- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (004)سورة النساء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
طاعة رسول الله عين طاعة الله :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والثلاثين من دروس سورة النساء، ومع الآية الثمانين، وهي قوله تعالى:
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾
أيها الأخوة الكرام، طاعة رسول الله طاعة حكمية لله، طاعة رسول الله عين طاعة الله، وطاعة الله عز وجل تقتضي طاعة رسول الله، لقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
الذي يفرق بين طاعة الله وطاعة رسول الله ويهمل الثانية فقد أتى أمراً عظيماً لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
كلّ كلام النبي وحي يوحى لذلك طاعته من طاعة الله :
في القرآن كليات، أما التفصيلات ففي السنة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يطاع استقلالاً، أما أولو الأمر الذين هم العلماء أو الأمراء فلا يطاعون إلا طاعةً تبعيةً لرسول الله، فإذا جاؤوا بأمر لم يأتِ به النبي فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بينما النبي عليه الصلاة والسلام لأن الله عصمه، ولأن كل كلامه وحي يوحى لذلك طاعته من طاعة الله، وطاعته عين طاعة الله قال تعالى:
﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾
أنت لست مكلفاً أن تحصي عليهم أخطاءهم كما يفعل بعضهم الآن، أنت يا محمد، وأنت سيد الخلق، وأنت سيد الأنبياء والمرسلين لست مكلفاً أن تحصي على الناس أخطاءهم، أنت داعية، ولست وصياً عليهم:
﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾
﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾
﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾
هم مخيرون، مهمتك تنتهي بدعوتهم إلى الله.
ما كلف الله عز وجل الإنسان ديناً مع الإكراه :
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ﴾
﴿ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾
إذا كان سيد الخلق تنتهي مهمته في التبليغ فلماذا تنصب نفسك وصياً على المسلمين، وتكفر من تشاء، وتبدع من تشاء، وتتهم من تشاء؟ وما كلف الله عز وجل الإنسان ديناً مع الإكراه، قال تعالى:
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
يخاطب نبيه ورسوله، يخاطب سيد الخلق، يخاطب الذي أوتي المعجزات، أوتي القرآن يقول له:
﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾
﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ﴾
ما أنت عليهم بمسيطر، ما أنت عليهم بحفيظ، ما أنت عليهم بوكيل:
﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ﴾
الله عز وجل ما أجبر عباده على طاعته بل خيَّرهم فالإنسان مخير :
المعنى دقيق جداً، عود نفسك أن تبين، دع الإنسان يتخذ القرار، عليك أن تبين، وأن توضح، وأن تذكر الحكمة، تذكر مضار المعاصي والآثام، منافع الطاعات، هنا مجالك أيها الداعية، بيِّن، واشرح، وتعمق، وحلل، وفسر، وأوّل دون أن تجبر، فإن الله عز وجل ما أجبر عباده على طاعته بل خيّرهم، فالإنسان مخير. ومن يطع الرسول فقد أطاع الله حكماً، بل إن من لوازم طاعة الله طاعة رسوله، بل إن طاعة رسوله عين طاعة الله، لكن من دون أن تجبر.
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ﴾
لا تجبرهم، لا تكن وصياً عليهم، لا توزع عليهم ألقاب الكفر والشرك والفجور، فإن الله يتولى أمرهم، أنت تبلغ والله يحاسب، أنت تبلغ والله يقيّم، أنت تبلغ والله يعلم الطائع مِن العاصي؟
الآن هؤلاء المنافقون الذين جاء الحديث عنهم في سياق الآيات، قال تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ﴾
تحدثهم عن أمور الدين، عن منهيات الدين، عن أوامر الله عز وجل يجلسون ويستمعون ويقولون: طاعة، أيْ شأننا مع هذا الكلام الطاعة، شأننا وحالنا مع دعوتك وبيانك طاعة، شأننا الطاعة.
للمنافق وجهان :
قال تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ﴾
لو قلنا: ويقولون طاعةً ـ بالنصب ـ فلها وجه في اللغة، أي نطيعك طاعةً أما يقولون طاعةٌ ـ بالرفع ـ أبلغ طبعاً، الفعل يدل على الحدوث، أما التركيب الاسمي فيدل على الثبوت، شأننا مع ما تقول طاعةٌ، تقول: دخل، الدخول يتم وينتهي، لكن فلان طويل القامة، هذا التركيب اسمي، فالتركيب الاسمي يدل على الثبوت والاستمرار، بينما التركيب الفعلي فيدل على الحدوث والانقطاع، وفي اللغة لك أن تقول: ويقولون طاعةً، أي نطيعك طاعةً، لكن الآية جاءت:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ﴾
أي شأننا مع ما تقول طاعة. المنافق ذكي، والمنافق أساساً له وجهان:
﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴾
قال:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ ﴾
معنى بيّت تآمر، والإنسان حينما يكون في بيته في الأعم الأغلب في الليل وقت راحته يفكر، ويخطط، ويتآمر، ويدبر، فبيَّت هنا بمعنى تآمر.
ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً :
قال تعالى:
﴿ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ﴾
غير الذي تقول لك في حضرتك، تقول لك في حضرتك: طاعة، نحن مطيعون لك، أما إذا برزوا من عندك، أي خرجوا من عندك، ودخلوا بيوتهم، وخلوا إلى أنفسهم بيّتوا كلاماً وموقفاً غير الذي قالوه لك، فيا محمد ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً.
﴿ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾
سجل عليهم ما يبيتون، وما يبيتون في علم الله.
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾
مسجل، تصور أن فئةً أرادت أن تتآمر، فكتبت، وخططت، وأعطت المناصب، وهيأت، فإذا نسخة من هذا الذي كتب عند القوي، وسوف يقطع رؤوسهم.
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾
مكرهم سجل عليهم، وصف رائع:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ ﴾
تحدثهم عن الله، تحدثهم عن الدين، تحدثهم عن طاعة الله، تحدثهم عن الحلال والحرام، يقولون: شأننا مع ما تقول هو الطاعة، فإذا برزوا من عندك، أي خرجوا من عندك، ودخلوا بيوتهم، ولقوا الذين كفروا بيَّت طائفة منهم غير الذي تقول، تداولوا واستقر رأيهم على موقف ليس فيه طاعة بل فيه معصية، على موقف فيه إنكار وتكذيب.
أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان :
قال تعالى:
﴿ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ﴾
لك في حضرتك يا محمد.
﴿ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾
لذلك لأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه خير له من أن يسقط من عين الله، حينما يخلو الإنسان بنفسه ينبغي أن يعلم أن الله معه، وأن كل خططه الجهنمية في علم الله، والله مطلع عليه، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان، قال تعالى:
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾
لا تعبأ بهم، فما ضر السحاب نبح الكلاب، وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام حجراً، أعرض عنهم، ولا تعبأ بهم، لا تهتم بهم.
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾
فيما يبيتون لك، هم أرضوك بلسانهم، أما لما خلوا بأنفسهم تآمروا عليك، لكن الله عز وجل يعلم كل خططهم:
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾
إذا توكلت على الله كفاك به وكيلاً فهو القوة المطلقة في الكون :
إذا كان الله مع الإنسان فمن عليه؟ وإذا كان عليه فمن معه؟ الله جل جلاله الذات الكاملة، القوة المطلقة، فتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً، ولو أسقطنا هذه الآية على واقع المسلمين المسلم يرى أن أعداءه يتمتعون بقوة لا توصف، وأنهم بقوتهم هذه أملوا إرادتهم، وعولمتهم، وإباحيتهم، وجريمتهم على كل الشعوب، فبالمنظور الأرضي لا نستطيع مواجهتهم لكن الله يقول:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾
من التوكل أن تعد لهم ما تستطيع من قوة والله يتولى الباقي، ومن التوكل أن تعد لهم ما تستطيع من قوة:
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ﴾
إذا توكلت على الله كفاك به وكيلاً، فهو القوة المطلقة في الكون، وللتقريب لو أن عدوين بينهما جدار عظيم، هذا يتآمر على هذا، وهذا يتآمر على هذا، لو أن أحد الفريقين مؤمن والله معه فكل ما يتآمر به الطرف الآخر بعلم الله، والله مع المؤمنين، إذاً الله عز وجل يلهم المؤمنين خططاً تحبط تآمرهم، تفسير لطيف: من توكل على الله كفاه، لأن الله عز وجل قدرته مطلقة، ويستنبط من قدرته المطلقة أن الخيارات مطلقة، لو أن عدوك يتمتع بقوة لا توصف يمكن أن يلقي في قلبك الرعب، قال تعالى:
﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾
يمكن أن تنتصر على العدو بإلقاء الرعب في قلبه، ولهذا أمثلة في التاريخ كثيرة، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ))
لكن أمته حينما عصت ربها، ولم تطبق منهج نبيها هُزِمت بالرعب مسيرة عام، أي تهديد من وحيد القرن تنقطع له الرقاب، لأنهم ليسوا على ما يريد الله عز وجل، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾
والله أعلم.
معنى التدبر :
التدبر شيء، والفهم شيء، والتلاوة شيء، والعمل به شيء، فالقرآن منهج الله ينبغي أن تتلوه تلاوةً صحيحة، وينبغي أن تتلوه إن كان مجوداً، أن تعطي الحروف مخارجها، والمواقف أحكامها، وفضلاً عن تلاوته تلاوةً صحيحة، ثم تلاوته مجوداً وفق أحكام التجويد ينبغي أن تفهمه، وفضلاً عن فهمه ينبغي أن تتدبره، والتدبر أن تسأل نفسك دائماً: أين أنا من هذه الآية؟ يقول الله عز وجل:
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
أين أنت من هذه الآية؟ الله عز وجل يقول:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
أين أنت من هذه الآية؟ الله عز وجل يقول:
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾
أين أنت من هذه الآية، والله عز وجل يقول:
﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
أين أنت من هذه الآية؟ التدبر أن تحاول أن تعلم ماذا انتفعت من هذا الكتاب، وما الذي قصرت فيه، أن تعرض نفسك على كتاب الله.
لو كان هذا الكتاب من عند غير الله لاختلف الوعد عن الواقع :
قال تعالى:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾
لو قال لك أحد من الناس: على كتفك عقرب شائنة، فابتسمت وشكرته على هذه الملاحظة اللطيفة، وبقيت هادئاً معنى ذلك أنك لم تتدبر كلامه إطلاقاً، على كتفك عقرب شائنة، ولدغة العقرب قاتلة، وقال: على كتفك عقرب، وتبقى واقفاً، وتبقى هادئاً، وتبقى مبتسماً، وتجامله، وتقول: شكراً لك على هذه الملاحظة، لو تدبرت معنى ما قال لقفزت من توك، ونفضت ثوبك، التدبر أن تضع نفسك على مقاييس القرآن، أن تسأل نفسك: أين أنا من هذا الذي أقرأه؟
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾
الحقيقة لأن الله عز وجل يعلم الغيب، فإذا قال:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
الله عز وجل لأن الأمر بيده، ولأن النصر بيده، الذي وعد به تحقق، لو كان الذي وعد بهذا النصر عبد ضعيف لا يتحقق الوعد، يكون هناك اختلاف بين الوعد وبين وقوعه، الله عز وجل وعد المؤمن بحياة طيبة، والحياة الطيبة من فعل الله، فلو كان هذا الكتاب من عند غير الله لاختلف الوعد عن الواقع، كلام دقيق، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
لو أن هذا القرآن من عند غير الله، إنسان ووعدك بحياة طيبة، لكنه ضعيف، لم يستطع إنجاز وعده.
إذاً هناك اختلاف بين وعده وبين تنفيذ وعده، لو كان من عند غير الله فغير الله لا يستطيع أن يفعل ما يريد، والله وحده فعال لما يريد لكن ما سواه ليس فعالاً لما يريد، فلو وعدك من ليس فعالاً لما يريد ربما لا يقع هذا الإنجاز، إذاً لوجدت اختلافاً بين الوعد وبين تحقيق الوعد:
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾
وعد المؤمن بحياة طيبة، والحياة الطيبة من فعل الله، فلو آمنت كما ينبغي لكنت في حياة طيبة، لأن الذي وعد هو إله ضامن وقادر، أما لو كان من عند غير الله قد يعدك ولا يحقق وعده، ولكان هناك اختلاف كبير بين الوعد وتحقيقه.
الإشاعة الكاذبة تفعل فعل السلاح المدمر :
الآن هناك آية من أدق الآيات الاجتماعية، هؤلاء المنافقون إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف، أي جاءهم خبر، تناقلوا خبراً متعلقاً بما يوجب الأمن، أو ما يوجب الخوف، من صفات المنافقين أنهم يذيعونه ويبالغون، وفي إذاعة هذه الإشاعة خطر كبير، فقد تكون كاذبة، وقد تكون مبالغ بها، وقد تكون لا أصل لها إطلاقاً، لذلك عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:
((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))
وهذه صفة المنافقين، يسمع خبراً ليس متأكداً من مصدره، ولا من صحته يذيعه بين الناس، والخبر ينتشر كالنار في الهشيم، فإذا كان هذا الخبر مما يدعو إلى الأمن والطمأنينة، وانتقل إلى العدو ضاعفوا جهدهم في الإعداد لكم، وإذا كان هذا الخبر مما يدعو إلى الخوف، وقد نقل مبالغاً فيه ضعف معنويات المسلمين وانهاروا، لذلك الذي يروج الإشاعات الكاذبة هو عند الله منافق، لأنه يطعن المسلمين في ظهورهم، ولأنه يثبط العزائم، فالأخبار التي تأتي ينبغي ألا تروج إلا إذا سمح بترويجها رسول الله، ومن يعتمدهم من صحابته الكرام لأن الإشاعة الكاذبة تفعل فعل السلاح المدمر، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ ﴾
جاءهم خبر يوجب الأمن والطمأنينة، أو خبر يوجب الخوف ينبغي ألاّ ينتشر، وألا يذاع، فإن كان خبراً يوجب الأمن وأذيع إذاً العدو يستعد، والذي يحصل الآن أشياء ملفقة مزورة لم يقل فلان هذا الكلام، لكن يقال: ليكون كلامه حجةً على ضرب المسلمين، لا تروج هذه الأخبار، إن كان الأمر يوجب الأمن وأذعته، وبالغت به، وانتقل هذا إلى الأعداء ضاعفوا من قوتهم ومن استعدادهم، واتخذوا من هذا الخبر حجةً لضرب المسلمين، وإذا كان الأمر موجباً للخوف، ونشرته ثبطت عزائم المسلمين، وحطمت معنوياتهم، فإذا بلغ العدو أن المعنويات منهارة انقض على المسلمين.
مهمة نقل الإشاعات مهمة المنافقين لذلك لا تروج خبراً يضعف الثقة بالدين :
الذي روج هذه الإشاعة هو مخطئ خطأً كبيراً، فإن كان لا أصل لهذه الإشاعة، كذب بكذب، وافتراء بافتراء فعلت شيئاً لا أصل له، وأضفت إلى تثبيط العزائم الكذب والبهتان، لذلك عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ))
قبل أن تنقل الخبر راجع الأمر، تثبت من قال هذا الكلام، من روَّجه؟ أية إذاعة أذاعته؟ ما مصدر الخبر؟
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾
ماذا ينبغي أن يعملوا؟ ينبغي أن يصمتوا وكأنهم لم يسمعوا شيئاً، ويسألوا رسول الله أو من يوكله النبي في أن ينطق باسمه.
﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾
إلى أولي الأمر من المؤمنين الذين اعتمدهم النبي في أن يوضحوا للناس الحقيقة، أنا أنتظر ما رأي النبي الكريم في هذه الإشاعة؟ أنا لا أنقلها، ولا أروجها، ولا أضعف ثقة المسلمين، ولا أثبط عزائمهم.
ما كل خبر ينقل أيها الأخوة، وما كل إشاعة تنقل، مهمة نقل الإشاعات مهمة المنافقين، أحياناً قصة لا أصل لها مثلاً قصة قديمة جداً قبل عشرات السنين، إنسان دخل مسجداً فكتب اسمه، فإذا روجت هذه الفكرة الذي عنده رغبة بحضور درس علم فقد ثبطت بهذا عزيمته، والقصة لا أصل لها إطلاقاً، ليس لها أصل، وهذا الذي يحصل خبر من فعل الشيطان، ومن ترويج الشيطان، حينما يروج يزداد ضعاف الإيمان ضعفاً به، فلا تروج خبراً يضعف الثقة بالدين، ينبغي أن يكون صحيحاً، فإن كان صحيحاً فاسأل رسول الله، أو من ينوب عنه: أيسمح لنا بترويج هذا الخبر؟ قد يكون من الحكمة ألا تنقل هذا الخبر.
إنسان له أخت وقعت في الزنا، أقيم عليها الحد، وتابت إلى الله، بعد حين جاءها خاطب، فجاء سيدنا عمر يسأله: أأذكر له ما كان منها؟ فقال له: والله لو ذكرت له لقتلتك.
عند سماع الإشاعة علينا أن نسأل من اعتمده النبي في توضيح الحقائق :
أحياناً كلمة لا تلقي لها بالاً يهوي بها الإنسان في جهنم سبعين خريفاً، كلمة واحدة، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَال:
((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيماً....... فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
ترويج الإشاعات، نقل الأخبار الكاذبة، نقل أخبار العدو هذا من فعل المنافقين، أنت اسكت، واسأل من أنابهم رسول الله في ترويج أو عدم ترويج هذه الأخبار، هذه آية متعلقة بالإشاعة، وهذه في التعبير الشائع متعلقة بالطابور الخامس، هذا الذي يروج الإشاعات الكاذبة، ويضعف همة المسلمين. الموقف الكامل قوله تعالى:
﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ ﴾
لنسأل رسول الله.
﴿ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾
هناك من المؤمنين العقلاء المتمرسين في معرفة بواطن الأمور، هؤلاء يستنبطون الحقيقة إما بعقلهم، وإما بتوجه النبي لهم، فأنت في هذه الحالة اسأل من اعتمده النبي في توضيح الحقائق.
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾
إن الله عز وجل أنزل هذا الكتاب، وبيّن فيه كل شيء، وأرسل هذا الرسول الذي دلنا على كل شيء، ولولا فضل الله عليكم بهذا الرسول، وبهذا الكتاب ورحمته لاتبعتم الشيطان في تثبيط العزيمة، وفي إشاعة الكذب، وفي إضعاف النفوس، وفي تقوية الأعداء.
أي إشاعة تضعف المسلمين ينبغي ألا تذيعها إلا بالتنسيق مع من أوكله الله بهذا الأمر :
قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾
من هم هؤلاء القليل؟ الإنسان يهتدي بالكتاب وبالنبي، لكن لو أنه كان ذو عقل راجح لهداه عقله إلى الحق، كيف أن ورقة بن نوفل قبل أن يأتي الإسلام عرف الحقيقة، لأن هناك من كان صادقاً في طلب المعرفة، وقد يهتدي إليها بعقله.
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾
قليل منكم طلبوا الحقيقة وطلبوها بصدق، وسألوا الله الحقيقة، فألهمهم الله رشدهم.
أيها الأخوة، والله لا أرى من آية يحتاجها المسلمون كهذه الآية الآن، لأن المعلومات التي يسمعها الناس كثيفة جداً، وغزيرة جداً ومعظمها معلومات يضعها علماء النفس لتثبيط العزائم، وكم من حدث مفتعل، وكم من جريمة مفتعلة، افتعلها من يندد بها من أجل تشويه سمعة المسلمين، أنت لا تروج هذه الأخبار، لا تروج هذه الإشاعات الكاذبة.
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ ﴾
أي أمر يوجب الأمن:
﴿ أَوْ الْخَوْفِ ﴾
أذاعوا به، أحيانا تعجب كيف أذيع هذا الخبر، هذا الخبر إذاعته ليست في صالح المسلمين، تذاع أحياناً برامج حول ما يفعله هؤلاء الذين يستشهدون كيف يعدون هذه الأسلحة، ما فائدة هذه الأخبار؟ هذه تعطي العدو حذراً وقوةً بعد هذه المعلومات، أنت مسلم، وأنت سفير المسلمون، وأنت على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلك، فأي خبر إذاعته تضعف المسلمين، أو تقوي أعداءهم ينبغي ألا تذيعه إلا بالتنسيق مع من أوكله الله بهذا الأمر.
﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً﴾