- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مستلزمات العقيدة :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس والثلاثين من دروس العقيدة، والموضوع الذي لا زلنا بفضل الله عز وجل نعالجه من أشهر: أن حقيقة العقيدة ليست كما يتوهم بعض المسلمين, ماذا ينبغي أن تعتقد؟ ولكن حقيقة العقيدة ماذا ينبغي أن تكون عليه من الشوق والحب، والتوكل, والطاعة، والالتزام، وما إلى ذلك؟.
الشعور بالغربة :
في هذا الدرس الحديث عن الغربة، ما لم تشعر بالغربة فهناك خلل في إيمانك، ما لم تشعر بالغربة في هذا الزمان فهناك خلل في إيمانك.
الآية الدقيقة جداً التي تتصل بهذا الدرس أشد الاتصال هي قول الله عز وجل:
﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾
حتى الذين ينهون عن الفساد في الأرض قلة منهم ناجون، معنى ذلك أن هي سهل، لكن التطبيق يحتاج إلى صدق مع الله عز وجل.
والحديث الشريف الصحيح: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَنَّةَ, أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، ثُمَّ يَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ ...))
فساد عميم.
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾
حالة انهيار خلقي، حالة انحلال خلقي، حالة ضبابية في الرؤيا، حالة تفلت من منهج الله، صار الفساد هو الأصل، وأن الاستقامة شاذة، حينما يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً, فنحن في فساد عريض، أن تشعر بالغربة في هذا المجتمع فهذه علامة طيبة، وأن تستأنس بهؤلاء الناس المنحرفين, الشاردين, الغارقين في الفساد, فهذه حالة تحتاج إلى مراجعة.
أخواننا الكرام، أنت غريب في الناس، وأحياناً غريب بين المسلمين، وأحياناً غريب بين المؤمنين، وأحياناً غريب بين العلماء الذين خففوا على الناس دينهم، أي تساهلوا، هذا الموضوع فيه فتوى، هذا الموضوع فيه رأي ضعيف، وهذا الموضوع هناك من يجيز فعله، إذاً: هناك غربة تلو غربة, تلو غربة, تلو غربة.
أخرج الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ))
عَنْ ابْنِ عُمَرَ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا))
يوجد أخوة كرام, قلبهم معلق بالحرمين الشريفين، يسافر إليهما, فيجد سعادته في هذين الحرمين، لا يستأنس في بلاد الغرب، هناك من يطمح أن يتجه إلى بلاد الحرمين ليتعبد الله هناك، وهناك من يطمح إلى أن يسافر إلى بلد متفوق جميل فيه كل ما تشتهيه الأنفس مثلاً، فرق كبير.
وفي مسند الإمام أحمد: عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ))
الغربة بين المسلمين:
الآن: هناك غربة بين المسلمين هي غربة المنهج، المنهج غير مطبق، القواعد الشرعية لا يؤخذ بها، توجيهات النبي في سنته لا يعتد بها، فحوى القرآن الكريم لا يقام له وزن في مجتمع التفلت، فأنت في مجتمع مسلم، وكلهم ولد من أم وأب مسلمين، ومع ذلك تشعر بأن هذه مخالفة، وهذا تجاوز، وهذا تقصير، تشعر كأنك لست من هؤلاء.
حينما يتبع المسلمون أهواءهم، حينما يألفوا حياة الغرب، حينما تسيطر عليهم أنماط المعيشة الغربية، حينما يضعف تمسكهم بأصول دينهم، عندئذ يكون المؤمن الصادق المستقيم الملتزم غريباً بين المسلمين، هو غريب بين الناس، وغريب بين المسلمين.
لو أن شاباً هداه الله إليه، وطلب من أهله أن يبتعد عن الاختلاط, لأقاموا عليه الدنيا، وأهله من رواد المساجد، وأهله ممن يتحدثون بالدين، ومع ذلك يقيمون عليه النكير إذا رفض الاختلاط، يقيمون عليه النكير إذا رفض أن يتعامل بمعاملة ربوية، أين الخطأ؟ علماء كبار أفتوا بذلك، من أنت؟ فقد تجد نفسك غريباً، وأنت في أسرة مسلمة ترتاد المساجد.
