وضع داكن
28-03-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 34 - مستلزمات التوحيد -14- المحبة والهمة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

دقق في معنى هذا الكلام :

 أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس العقيدة، ولا زلنا في هذه السلسلة من لوازم العقيدة الصحيحة، من لوازم التوحيد الصحيح: أن تحب الله.
 أيها الأخوة الكرام, دققوا فيما سأقول: يمكن أن تتحدث ساعتين أو أكثر في القرآن، و في السنة، وفي الأحكام الفقهية، وفي الأحكام الشرعية، وفي دقائق الدين، وفي جزئيات الدين ، وفي تفاصيل الدين، ويمكن أن تملك أقوى الأدلة، وأنت لا تعرف الله، ويوجد شواهد من حياتنا المعاصرة تؤكد ذلك؛ إن عرفت الله لا تعصيه، إن عرفت الله تشعر أنه يراقبك، إن عرفت الله تحس أنك في قبضته، إن عرفت الله لا تأخذك في الله لومة لائم، فأن تعرف جزئيات, وتفاصيل, ودقائق, ومعلومات, وأفكار, وأدلة, وأخبار عن الدين شيء، وأن تعرف الله شيء آخر.

أنواع العلوم التي تختص بمعرفة الله جل جلاله :

1-علم بخلقه :

 العلماء قالوا: هناك علم بخلقه؛ جامعات الأرض بكل أقسامها وفروعها, مهمتها أن نعرف خلق الله، الجيولوجيا، الجغرافيا، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، الفلك، الطب، الهندسة ، علم النفس، علم الاجتماع، العلوم كلها, هذه علوم أدوات المعيشة العلم بخلقه, يمكن أن تدلك على الله, لو أردت أن تقرأها قراءة إيمانية، قد تجد طبيباً يتفوق في الطب، ولا يعرف الله، و تجد طبيباً آخر, كلما قرأ عن عظمة خلق الله في الإنسان, خشع قلبه, وانهمرت دموعه.
 أي علم في الأرض يمكن أن يوصلك إلى الله، لأن هذه العلوم هي قوانين خلق الله عز وجل، إنك تشعر أن وراء هذا الكون إلهاً عظيماً, وخالقاً حكيماً, ورباً رحيماً، هذا العلم بخلقه.

2-علم بأمره :

 العلم بأمره؛ كليات الشريعة في العالم الإسلامي متخصصة في معرفة أمر الله، الحلال والحرام، والخير والشر, وأحكام الوكالة, والوديعة, والحوالة، شروط البيع والشراء، أحكام البيع والشراء، وخيار الشرط، وخيار الوقت، أبحاث كأي علم آخر, الإنسان الذي يوجد عنده ذكاء يحفظها، والذي عنده طلاقة لسان يعرضها، لكن أن تعرف الله شيء آخر.
 إذا كنت تعرف الله لا تستطيع أن تدوس نملة، ولا أن تحبس هرة، أما الذي يحبس ما فوق الهرة، ويموتون في السجن، ويعذبون، وينكل بهم، ويعرون كما تشاهدون كل يوم، هؤلاء لا يعرفون الله، ولو كتبوا على عملتهم ثقتنا بالله، أنا أؤكد على معرفة الله.

من لوازم معرفة الله :

1-أن تحبه :

 أيها الأخوة الكرام, من لوازم معرفة الله أن تحبه، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تؤثر غيره عليه، وأن تؤثر الدنيا على الآخرة.

انظر إلى هذا القول لأحد العلماء الكبار :

 يقول أحد العلماء الكبار: المحبة سمة المسافرين إلى ربهم، الله عز وجل قال:

﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾

[سورة الذاريات الآية: 50]

 إنسان يسافر إلى أوربا، إلى أمريكا، إلى منتجع، إلى جزيرة، إلى مشتى في أسوان بالشتاء، إلى موسيه في جبال الألب بالصيف، والمؤمن سافر إلى الله:

﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾

[سورة الذاريات الآية: 50]

﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾

[سورة الصافات الآية: 99]

 قال: هي سمة المسافرين إلى ربهم، الذين ركبوا جناح السفر إليه، ثم لم يفارقوه إلى حين اللقاء، هم الذين قعدوا على الحقائق, وقعد من سواهم على الرسوم.

