- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
بماذا يتعلق موضوع الدرس اليوم؟ :
أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في موضوعات العقيدة، ومع الدرس التاسع والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، والشيء الذي ينبغي أن يكون واضحاً جداً, هو أن العقيدة الإسلامية ليس ما ينبغي ما تعتقد فحسب، بل هو ما ينبغي أن تكون عليه في حال مع الله، وقد مرت معنا بعض المقامات التي يمكن أن تكون معياراً لسلامة عقيدتك .
واليوم الموضوع متعلق بالحياء، إذا صحت عقيدتك كنت حيياً، إذا دخلت على عظيم, وكنت منضبطاً, ومهذباً, ومستحياً منه, فهذا دليل معرفتك به، أما إذا كنت متطاولاً، ولست مستحياً, فهذا دليل عدم معرفتك به، ففي هذه الدروس إن شاء الله, لا نفرق أبداً بين ما ينبغي أن تعتقد, وما ينبغي أن تكون عليه .
الحياء من الله ثمرة يانعة من فهمك :
أيها الأخوة الكرام, الحياء ثمرة يانعة من فهمك, لقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾
لاحظ نفسك إذا كنت في حضرة إنسان, ممن تجلّه أو تحترمه, فإنك تضبط كلامك، تضبط هندامك، تجلس جلسةً مؤدبة، تنطق بكلام مضبوط، هذا مع إنسان تظنه عظيماً، فكيف مع خالق الأكوان؟ فالحياء ثمرة يانعة لإدراكك الصحيح, لقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾
وأفضل إيمان المرء: أن يعلم أن الله معه حيث كان، وثمرة أخرى لمن يفهم حقيقة هذه الآية:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
لو أن عينك شردت إلى إلقاء نظرة لا ترضي الله، واللهُ يعلمها، فحينما تضبط بصرك إلى درجة تعلم فيها أن الله يراك, إذا اختلست نظرةً لا ترضيه, فهذا دليل حيائك من الله، والحياء ثمرة يانعة بفهمك الدقيق, لقوله تعالى:
﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾
أنواع الحياء :
1-حياء الإجلال والتعظيم :
أيها الأخوة الكرام, الحياء أنواع، يقع في رأسها حياء الإجلال والتعظيم .
ففي الصحيحين: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ, وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ))
عالج موضوع الإيمان، لأنه لو آمن لاستحيا، وهذا سر إدخال هذا الموضوع في دروس العقيدة، لو انه آمن بالله حق الإيمان لاستحيا من الله .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ, أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ))
قال بعضهم: من استحيا من الله مطيعاً, استحيا الله منه وهو مذنب، يعني إذا كنت مطيعاً له وأنت في الطاعة تستحي منه، فلو أنه -لا سمح الله- زلت قدمك, فالله سبحانه وتعالى يستحي منك، وأنت مذنب .
حياء الإجلال لمقام الله وعظمته، لأنه يراك، لأن قلبك منظره فتستحي منه .
2-حياء التقصير وتعظيم الجناية :
وهناك نوع آخر من الحياء، وهو حياء التقصير وتعظيم الجناية .
أيها الأخوة الكرام, من صفات المؤمن أنه يلوم نفسه دائماً، قال تعالى:
﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾
المؤمن الصادق دائماً يتهم نفسه، لا يحابيها أبداً، هذا الحياء الثاني، حياء التقصير وتعظيم الجناية .
ما قيل حول هذا الجانب من الحياء حياء التقصير :
يقول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾
يدرك حقيقة التقصير في جانب عظمة الله عز وجل، يقول الإمام الجنيد رحمه الله تعالى: الحياء رؤية الآلاء، ورؤية التقصير معاً، ترى عظمة الله، وترى عظم الجناية في حق الله، فلا بد من هاتين الرؤيتين معاً، ترى الله، وترى تقصيرك في حقه .
الإمام الفضيل رحمه الله تعالى قال: خمس من علامات الشقوة؛ قسوة في القلب، وجمود في العين، وقلة حياء، ورغبة في الدنيا، وطول أمل، هذه كلها من علامات الشقاء في الدنيا والآخرة .
هذا الحياء؛ حياء التقصير وتعظيم الجناية, يمثله الملائكة الكرام الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، حتى إذا كان يوم القيامة، ورأوا من آيات الله ما لم يروا, شعروا بالتقصير ، فقالوا: سبحانك يا رب ما عبدناك حق العبادة .
أيها الأخوة الكرام, الحياء الثاني حياء التعظيم مع التقصير معاً، أسميه تجاوزاً حياء التقصير، الأول حياء الإجلال .
أمرٌ دقيق: ما لم تشعر بهذه المشاعر، ما لم يكن قلبك مفعماً بهذه الأحوال, فهناك خلل في الإيمان .
3-حياء الكرم والإحسان :
نوع آخر من الحياء، هو حياء الكرم والإحسان، الإنسان إذا أعان إنساناً، والذي أعانه خجل، وتطامن أمامه، وتضعضع أمامه، فأنت كإنسان كريم جداً, تستحي منه إذا تضعضع لك، وهذه علامة إيمانك، أما إذا كان الإنسان -والعياذ بالله- لئيمًا, ينتعش حينما يتضعضع أمامه إنسان، وحينما يذل أمامه إنسان، أما الكريم فلا ينتعش، بل يستحي من الله عز وجل، فهناك إنسان بعيد عن الله، متأله، كأنك تطربه إذا تضعضعت أمامه، ينتشي، يزداد استعلاءً، يستمتع بخضوع الناس له، أما المؤمن فبالعكس .
بم يخص هذان الدليلان من السنة؟ :
دخل على النبي عليه الصلاة والسلام رجل فأصابته رعدة، قال عليه الصلاة والسلام:
((هوّن عليك, إنما أنا ابن امرأة من قريش, كانت تأكل القديد بمكة))
هذا حياء الكرم والإحسان، فهل ترضى أن يخضع الناس لك؟ أن يتذللوا لك؟ لا ترضى، لا والله ، فمما يؤكد إيمانك أنك لا ترضى إلا أن تعاملهم كأخوانك تماماً .
دليل آخر: النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه في سفر، فأرادوا أن يعالجوا شاةً، فقال أحدهم:
((علي ذبحها، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعلي جمع الحطب، فقالوا: نكفيك ذلك يا رسول الله؟ قال: أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه))
ما يتصف به المؤمن :
قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى، كذلك كان السلف الصالح، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((اليد العليا خير من اليد السفلى))
كان يدع الصدقة في يد أخيه من تحت, ليجعل يد أخيه هي العليا، هذا من التأدب مع الله عز وجل، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
أخواننا الكرام, حتى لو رأيت عاصياً، وأنت في طاعة, فيجب أن تعتقد أنه إذا تاب فقد يسبقك، لا يوجد أبداً استعلاء في الدين، ولا كبر، حتى لو رأى عاصيا، فلعله يتوب، ويسرع الخطى إلى الله فيسبقه .
حياء الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
كان عليه الصلاة والسلام أشد حياءً من العذراء في خدرها، هذا الوقح، سليط اللسان، المتجهم، هذا الإنسان بعيد عن الإيمان، الحياء من الإيمان، المؤمن حيي .
4-حياء الحشمة :
نوع آخر من الحياء: حياء الحشمة، وحياء المرء من نفسه، حياء النفوس العزيزة العالية الرفيعة التي حصلت لها من الرقة والشفافية, ما يحملها على الاحتشام والحياء، فالمؤمن في مشيته, في جلسته, في حديثه, في أخذه, في عطائه, في دخول بيته, في ركوب مركبته, في أدب، في تواضع، مقبول، أما الإنسان البعيد عن الله فمتغطرس مستعل، لا يحتمل ، ولو بقي ساكتاً، لذلك هذا الحياء حياء الحشمة يتأتى من صحبة الصالحين، كان ثمة مصطلح فلان ابن طريق، وفلان ابن الطريق، وشتان بين الاثنين، واحد طُرُق الإيمان ربّته على الحياء والأدب .
الحقيقة: أن الذي يميز المؤمن عن غير المؤمن ليست عباداته، بل معاملاته، بل أحواله مع الناس .
انظر إلى هذا القول لأحد العلماء :
وفي الحديث الذي روي مرفوعاً: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ, قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ, وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ؛ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى, وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى, وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى, وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ, فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ))
أحد العلماء يقول: إن الحياء والأنس يطرقان القلب، فإن وجدا فيه الزهد والورع, وإلا رحلا .
يتناسب مع الحياء والأنس أن يكون المرء زاهداً ورعاً، فإذا لم يكن هناك زهد ولا ورع, فربما ذهب الحياء، وأحياناً الإنسان المتزوج, ووالد الزوجة موجود, يحلو له أن يخوض في علاقات زوجية، يحدث عن العلاقات الزوجية، وعن، وعن، ولا ينتبه أن الأب موجود، وأن هذه ابنته، طبعاً كلام مشروع، لا يقول كلامًا غير مشروع .
سيدنا علي قال: كنت رجلاً مذاءً، يعني كثير المذي، فأمرت رجلاً أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته، فسأل، فقال:
((توضأ واغسل ذكرك))
يعني استحيا أن يسأل النبي عن قضية متعلقة بالزواج وابنته زوجته .
ما مصدر الحياء؟ :
أيها الأخوة الكرام, الخلاصة: أن الحياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه، فإن العبد متى علم أن الله عز وجل ناظر إليه, أورثه هذا العلم حياء منه, يحمله على احتمال أعباء الطاعة، ومجاهدة النفس، واستقباح الجناية، هذا طعم من طعوم العبودية لله عز وجل، وثمة مثل يقال دائماً: أين الثرى من الثريا؟ فالمؤمن الحيي له مقام كبير عند الله وبين الناس .
ما الفرق بين الحياء والخجل؟ :
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:
((سَمِعْتُ أَبَا السَّوَّارِ الْعَدَوِىَّ يُحَدِّثُ, أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيَّ يُحَدِّثُ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ, فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ: مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا وَمِنْهُ سَكِينَةً, فَقَالَ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ))
لكن لا بد من التفريق بين الحياء والخجل، الحياء فضيلة، بينما الخجل مذمة، الخجل أن تخجل من الحق، معك الحق تكلم، الخجل أن تخجل أن تطالب بحقك، أن تخجل أن تأمر بالمعروف، أن تنهى عن المنكر، الخجل أن تخجل أن تنطق بكلمة الحق، هذا خجل، والخجل مذمة ومرض، بينما الحياء أن تستحي أن تعصي الله عز وجل، فالحياء لا يأتي إلا بخير .
ما المعنيان المتعاكسان لهذا الحديث؟ :
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال:
((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأولى, إِذَا لَمْ تَسْتَحْ فَافعل مَا شِئْتَ))
هذا الحديث له معنيان متعاكسان، المعنى الأول: ما دام الحياء غير موجود, فلا قيمة إطلاقاً, لكل أفعالك، لأن أفعالك لا تشف عن إيمان .
المعنى الثاني المقبول: أنه إذا لم تستحِ من الله عز وجل فاصنع ما شئت، ولا تعبأ بكلام الناس، أحياناً يكون الإنسان من المصلحة الراجحة أن يتزوج بامرأة ثانية، لكن في معظم المجتمعات مرفوض رفضاً قطعياً الزواج بامرأة ثانية، مرفوض رفضاً اجتماعياً، فهو قد يعصي الله، وقد تزل قدمه, حفاظاً على مكانته الاجتماعية، لا نقول لك: الزوجة الثانية مسموح بها عند تحقيق الشروط الشرعية، فإذا لم تستح من الله في هذا الزواج الثاني فاصنع ما شئت، أما أن تستحي من الناس، وأن تعصي الله فيما بينك وبينه, حفاظاً على مكانتك, فهذا شيء غير مقبول .
المعنى الثاني أشار له بعض العلماء حين قال: انظر إلى الفعل الذي تريد أن تفعله، فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله .
من ثمار الحياء :
1-المعية :
أيها الأخوة الكرام, من ثمار الحياء المعية، الذي يستحي من الله, يكافئه الله عز وجل, أنه يجعله في معيته، وهل من معية أعظم من معية الله عز وجل؟ .
روى الإمام أحمد, عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قال:
((قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ ربكم حَيِيٌّ كَرِيمٌ, يَستَحي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ, أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))
من حياء الله لهذا الإنسان: أن هذا الإنسان إذا رفع يديه إلى الله, يستحي الله جل جلاله أن يردهما صفراً خائبتين، إذاً: جعلك في معيته، وحينما قال الله عز وجل:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
قالوا: هذه معية عامة، يعني معكم بعلمه، لكن المؤمنين لهم معية خاصة، فإذا قال الله عز وجل:
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾
هذه معية خاصة، والمعية الخاصة هي معية التوفيق، ومعية النصر, والتأييد، والحفظ ، فإذا استحققت توفيق الله, وتأييده، وحفظه, فأنت في المقام الأرفع .
أول ثمرة من ثمار الحياء من الله: أنك تكون في معية خاصة؛ معية التأييد والحفظ والنصر والتوفيق .
ما معنى أن الله يتردد في هذا الحديث؟ :
وفي حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ, حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ, وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ, تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ, وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))
أرأيتم إلى هذا المعنى، ما معنى أن الله يتردد؟ أي أن هذا العبد المؤمن الذي أمضى حياته يستحي من الله, عبر الله عن محبته لهذا العبد، وعن حرصه على سروره وسعادته, أنه إذا أراد قبضه, يتردد الله عز وجل في قبض نفسه .
هذا منظار المؤمن :
الحقيقة أيها الأخوة:
((مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ, حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ, كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا))
يعني لا يسمع إلا وفق منهج الله، ولا يرى الدنيا إلا من منظار المؤمنين، كيف؟ قد يحترم إنساناً دخله محدود جداً، لكنه شريف، ولا يحترم إنساناً غنياً جداً، لكن دخله مشبوه، قد يحترم إنساناً في الدرجة الدنيا من المجتمع، لكنه مؤمن، وقد لا يحترم إنساناً في درجة عليا في المجتمع، لكنه فاسق، فهو ينظر بنور الله، يسمع وفق منهج الله، لا يحرك يديه إلا بالحق، ولا يمشي إلا لخير .
أيها الأخوة, هذه ثمرة من ثمار الحياء، أنك في معية الله، وإذا كنت في معيته, فأنت في حرز حريز .
2-القرب من الله :
الثمرة الثانية: القرب من الله عز وجل، قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
كما تعلمون: هذه الآية الوحيدة من مجموعة آيات تزيد على عشر آيات، قال تعالى:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾
﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾
بين كل سؤال وجواب كلمة قل، إلا في هذه الآية، فإنه ليس هناك كلمة قل، إشارةً إلى أن العبد إذا دعا الله عز وجل, ليس هناك جهة تكون بين الله وبين عبده .
دقق في معنى هذه الأحاديث :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بات على طهارة, بات في شعاره ملك, فلا يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً))
مؤمن ينام طاهراً، ويستيقظ طاهراً .
وفي حديث آخر:
((ما من مسلم يبيت طاهراً, فيتعار من الليل -أي يستيقظ من الليل- فيسأل الله من خير الدنيا والآخرة, إلا أعطاه الله إياه))
وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً:
((إن الله ليضحك إلى رجلين؛ رجل قام في ليلة باردة من فراشه ولحافه ودثاره، فتوضأ، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله عز وجل إلى ملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع؟ فيقولون: ربنا رجاء ما عندك، وشفقة مما عندك ، فيقول: إني قد أعطيته ما رجا، وأمنته مما يخاف، ورجل غزا في سبيل الله, وانهزم أصحابه, وعلم ما عليه في الانهزام, فرجع حتى يهرق دمه, فيقول الله لملائكته: انظروا عبدي رجع رجاء فيما عندي, وشفقة فيما عندي, حتى يهرق دمه))
الله عز وجل يضحك لهذين الرجلين؛ الذي قام في الليل، والذي واجه العدو في الجهاد.
خلاصة القول :
أيها الأخوة الكرام, خلاصة موضوع الحياء أنه ثمرة لمعرفة الله، وخلاصة المعية لله والقرب منه, أنه ثمرة للحياء، وأحب في هذه الدروس: أن أركز تركيزاً شديداً على أن قيمة عقيدة المسلم لا بما ينبغي أن يعتقد، بل يضاف إلى ذلك فيما ينبغي أن يكون عليه من أحوال مع الله عز وجل، وما من إنجاز أعظم من أن تأتي الله بقلب سليم، قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