أخواننا الكرام، أهل الغربة يقيمون الحجة على الناس جميعاً:
﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا﴾
لو تقدم شاب لخطبة فتاة، والشاب غني، وله بيت فخم، وعنده معمل مسجل باسمه، وله مركبة فارهة، لكن لا يصلي, تجد معظم المسلمين يرحبون بهذا الشاب، ولا يعبؤون بقوله تعالى:
﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ﴾
هذه غربة، إنسان يأبى أن يتعامل مع المصارف الربوية, يجد أن معظم من حوله ينكرون عليه، إذاً: هو غريب.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ, خَرَجَ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نَحْوًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَقُلْنَا:
((مَا بَعَثَ إِلَيْهِ السَّاعَةَ إِلَّا لِشَيْءٍ سَأَلَهُ عَنْهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ : أَجَلْ، سَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ...))
ليس بفقيه؛ أي لا يطبق أحكام الفقه، يعرفها، ويحفظها، وينقلها للناس، لكنه لا يطبقها.
ومن فقرات هذا الحديث:
((... مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ, جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا, فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ ...))
((عبدي خلقت لك السموات والأرض، ولم أعي بخلقهم، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك عليّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي, لم أخالفك في رزقك، وعزتي و جلالي, إن لم ترض بما قسمته لك, فلأسلطن عليك الدنيا, تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد وأنا أريد, فإذا سلمت لي فيما أريد, كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد, أتعبتك فيما تريد, ثم لا يكون إلا ما أريد))
صفات الغرباء :
1-حجتهم قوية ورؤيتهم صحيحة:
أول صفة الغرباء: أن الله سبحانه و تعالى آتاهم الحجة، معهم حجة قوية، معهم دليل، عرضهم قوي، تعبيرهم متماسك، أدلتهم قاطعة، رؤيتهم صحيحة، هذا هو الغريب.
2-مصادرهم موثوقة:
الصفة الثانية للغريب: أن دينه تلقاه من مصادر موثوقة, لا يستطيع إنسان أن يقول كلاماً في الطب إلا إذا كان طبيباً، وإلا يحاسب، ويلاحق، ويعاقب، لا يستطيع إنسان أن يقول في العلوم كلاماً إلا إذا كان من أهل اختصاصها، إلا في الدين، فكل من هبّ ودبّ يدلي برأي في الدين، لذلك اختلط الحديث الصحيح مع الضعيف مع الموضوع، اختلط الحق مع الباطل، التصور مع العقيدة الصحيحة، يقول لك: قرأتها بمجلة، أي مجلة؟ يوجد شيخ قال هذا الكلام، مصادر غير موثوقة, وغير معتمدة، من دون تحقيق، من دون تمييز، المؤمن الذي يشعر بالغربة, دينه قد أخذه من جهات موثوقة.
((ابن عمر دينك دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا))
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
((إن هذا العلم دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم))
المؤمن الغريب لا يقبل إلا بالدليل، ولا يرفض إلا بالدليل، لأن دينه مصيره، لأن دينه سعادته أو شقاؤه، فلذلك: بقضايا الدين آراء شخصية لا يوجد، ولا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدلي برأي في الدين.
الدين توقيفي, أي العالم الذي ينجو من الله يوم القيامة, هو الذي ينقل نقلاً أميناً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, من دون زيادة، من دون نقصان.
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ, فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا, فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ))
لكن الحديث الأول:
((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ, فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ))
لذلك: أي حديث ننقله، وأي حديث ننشره من دون تحقق، من دون تدقيق، من دون بحث، من دون استيثاق، من دون توثيق، هذا لا يرضي الله عز وجل.
في بعض الفتن التي وقعت في العصور الإسلامية, كان يقول ابن سيرين: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم.
يقولون: هذا عندنا غير جائز فمن أنتمُ حتى يكون لكم عند؟
الدين توقيفي، الدين كتاب الله، الدين سنة رسول الله.
3-الغريب يحزن لفقد العلماء:
روي عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس, فجعل يحدث، ويقول: قال عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام، فجعل ابن عباس لا يأبه لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا بن عباس! مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أنا أحدثك عن رسول الله ولا تسمع، فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول, لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
إنسان ليس مستقيماً، ليس منضبطاً، يوجد بدخله شبهة، يوجد بإنفاقه شبهة، هذا الذي جاء من المدينة إلى البصرة, ليأخذ عن أحد الأشخاص حديثاً لرسول الله، فلما رآه يوهم فرسه أن في طرف ثوبه شعيراً, من أجل أن تأتي إليه، فلما اقترب لم يجد الشعير, فلم يكلمه بكلمة، وعاد إلى المدينة، هذا الذي يكذب على فرسه, ليس أهلاً أن يروي حديث رسول الله.
أيها الأخوة الكرام، الغريب يحزن لفقد العلماء، لأن هذا العلم لا ينتزع انتزاعاً، إنما ينتزع بموت العلماء، والله من شعر بالغربة فهذه بشارة له.
الغرباء هم أهل السنة المطبقون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل يقول:
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾
لكن من لوازم اتباع السنة: أن تعلم ما السنة؟ شيء بديهي، لذلك لا بد من أن تحضر درساً في سنة رسول الله، درس العلم يكاد يكون فرض عين على كل مسلم.
يا بني! العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.
قصص واقعية:
أذكر لكم قصتين؛ الأولى في أول خطبة خطبتها في هذا المسجد في عام أربعة وسبعين، تقدم مني أخ كبير في السن، كانت سنه في ذلك الوقت قريبًا من الخامسة والخمسين، وبدأ يبكي، فلفت نظري بكاؤه، قال: لي زوجتي تخونني -أعوذ بالله- قلت له: مع من؟ قال لي: مع جارنا، قلت له: كيف تعرفت عليه؟ قال لي: مرة كنا بسهرة، وكان بزيارتي، قلت: هذه أم المؤمنين تجلس وحدها، تعالي أم فلان اجلسي معنا، هذا مثل أخيك، بدأت من هنا، قلت له: لو كنت تحضر درس علم واحد ما فعلت ذلك، وحينما لا تفعلها لا تكون هذه المشكلة.
العلم حارس، لا تستغرب، مليون مطب أنت ناج منه باستقامتك، مليون مصيبة صرفها الله باستقامتك.
سائق تكسي أشارت له إحداهن: أين تريدين؟ قالت له: أينما تريد، عدها مغنماً كبيراً، قضى حاجته، وناولته ظرفين، ظرف فيه مبلغ من الدولارات كبير مكافأة له، وظرف فيه رسالة، فتح ظرف الرسالة, مكتوب سطراً واحداً: مرحباً بك في نادي الإيدز، ذهب ليصرف الدولارات, هي مزورة، أودع في السجن، لو كان يحضر درس العلم, تقول له: خذني أينما تريد، يفتح الباب، ويخرجها بقدمه، هذا جهل.
أخواننا الكرام، ما من مصيبة على وجه الأرض تقع إلا بسبب معصية، وما من معصية تكون إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
لمحة عن حياة المؤمن المستقيم :
تجد مؤمناً حياته متوازنة، حياته هادئة، حياته سليمة، حينما تتبع منهج الله عز وجل, يهديك الله سبل السلام، سلام مع نفسك، لا يوجد انهيار داخلي، لأنك مستقيم, وقاف عند كتاب الله, لا يوجد عندك انهيار داخلي، لا يوجد عندك شعور بالنقص، شعور بالذنب، لا يوجد عندك حجاب عن الله كبير، أنت تمشي بشكل صحيح، لم يحرمك من شيء إلا من الشيء الحرام، سلام مع أهلك، أنت شريف، وهي شريفة، أما حينما تكتشف أنك تخونها, تسمعك كلاماً لا يحتمل, سقطت من عينها، وسقطت من عين الله، يهديهم سبل السلام، مع أولاده كبير, في نظر أولاده، أبوهم إنسان مستقيم، مع التجار إذا كان تاجراً، مع الموظفين إذا كان موظفاً، يشار إليه بالبنان, هذا صالح، هذا صاحب دين.
ما هي الجماعة؟ :
أيها الأخوة الكرام، الغريب هو الناجي الآن، ثم ما هي الجماعة؟ لو ببلد يوجد عشرة ملايين إنسان, شخص منهم فقط مستقيم، هذا الواحد المستقيم هو الجماعة، كلمة الجماعة نقصد بها الملتزمة بطاعة الله عز وجل، لذلك:
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾
يقول لك: سرية ليست هي الناجية, الناجون هم الأقلون، فإذا كنت مع الأقلين هذه بشارة، و إذا كنت مع الخط العريض في المجتمع هذه أيضاً مظنة انحراف.
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ, حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ))
هؤلاء الغرباء، يوجد فئة قليلة هي حجة على من سواها.
عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ, لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ, حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ))
أما معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ ): لا يعبأ بالباطل ولو كان كثيراً، أي إذا دخل إنسان للحمام، واغتسل، وتطيب، وارتدى ثياباً جديدة, نظيفة، ومشى في الطريق, فإذا ببركة فيها مياه آسنة، والناس يسبحون، ويمرحون، ويضحكون، هل يتمنى أن يكون معهم؟ هو إنسان نظيف جداً، أنت اجلس بأيّ جلسة، اسمع مزاحهم، كله مزاح جنسي، تعليقات خبيثة جداً، كلمات ملغومة، كل كلامهم ملغوم، كل كلامهم يحمل معاني جنسية ساقطة، يضحكون، إن لم تشعر بالتميز لا بالكبر، إن لم تشعر أنك من طينة أخرى، أن لك هموماً أخرى، أنك تحمل هم المسلمين، أن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها ودنيها، من مزاحهم، من موضوع أحاديثهم، من تعليقاتهم الوقحة، من مزاحهم الخشن، من تفلتهم من منهج الله، من قسوتهم في معاملتهم.
إذاً معنى: لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ: بمعنى أنهم لا يعبؤون بمن خذلهم، ولا بمن خالفهم.
والمعنى الثاني: أن الله يعصمهم ويحفظهم، فالطرف الآخر لا يصل إليهم، يوجد بشارة لهؤلاء.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
((قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَنْزِلُ عِيسَى, فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ))
أي تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً كما هي الآن، فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً.
الابتعاد عن الناس في آخر الزمان:
أيها الأخوة الكرام، الحديث الشهير: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ:
((قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ ...))
شحاً مطاعاً؛ أي المادية، السلوك المادي، الحرص على الدرهم والدينار، أن تبيع دينك وأمانتك بعرض من الدنيا قليل، هوى متبعاً؛ أي الجنس والكبر، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، بربكم أليس السلوك المادي، والانشغال بالشهوات، والكبر سمة هذا العصر؟ همه بطنه، وهمه فرجه، ومعنى أن الله سبحانه وتعالى مسخ بعض بني إسرائيل قردة وخنازير، القرد همه بطنه، والخنزير همه فرجه.
لذلك:
((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ))
هذا حديث صحيح.
هذا من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام:
((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فالزم بيتك -ليس معنى هذا ألا تخرج، لكن دعك من أمر الناس، اكتف بأهلك وبأخوانك في مسجدك- وخذ ما تعرف -أعرف الصلاة فرض، الصوم فرض، الحج فرض، لكن يوجد وسائل لكسب المال عجيبة، فيها شبهات، فيها ربا، فيها جهالة، فيها غرر، فيها غش- ودع من تنكر، وعليك بخاصة نفسك -أولادك، أخوانك، جيرانك، من حولك، من يلوذ بك- ودع عنك أمر العامة))
أيها الأخوة, مباراة يذهب عشرة قتلى، مباراة كرة قدم، ما هذا المجتمع؟ يوجد مباراة ببعض البلاد فيها ستون قتيلاً، تجد الحماس على كرة، هذا دين جديد عندنا.
مرة كنت راكباً بسيارة من مكة إلى جدة، وجدت هذا السائق يكاد يتمزق من الألم، لأن الفريق الذي يحبه لم يربح المباراة، وشعرت أن هناك دينًا جديدًا، وقد يكون لاعباً كبيراً جداً, يباع ويشترى من فريق إلى فريق بالملايين، وهو شاذ، والناس معجبون به، وصوره على ألبسة الشباب دائماً، هذا دين جديد.
فيا أيها الأخوة الكرام، بدأ الدين غريباً، وسيعود كما بدأ, فطوبى للغرباء، أناس صالحون في قوم سوء كثير.
أيها الأخوة الكرام، في بعض الأحاديث: يشير النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحبابه، فقال أصحابه: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا, أنتم أصحابي، أحبابي: أناس يأتون في آخر الزمان, القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره كأجر سبعين, فقالوا: منا أم منهم؟ فقال: بل منكم، قالوا: ولمَ؟ قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً، ولا يجدون.
أنقل لكم الحديث الذي قرأته قبل قليل، لكن برواية أخرى مطولة، فعند الترمذي في جامعه, عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ:
((أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ, فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا, الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا، يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ, قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ))
الخاتمة:
أي إذا تمسك الإنسان في زمن الفتن, فله أجر خمسين صحابيًا، هكذا قال عليه الصلاة و السلام، كل شيء بثمنه.
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾
من تمسك بالدين فله معاملة خاصة من الله عز وجل:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل أن تعصيه وتربح، ومستحيل أن يذل من والى الله، ومستحيل من يعز من عادى الله، هذه الدنيا أمامكم, والبطولة أن تتعظ بغيرك لا بنفسك.