدم أسلوباً آخر مبنياً على الخرافة والخدع، وعلى المنامات والكرامات، ثم إن هذا المدعو إذا لم يجد في الداعي مصداقية في سلوكه لا يعد هذا المدعو مُبلَّغاً عند الله، ويقع إثم تفلّته من منهج الله على من دعاه بهذه الطريقة.
السلام يعني أن تعرض على الناس الإسلام أولاً، فإن قبلوه فهم منا ونحن منهم، أيّ مشرك أو كافر إذا عرضت عليه الإسلام فقبله أصبح جزءاً منك، له ما لك وعليه ما عليك، أما إذا رفضه تدعوه لدفع الجزية، وهذا حل وسط.
لأن في الإسلام جهاداً، وغير المسلم لا يُكلَّف بالجهاد، لأن الجهاد بالإسلام جهاد عقائدي لا جهاد نفعي، لا يقاتل إلا من يعتقد بالله عز وجل، وبأركان الإيمان، وبأركان الإسلام، ويجاهد لإعلاء كلمة الله في الأرض، ولئلا تكون فتنة ويكون الدين لله.
فهذا المشرك الذي لم يُسلِم لا يحق له أن يجاهد، لكن المسلمين مكلفون أن يحفظوا له حياته ومصالحه، فلا بد من دفع البدل النقدي وهو الجزية، فإن أبى أن يسلِم، وأبى أن يدفع الجزية فلا بد من أن يُقاتَل.
الآن: حينما تقاتل الكافر ليس القصد أن تقتله، وليس القصد أن تبيده، ليس في الإسلام حرب إبادة، الإسلام دين إنساني، وكلمة إنساني رائعة جداً، قد تجد بعض الدول في العالم الغربي تعتني بشعوبها عناية تفوق حد الخيال، أما مع الشعوب الأخرى فيذبّحونهم، ويقتلونهم، وينهبون ثرواتهم، ويشيعون الفوضى في حياتهم، ويقهرونهم ليستغلوا ثرواتهم، هؤلاء ينبغي ألا تحترمهم لأنهم ليسوا إنسانيين. لذلك ورد في حديث شريف عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. ))
[ صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ ]
من أخوه؟ اختلف العلماء! بعضهم قال: أخوه النَّسبي، بعضهم قال: أخوه الإيماني، لكن الأصح أخوه في الإنسانية، لا يمكن أن تكون مقبولاً عند الله إلا إذا عاملت كل البشر كما تحب أن يعاملوك، لأن الإنسان على ثُغرة من ثُغَر هذا الدين فلا يُؤتيَنَّ من قِبَله.
متى تقاتله؟ حينما يرفض الإسلام، وقد عرضته عرضاً صحيحاً دقيقاً متماسكاً عميقاً مُدعَّماً بالأدلة والشواهد، وعرضته بأسلوب علمي وتربوي، وكنت صادقاً في عرضك، لأنك مطبق لما تقول، الآن هذا المدعوّ يُعد مُبلَّغاً عند الله، إن أبى على كل هذه الميزات فينبغي أن تأمره بدفع الجزية، فإن رفض تقاتله، فإن قاتلته ليس القصد أن تبيده، ولا أن تمحقه، القصد أن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، فينبغي أن يقع أسيراً قبل أن تقتله، إذا وقع أسيراً فرزته لأحد بيوت المؤمنين، تعلّم الإسلام العملي، من كان عقله مغلقاً، وأبى أن يؤمن، ربما يؤمن لا بالإقناع النظري ولكن بالمعاملة الطيبة.
أيها الإخوة، القصص التي تُروى عن أصحاب رسول الله تنفيذاً لتوجيهات النبي في معاملة الأسرى لا تصدق!
لا يمكن لمؤمن أن يؤثر الأسير بطعامه، وبشرابه، وبلباسه، فحينما رأى الأسير معاملة فائقة في الكمال، معاملة فائقة في الإنسانية دخل الإسلام إلى قلبه، فإن آمن الأسير أصبحوا إخواننا! لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، هذا هو النظام في الجهاد.
لكن أحياناً تلتبس الأمور أنت تقاتل، وينبغي أن تنتصر، ويغيب عنك أن هذا الذي تقاتله قد يأخذ قراراً بالإسلام، وهو في المعركة! يقول لك: السلام عليكم، عندئذ ينبغي أن تكف عن قتله، لأنه لعله اهتدى إلى الله، وهو يقاتل. إذاً جاءت هذه الآية ضمن آيات القتال كي تعلمنا أنه ليس المقصود أن تقتل، المقصود أن تهدي، لم يبعث الله النبي عليه الصلاة والسلام قاتلاً للكفار، بل بعثه هادياً لهم لذلك قال تعالى:
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ(6)﴾
ينبغي أن تُسمِع هذا الطرف الآخر كلام الله ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ﴾ .
أحاديث كثيرة وردت في السنة الشريفة عن وجوب إفشاء السلام:
أيها الإخوة، في السنة الشريفة وردت أحاديث كثيرة عن وجوب إفشاء السلام،
(( فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا: أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ... ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ. ))
عوّد نفسك أن تسلم على كل إنسان، بل إن بعض الصحابة الكرام يسلّم على أخيه، ويمشي معه، فتعترض طريقهما شجرة تفرّقهما في المشي، فإذا التقيا ثانية سلّم أحدهما على الآخر! أرأيت إلى هذا؟
كنت في مجلس، قمت لشأن من شؤونك، وعدت إليه تقول: السلام عليكم، عوّد نفسك أن تفشي السلام، وكلمة سلام هي اسم الله، والسلام يعني السلامة في كل مفاهيمها وفي كل حدودها.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَال:
لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثاً، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ. ))
وهو حديث صحيح: (أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)
نماذج من صيغ السلام التي وردت في القرآن الكريم:
الآن كيفية السلام: أعرض لكم أيها الإخوة نماذج من صِيغ السلام التي وردت في القرآن:
﴿ قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَٰمٍۢ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٍۢ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ(48)﴾
وعن الخليل قال:
﴿ قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّىٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِى حَفِيًّا(47)﴾
أنت بسلام منا، أو سلام عليك، وفي قصة لوط قال:
﴿ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَٰمًا ۖ قَالَ سَلَٰمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25)﴾
وعن يحيى:
﴿ وَسَلَٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(16)﴾
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
﴿ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰٓ ۗ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59)﴾
وعن الملائكة قال:
﴿ جَنَّٰتُ عَدْنٍۢ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ ءَابَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ ۖ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍۢ(23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)﴾
وعن ذاته العليا قال:
﴿ سَلَٰمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّۢ رَّحِيمٍۢ(58)﴾
﴿ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـَٔايَٰتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُۥ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوٓءًۢا بِجَهَٰلَةٍۢ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعْدِهِۦ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(54)﴾
ومن السلامات في القرآن:
﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَٰكَ بِـَٔايَةٍۢ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَٱلسَّلَٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰٓ (47)﴾
وهذه فيها لفتة ذكية جداً، قد تُضطَّر أن تخاطب إنساناً كافراً لمصلحة المسلمين، كيف تبدأ السلام؟ ﴿وَٱلسَّلَٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰٓ﴾ فإن كان مهتدياً فالسلام يقع عليه، وإن كان غير مهتدٍ فلا يعنيه السلام. وعن عيسى عليه السلام قال:
﴿ وَٱلسَّلَٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(33)﴾
لك أن تقول: سلام عليكم، أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طرح السلام مندوب لكن ردّ السلام واجب:
الآية الكريمة: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍۢ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ﴾ طرحُ السلام مندوب، لكن ردّ السلام واجب، يرقى إلى مستوى الواجب، ومن لم يرد السلام يقع في إثم كبير، طرحُ السلام مندوب، تطرحه أو لا تطرحه، أما رد السلام فهو واجب. روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والدارامي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ:
(( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فَرَدَّ عليه ثم جَلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عَشْرٌ ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فَرَدَّ عليه فجلس، فقال: عشرون، ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فَرَدَّ عليه فجلس، فقال :ثلاثون ))
ثلاثون حسنة! قال الترمذي: حديث حسن، في رواية أبو داود عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَال:
(( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَشْرٌ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، فَقَالَ: عِشْرُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ... زَادَ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ، فَقَالَ: أَرْبَعُونَ، قَالَ: هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ. ))
[ سنن أبي داود عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ]
لأن الله عز وجل يقول: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍۢ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ﴾ طرح، إذا حيّاك إنسان غير مسلم: ﴿أَوْ رُدُّوهَآ﴾ إذا حيّاك إنسان مسلم تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته. وفي حديث آخر عَنْ سهل بن حنيف:
(( من قال السلامُ عليكم كُتِبَتْ له عشرُ حسناتٍ،ومن قال: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ كُتِبت له عشرون حسنةً، ومن قال: السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه كُتِبَتْ له ثلاثونَ حسنةً. ))
حكم السلام في مجلس العلم:
في رواية أخرى عن ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه:
(( أن رجلاً مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه فقال: سلام عليكم، فقال: عشر حسنات، ثم مر آخر فقال: سلام عليكم ورحمة الله، فقال: عشرون حسنة، ثم مر آخر فقال: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال :ثلاثون حسنة، فقام رجل من المجلس ولم يسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة))
بالمناسبة إذا كنت في مجلس علم لا ينبغي أن تسلّم! كلما دخل إنسان السلام عليكم! يرد عليه معظم الحاضرون، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أُلغِي الدرس! ففي مجلس العلم، ادخل واجلس، له حكم خاص، هذا قام ولم يسلم فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أوشك ما نسي صاحبكم، إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، وإن قام فليسلم) عليك أن تسلم إذا حضرت، وأن تسلم إذا غادرت، لكن مجلس لا مجلس علم، دخلت بيت فيه ضيوف، أو لقاء، أو وليمة السلام عليكم، غادرت، السلام عليكم.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنَ الْآخِرَةِ. ))
أي إذا غادرت ينبغي أن تسلم، لكن يوجد بعض التوجيهات: أنك إذا دخلت سلِّم، وصافح الناس واحداً واحداً، أما إذا غادرت فلك أن تسلم دون أن تصافح، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( أبخلُ الناسِ من بَخِلَ بالسلامِ. ))
بخيل جداً! تركب بالمصعد مع رجل آخر يتأمل بك، يزوِرك فقط، قل له: السلام عليكم، تلتقيان في مدخل بيت.
من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في السلام:
من علامات قيام الساعة أنك لا تسلّم إلا على من تعرف! أما الذي لا تعرفه فلا تسلم عليه (أبخلُ الناسِ من بَخِلَ بالسلامِ) وفي حديث أخر:
(( إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر. ))
(( وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ. ))
الذي يبدأ بالسلام هو الأقرب لله عز وجل.
يُجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلّم أحدهم، خمسة يسيرون في الطريق، ورجل جالس، ليس هناك مِن مبرر أن يقول كل واحد من هؤلاء لهذا الجالس: السلام عليكم، من هؤلاء الجمع يكفي أن يسلم واحد منهم نيابة عن بقية إخوانه.
ومن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام: لو كان جمع يجلسون ومرّ جمع أو واحد، الواحد ألقى السلام، أو واحد من الجماعة ألقى السلام نيابة عن الجمع، يكفي أن يسلّم من الجلوس واحد نيابة عن الجلوس، واحد بواحد، وكأنه فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل. ومن أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا قال لك مثلاً: كنت والله في حلب، والتقيت بصديق لك، وبلغني أن أُقرِئك السلام! ماذا تقول له أنت؟ وصل! لا، تقول له: عليك وعليه السلام.
(( عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها هذا جبريل عليه السلام، وهو يقرأ عليك السلام فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا نرى. ))
هو رأى جبريل وسمعه، وقرأ عليها السلام قالت: وعليه السلام ورحمة الله.
(( عن غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَنْهَلٍ مِنَ الْمَنَاهِلِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ الْإِسْلَامُ جَعَلَ صَاحِبُ الْمَاءِ لِقَوْمِهِ مئة مِنَ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَقَسَمَ الْإِبِلَ بَيْنَهُمْ وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ فَأَرْسَلَ ابْنَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: ائْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَإِنَّهُ جَعَلَ لِقَوْمِهِ مئة مِنَ الْإِبِلِ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا وَقَسَمَ الْإِبِلَ بَيْنَهُمْ وَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مِنْهُمْ أَفَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَمْ هُمْ؟ فَإِنْ قَالَ لَكَ: نَعَمْ أَوْ لَا، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ عَرِيفُ الْمَاءِ وَإِنَّهُ يَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ لِيَ الْعِرَافَةَ بَعْدَهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ. ))
[ سنن أبي داود بسند ضعيف ]
أيها الإخوة، من أحكام السلام:
(( إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ. ))
أحياناً الإنسان يركب مركبة مع بعض إخوانه المؤمنين ينزل منها لشأن ثم يعود، إذا عاد إليها يقول: السلام عليكم، هذا من أدب الإسلام. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: (إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ) ومن الندب أيضاً أنه من سلّم عليه إنسان، ثم لقيه عن قرب نُدِب التسليم عليه ثانياً. رآه على الرصيف المقابل قال: السلام عليكم، بعد حين هذا الصديق انتقل للرصيف الأول، والتقى بأخيه ثانية، يجب أن تعيد عليه السلام مرة ثانية.
ومن توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِير ))
من أدب السلام في الجماعات الدينية! وروى الشيخان أيضاً:
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم، وقال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفعلُهُ. ))
(( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلمان يلعبون فسلم عليهم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ. ))
الابتعاد عن المصطلحات الغير إسلامية والتسليم بسلام رسول الله:
من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم. ))
[ رواه الشيخان ]
قال لك: السام عليكم، أراد شيئاً آخر، قل له: وعليكم، كما قال.
(( عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم. ))
أحياناً يكون في السوق تجمع حول حاجة، دخلت أنت للتجمع، قلت: السلام عليكم، لا يعنيك أن يكونوا كلهم مسلمون أو نصفهم أو أكثرهم (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم) .
أيها الإخوة، أحكام السلام: السلام تطوّع والرد فريضة، وهذا ما قاله العلماء قاطبة، لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا﴾ كلمة حسيباً: إن لم ترد السلام يحاسبك، وإن بُدِئتَ بالسلام، وأنت في المعركة، وقتلته تُحاسَب! معنى هذا أنه استسلم لك، وانصاع لدينك فلا ينبغي أن تجعل الهدف هو القتل، ينبغي أن تجعل الهدف هو الهداية.
أيها الإخوة الكرام، هناك أناس يتوهمون أنهم راقون يقول لك: باي، كل السلامات التي يستخدمها الطرف الآخر ينبغي ألا تستخدمها، كلمات كثيرة سعيدة، مرحباً، باي، هاي، هذه كلها سلامات ينبغي علينا أن نبتعد عنها، ونسلم بسلام رسول الله، وباسم الله السلام، نطرح السلام بود على من نعرف وعلى من لا نعرف.
الملف مدقق