وضع داكن
22-11-2024
Logo
الدرس : 39 - سورة النساء - تفسير الآيتان 84-85، حقيقة الشفاعة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإنسان هو المخلوق الأول الذي أودعت فيه الشهوات ثم منح العقل وأعطي المنهج :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع والثلاثين من دروس سورة النساء، ومع الآية الرابعة والثمانين، وهي قوله تعالى:

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

 حكمة الله اقتضت أن يكون في الأرض حق وباطل، وخير وشر، وعدوان وسلام، ذلك أن الإنسان وهو المخلوق الأول أودعت فيه الشهوات، ثم منح العقل وأعطي المنهج، فينبغي أن يتبع المنهج، وأن تمارس الشهوات وفق منهج الله، فإن لم يكن ذلك كذلك كان العدوان بين البشر، الإنسان في جسمه دوافع إلى الطعام والشراب والجنس، وأشياء كثيرة، وهذه تحتاج إلى أموال، فحينما يتحرك بدوافع من شهوته ومن دون ضابط من منهج أو قيم فلا بد أن يأخذ ما له وما ليس له، فالعدوان بين بني البشر والقتال بينهم أساسه أن تأخذ ما ليس لك، وما يجري في العالم اليوم من حروب هدفها السيطرة على الثروات كي توفر لشعوب المعتدين حياة عالية جداً، فلو دخلنا في أعماق القتال فإننا نجده ناتجاً من طبيعة الإنسان، فهو مخلوق أول أودعت فيه الشهوات، وأعطي حرية الاختيار، وأعطي عقلاً، وأعطي منهجاً، فتحرك بدافع من شهوته من دون أن يحكم عقله، ومن دون أن يسير على منهج رباني، فلا بد أن يأخذ ما ليس له، فإن كان قوياً استغل قوته في العدوان على الآخرين، هذا منطق الحروب في العالم اليوم.

 

القتال شرعه الله تعالى في القرآن لهدفين :

 القتال شرعه الله تعالى في القرآن بهدفين:

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ﴾

[سورة الأنفال: 39]

 حينما يكون المسيطر هو الكافر سوف ينشر الفتنة في الأرض كما ترون بأعينكم:

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ﴾

[سورة الأنفال: 39]

 ينبغي أن يخضع الناس لمنهج الله، السماء فيها دعوة إلى الله، والأرض ينبغي أن تكون مساوية للسماء، لا ينبغي أن تكون أرض بلا سماء ولا سماء بلا أرض، كمال هذا الدين أن يكون لكل أرض سماء، ولكل سماء أرض.

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾

 حتى لا تستغل المرأة التي شرفها الله وكرمها، وجعلها شريك الإنسان في حياته وشقه الثاني، لئلا يتاجَر بها فتكون في بيوت الدعارة، ومواقع الرذيلة، وما ترونه وتسمعونه اليوم، هذه الفتنة الكبرى.
 عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ))

[صحيح البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا]

المرأة لها دور خطير في الإسلام :

 حينما أطلقت اليد للكفار ماذا فعلوا؟ حاربوا بالمرأة، والذي نسمعه من أخبار أنه حينما يفتح بلد إسلامي أول شيء يبيحون فيه الأفلام التي لا ترضي الله عز وجل، ينشرونها، ويأمرون بخروج المرأة سافرة، الشيء الذي يلفت النظر أن أعظم إنجاز لهم إذا انتصروا أن يفتتحوا دوراً لتزيين النساء، معنى ذلك أن الكفار يحاربون بالمرأة التي تبيع جسمها مقابل المال، وهذا انحطاط شديد بالمرأة، فالمرأة لها دور خطير في الإسلام، فالمرأة زوجة، وأم، وأخت، وبنت، ليس في الإسلام امرأة معشوقة.

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ﴾

[سورة الأنفال: 39]

 في مبدأ آخر:

﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾

[سورة البقرة: 190]

 فإذا قاتلك الكافر ينبغي أن تقاتله كما يجري في فلسطين.

﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾

[سورة البقرة: 190]

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ﴾

[سورة الأنفال: 39]

 ويوجد كلام دقيق جداً، الله عز وجل قال:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

 فالذي يكره الناس على كفر يجب أن تقاتله حتى تحقق الآية أنه:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

القتال في الإسلام لا بدّ منه لردّ العدوان :

 الجهة الطاغية التي تكره الناس على عبادة أشخاص، أو أوثان، أو شهوات ينبغي أن تقاتلها كي تتحقق حرية الإنسان في اختيار الدين الذي يريد، لأنه:
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

[ سورة البقرة: 256 ]

 فالقتال في الإسلام لا بد منه لرد العدوان.

﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾

[سورة البقرة: 190]

 وقد قال الله عز وجل:

﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ﴾

[سورة الأنفال: 60]

 جاءت حكمة الاستعداد الحربي:

﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾

[سورة الأنفال: 60]

الفتنة أشد من القتل :

 السلاح المتطور أحياناً له دور كبير في الردع، ربما لا تستخدمه أبداً، ولكن قد يؤدي دوره كاملاً دون أن تستخدمه لأنه قوة رادعة، فالآية اليوم:

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾

 هذا أمر موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وكل أمر موجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام موجه حكماً لكل المؤمنين، لكن قاتل في سبيل الله، وفي سبيل إعلاء كلمة الله، وفي سبيل أن يكون الدين لله، وأن تمحق الفتن التي هي أشد من القتل، كيف تكون الفتنة أشد من القتل؟ لو أن جاهلاً من الجاهلية وأد ابنته، وهي في عمر بسيط، وسنوات معدودة، كان يحفر حفرة في الصحراء ويدفعها فيها، ويهيل عليها الرمل، وتقول: أبي، أبي! هذه التي وئدت إلى أين مصيرها؟ إلى الجنة، لأنها لم تكلف بعد، لكن هذه التي كبرت، وأطلقت لها العنان، وفجرت، وزنت، وفتنت الشباب، وأغوت الناس، ثم ماتت إلى أين مصيرها؟ إلى جهنم، أيهما كان أشد عليها؛ أن تئدها أم أن تفتنها؟ والفتنة أشد من القتل، والله عز وجل يقول:

﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ﴾

[سورة الأنفال: 39]

 ماذا يفعل الكافر؟ قال:

﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾

[سورة الفجر: 11-12]

 طغوا بعدوانهم، وأفسدوا بأفلامهم.

﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾

[سورة الفجر: 13-14]

الإنسان مخير :

 القتال شرع لتقاتل من يكره الناس على شيء ما أراه الله، لأن هذا عطل الحرية الدينية، أن تقاتل الذي يقاتلك، والذي يشيع في الأرض فساداً وعدواناً، والذي يحول بين الناس وبين أن يخضعوا لدين الله، الآية هنا:

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ﴾

 أنت لا تستطيع أن تحمل الناس على أن يقاتلوا، لك أن تدعوهم، وأن تحرضهم، لكن ليس لك أن تجبرهم، لأن الإنسان مخير.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ﴾

[سورة الأنفال:65 ]

 لكن المسؤولية تقع عليك وحدك، وكل إنسان مسؤول عن فعله.

﴿ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ﴾

 هذا أصل، الإنسان مسؤول عن فعله فقط، لكن يحرض، ويدعو، ويشجع، هذا شيء مطلوب، أما من حيث المسؤولية لو أن واحداً دعوته أتحاسب عنه؟ لا.

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

 إن قاتلت في سبيل الله، وإن قاتل معك المؤمنين بعد أن حرضتهم ما الذي يكون؟ قال تعالى:

﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

المؤمن واثق من الله عز وجل ومن تأييد الله له لأنه مع القوي :

 الكافر لا تردعه القيم، ولا الأخلاق، ولا المنطق، ولا الذوق، بل هو وحش، يريد أن يأخذ ثروتك، وبلادك، وإمكاناتك، ويجعلك عبداً له.

﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

 فبأس الذين كفروا، وبطشهم، وجبروتهم، وطغيانهم، وعدوانهم كيف يكون؟ بأن تحاربهم، وتقاتلهم، وتحرض المؤمنين على قتالهم، لكن المؤمن واثق من الله عز وجل، ومن تأييد الله له، لأنه مع القوي قال:

﴿ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

 تسمعون في الأخبار أحياناً زلزال سبع درجات لا يبقي شيئاً، إعصار خسائره ثلاثين مليار دولار.

﴿ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

 أنت مع القوي، والقوي قوته ظاهرة، قبل أيام اجتاح إعصار الأخضر واليابس، زلزال واحد يهدم ما عمره الإنسان في مئة عام، لثوان معدودة.

﴿ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

أمرنا الله سبحانه بإعداد القوة المتاحة للعدو لا القوة المكافئة :

 الله بيده أمراض، كيف هزم نابليون؟ بالطاعون! مرض! الطاعون من جنود الله، كل المصائب من جنود الله، الله عز وجل يطمئنك أنت مع القوي لا تضعف، ولا تيأس، ولا تحزن.

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 139]

 عسى من ألفاظ الرجاء:

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

 عسى الله أن يهديك، إذا قلتها أنت فلعله يهتدي، أما إذا قالها الله فعلى سبيل الوقوع، إذا نسبت عسى ولعل إلى الله عز وجل فعلى سبيل الحصول.

﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

 بالمناسبة أيها الأخوة، الله عز وجل إن كنت ضعيفاً لا يطالبك بأن تعد لعدوك القوة المكافئة، هذا فوق طاقتك، إن كنت ضعيفاً ربما كلفت أن تعد للعدو القوة المتاحة، والله جل جلاله بحكمته يرمم ما نقصك من قوة، فقد تنصر بالرعب، وقد تنصر بتفتيت قوة العدو، وقد تنصر بفتنة تقع بصفوف العدو، أنت عليك أن تعد للعود عدة بقدر ما تستطيع، وعلى الله الباقي، ويجب أن تعلم أنك المنتصر.

 

في الإسلام قصص لأنها وقعت فعلاً نصدقها أما هي فلا تصدق :

 قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ﴾

 في الإسلام قصص لأنها وقعت فعلاً نصدقها، أما هي فلا تصدق، سيدنا الصديق رضي الله عنه جاءه كتاب من سيدنا خالد بن الوليد، وكان في معركة طاحنة، الروم ثلاثمئة ألف، وهم خمسون ألفاً! طلب منه المدد! بعد حين جاءه صحابي جليل اسمه القعقاع معه كتاب، أعطاه الكتاب، وقال له: أين المدد؟ قال: أنا المدد! واحد! فتح الكتاب، قرأه، فإذا فيه قول سيدنا الصديق: يا خالد لا تعجب أني بعثت لك بالقعقاع، فو الذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، وانتصروا. أين اليوم مليار ومئتا مليون؟ أمرهم ليس بيدهم، ولا يقدمون ولا يؤخرون، ولا أحد يستمع إليهم. واحد! هذه الآية:

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ﴾

 لكن لك أن:

﴿ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾

 شيء مما نقرأه في القرآن نراه أحياناً في الواقع، أناس ضعاف، شاب ضعيف يزلزل كيان أمة قوية مستكبرة جبارة طاغية، شاب ضحى بحياته، فزلزل كيان الغرب كله. استمعت لتحريض ضابط كبير في البنتاغون يقول: ماذا نفعل بهذه الطائرات العملاقة، وهذه الصواريخ والأسلحة، لم يعد هناك عدو على مستوى دولة؟ العدو مواطن، إنسان واحد يقلقهم، اختلف الوضع، حرب بين دول تكاد تنتهي، بقيت بين إنسان مظلوم مقهور يضحي بحياته، وبين قوة جبارة عاتية.

 

حقيقة الشفاعة :

 أيها الأخوة، آية ثانية يقول الله عز وجل:

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ﴾

 أي مقتدراً، أحياناً إنسان يتوسط في أمر ما، يترتب على هذه الوساطة دفع ضر أو جلب نفع، هذه حقيقة الشفاعة ابتغاء لوجه الله تعالى، وحمل المؤمنين على القتال نوع من الشفاعة، أنت تتوسط بين جهتين تقنع الأولى بالثانية، فإذا نجحت بهذه الشفاعة دفعت ضراً، وجلبت خيراً، بدفع الضر وجلب الخير لك أجر كبير، قال تعالى في أمر مباح، أو مطلوب، أو في واجب ديني، أو فريضة دينية:

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ﴾

 أما الشفاعة السيئة فهي بخلاف المنهج.

﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾

 فإذا كنت وسيطاً بين أداء عمل مشروع، أو خدمة إنسانية، أو تأمين رزق لطالب علم، أو تأمين علم لشاب ناشئ في طاعة الله، أو لحل مشكلة، أو لقضاء دين، أبواب الشفاعات لا تعد ولا تحصى، فإذا كنت ممن يشفع شفاعة حسنة فلك من هذه الشفاعات حصة ونصيب كبير، لأنك كنت السبب، لو شفعت لتزويج شاب بفتاة مؤمنة صالحة، وشاب مؤمن كذلك، قربت بينهما، أو دللت أحدهما على الآخر، وكنت وسيطاً بينهما إلى أن تم هذا الزواج، هذه شفاعة حسنة، ورد أن أفضل شفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح.

 

الله عز وجل فتح لنا باب الشفاعة :

 لكن سلوك الناس الآن سلوك سلبي، لا يحبون الخير، وليسوا مستعدين أن ينطقوا بكلمة في سبيل الله، ولا أن يذهبوا، ولا يمشوا بخطوة.

(( من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة قالها، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة، قام ليلها وصام نهارها))

[ورد في الأثر]

 الناس يزهدون في الشفاعات الآن، أنت ممكن أن تكون شفيعاً بزواج، وشفيعاً بشراكة، شاب يتحرق على مبلغ من المال يعمل به، وإنسان آخر يتحرق على استثمار هذا المال، صاحب المال عاجز عن استثماره، وهذا الشاب عاجز عن العمل يحتاج إلى مال، فإذا أقنعت صاحب المال أن يعطي هذا المال للشاب المؤمن، الشاب حلت مشكلته، وهذا الذي يملك المال حلت مشكلته، وأنت لك أجر.

﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾

 من يشفع في شركة حلَّ مشكلة صاحب المال ومشكلة الشاب العاطل عن العمل، لو شفعت في زواج وأسست أسرة حللت مشكلة أسرة عندها بنت لم تخطب حتى الآن، وحللت مشكلة شاب يبحث عن فتاة مؤمنة، وأنجب من هذه الأسرة أولاد صالحين، كل الخير بصحيفتك.
 أحياناً إنسان مسجون بخطأ مدني، أقام في بلد زيادة عن الحد فأودع في السجن، مع أن المبلغ بسيط، أحياناً ألف ليرة لا أحد يبحث عنه، فأنت شفعت لدى من هو مسؤول عن هذا العمل، ودفعت عنه المبلغ، وأطلقت سراحه، أبواب الخير ولا تحصى، كلها تحتاج إلى شفاعة، والإنسان الذي له مكانة في المجتمع، له جاه، واسم طيب، هذا قد تحل به العقد، وتحل به مشكلات كبيرة جداً، خصومات بالقضاء عمرها عشر سنوات تحل بجلستين، من إنسان له كلمة بالمجتمع، فكأن الله فتح لنا باب الشفاعة.

﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾

أبواب الشفاعة لا تعد ولا تحصى :

 زوجان متخاصمان، الزوج امتلأ كرهاً لزوجته لأنها عنيدة، والزوجة امتلأت كرهاً لزوجها لأنه لم يسأل عنها، والأهل يغذون ابنتهم ضد زوجها، وأهل الزوج يغذون ابنهم ضد زوجته، الأولاد هم الضحية، فجئت أنت وزرت أحد البيتين، وأقنعت الطرف الأول بالطرف الآخر، وحسنت صورة الطرف الآخر، ولينت قلب الطرف لأول، وعقدت لقاء بينهما، ثم حلت المشكلة، فنعم الزوج بزوجته، والزوجة بزوجها، وفرح الأولاد، أنت ماذا فعلت؟ فعلت أعظم عمل! الآن كم خصومة زوجية يوجد في البلد؟ بالألوف، وأسمع نصف المتزوجين متحاربين، فإذا دخلت أنت شفيعاً بين خصومة زوجية، أو بين خلاف بين شريكين، أو بين خلاف بين أبوين، بين خلاف بين أب وابنه، بين خلاف بين زوجة وزوجها، أبواب الشفاعة لا تعد ولا تحصى.
 حدث عدوان على سطح إحدى البيوت، دخلا في القضاء عشر سنوات، المبالغ المدفوعة للمحامي لا تعد، جاء رجل صالح، وحل المشكلة بينهم، وأسقطت الدعاوي كلها، وانتهى الأمر، فهذا باب من أبواب الخير كبير جداً:

﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾

 يقرب زوجين، أو شريكين، أو جارين، أو أخوين، أو شقيقتين، الخير الذي حصل من هذه الشفاعة لك مثله إلى يوم القيامة.