هذا اختيار المؤمن :

 تجد إنساناً بكل كيانه، بكل قطرة من دمه، بكل خليه بجسمه؛ الكرة، والفريق الفلاني، واللاعب الفلاني، تجد بدمه يتابع المباريات، إنسان همه التحف، إنسان همه الطيور، إنسان همه الصقور، أما المؤمن فهمه الله، التعبير البسيط: المؤمن عرف أن ينقي، انتقى الذي لا يموت، انتقى الذي يعيش معه إلى أبد الآبدين:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾

[سورة الرحمن الآية: 26]

 كل مخلوق يموت، لو أحببت أجمل امرأة على وجه الأرض ونلتها, فلا بد من أن تفارقها، ولا بد من أن تفارقك:

كـــــــــل مخـلوق يموت   ولا يبقى إلا ذو الـــعزة والجبروت
والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر   والعمر مهما طال فلابـد من نزول القبر
وكل ابن أنثى وإن طـــالت سلامته   يوماً على آلــة حــــدباء محمول
فإذا حملـــت إلى القــبور جنازة  فاعلــم بأنــــك بعــدها محمول

عش ما شـــــئت فإنــك ميت   أحبب ما شــئت فإنــــك مفارق

 اعمل ما شئت فإنك مجزي به

نظرة وعبرة :

 دخلنا على قصر في تركيا, قاعة الاستقبال ألف متر، هل يوجد أحد عنده غرفة الضيوف مساحتها ألف متر, مزينة بخمسة أطنان ذهباًَ، كل شيء فيها من أعلى مستوى، الثريات كريستال، الرخام شفاف أونيكس؟ أين صاحب هذا القصر؟ في القبر، عندما تعرف المصير, يهون عليك كل شيء، لذلك في بعض البرامج النفسية, ابدأ من النهاية، النهاية القبر، تسكن منزلا بثمانين مليونًا، سبعين مليونًا، له إطلالة رائعة، أربعمئة متر فرضاً، قبو تحت الأرض، شمالي، كله مؤقت، والدليل على النعي، وسيشيع إلى مثواه الأخير، هذا بالمفهوم الأخير، البيت الذي كان فيه مثوى مؤقت.

عملية مقارنة :

 أيها الأخوة الكرام, هؤلاء المؤمنون عرفوا الحقائق، وسواهم عرف الرسوم الأشباه، سبحانك يا رب, لحكمة أردتها لا يمكن أن تمد الدنيا، الإنسان بلذة مستمرة, بل لذة متناقصة تعقبها كآبة، لاحظ الإنسان, حقق كل أهدافه بالحياة بحالة نفسية, لا بد من أن أعبر عنها باللغة الدارجة؛ يَقرف ويُقرف، ملل، أكل حتى شبع، لم يدع بلداً إلا وسافر له، كل المتع ملّ منها بعد ذلك، والشيء الذي لا يصدق: أن الإنسان أحياناً من دون منهج، من دون قيم، من دون مبادئ، يميل إلى الانحراف، يمل من الشيء الطبيعي الفطري الصحيح، ينحرف نحو أشياء لا ترضي الله عز وجل.

ينبغي أن تعلم هذه الحقيقة :

 أيها الأخوة، حقيقة دقيقة جداً أضعها بين أيديكم: الإنسان قبل أن يحقق أهدافه, أسعد الناس يعيش بالأمل، يعيش بالخيال، يتصور بيتاً معيناً، يتصور زوجة معينة، يتصور دخلاً معيناً، بعد أن يصل إلى بعض أهدافه, تنكشف له الحقيقة المرة: أن الدنيا أقل بكثير مما هي عليه.

طرفة :

 يروون طرفة: أن إنساناً بالعهد العثماني, النساء كلهن محجبات بحجاب كامل، فإنسان منحرف, تبع امرأة من شارع إلى شارع، من طريق إلى طريق، من حارة إلى حارة، من دخلة إلى دخلة، ثم التفتت نحوه، وكشفت عن وجهها, فإذا هي سوداء، فقالوا: وكذلك الدنيا تكشف عن وجهها عند الموت:

﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾

[سورة الفجر الآية: 24-26]

منعطف هام :

 أيها الأخوة الكرام, المحبة عنوان طريقة المؤمنين، والمحبة دليل صدق المؤمنين، و المحبة تؤكد أن هذا الإنسان من أهل الطريق إلى الله عز وجل .
 من لوازم معرفة الله أن تحبه، المحبة أصل كل شيء، خالق كل شيء, رب كل شيء، مصدر كل شيء، كل جمال المخلوقات مسحة من جمال الله .
 أحياناً تجد طفلاً, تقول: سبحان الله على هذه القسمات التي منحه الله إياها, أجمل وجه في الأرض مسحة من جمال الله، أجمل امرأة مسحة من جمال الله، أجمل جبل أخضر، أجمل ساحل بحر، أجمل نسيم عليل، أجمل فاكهة طيبة، هذه لذائذ الدنيا هي مسحة من جمال الله, فالمؤمن وصل إلى أصل الجمال، وغيره وصل إلى فروع الجمال, فروع الجمال فانية, أما أصل الجمال باق.

قف هنا :

 قال عليه الصلاة و السلام:

((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني))

 في الدنيا جنة, من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب, والدليل:

﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾

[سورة محمد الآية: 6]

 في الدنيا: المؤمن ذاق طعم القرب.
 من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:

((لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ, لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه َرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، والترمذي في سننه]

2-3 أن تحب أمره ونهيه, وأن تحب أنبياءه وكتبه :

 المرتبة الثانية: إن كنت صادقاً في محبته, تحب أمره ونهيه، لذلك المؤمنون يفرحون بما نزل إليهم، يوجد إنسان يكره أمر الله عز وجل، يكره المنال, يا أخي المؤمن الناس كلهم طلقاء، يذهب إلى أي مكان يشتهيه، يجلس مع من يشتهي، يصافح من يشتهي، يملأ عينيه من محاسن من يشتهي، إلا المؤمن؛ حرام وحلال، وشبهة، ويجوز ولا يجوز، وعند الأحناف كذا، وعند الشافعية كذا.
 إذاً: من لوازم محبة الله عز وجل: أن تحب أمره ونهيه، ومن لوازم محبة الله عز وجل: أن تحب أنبياءه وأن تحب كتبه.

الإيمان قيد الفتك :

 أيها الأخوة, الإيمان قيد الفتك، عظمة الإنسان أنه عنده منظومة قيم تقيده، سيدنا صلاح الدين فتح القدس, ما تمكن أن يهرق دم إنسان واحد، أما عندما فتح الفرنجة القدس, ذبحوا سبعين ألفًا في يومين، والآن ترون كل يوم يموت أربعون، خمسون، مئة وخمسة و عشرون، موت كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل، ولا المقتول فيم قتل؟ أليس هذا صحيحاً ؟ يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه.

ما يتميز به المؤمن عن أهل الدنيا :

 أهل الدنيا لا يرون إلا كبار أهل الدنيا، دون أن يشعر، إن كان تاجراً يقول لك: بصفقة حقق ثمانية عشر مليونًا، ارفع يدك، أخذ خمسة ملايين، الذي يتكلم هذا الكلام يذوب قلب المسكين, الذي دخله لا يكفيه أربعة أو خمسة أيام، الذين يحبون المال يتغنون بأرباب الأموال، والذين يحبون القوة يتغنون بالأقوياء، والذين يحبون المتع الرخيصة يتغنون بمن لهم مغامرات في ملذات لا ترضي الله عز وجل، أما المؤمن فيتغنى بالله عز وجل، يتغنى بما عند الله، يتغنى بما عند الله من نعيم مقيم، يتغنى بأعماله الصالحة، يتغنى بالطاعات، يتغنى بالصلة بالله عز وجل.

بشرى لك :

 يوجد شاهد قوي جداً يطمئننا إن شاء الله: عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ:

((كُنَّا مَعَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ, فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ, إِذْ نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَجَابَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحو مِنْ صَوْتِهِ: هَاؤُمُ, فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ، اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ, فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هَذَا, فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَغْضُضُ, قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ, قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 هذه بشارة لمن يحب، وليس في مستوى من يحب، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، كن عالماً, أو متعلماً, أو مستمعاً, أو محباً.
 يوجد إنسان غير متعلم, إذا دخل طالب علم, يرحب به، يكرمه، يقول لك: هذا إنسان يعرف الله، لكن يجب أن تعلموا: أنك إذا دعوت إلى الله، وكرمك الناس, فهذا التكريم ليس لك, هو لله، لكنك كنت السبب، فإذا كنت وفياً لله, تكون في مستوى هذا التكريم، تكون في مستوى حسن ظنهم بك.

4-أن تحب أولياءه والصالحين من عباده :

 المرتبة الرابعة: أن تحب أولياء الله والصالحين من عباده، سبحانك يا رب, تجد أحياناً إنساناً يكره المؤمنين ويغتاظ منهم، ويحب المنافقين والمنحرفين لأنه منهم:

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾

[سورة الفتح الآية: 29]

 استنبط بعض العلماء: أن الذي يكره أصحاب رسول الله ليس مؤمناً، ليس مؤمناً قطعاً، علامة إيمانك: أنك تحب الله, ورسوله, وأنبياءه, والصحابة الكرام جميعاً، والمؤمنين في كل زمان ومكان.

5-أن تحب لقاءه وأن تسعى إلى جنته والنظر إلى وجهه ورضوانه :

 المرتبة الخامسة في المحبة: أن تحب لقاءه, وأن تسعى إلى جنته, والنظر إلى وجهه ورضوانه، يوجد عندنا الجنة، فوق الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، فوق النظر إلى وجه الله الكريم رضوان من الله أكبر.
 دخلت إلى بيت, وجدت فيه أثاثًا لا يوصف، وطعامًا نفيسًا، إطلالة رائعة، أما إذا رأيت صاحب البيت، وقد منحه الله جمالاً أخاذاً, هذا مستوى أرقى، فإذا رحب بك، وآنسك، و طيب قلبك، وأكرمك, فهذا مستوى آخر، فبين أن تدخل جنته، أو أن تملأ نظرك بوجهه الكريم:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾

[سورة القيامة الآية: 22-23]

 ثم أن يرضى الله عنك, فتسعى بقربه إلى أبد الآبدين.

المحبة أساسها المعرفة :

 أيها الأخوة الكرام, هذه المحبة، والمحبة أساسها المعرفة، تعرفه فتحبه، هذا شيء طبيعي.
 أحياناً الإنسان يذهب إلى بلد, يسر سروراً كبيراً, يشتاق إليه، يذهب إلى العمرة أو إلى الحج, يتجلى الله على قلبه الشيء الكثير, يشتاق أن يعود إلى هذه البلاد، يلتقي بإنسان, يأنس به, يشتاق إليه.
 فالمحبة أساسها المعرفة, تعرفه فتحبه، ومن أعجب العجب: أن تعرفه ثم لا تحبه، من أجب العجب: أن تحبه ثم لا تطيعه، من أعجب العجب: أن تحبه وأن تطيعه ثم لا تؤثره على غيره.

مشكلة :

 يوجد عندنا مشكلة، تجد إنساناً يقنع بكل شيء، ولكن لا يوجد عنده همة، يعرف كل شيء، يحضر دروس لثلاثين سنة، تتكلم بحديث يتمه لك، تتكلم بآية يتمها، تتكلم بقصة يكملها ، حافظ كل شيء, ولكن لا يوجد همة ليفعل شيئاً، تنقصه الهمة والإرادة.

من ثمرات المحبة :

 ابن القيم يقول: الهمة ثمرة المحبة.
 أنت لاحظ: إذا إنسان خطب فتاة، وكان معجباً بها, عشر ساعات يفكر كيف سيقدم لها هدية؟ كيف يتلطف معها بالكلام؟ كيف يتصل بها؟ كيف يفاجئها بشيء تسر به؟ تشغل كل ساحته، هذه فتاة, وامرأة يمكن بعد الزواج بسنتين لا تتكلم معها بكلمة، لا يعطس أبداً، كان ست ساعات يكلمها على الهاتف، لماذا؟ لأن كل شيء يمل، إلا أن تكون مع الله, فيوجد شوق مستمر.
 يروي الأدباء: أن مجنون ليلى لو تزوجها لطلقها، فالهمة ثمرة المحبة, وأعلى منتوجاتها: التعلق بالحق منهجاً وسلوكاً، الهم من مبدأ الإرادة:

﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾

[سورة يوسف الآية: 24]

 يا الله هذا همّ، أراد أن يفعل شيئاً، الهمة من ثمرات المحبة، والهمة أول درجات الإرادة، تحب فتهم فتريد.

حلقة مفقودة في العالم الإسلامي :

 يوجد حلقة مفقودة بالعالم الإسلامي, كل شيء واضح، دروس، ومحاضرات، و ندوات، أي بكل بيت يقول لك: رأينا الندوة الفلانية، والعالم الفلاني، والدكتور الفلاني، وفلان حجته قوية، وفلان جاء بأدلة رائعة، كلما تجلس مع شخص, عنده اهتمامات إسلامية، يتابع هذه الندوات, صار عنده ثقافة مذهلة، لو طبق واحد بالمليون منها, لكان في أعلى عليين، و لكن همة على تطبيق لا يوجد.

أمر فيه حيرة :

 شخص تركي عنده قط، وعنده وليمة، وجاء بلحم غال وكثير، فهذا القط أكل اللحم، هذا التركي امتلأ منه غيظاً، تمنى أن يمزقه، هذا القط له ورد، أي يخرخر، فنظر إليه بغيظ, قال له: أوراد شوك أمانات يوك.
 الآن تجد شخصاً يتكلم بالدين ساعة، بالفلسفة، وبالعقيدة، والصوفيين، والسلفيين، والماترديين، والأشاعرة، والدليل الفلاني، والآية الفلانية، والحديث الفلاني، ليس عند الحلال والحرام، هذه مشكلة، يوجد حلقة مفقودة، هي الإرادة، يعرف كل شيء ولا يطبق شيئاً، لا يوجد عنده إرادة، ولا يوجد عنده همة، الهمة أساسها المحبة، والمحبة أساسها المعرفة، ما تعرف إلى الله ولا أحبه, لذلك لا يوجد عنده همة، هذه مشكلة المشكلات، هذه آفة الآفات، هذه معضلة المعضلات.
 مشكلة المؤمن يعرف, لا ينعم بثمرات الإيمان لأنه مقصر، ولا يعد مع الكفار لأنه مؤمن، الوضع محير؛ لا أخذ من هؤلاء سعادتهم، ولا أخذ من هؤلاء حريتهم، مقيد.

ما الذي يحجب المسلم عن الله؟ :

 أيها الأخوة, معظم المسلمين لا يزنون، ولا يسرقون، ولا يقتلون، ولا يشربون الخمر ، ما الذي يحجبهم عن الله؟ الصغائر فقط، يوجد حجاب ثخين لأسباب وجيهة، إنسان قاتل، إنسان زان، شارب خمر، سارق، طبعاً محجوب بحجب كثيفة جداً، لكن إنسان لم يسرق، ولم يكذب، ولم يشرب الخمر، و لم يزنِ، ولم يقتل، ومحجوب عن الله بالصغائر، لذلك هذه الذنوب الصغيرة التي لا نعبأ بها, تجتمع على الرجل حتى تهلكه.
 إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم، ولكن رضي فيما تحقرون من أعمالكم، إن الصغائر تجتمع على الرجل حتى تهلكه.

ما فروع الهمة؟ :

1-همة في طلب العلم :

 الهمة ما فروعها؟ همة في طلب العلم، طلب العلم يحتاج إلى وقت، وإلى جهد، وإلى تواضع، يوجد إنسان أكبر همه أن يطلب العلم، معه دكتوراه من بلد أجنبي، لا ينظر لأحد، أما هو فأمّيٌّ في العلم بالدين، بدليل: أحضر أكبر عالم دين، وأعطيه تخطيط قلب, لا يفهم منه شيئاً، إذاً: هذا العالم الكبير في الدين, أمي في تخطيط القلب، وبالمقابل: ائت بأكبر طبيب قلب, لم يطلب العلم الشرعي, هو أمي في الدين، الإنسان أحياناً يستنكف أن يطلب العلم، يستنكف أن يستمع إلى شريط، يستنكف أن يطالع كتاباً إسلامياً, معه بورد، أي عنده شعور أنه فوق البشر، أكبر خطر بالعلم الكبر.
 ومن التعريفات الجامعة اللاذعة: أنها مدرسة يدخلها الطالب جاهلاً متواضعاً, يخرج منها جاهلاً متكبراً، بقي جاهلاً، ولكنه أضاف إلى جهله التكبر.

علام تؤكد هذه الآيات؟ :

 الهمة الأولى في طلب العلم, يمكن أن تجلس في مجلس على ركبتيك، لكن:

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[سورة الكهف الآية: 28]

 طبعاً لو ذهبت إلى بيت صديق, يوجد كرسي مريح وثير، يوجد ضيافة، في بيت الله لا يوجد إلا الأرض، ولا يوجد ضيافة، وقد يكون الدرس طويلاً أحياناً، وقد يتأخر الشيخ، فهمة في طلب العلم:

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة الزمر الآية: 9]

﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾

[سورة محمد الآية: 19]

فضيلة طلب العلم :

 فضل العلم خير من فضل العبادة، أي شخص يقوم الليل فقط، وآخر يتبحر في العلم، الذي يتبحر في العلم ليعلم الناس، ليهدي الناس إلى صراط الله عز وجل, أفضل عند الله من فضل العبادة.
 يقول عليه الصلاة والسلام أيضاً:

((وخير دينكم الورع))

 ركعتان من ورع, خير من ألف ركعة من مخلط.
 من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية الله إذا خلا, لم يعبأ الله بشيء من عمله.
 عن عَبْد اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ, وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا))

حجمك عند الله بحجم عملك الصالح :

 أتمنى أن أوضح لكم أنه؛ أنا مقياس الغنى عندي الحجم المالي، لكن مقياس الغنى عند الله العمل الصالح، لما سيدنا موسى سقى للمرأتين قال:

﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾

[سورة القصص الآية: 24]

 صدقوا أيها الأخوة, الغني الحقيقي: من له أعمالاً صالحة كبيرة جداً؛ إما في الإنفاق، إما في بناء المساجد، إما في إلقاء الدروس، إما في تأليف الكتب، إما في إنشاء دور يتامى، في معاهد شرعية، إما في خدمة الناس.
 حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، يجب أن توقن يقيناً قطعياً: أن الفقر الحقيقي فقر العمل الصالح.

ما محور هذا الحديث؟ :

 عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ:

((قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ, فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي؟ فَقَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: مَا جِئْتُ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ, قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا, سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ, وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ, وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ, حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ, وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ, كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ, إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ, إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا, إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ, فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))

2-همة في طلب المعالي :

 الآن: هذه الهمة التي هي نتيجة المحبة، المحبة تولد همة؛ همة في طلب العلم، وهمة نحو المعالي.

((إن الله يحب معالي الأمور, ويكره سفسافها ودنيها))

 تجد إنساناً همه المغني الفلاني، عنده جميع أشرطته، ومُرَتبها، ومصنفها، ويوزعها أيضاً، هذا همه الموسيقا، هذا همه التواضع، تجد هموم, ومبالغ, وأوقات، أما المؤمن همه الله.
 قال تعالى:

﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾

[سورة الحجرات الآية: 7]

3-همة في الجهاد في سبيل الله :

 الآن: محبتك لله عز وجل, ولرسوله, ولأنبيائه, ولكتبه، ولأوليائه، وللمؤمنين؛ التي نقلتك إلى همة في طلب العلم، وهمة في طلب المعالي, تنقلك أيضاً إلى همة في الجهاد في سبيل الله, والجهاد أنواع منوعة، دعونا موقتاً من الجهاد القتالي، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتاح لنا في وقت من الأوقات، لكن يوجد جهاد النفس والهوى وهو أهم أنواع الجهاد، لأن المنهزم أمام نفسه لا يمكن أن يواجه نملة، الجهاد البنائي: أن تطور عملك ليكون في خدمة المسلمين، وليكون قوة في أيدي المسلمين.

ما مشروع هذه الآية؟ :

 التقيت مع إنسان بسفرتي الأخيرة يشغل منصباً رفيعاً، قلت له: لو عرضت عليك مشروعاً بمليونين، فسألتك: أمعك مال لهذا المشروع؟ فقلت لي: ليس عندي مال لهذا الذي تعرضه علي، أنا قد أحتاج منك إلى مليون، معك نصف مليون، تقول: ليس عندي مال، أما لو قلت لي: ليس عندي من مال ولا درهم، ماذا أفادت كلمة من؟ استغراق أفراد النوع، الآن: إذا الله عز وجل قال:

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

[سورة الأنفال الآية: 60]

 أي إن أي إنسان مسلم بعمله إذا أتقنه، وخدم المسلمين, وفر عليهم أن يستوردوا، و أعطاهم حاجة جيدة جداً, متينة تقاوم، وتخدم مدة طويلة، وبسعر معتدل، هذا ساهم في بناء الأمة.
 يوجد جهاد النفس والهوى، ويوجد الجهاد الدعوي، ويوجد الجهاد البنائي، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الجهاد القتالي.

سؤال دقيق :

 موضوع الهمة موضوع حساس ومتداول، يقول لك شخص: أول ما تعرفت إلى الله في هذا المسجد, كنت شعلة، بركانًا، الآن فترت همتي، كنت أبكي كثيراً، الآن لم أعد أبكي، كنت أصلي كثيراً طويلاً، الآن أصلي صلاة اعتيادية كالناس، كنت لا أنام الليل من محبتي لله، الآن والله عادي, يتكلم بألم، وكأنه فقد إيمانه، أقول له: لا، أنا أطمئن هؤلاء الذين لم يخطئوا مع الله، لكن أحوالهم التي تألقوا بها, ضعف تأثيرها عندهم، هؤلاء لو كنت في مكان بارد جداً، وكدت تموت من البرد، ثم دخلت إلى مكان دافئ خلال دقائق أو عشر دقائق, تشعر بقيمة الدفء، بعد ذلك أنت في الدفء, والدفء هو هو، لكن قوة تأثيره عليك ضعفت مع استمراره، لو أن شخصًا لا سمح الله ارتكب معصية, يحس نفسه وكأنه في جهنم، ما دام مستقيماً فهو مرتاح، هذه الراحة نوع من الصلة؛ لكن مخففة.
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ, فَكَانَ لَا يَأْتِيهَا, كَانَ يَشْغَلُهُ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ, فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...... فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

((إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً, وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ, فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ, وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ))

إلى يوم غد إن شاء الله :

 أيها الأخوة الكرام, المحبة ثمرة المعرفة، والهمة ثمرة المحبة، النتيجة الثالثة للدرس القادم: الغربة، ما لم تشعر بغربة بهذا العصر, ففي الإيمان خلل، يجب أن تشعر كأنك غريب، قيمك نادرة، مبادئك، أخلاقك، كلامك، مزاحك متميز، فيه عفة، لا يؤذي أحد، لا يتجاوز حدوده، الغربة من لوازم الإيمان الصحيح.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((إن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا, وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ, فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 والغربة تحل بأن تكون مع المؤمنين، أن يكون لك مجتمع مؤمن، أصدقاء مؤمنين، تتصل بهم، تسمر معهم، تلتقي بهم، تبثهم وجدك، يبثونك مواجيدهم، فبدل الشعور بالغربة أن تأنس بالمؤمنين، أما أن تأنس بعامة الناس, هذا دليل خطير جداً على أنك منهم، والاستئناس بالناس من علامات الإفلاس, أما أن تستأنس بالمؤمنين, فهذا دليل على إيمانك الصحيح إن شاء الله.

من أسئلة السائلين :

السؤال الأول: ما هو الشيء أو الفعل أو القول الذي يطمئن المسلم في محبة الله

 س- ما هو الشيء أو الفعل أو القول الذي يطمئن المسلم في محبة الله وفي الالتزام بشرعه؟
 ج- إنك إذا فعلت عملاً صالحاً ولم تذكره لأحد، و لم تحتاج أن تتباهى به، هذا دليل إخلاصك لله عز وجل، وإذا استوت استقامتك وحدك أو مع الناس دليل محبتك لله عز وجل، استواء العمل في الخلوة والجلوة دليل محبة الله عز وجل، وبقاء العمل بالذم والمديح دليل محبة الله عز وجل، إذا كنت محباً لله, عملك لا يتغير بين أن تكون في جلوتك أو في خلوتك، وإذا كنت محباً لله عز وجل, لا يزيد عملك بالمديح ولا يقل بالذم، وإذا كنت ممن يحب الله عز وجل, تشعر أنك لا تحتاج أن تذكر عملك لأحد، يا ربي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي:

﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾

[سورة الإنسان الآية: 8-9]

 فعدم طلب الشكر والجزاء, واستواء العمل في الخلوة والجلوة, واستواء العمل مع المديح و الذم دليل محبة الله عز وجل.

السؤال الثاني: دلنا على ورد يزيد من طمأنينة قلوبنا في حب الدين والالتزام؟ :

 س- دلنا على ورد يزيد من طمأنينة قلوبنا في حب الدين والالتزام؟ .
 ج- أنا أقترح أيها الأخوة, أربع أرباع الساعة، ربع ساعة تصلي، ربع ساعة تقرأ القرآن، ربع ساعة تفكر، ربع ساعة تذكر، أذكار الإمام النووي هذا أصح الأذكار، إذا كنت تستطيع ربع ساعة ذكر, وتلاوة, واتصال بالله عز وجل, وتفكر في مخلوقات الله، هذه الساعة صباحاً تساوي حجة تامة تامة تامة، بعد ذلك يوجد ذكر طوال النهار:

﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾

[سورة المعارج الآية: 23]

 كلما أقدمت على عمل تدعو الله أن يوفقك, وأن يكون خالصاً لوجهه الكريم، فالدعاء ذكر, والاستغفار ذكر, وتلاوة القرآن ذكر, والتفكر ذكر.
 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

((قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ, وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ, وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ, وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ, وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ, فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى, قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى, قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ))

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور