- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من لوازم التوحيد :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع أظنه مهم جداً، ألا وهو أن حقيقة العقيدة ليس ما ينبغي أن أعتقد، بل ما ينبغي أن أكون عليه، فهذه المركبة يجب أن تسير، فإن لم تسر, إذاً ليس فيها محرك، تعتقد أن الله غني، وأنه أنعم عليك بنعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد، ولا تشكره؟! إذاً هذه الحقائق لا تعرفها، ولم تخطر على بالك، العبرة ما ينبغي أن أكون عليه، لا ما ينبغي أن أعتقده .
فالدرس اليوم: من لوازم توحيده أن تشكره، الشكر نصف الإيمان، والشكر من أخص خصائص المؤمن .
من تعريفات الشكر :
قال بعضهم: الشكر سيلان اللسان بذكر الله ونعمائه، إذا أحببت شيئاً أكثرت من ذكره ، علامة محبتك لله أنك تكثر من ذكره، علامة أنك تعلم ما أنعم الله به عليك من نعم، أنك تشكره، وقالوا: اختلاج القلب وتلهفه وتواضعه لكرمه، وإعمال الجوارح في طاعته، وتعظيم أوامره، هذا هو الشكر، هذا من تعريفات الشكر .
من الأولويات عند الإنسان المسلم :
أيها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في مسنده:
((والذي نفسي بيده, إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً))
﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾
.
فإذا كانت دواب الأرض تسمن وتشكر الله عز وجل, فالأولى أن نكون نحن الذين كلفنا حمل الأمانة، وسخر لنا الكون من أجلنا, أن نشكر الله عز وجل .
من تعريفات الشكر أيضاً كما أوردها العلماء في هذا المقام :
وقال بعضهم: الشكر ظهور أثر النعمة على لسان العبد ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبةً، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة .
الشكر كما قال بعض العلماء: ألا ترى نفسك أهلاً للنعمة، أن ترى النعمة أعظم من عملك .
بعضهم قال: أن ترى النعمة، أن ترى نفسك فيها طفيلياً، لست أهلاً لها، هذا من تواضع الإنسان .
الشكر معرفة العجز عن الشكر، والعجز عن الإدراك إدراك، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾
أنتم عاجزون عن إحصائها، فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى .
وقال بعضهم: الشكر معرفة العجز عن الشكر، والشكر استفراغ الطاقة، أو هو مشاهدة المنة، وحفظ الحرمة، وقيل: هو عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته، وجريان اللسان بذكره، والثناء عليه، هذه بعض التعريفات التي أوردها العلماء حول مقام الشكر الذي هو من أخص خصائص المؤمن .
تعريف الشكر بشكل مختصر :
أيها الأخوة الكرام، بشكل مختصر: الشكر: إدراك بالعقل أن هذه النعمة من الله، وامتنان بالقلب، وعمل صالح لعباده كتعبير صارخ على شكره، لقوله تعالى:
﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً﴾
فاللسان يشكر، والقلب يمتن، والجوارح تعمل، العقل يدرك، والقلب ممتن، والجوارح تتحرك بنسق واحد، فالعقل يدرك أنه في نعمة عظمى .
من دلائل العجز والضعف عند الإنسان :
أمسك أحد الخلفاء كأس ماء، فقال له وزيره: يا أمير المؤمنين, كم تشتري هذا الكأس إذا منعت منك؟ قال: بنصف ملكي، قال: فإذا منع إخراجه؟ قال: بنصف ملكي الآخر .
أنت مفتقر إلى كأس ماء .
مرة قرأت في الأخبار: أن إنساناً أتى من الكويت إلى الشام, قبل أن يكون هناك طريق معبد، ضل الطريق، عثر عليه ميتاً هو وزوجته وأولاده من شدة العطش، وقد جرح وجهه بأظافره من شدة العذاب، الإنسان, ومكانته, وشهاداته, وقيمته, وهيمنته, وسيطرته في كأس ماء، من حكم الصوم حينما تجوع وتعطش تعرف أنك عبد لله، وأنك مفتقر لكأس ماء، إدراك بالعقل، وامتنان بالقلب، وعمل لخدمة العباد هذا الشكر .
إليكم هذا الدليل من الكتاب على أن الشكر من أخص خصائص المؤمن :
أيها الأخوة الكرام، أؤكد لكم أن الشكر من أخص خصائص المؤمن، من أخص خصائص المؤمن، الدليل: قال تعالى:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
أنت حينما تشكر، وحينما تؤمن, حققت الهدف من وجودك، حققت علة وجودك، حققت غاية وجودك .
الدليل الآخر: أن هذا الكون مسخر لك تسخير تعريف وتكريم، أي شيء خلقه الله عز وجل, وظيفته الأولى أن تعرف الله من خلاله، وظيفته الثانية أن تنتفع به .
انظر إلى هذا الفرق بين من يعيش في النعمة ومن يعيش مع المنعم :
ضربت اليوم مثلاً لطلاب، قلت لهم: لو أن واحداً دخله قليل جداً، حيث لا يستطيع أن يلعق لعقة عسل واحدة لفقره، لكن وقع تحت يده كتاب عن العسل، فبكى تعظيماً لله على هذه الآية الدالة على عظمته، هذا الذي لم يستطع أن يلعق لعقة عسل واحدة, حقق الهدف الأكبر من خلق العسل، مع أنه لم يأكل العسل، وبالتعبير العامي الذي انفزر عسلاً، وما فكر فيه, عطل الهدف الأكبر من خلق العسل، الغرب أتقن الانتفاع بالنعم، والمؤمنون في عصور ازدهارهم, أتقنوا شكر هذه النعم، لذلك هناك من يعيش في النعمة، وهناك من يعيش مع المنعم.
ممكن لإنسان أن يدعوك إلى طعام نفيس، ويتفنن في ألوان الطعام، ويتفنن في الترحيب، ويتفنن في وضع الزهور، والعصير مقدماً، ويأتي إنسان عينه على الطعام يجلس، ويلتهم الطعام كالدابة، ثم ينصرف، ولا يسلم على صاحب البيت، ولا يشكره، هذا فعلاً دابة, في إنسان يرتدي ثياباً غالية جداً، وعنده عطر، يقول لك: هذه ثمن القارورة أربعة آلاف وخمسمئة ليرة، أخذتها من باريس، لكن هو دابة, إذا تنعم ولم يشكر، فلذلك الشكر من أخص خصائص المؤمن .
من أدعية النبي عليه الصلاة والسلام :
كان عليه الصلاة والسلام يقول:
((الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني, وأبقى لي ما ينفعني))
((الحمد لله الذي أذاقني لذته الطعام, أبقى في قوته, وأذهب عني أذاه))
كان إذا رأى وجهه في المرأة:
((اللهم كما حسنت خَلقي حسن فحسن خُلقي))
كان إذا ارتدى ثوباً جديداً له دعاء خاص .
كان إذا دخل على بيته, قال:
((الحمد لله الذي آواني، وكم ممن لا مأوى له))
كان إذا استيقظ:
((الحمد لله الذي رد إلي روحي، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره))
لا تغفل عن هذه النعم :
أيها الأخوة الكرام, تلبد الحس مصيبة كبيرة، اسأل أخاً اضطر لزرع أسنانه، ثمن زرع الأسنان كلها مليونا ليرة سورية، الذي عنده أسنان طبيعية سليمة، الذي عنده كليتان سليمتان, زرع الواحدة يكلف حوالي مليون، الآن الذي عنده قلب يعمل بانتظام, لا يحتاج إلى زرع شريان، هذه نعمة، الذي عنده الغدد الصماء تعمل بانتظام، هذه نعمة كبيرة، أنت بصحتك التامة غني .
تاج النعم العقل :
أيها الأخوة الكرام، الشكر من أخص خصائص المؤمن، الشكر لله -دقق- والحمد، الحمد صفة مشتركة بين كل البشر .
إنسان ملحد يشتري بيتاً، يزينه، يفرشه، يستقبل الضيوف، بعد أن تنتهي السهرة يقول : تفضلوا وتفقدوا البيت، هذه ستة بسبعة، الغرفة ما شاء الله، هذه الشرفة مطلة على الحديقة، هذا الحمام مستواه كذا، هو مع النعمة، هو يحمد، لكن يحمد من؟ في الفاتحة: )الْحَمْدُ للهِ(، الخلاف لا على الحمد، على من ينبغي أن تحمد .
إنسان يحمل شهادة عليا من باريس، دكتوراه في الجيولوجيا، ترقى في المناصب حتى صار معاون وزير، شاب في مقتبل الشباب، زوجته شابة، دخله كبير، بيته بأرقى أحياء دمشق، مركبته فارهة، فقد بصره، جاملوه شهرًا، ثم عزل من منصبه، زاره صديق لي، قال له: والله يا فلان أتمنى أن أتسول على الطريق، ولا أملك إلا ثيابي، وأن يرد لي بصري، هل تعلم قيمة نعمة البصر؟ .
إنسان اختل توازنه العقلي، ضغطه ممتاز، لكن لا عقل له، ضغطه جيد، نبضه ثمانون ، أجرى فحوصات، تامة كلها، لكن لا عقل له، تاج النعم العقل .
طرفة :
طرفة: كنت أقول سابقاً، وسأعود إلى ذلك إن شاء الله، كل طفل جاء مع أبيه, نقدم له أكلة طيبة عقب صلاة الجمعة، مرة أحدهم أطول مني، قال: أين هديتي؟ فهمت أن عقله خفيف، قلت له: تفضل، قلت: سبحان الله! ليس ثمة شيء ثمين في حياته كالعقل، يسكت أحيانا ، أحياناً يبتسم، أحياناً يتكلم، أحياناً يسترحم، لكن لا عقل له، مشكلته مشكلة .
من لوازم المؤمن :
أيها الأخوة الكرام، قواعد الشكر خمسة؛ الخضوع للمشكور، قبل أن نبدأ بهذه القواعد أقول: المسلم المؤمن الصادق إذا سمع خبراً سار, يسجد سجدة الشكر، نجح, يسجد سجدة الشكر، استلم المحل, يسجد سجدة الشكر، تزوج, يسجد سجدة الشكر, مشكلة انحلت, يسجد سجدة شكر .
واقعة :
حدثني أخ, قال لي: أعمل بالكمبيوتر خمس ساعات، فضاعت كلها، غلط غلطة، محا العمل كله، تألم ألماً شديداً، ثم هداه الله إلى طريقة, استرجع هذه المعلومات، فصلى ركعتين شكراً لله، فالشكر من لوازم المؤمن، أنت حسنة من الله عز وجل، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد .
من المنسيات عند الإنسان :
مرة كنت في المطار, شاهدت طفلاً صغيراً يجمع أن يسافر مع والديه، لكن وسطه كرة كبيرة جداً، يبدو أنهم يخافون أن يحدث شيء في الطائرة، وضعوا فوطًا مضاعفة، قلت: هذا إذا صار في منصب رفيع عندما يكبر, يتذكر نفسه في المطار في وسطه كرة فيها فوط مضاعفة، الإنسان يكون طفلاً، لا يلحظ نفسه، يكبر، ينسى أنه كان طفلاً، خرج من عورة إلى عورة، وخرج من عورة ثلاث مرات، يقول: أنا، من أنت؟ .
قواعد الشكر خمسة: الخضوع للمشكور، ومحبته، والاعتراف بنعمته، وثناؤه عليه، وصرفها فيما يحب ويرضى .
أنواع الشكر :
1-شكر العامة :
الشكر: شكر العامة، وشكر الخاصة, العامة تشكر الله على المال الوفير، يقول لك أحدهم: الله مفضلها، يشكر الله على الصحة فقط، على الزوجة، يشكر الله على كل شيء مادي ، لأن المادة مبلغه من العلم:
﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
2-شكر الخاصة :
أيها الأخوة الكرام, الخاصة ما نوع شكرهم؟ يشكر الله على معرفة الله، يشكر الله على طاعة الله، يشكر الله على معرفة القرآن، على معرفة السنة، يشكر الله أن أجرى الله على يديه العمل الصالح:
﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
كلما ارتقى مستواك يرتقي مستوى شكرك، لا مستوى الشكر من حيث الدرجة، مستوى مضمون الشكر .
إليكم هذا الفرق بين شكر العامة والخاصة :
أيها الأخوة الكرام، عامة الناس يشكرون الله على النعم المادية، ولكن خواص المؤمنين يشكرون الله على نعمة المعرفة، ونعمة الطاعة، ونعمة الصلة، ونعمة العمل لصالح ، وأن الله سخر له أناساً يتاح من خلالهم أن يتقرب إلى الله .
إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه، أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيره, تركته وشركه .
قواعد الشكر :
1-الخضوع للمشكور :
أيها الأخوة الكرام، القاعدة الأولى: الخضوع للمشكور، لا يمكن أن تكون شاكراً إذا كنت عاصياً، من لوازم الشكر الخضوع لله عز وجل:
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾
إذاً: القاعدة الأولى: الخضوع لله عز وجل، وما شكر الله من لم يخضع له .
2-محبة المشكور والثناء عليه :
الشيء الثاني: محبة المشكور والثناء عليه، فيجب أن يمتلئ القلب محبة لله عز وجل، للتقريب: لا يوجد عندك بيت، وعاقد عقدك على فتاة، ولم تجد بيتاً، ولا تملك ثمن بيت، ولا تملك أجرة بيت، وجاء إنسان، وقدم لك بيتاً بحي جيد، بمواصفات جيدة، قال لك: هذا هدية مني لك، اسكن، واعمل عرسك، وتزوج، يقول لك: لا يذهب من بالي، أقعد، وأقوم، وأدعو له ، بشكل طبيعي إنسان قدم لك شيئاً، الله قدم لك الوجود، قدم لك الهدى، قدم لك عينين، قدم لك لساناً تنطق به، قدم لك أذنين، قدم لك عقلاً، قدم لك أجهزة، قدم لك أعضاء، قدم لك كليتين تعملان بانتظام .
قصة :
مرة أخ دعانا إلى بستان في الربيع، وقال لي: هذا البستان لعمي، ونحن جالسون, دخل عمه، ولم يسلم علينا، أنا عتبت عليه أشد العتب، هذه جفوة، سألت ابن أخيه، قال لي: دعه بحاله، جاء من غسيل كليتيه, لا يرى في وجهه أحداً، معك كليتان تعملان بانتظام، لك عينان، لك أذنان، لك عقل في رأسك، لك قلب يعمل بانتظام، رئتان، معدة، أمعاء، بنكرياس .
هذه مهمة الغدة النخامية :
أحد أصدقائي زار ألمانيا، ويوجد معمل له مديرة مبيعات، يعرفها جيداً، فوجئ أن صوتها أصبح خشناً، ونبت الشعر في وجهها، واختلفت معالم وجهها، دهش من هذا التبدل المفاجئ، سألها، قالت له: والله تعطلت الغدة النخامية، أنا أدفع نصف دخلي حتى أبقى بهذه الحال، الأمر يزداد .
أيها الأخوة, النخامية وزنها نصف غرام، تفرز هرمون الجنس، وهرمون النمو، و هرمون توازن السوائل، وهرمونات كثيرة جداً، الغدة النخامية تفرز اثني عشر هرموناً، لو تعطل أحد هذه الهرمونات لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، هرمون توازن السوائل، لو تعطل هذا الهرمون يجب أن تستقر دائماً بين الصنبور، ودورة المياه، يمكن أن تشرب باليوم عشرة براميل، توازن السوائل، كأس، كأسان، عشر كؤوس في الأربع والعشرين ساعة تكتفي ، لأنه يوجد هرمون يضبط توازن السوائل، يجب أن تنتبه إلى الهرمون التابع للغدة النخامية، والدرقية، والكظر، والبنكرياس، وعمل الكليتين، وعمل القلب، والضغط، وبلازما الدم .
من أنشطة الطحال في جسم الإنسان :
لي قريب آخر من أسرة غنية، وصحته جيدة، معه فقر دم، لم يدع طبيباً، من طبيب إلى طبيب, إلى طبيب، إلى بريطانيا، بعد التحليل الدقيق, وجد أن مقبرة كريات الدم الحمراء لا تعمل، الطحال هذه مهمتها إذا ماتت كرية أن تدفنها، وأن تحللها إلى عناصرها الأولية هيموغلوبين وحديد، الحديد يرسل إلى معامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام, و الهيموغلوبين يرسل في نقي العظام، والهيموغلوبين يرسل إلى الصفراء، فيغدو صفراء مع الكبد، هذا الطحال يقوم بنشاط أكبر مما ينبغي، يأخذ الكرية الحية يقتلها ويحللها، نحن دفن الموتى للموتى، وليس للأحياء نقتله، ونضعه في الموتى، هذه مشكلة الطحال، مات بهذا المرض، ممكن لإنسان يموت بتوقف نشاط الطحال، قام بنشاط أكبر مما يجب، مهمته تحليل الكريات الميتة إلى عناصرها الأساسية, صار يقتل الكرية الحية، ويحللها, صار معه فقر دم, مات بهذا المرض .
إنسان آخر مات بمرض اسمه: فقر دم اللامصنع، معامل كريات الدم الحمراء توقفت فجأة عن توليد هذه الكريات بلا سبب، المرض حتى الآن لا يعرف سببه، فقر دم اللامصنع، مات به ملِك .
ألا يستحق هذا الإله الحب؟!!! :
أيها الأخوة الكرام، أن تحب الله، منحك نعمة الإيجاد، منحك الأعضاء، منحك السلامة ، منحك أجهزة، منحك حواسًّا، منحك قوامًا، منحك عقلاً، الآن منحك زوجة، منحك بيتًا، منحك أولادًا، منحك اختصاصًا، منحك مكانة، منحك محبة الناس، المؤمن من سماته أنه يشكر الله دائماً، الله عز وجل شكور، إذا أحببته, ألقى محبتك في قلوب الخلق .
3-أن تعترف بنعم الله :
الآن هناك صفة ثالثة للشكر: أن تعترف بنعم الله، يكون في مرتبة عالية، يقول: أنا تعبت على نفسي، أنا ما نمت الليل ثلاثا وثلاثين سنة، تراني في مكانة عالية، هذه ثمنها، عرق، وسهر، ودراسة، أين الله؟ نسي الله، عمل عملاً طيباًً، هذه تربية بيتية، والدي ربانا لا يذكر الله أبداً، إذا مرض ابنه، وأخذه إلى الطبيب، وشفي، والله هذا الطبيب معه بورد، ممتاز ، نسي أن الله أذن له أن يشفى، البطولة أن تعترف بنعمة الله عز وجل .
قال عليه الصلاة والسلام:
((إن الله ليرضى عن العبد, أن يأكل الأكلة فيحمده عليها, ويشرب الشربة فيحمده عليها))
انظر كيف ختم عمر طعامه :
أنا لا أنسى لما جاء رسول عامل سيدنا عمر على أذربيجان، كره أن يطرق بيته ليلاً، فذهب إلى المسجد، سمع من يبكي، وينادي ربه: يا رب، هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟ قال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عمر، قال: يا سبحان الله! ألا تنام الليل؟ قال: إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي، أخذه صباحاً إلى بيته، قال: تأكل عندنا أم مع فقراء المسلمين؟ قال: عندك -الثانية ليست واردة أبداً- فإذا في بيت عمر خبز وملح، قال: يا أم كلثوم، ما عندك من طعام؟ قالت: والله ما عندنا إلا خبز وملح، قال: هاته لنا، أكل مع ضيفه خبزاً وملحاً، حمد الله على أن أطعمه فأشبعه، وحمد الله أن سقاه فأرواه .
من المعاني التي ابتعد عنها المسلمون في هذا العصر :
الآن يبدأ بكأس عصير، ثم ثمانية عشر صحن مقبلات، بعد الشوربة، بعد الفتة، بعد أكلة الطبخ، بعد أكلة اللحم، بعد هذا الفواكه، بعد هذا الحلويات، بعد هذا القهوة، مثل الدابة يأكل ويمشي، أين الله عز وجل؟ على خبز وملح، الحمد لله الذي أطعمني فأشبعني، وأسقاني فأرواني، على خبز وملح، وليس خبزًا أبيض مثل الذي نأكل، ابتعد المسلمون عن هذه المعاني الدقيقة .
جلست إلى مائدة يمكن أن يأخذ السيروم، يقول: تبخش بدني، لا طعام، ولا شيء، يجب أن تعترف أن هذا من فضل الله عليك، يقول لك: هذا البيت حتى اشتريته ثلاث سنوات, رأيت مئتي بيت، هذا أنا اخترته، الله عز وجل أكرمك في هذا البيت، ومكنك أن تملك ثمن هذا البيت، ويسر لك شراء هذا البيت .
من ضعف إيمان الإنسان :
دائماً الإنسان من ضعف إيمانه يعزو النعم إلى جهده، قارون قال تعالى عنه:
﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾
احفظ هذا الدعاء :
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، هذا الدعاء النبوي الشريف .
4-الثناء على المشكور :
الآن الثناء على المشكور، أول قاعدة: الخضوع، الثانية: المحبة، الثالثة: الاعتراف، الرابعة: الثناء .
يقول عليه الصلاة والسلام:
((لئن أقول: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, وأحب إلي مما طلعت عليه الشمس))
وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ))
عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
((جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ، قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))
هذا مما يؤكد شكرك؛ خضوع، محبة، اعتراف، ثناء .
5-أن تستخدم النعم لطاعة الله :
الشيء الخامس: أن تستخدم النعم لطاعة الله، هذه العين ينبغي ألا تستخدمها في النظر إلى عورات المسلمين، هذه الأذن ينبغي ألا تستخدمها في سماع ما نهى الله عن سماعه, من غيبة أو نميمة أو غناء، هذا اللسان ينبغي ألا يغتاب أحداً، أن يكون رطباً بذكر الله، هذه اليد للعمل الصالح، هذه الرجل للمجيء إلى المساجد، إلى الطاعات، إلى صلة الرحم، من لوازم الشكر أن تستخدم هذه النعم فيما شرع الله، لا فيما لم يشرع الله، إذا آتاك الله مالاً فليرَ أثر نعمة الله عليك .
أدوات الشكر :
1-اللسان :
الآن آلات الشكر: اللسان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ رَجُلًا قَالَ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ, فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ, قَالَ: لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ))
أول أداة للشكر: اللسان، أن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره، وأن تطيعه فلا تعصيه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال:
((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ))
هذا الذكر البرمجة اللغوية العصبية، سموه التكرار الكثيف، أحياناً إذا كررت شيئاً بكثافة تتعلق به، وتقبل عليه .
2-القلب :
أيها الأخوة الكرام، الشكر أدواته: اللسان، والقلب، والجوارح، فالقلب شكره بالبعد عن الشبهات، ودفع وساوس الشيطان .
فعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ:
((جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ، وَقَالَ: اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ، ثَلَاثًا، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ))
البعد عن الشبهات، وعن المخالفات، وعن وساوس النفس، هذا شكر القلب لله عز وجل، من شكر القلب: امتناعه عن الحسد، والغل، والحقد، ومدافعة هذه الأمراض .
3-الجوارح :
بقي شكر الجوارح، الجوارح أن تستعملها في طاعة الله، كل جوارحك، بدءاً من العين إلى اللسان، إلى الأذن، إلى اليد، إلى الرجل، إذا استخدمت هذه الجوارح في طاعة الله, فقد شكرت الله عز وجل .
أيها الأخوة الكرام، هذه بعض ما في الشكر من آيات وأحاديث وحقائق، والإيمان نصف صبر، ونصف شكر، بل الشكر مع الإيمان هو تحقيق لغاية الإنسان .
كلمة الختام :
وكلمة أخيرة في قوله تعالى:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
الإيمان مع الشكر تحقيق لكل أهداف الإنسان، أنت في الأساس نعمة من نعم الله، عرفته، وشكرته على هذه النعمة، ما دام الكون مسخرًا تسخير تعريف وتكريم، التعريف يقتضي الإيمان، والتكريم يقتضي الشكران، فإذا آمنت وشكرت, فقد حققت الهدف من وجودك.