 

شجعنا النبي الكريم بالشفاعة الحسنة في سنته الشريفة وحذرنا من الشفاعة السيئة :

 عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَال:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ))

[صحيح البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْداً يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعبَّاسٍ:

((يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثاً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ رَاجَعْتِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ))

[صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 النبي تدخل شخصياً في مشكلة زوجية، الحقيقة الحكم الشرعي أنه ما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة. حدث عدوان جنسي، وأودع المعتدي في السجن، هذا له في الإسلام عقاب كبير جداً، قد يصل إلى القتل، فأنت بكل طاقتك عند قاضي التحقيق، وعند القاضي، تريد أن تخرجه من السجن، فهذه شفاعة سيئة، لأنك تشفع في حد، وفي معصية، كما أنني أحببكم بالشفاعة يجب أن أخوفكم أشد التخويف من أن تشفع في أمر باطل، في تعطيل حد من حدود الله، أي في حب رسول الله.
 عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وأيم اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))

[صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ]

 فكما أن الله سبحانه وتعالى حببنا وشجعنا بالشفاعة الحسنة حذرنا من الشفاعة السيئة، لا تشفع في معصية ولا في حد.

 

على الإنسان أن يشفع لوجه الله ولردّ حقّ المسلم :

 من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر، وإن لم يشفع دققوا: ما قال: لم يشفع شفاعة حسنة، الفرق بين شَفِع وبين شُفّع، شَفع طلب أما شُفع قبض طلبه، الحديث أو الآية لم تكن تريد من يشفّع شفاعة حسنة، لا من يَشفع، شفع يشفع فعل ثلاثي، أنت لمجرد أن تذهب إلى زيد تقول له: هذا الإنسان عندك مظلوم، وأنا أقترح عليك أن ترفع عنه الظلم، ولك عند الله أجر كبير، وأطلب منك ذلك، رفض! أجرك ثابت ولو رفض! من يشفع لم يقل من يُشفَع شفاعة حسنة، هذه دقة اللغة، لمجرد أن تتحرك، وأن تطالب ثبت الجرم حقق الطلب أو لا، استُجيب لك أو لم يُستَجَب، من يشفع شفاعة حسنة يكن له كفل منها.
 بعض العلماء يقول: من يشفع شفاعة حسنة هي التي رعُي فيها حق مسلم، ودفع عنه بها شر، أو جلب إليه خير، وابتغي به وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من حقوق البشر، هذه الشفاعة واجبة على كل مسلم كي تراعي بها حق امرأ+ مسلم، تدفع بها عنه شراً، أو تجلب له بها نفعاً، تبتغي بها وجه الله، لا تأخذ عليها رشوة، وفي أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من حقوق البشر هذه الشفاعة واجبة عليك، والشفاعة السيئة بخلاف ذلك.
 أهدي أحد العلماء هدية فغضب وردها، وقال: لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك، تشفع شفاعة من أجل مبلغ، هذا رشوة! ينبغي أن تشفع لوجه الله ولرد حق المسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ شَفَعَ لِأَخِيهِ بِشَفَاعَةٍ فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَاباً عَظِيماً مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا))

[سنن أبي داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ]

 عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِماً أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ))

[صحيح البخاري عَنِ ابْنِ شِهَابٍ]

 الله عز وجل أنعم عليك بنعمة فوظفتها في الخير أدامها الله عليه، إن لم توظفها بالخير أخذت منك.

 

قضاء حوائج الناس في الدنيا لها عند الله أجر عظيم في الآخرة :

 ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، أعطاك مالاً غزيراً، وجاء الناس يطرقون بابك، فتبرمت، أعطاك جاهاً عريضاً، وساق إليك الناس فتبرمت:

(( ما أنعم الله على عبد من نعمة وأسبغها عليه ثم جعل إليه شيئاً من حوائج الناس فتبرم بها إلا وقد عرض تلك النعمة للزوال ))

[ابن النجار عن ابن عباس]

 قصة من التراث: بيت من بيوت دمشق القديمة الكبيرة فيها شجرة ليمون تحمل كميات مخيفة، عجيب أمر هذه الشجرة، ما من إنسان في هذا الحي يطرق هذا البيت لأخذ حبة ليمون إلا ويلبى طلبه، تحمل أربعمئة إلى خمسمئة حبة! وأي إنسان طرق البيت في وقت عصيب، في ليل، في مرض يعطى، هذه الجدة صاحبة البيت توفيت، وبقي في البيت كنّتها، طرق الباب مرة فرفضت، طرق الباب فرفضت حتى يبست الشجرة وماتت، قصة واقعية، لكنها معبرة.
أعطاك الله جاهاً، ووضعك بمنصب رفيع، وبيدك حل مشاكل المسلمين، وجاءك الناس إلى البيت، وإلى المكتب زرافات ووحدانا، تبرمت بهم، وأغلقت بابك دونهم، بالوزارة الثانية لا يظهر اسمك، تزاح عن هذا المنصب! أما إذا كنت في خدمة الخلق يزداد مكانك قوة:

(( ما أنعم الله على عبد من نعمة وأسبغها عليه ثم جعل إليه شيئاً من حوائج الناس فتبرم بها إلا وقد عرض تلك النعمة للزوال))

[ابن النجار عن ابن عباس]

(( من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام))

[الحسن بن سفيان وابن حبان وابن عساكر عن عائشة]

 لك صاحب بمركز حساس، وثمة مسلم له عند صاحب هذا المركز مشكلة، وهو مظلوم، لكن هذا المسلم ضعيف، فذهبت أنت إليه فرحب بك، وأكرمك، وقلت له: هذه قصة فلان قال: على العين والرأس، حلت، خرجت أنت.

(( من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر...))

[الحسن بن سفيان وابن حبان وابن عساكر عن عائشة]

أحاديث من السنة الشريفة تؤكد أهمية قضاء الحوائج :

 السلوك المعاصر يقول: والله هو صاحبي، لكن لم أعود نفسي أن أبذل له ماء وجهي أبداً، فاعذرني، يكون في القضية إحقاق حق، حل مشكلة، إنقاذ أسرة، يقول: لا يمكن أن أطلب منه شيئاً شخصياً، هذه ليست لك، لمسلم لا يستطيع قال:

(( من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام))

[الحسن بن سفيان وابن حبان وابن عساكر عن عائشة]

 وفي رواية:

(( من كان وصلة لأخيه إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو إدخال السرور رفعه الله في الدرجات العلى من الجنة))

[الطبراني وابن عساكر عن أبي الدرداء]

 الآن:

(( من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم))

[رواه الطبراني عن جابر بن عبد الله]

 أحياناً يكون إنسان معين بمكان بعيد، وله أهل وأولاد، والذي بأمره النقل صديقك، فذهبت إليه، وكلمته في شأن نقله إلى بلده فنقل، صار الأب بين أولاده، أدخلت على هذه الأسرة كل السرور، فلك أجر كبير.

(( من موجبات المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم))

[رواه الطبراني عن جابر بن عبد الله]

 وفي رواية أخرى:

((أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن))

[رواه الطبراني عن عمر رضي الله عنه]

 أفضل عمل.

 

الكفالة فيها دفع أما النصيب ففيه قبض :

 أيها الأخوة، بقي شيء في هذا الدرس:

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾

 النصيب سهم حصة:

﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾

 فالكفالة فيها دفع، أما النصيب ففيه قبض، لك نصيب معنا ثلاثون بالمئة، أعطني إياهم، أعطوني المبلغ، أنت كفلت فلاناً فتفضل، فالله عز وجل ذكر الكفالة مع الشفاعة السيئة، عد للمليون قبل أن تكون وسيطاً في منكر، وفي معصية، وفي خلوة، شخص يريد أن يخصص محل تزيين للنساء، رجل فاسق، فاجر يريد رخصة، والذي يعمل في الرخص منعه، فتوسطت له فحصل عليها، جرى في هذا البيت من المنكرات ما لا يعد ولا يحصى، كلها في صحيفتك، لو توسعنا أكثر: واحد عنده بيت مغلق لا يؤجره، وشخص فاسق فاجر يريد أن يستأجره لشيء لا يرضي الله، وأنت توسطت بأن يؤجره هذا البيت، أُجر البيت، وجرت فيه المنكرات، كلها في صحيفتك، فقبل أن تتوسط عد للمليار، ينبغي أن تتوسط لمؤمن ملتزم، ولمؤمن لا يعصي الله عز وجل، والذي شاع الآن البيت يؤجر مفروش الليلة الواحدة بعشرة آلاف! في الشيراتون بخمسة آلاف! يوجد مشكلة هنا، ليست قضية بيت للنوم، ولا لغير النوم، أنا لا علاقة لي، لا، أنت مسؤول، ما يجري في هذا البيت تحاسب عنه، هذا المبلغ ليس نظير نوم، بل نظير فاحشة، فأنت مسؤول.
 والله أيها الأخوة، أنا أقول لكم إلى درجة أن صاحب مكتبة في بعض الكتب فيها ضلالات إذا باعها فله وزر كبير، شيء خطير، مكتبة فيها مجلات فاضحة، وقصص جنسية، وأدب إباحي، وكتب فيها ضلالات، وفساد عقيدة، وكتب فيها إنكار السنة هذه كتب، ما هو ذنبي أنا؟ لا، كل كتاب تشتريه وتبيعه أنت بهذا وسيط، فيه ضلالات أو إباحية فأنت محاسب عنه، أبلغ من ذلك الآن شاعت أماكن ومحلات الأقراص المدمجة، تجد إنساناً يصلي في الجامع يبيع الأفلام الإباحية، يقول: هذا عملي، ويبيعها! هذا تحاسب عنه، أي شاب فسد بهذا القرص، وأي بيت تصدع بهذا القرص فأنت مسؤول.

 

قبل أن تشفع وتسعى لأي شخص احذر لأن ما يفعله في صحيفتك :

 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ:

((يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ...))

[سنن الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 ما الذي شيبه في هود؟ آية واحدة:

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 فقبل أن تشفع، وتبيع طاولات نرد، وتنصب خيمة رمضانية، وتفتح مقصف نساء كاسيات عاريات، قبل أن تفتح مطعم حديثاً، الإضاءة خافتة، من يأتي لهذا المطعم؟ من معه صاحبة يأتي بها، وأنت بالنسبة لك مطعم، لا، ليس مطعماً، فيوجد أشياء لا تعد ولا تحصى، من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيباً منها، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها، والله كل الآثام التي ترتكب في الأماكن الموبوءة بصحيفة مالك البناء، وفي صحيفة من استأجره، ومن يعمل فيه! لأن الله لعن الخمر، وشاربها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، ويضاف الآن، والمعلن عنها، قال لي أحدهم: عملي بالإعلان، سألته هل تستطيع أن ترد عملاً فيه فسق؟ قال: لا، هل يمكن أن ترفض إعلانَ خمر فيه عرض مغر؟!
 هذه الآية دقيقة جداً:

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ﴾

 أحياناً يقول: ابنتي ضعيفة جداً بالرياضيات، والله يوجد أستاذ جيد ما شاء الله، أنت ماذا فعلت؟ أقمت خلوة بين فتاة وشاب، ما الذي يجري في هذه الخلوة في صحيفتك؟ فأي شفاعة من إيجار بيوت، وإيجار مطاعم، وإيجار بنوك، من وساطة لوظيفة، أحياناً وساطة لتعيين فتاة في عمل العمل كله رجال، وهذه فتاة جميلة، وساخرة، ومتبذلة، أنت توسطت وعينتها بهذه الوظيفة، كل يوم ترتدي لوناً، أصبحت فتنة لكل من في هذه الدائرة، أنت السبب! أحضر أمثلة من واقعنا لأن الآية خطيرة جداً، فإياك، ثم إياك، ثم إياك أن تكون وسيطاً في شر، أحياناً تسعى لإنسان بالسفر إلى أماكن بعيدة وكافرة، وهذا الشاب لا يقاوم نزعته من بين أهله، وأرسلته، فإذا به زنى هناك، ففي صحيفتك، وإذا ارتكب الفواحش، وأكل المال الحرام، وشرب الخمر هذا كله في صحيفتك، لأنك أنت سعيت له بهذا السفر بجهدك، أمنت له إشارة دخول، فقبل أن تسعى بين شيئين عد للمليار، هل في هذا السعي معصية أو بعد عن الله عز وجل؟!

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور