- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الوقت ينفق استهلاكاً أو استثماراً :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في الموضوع المتعلق بالوقت، وهذا الموضوع من أخطر الموضوعات، لأن الإنسان وقت، لأن الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه.
الحقيقة الأولى: أن هذا الوقت الذي هو أنت، أن هذا الوقت الذي هو رأسمالك، أن هذا الوقت الذي هو أثمن شيءٍ تملكه، إما أن ينفق استهلاكاً، أو أن ينفق استثماراً، ينفق استهلاكاً كما يفعل أهل الأرض، نأكل، ونشرب، ونتمتع بالحياة الدنيا، ثم يفاجأ الإنسان بتطور خطير في صحته، ينتهي به إلى الموت، وأحياناً يأتي الموت بغتةً، من دون أي مقدمات، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى، لا يشكو من شيء، خلال ثوان أصبح من أهل القبور، كان شخصاً فأصبح خبراً، فلذلك إنفاق الوقت إنفاق استهلاكي قضية سهلة جداً.
(( إن عمل النار سهل بشهوة ))
استرخاء، عدم مبالاة، عدم انضباط، هذا إنفاق الوقت إنفاق استهلاكي، وينفق الوقت إنفاقاً استثمارياً، حينما تفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الوقت.
حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :
الحقيقة هناك ضابط لهذا الموضوع دقيق: أي شيء من أعمالك الصالحة يدخل معك في القبر، هذا العمل الذي يعد إنفاقاً استثمارياً للوقت، أما الإنسان إذا مات يترك كل شيء في البيت، مقتنياته، خزانته، حساباته، أشياء ثمينة يملكها، البيت نفسه، أثاث البيت، مكتبه الخاص، لكن أهله يمشون في الجنازة إلى شفير القبر، حتى أقرب الناس إليه يودعه عند القبر، ما الذي يدخل معه في القبر؟ عمله الصالح:
(( يا قيس! إن لك قريناً تدفن معه وهو حي، ويدفن معك وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك ))
فأنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، هذه الحقيقة الأولى.
إذاً استهلاك الوقت خطأ، استثماره صواب، استثماره أن تفعل في الوقت الذي سينقضي عملاً يدخل معك في قبرك، طلبت العلم، دعوت إلى الله، ربيت أولادك، عملت الصالحات، أنفقت من مالك، رعيت يتيماً، رعيت أرملةً، أطعمت فقيراً، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
لا خير في العيش إلا لعالمٍ ناطق أو مستمعٍ واع :
الشيء الثاني: يقول عليه الصلاة والسلام في بعض خطبه:" أيها الناس! لا خير في العيش إلا لعالمٍ ناطق أو مستمعٍ واع".
(( الناس رجلان عالم ومتعلم هما في الأجر سواء ولا خير فيما بينهما من الناس ))
" أيها الناس! لا خير في العيش إلا لعالمٍ ناطق أو مستمعٍ واع، أيها الناس! إنكم في زمن هدنة".
الآن العام الدراسي زمن هدنة، الطلاب كلهم جميعاً واحد، هذا كسول لكن لم يظهر، هذا مجتهد لكن لم يظهر، طوال العام الدراسي الطلاب لا فرق بينهم، يأتي الامتحان يفرزون، ناجح، متفوق، الأول، الوسط، المقبول، الراسب مع الخزي والعار:" أيها الناس! إنكم في زمن هدنة".
الآن كل الناس ساكن ببيت، يأكل، يشرب، عنده مركبة، يعمل نزهة، يعمل لقاء، يزوج ابنته، لم يتبين شيء، لكن بعد الموت:
﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴾
أصبح هناك مسلم ومجرم، مؤمن وكافر: " إنكم في زمن هدنة، وإن السير بكم لسريع، وقد رأيتم الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فقال المقداد يا رسول الله: وما الهدنة؟ فقال: دار بلاءٍ وانقطاع "
دار امتحان ثم انقطاع، الموت ينهي غنى الغني، ترك ثلاثة وثمانين مليوناً، الموت أنهى هذه الثروة، ينهي قوة القوي، كان طاغية كبيراً، ترتعد منه المفاصل، صار خبراً، ينهي غنى الغني، قوة القوي، ضعف الضعيف، وسامة الوسيم، دمامة الدميم، ذكاء الذكي، محدودية المحدود:" إنكم في زمن هدنة، قال يا رسول الله: وما الهدنة ؟ قال: دار بلاءٍ وانقطاع، فإذا التبست عليكم الأمور".
صار هناك ضلالات، شبهات، طروحات فكرية ضالة، تسفيه للدين: " فإذا التبست عليكم الأمور فعليكم بالقرآن، فهو شافعُ مشفع، وشاهدٌ مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، هو أوضح دليل إلى خير سبيل، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه".
قال بعضهم: إنه رأى الصديق في منامه، فقال له: أوصني، قال: كن ابن وقتك، فسر بعضهم هذه الكلمة، في وقت الفجر أنت في المسجد، يوم الجمعة ظهراً أنت في الجامع، في النهار أنت في العمل، في الليل أنت في بيتك، كل وقت له عبادة مناسبة، كن ابن وقتك.
من خصائص الوقت أنه نسبي يطول و يقصر :
أخواننا الكرام، الوقت من خصائصه أنه نسبي، يطول ويقصر، هو في الحقيقة لا يطول ولا يقصر، الوقت وقت، الستون دقيقة ستون دقيقة بالعالم كله، لكن يطول على المعذب.
إن يطول بعدك ليلي فلكم بتُ أشكو قصر الليل معك
* * *
قالوا: دقيقة الألم ساعة، وساعة اللذة دقيقة.
نحن كنا طلاباً في الجامعة، الامتحان ثلاث ساعات، والله أيها الأخوة، كيف يمضي الوقت لا أعرف؟ أكتب انقضت ساعة، مرة ثانية انقضت ساعتان، الثالثة انتهى الوقت، أصبحت أستاذاً في الجامعة، ثلاث ساعات مراقبة قدر ثلاث سنوات، راقب، انتظر، اقلب الساعة للوراء، أقول: مضى نصف ساعة، أفتح أجد دقائق مضوا، بقي أمامي ثلاث ساعات، يمكن أصعب شيء في حياة أستاذ الجامعة المراقبة، هذه الثلاث ساعات ثلاث سنوات، لأنه لا يوجد عمل و الطالب منهمك في العمل.
فالوقت يطول ويقصر.
الوقت يخف على المؤمنين ويثقل على الكافرين :
الآن تطبيق هذا الكلام؛ الوقت يخف على المؤمنين، ويثقل على الكافرين، قال تعالى:
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
ستة آلاف سنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين كل سنة ضرب اثنين
﴿ غُدُوّاً وَعَشِيّاً ﴾
والخير للأمام، لذلك القبر حفرة من حفر النيران، أو روضة من رياض الجنة، لكن هناك شيء يبشر:
(( أَنَّ أعرابيا قال: يا رسولَ الله، مَنْ خَيْرُ الناس؟ قال: مَنْ طال عمره، وحَسُنَ عمله ))
كان في الشام شيخ، بدأ بالتعليم، أنشأ مدرسة خاصة إسلامية، بدأ بالتعليم في الثامنة عشرة من عمره، وتوفاه الله في الثامنة والتسعين، علّم ثمانين سنة، كان يرى الشاب في الطريق، يقول له: يا بني أنت كنت تلميذي، وكان أبوك تلميذي، وكان جدك تلميذي، وكان منتصب القامة، حاد البصر، مرهف السمع، أسنانه في فمه، حينما يُسأل يا سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ يقول: يا بني حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً.
زرت والد صديقي، قال لي: عمري ست وتسعون سنة، عملنا البارحة تحليلات كاملة كله طبيعي، قال لي: والله لم آكل قرشاً حراماً بحياتي، ولا أعرف الحرام الثاني، حرام النساء.
سرعة انقضاء الوقت :
أيها الأخوة، هناك شيء ثان في الوقت، سرعة انقضائه، أي كل واحد منا له عمر، كيف مضى هذا العمر؟ كلمح البصر، يمر الوقت مرّ السحاب، يجري جري الرياح، إن كنت في مسرة، أو في فرح، أو في اكتئاب وترح، إن كانت الأيام أيام سرور، أو أيام أخرى، الوقت يمضي، يمضي سريعاً
فلذلك الوقت لا يرجع إلى الوراء أبداً، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ ﴾
عاش ثمان وثلاثين سنة، أو ثمان وتسعين سنة، أو ثمان وسبعين سنة، ساعة من نهار:
﴿ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾
أيها الأخوة، من خصائص الوقت أنما ما مضى منه لا يعود، لذلك الأغبياء يتحدثون عن الماضي، الحديث عن الماضي لا يجدي، إلا إن أخذت العبرة منه فقط، أما التحسر، والتأسف فكلامٌ فارغ، ما مضى فات، والمؤمل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها.
قال الإمام الحسن البصري: ما من يومٍ ينشق فجره إلا وينادي: ابن آدم أنا خلقٌ جديدٌ، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
موقفان يندم فيهما الإنسان أشد الندم :
الآن، من جهل قيمة الوقت لم يعبأ بالوقت، سيأتي عليه حين يعرف قيمته ونفاسته، ولكن بعد فوات الأوان، وقد ذكر القرآن موقفين اثنين يندم فيهما الإنسان أشد الندم، الموقف الأول في قوله تعالى عند ساعة الاحتضار:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ* وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
هذا الموقف الأول، الرد الإلهي:
﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
الوقف الثاني: في الآخرة حيث:
﴿ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَت ﴾
وتجزى ما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون إلى الدنيا، إلى دار التكليف، ليعملوا عملاً صالحاً، ولكن هيهات، فقد انتهى زمن العمل، وجاء زمن الجزاء، يقول تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ* وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾
من أدق ما قاله العلماء في كلمة النذير :
1 ـ النذير هو النبي عليه الصلاة والسلام :
الآن دقق:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
قفوا عند كلمة نذير:
﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ مفسر كبير، فسر كلمة نذير بتفسيرات عديدة رائعة،
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو رسول الله:
﴿ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾
لأنه قال:
((عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
قال:
(( إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً ))
(( ألا وإن من علامات العقل التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور، والتأهب ليوم النشور ))
(( الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه ))
ضبطها:
(( وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفَسَهُ هَواهَا وتمنَّى على الله الأماني ))
فالنبي عليه الصلاة والسلام بأحاديثه الشريفة الصحيحة هو
﴿ النَّذِيرُ ﴾
2 ـ أو القرآن :
والقرآن هو
﴿ النَّذِيرُ ﴾
قال:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ* قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ* كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ* يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ* مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ* خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ *إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
فالقرآن هو النذير، والنبي هو النذير.
3 ـ أو سن الأربعين :
قال: وسن الأربعين هو النذير، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، أنت سافرت سفرة لمدة عشرة أيام، باليوم الثامن تنعكس الخطة تقطع تذاكر العودة، تشتري الهدايا، تفكر في العودة، فمن بلغ الأربعين، من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، و:
((من بلغ أربعين سنة ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار))
أربعين سنة، لذلك:
(( أبغض ثلاثاً، وبغضي لثلاثٍ أشد، أبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد ))
هذه مراهقة متأخرة،
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو القرآن الكريم، و
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو النبي عليه أتم الصلاة والتسليم، و
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو سن الأربعين.
4 ـ أو سن الستين :
وقالوا:
﴿ النَّذِيرُ ﴾
سن الستين، إذا بلغ الإنسان سن الستين صار أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، هذه حقيقة.
5 ـ أو الشيب :
قال و
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو الشيب، ورد في الأثر:
((أن عبدي كبرت سنك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحِ مني فإنا أستحي منك ))
إلى متى وأنت في اللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
* * *
تعصي الإله وأنت تظهر حبــه ذاك لــعمري في المقال بديعُ
لو كان حبك صادقاً لأطعتـــه إن الـــمحب لمن يحب مطيع
* * *
أيها الأخوة، هذا هو
﴿ النَّذِيرُ ﴾
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
6 ـ أو المصائب :
الآن
﴿ النَّذِيرُ ﴾
المصائب، المصيبة رسالة من الله، الآية الكريمة:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا ﴾
ما قال: مصيبة، قال:
﴿ رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
فسمى الله المصيبة رسالة، الآن هناك رسائل يقول لك: عرض عسكري، رسالة للدولة المجاورة، هناك رسائل ليست كتابية، أحياناً هناك حركة هي رسالة، اعتقد يقيناً أن المصيبة رسالة، إنسان غافل، ساه، لاه، تأتي مشكلة في صحته ينتبه، فالمصائب نذير.
7 ـ أو التطور الصحي السلبي :
كذلك هناك شيء آخر، التطور الصحي السلبي، كان من الممكن أن يتمتع الإنسان بشباب دائم حتى الموت، ضغطه إحدى عشرة سبعة، نبضه ثمانون، التحليلات كلها كاملة، و هو في التسعين، لكن شاءت حكمة الله من بعد الخمسين أن يكون هناك تطورات، يشيب شعره، يضعف بصره، يضع نظارات، يصلح أسنانه، يقول لك: آلام في الظهر، معي أسيد أوريك، معي شحوم ثلاثية، هذه الأكلة ممنوع عنها، هناك مجموعة أعراض صحية سلبية بعد سن معين تصيب جميع الخلق، هي رسائل لطيفة من الله، رسائل، أن يا عبدي قد اقترب اللقاء، هل أنت مستعدٌ له؟ اقترب اللقاء.
8 ـ أو موت الأقارب :
أيها الأخوة، يناقض معرفة قيمة الوقت الغفلة، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾
لذلك
﴿ النَّذِيرُ ﴾
بحث دقيق جداً، ومن
﴿ النَّذِيرُ ﴾
موت الأقارب، إنسان له هيبته، له مكانته، وقد يكون محبوباً، مات، يخافون أن يدخلوا إلى غرفته بعد موته وبعد تشييعه، غرفته تخوف، ما الذي حصل؟ لذلك موت الأقارب أيضاً نذير.
التسويف من أخطر آفات الوقت :
أيها الأخوة، من أخطر آفات الوقت التسويف، الإمام الحسن البصري يقول: "إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غدٌ لك، فكن في غدك كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غدُ لن تندم على ما فرطت في هذا اليوم، لا تقل غداً، لا تقل سوف".
إنسان وعد النبي أن يتوب غداً، قال له: ويحك، أو ليس الدهر كله غداً.
(( هلك المسوفون ))
قيل لعالم: أوصنا، قال: احذروا سوف فهي جند إبليس، كلمة سوف من جند إبليس، قال:
تزود من التقوى فإنك لا تـدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الــفجر
فكم من سليمٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
وكم من فتىً يمسي ويصبح أمناً وقد نسجت أكفانه وهــو لا يدري
* * *
قيمة العمر بالعمل الصالح :
أيها الأخوة، عمر الإنسان الحقيقي هو عمر عمله الصالح، إنسان فتح دكاناً وداوم عشر ساعات، باع بخمسمئة ليرة، وإنسان فتح دكاناً وداوم ساعة، وباع بمليون، الزمن لم يعد له قيمة، القيمة بالغلة، مجموع المبيعات، فقيمة العمر لا بأمده، بل إن الأمد الزمن العمر أتفه أعمار الإنسان، العمر يطول بالعمل الصالح، ويقصر بقلة العمل الصالح.
أيها الأخوة، لذلك قال صاحب الحكم العطائية: "ربًّ عمرٍ اتسعت آماده، وقلّت أمداده، وربَّ عمرٍ قليلةٌ آماده، كثيرةٌ أمداده، ومن بورك له في عمره أدرك في يسيرٍ من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة، ولا تلحقه ومضة الإشارة".
إذاً العمر قيمته بالعمل الصالح، لذلك ورد في بعض الأدعية: "لا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله علماً، ولا بورك لي في طلوع شمس يومٍ لم أزدد فيه من الله قرباً ".
والإنسان بإمكانه أن يطيل عمره بكثرة أعماله الصالحة، قيمة العمر بالعمل الصالح، لا بالأمد الزمني المحدود.
أيها الأخوة، أعظم عمل صالح الذي يستمر بعد وفاة الإنسان.
(( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له ))
وأخطر عمل سيئ الذي يستمر بعد وفاة الإنسان، أسس ملهى ومات والملهى مفتوح، فكل ما فيه من موبقات في صحيفته، أسس عملاً صالحاً ومات، كل الأعمال الصالحة التي تستمر من خلال هذا العمل في صحيفته.
فالبطولة أيها الأخوة، أن يكون الإنسان عاقلاً يعرف كيف يتحرك في هذا الوقت المحدود.