- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من لوازم الإيمان بالله وتوحيده :
1-أن تراقبه :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الثامن والعشرين من دروس العقيدة الإسلامية، والموضوع اليوم: من لوازم الإيمان بالله وتوحيده أن تراقبه، ومقام المراقبة مقام واضح جداً عند المؤمنين، وألح وأكرر: أن دروس العقيدة ليست أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، ولكن أن تعلم ما ينبغي أن نعتقد، وما ينبغي أن تكون عليه بناءً على هذه العقيدة، جانب ينبغي أن تعتقده، وجانب ينبغي أن تكون عليه، وحينما أهمل الجانب الثاني في دروس العقيدة, فإني أهمل بذلك شطر الإيمان، ينبغي أن تقول: الله واحد، وينبغي أن تتجه إليه وحده .
المراقبة في الحقيقة مقام كبير، أن تراقب الله، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعله أعلى مقام، سماه مقام الإحسان.
((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
ماذا نستنبط من هذا الحديث؟ :
أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام يخاطب أحد أصحابه، وهو عبد الله بن عباس، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
((كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا, فَقَالَ: يَا غُلَامُ, إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ))
أي أن الأمر كله بيد الله، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
من أنواع المراقبة :
1-مراقبة القلب :
الشيء الأول: أن تراقب قلبك، سيدنا عمر قال: تعهد قلبك، القلب بيت الرب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))
البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، تعتني ببيتك وغرفة الضيوف، تعتني بثيابك، بمركبتك، تعتني بمدخل بيتك، تعتني بمكتبك التجاري، أفلا طهرت منظري ساعة؟ .
لذلك: هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محتم، ولا يستحي من الله .
لذلك المراقبة درجات وأنواع، لكن أبرزها: أن تراقب قلبك، هل يحب غير الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟ مراقبة القلب .
((احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ))
2- مراقبة اللسان :
أيها الأخوة الكرام, البند الثاني: مراقبة اللسان، القلب ساكت، هناك خواطر لا ترضي الله، وهناك خواطر فيها معاص، وخواطر فيها حقد، وخواطر فيها حسد، وخواطر بها تشفٍّ، وخواطر فيها قيد، راقب قلبك، إذا أحسنت مراقبة قلبك راقب لسانك، قال:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾
عَنْ بلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ, صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
((إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ, ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ, فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ))
تعليق :
مرة قرأت في مجلة تعليقًا: أنك أنت أخلاقي لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، يعني ما من كلمة تسفه الأخلاق كهذه الكلمة، لماذا أنت أخلاقي؟ لأنك ضعيف، ولماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، هذه الكلمة الذي كتبها, قد لا يلقي لها بالاً, يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً .
ما محور هذه الأحاديث؟ :
أيها الأخوة الكرام, مراقبة اللسان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((سمعت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ, لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا, يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ))
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَمَتَ نَجَا))
عن شقيق قال:
((لبى عبد الله رضي الله عنه على الصفا, ثم قال: يا لسان قل خيراً تغنم ، اسكت تسلم, من قبل أن تندم، قالوا: يا أبا عبد الرحمن, هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟ قال : لا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه))
أيها الأخوة الكرام, شيء آخر: ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:
((ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته))
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَةُ: خولة إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وكلمته فِي جانب الْبَيْتِ, ومَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا, وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ, إِلَى آخِرِ الآيَةِ﴾))
قال تعالى:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
من علامة النفاق :
أيها الأخوة الكرام, المراقبة الأولى: مراقبة القلب، تعاهد قلبك، أخوك أصابه خير، فتألمت، هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى:
﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾
إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق، لو لم تفرح ارتحت، ما تكلمت ولا كلمة، لكنك ارتحت لهذا المصاب الذي ألمّ بأخيك، فهذا علامة النفاق، هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه في حسد، في غيرة ، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال فقط، اعتماد على صديق قوي فقط، والصحابة الكرام ومعهم خير الأنام، وفي معركة فاصلة في حنين, قالوا: لن نغلب من قلة، اعتمدوا على عددهم فخذلهم الله عز وجل .
ما ينبغي أن تفعله :
أيها الأخوة, أما اللسان فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:
((كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ, وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ, أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ, إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟))
قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة، قالت عائشة عن صفية:
((إنها قصيرة يا رسول الله، قال: يا عائشة, لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته))
3- مراقبة الجوارح :
ثالثاً: مراقبة الجوارح، مراقبة العين، قال تعالى:
﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾
قال تعالى:
﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾
لذلك أفضل إيمان: أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد.
أيها الأخوة الكرام, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قال:
((إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَإن غَيْرَةُ اللَّهِ: أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ))
هذا بند ثالث: مراقبة الجوارح، هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟ هل تنظر هذه العين إلى عورة؟ هل تستمع هذه الأذن إلى أغنية؟ مراقبة الجوارح، هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر؟ مراقبة القلب أولاً، ثم مراقبة اللسان ثانياً، ثم مراقبة الجوارح ثالثاً .
4- مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر :
الآن: مراقبة الخلق والسلوك والنفوس والمشاعر، اتق الله حيثما كنت؛ في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته ، ولا بين إقامته وسفره، ولا بين ما يعلن ويسر, فهذه بشارة طيبة جداً، ظاهرك كباطنك، وباطنك كظاهرك، سرك كعلانيتك، وعلانيتك كسرك، خلوتك كجلوتك، وجلوتك كخلوتك، سفرك كإقامتك .
كثير من المسلمين أو المسلمات في بعض البلاد, لمجرد ركوب الطائرة, يخلعون كل شيء، وبدت امرأة متفلتة، محجبة فقط في بلدها، لأن هناك مراقبة شديدة، هذا دين جغرافي، دين جغرافي، في بلدك دين, أما إذا سافرت ينتهي كل شيء .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ, وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))
من التطرف في الدين :
أحياناً يكون ثمة تطرف في الدين، يضغط، في الضبط ضبط المشاعر والجوارح مع المرأة جيد، لكن كسب المال فيه كسب حرام، وأحياناً الدين يضبط في الكسب الحلال، وفي التعامل مع الناس، أما مع المرأة ففيه تساهل كبير جداً، أحياناً الضبط فقط في العبادات، لا بد من ضبط شمولي؛ أن تضبط قلبك، أن تراقب قلبك، وأن تراقب لسانك، وأن تراقب جوارحك ، وأن تراقب كسب المال .
قال عليه الصلاة والسلام: يأتي على الناس زمان, لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام؟ وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وإن أطيب الكسب كسب التجار, الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا .
في بعض الأحاديث, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى, وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ, وَيَحْلِفُونَ, وَيَأْثَمُونَ))
أضع بين أيديكم المجالات التي ينبغي أن نراقب الله فيها، القلب مجال، اللسان مجال، الجوارح؛ سمع، بصر، يد، رجل مجال، كسب المال مجال، الخلق والسلوك والمشاعر مجال .
5- مراقبة الله في القوة والعافية :
الآن: مراقبة الله في القوة والعافية، أنت قوي شاب، كنت في تعزية، الآن رجال ينتظرون المصعد، أما الشاب فهبط إلى الطابق الأرضي بشكل لا يصدق، شاب في مقتبل الحياة، القوة ينبغي أن تكون في طاعة الله .
هذه همة الشاب الطائع لله عز وجل :
كنت مرةً في الحج، والله ما غبط من الحجاج إلا الشباب، شاب نشأ في طاعة الله, يطوف بهمة عالية، ويسعى، ويخدم الحجاج، يقول الله عز وجل:
﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾
سيدنا موسى حينما سقى المرأتين، رأى أن هذا عمل صالح كبير، وهو فقير إليه، لذلك الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، والفقر الحقيقي فقر العلم الصالح .
احذر أن تقع في هذه الآفة الخطيرة :
أحياناً مع القوة, والشباب, والوسامة, والجمال, والأناقة, والغنى, ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام, فقال:
((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب))
أن تعتد بحالك، تعتد بشكلك، تعتد بطولك، تعتد بوسامتك، تعتد بأناقتك، تعتد بنسبك، تعتد بوظيفتك، بمركزك، بشهادتك، بمكانتك، تشعر أنك فوق الناس .
((لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر, ما هو أكبر من الذنب؟ قال: العجبَ العجب))
انظر إلى أدب هذا العالم مع ربه :
عالم جليل توفاه الله عز وجل, اضطر لإجراء عملية في بريطانيا، وانهالت الرسائل بشكل عجيب، إلى أن أقيم معه ندوة في الإذاعة البريطانية، سئل: ما هذا المقام الذي حباك الله به؟ فاعتذر، فلما ألح عليه بالسؤال, أجاب إجابة رائعة، قال: لأنني محسوب على الله، كلمة محسوب ما فيها كبر، ولا فيها عجب، فيها تواضع، لكن أنا محسوب على خالق الأكوان، لأنني محسوب على الله .
أنا أستمع أحياناً من كبار العلماء, أنني أنا طالب علم، أرى هذه الكلمة فيها أدب جم، أنا طالب علم، نحن معاشر العلماء، ما هذا الكلام؟ قل: أنا طالب علم، أنت طالب علم، قال تعالى:
﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾
6- مراقبة الله عز وجل في الوقت :
الآن: هناك مراقبة من نوع آخر، مراقبة الله عز وجل في الوقت، أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف حقير، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً، الآن لاحظ أكثر احتفالاتنا الأكابر يأتون بعد ساعة، ترى الاحتفال ثلاث ساعات، لمَ لا يكون ساعة ونصفًا؟ الكل يحضرون بأول الاحتفال، لا يمتد ثلاث ساعات، ليس ثمة إنسان عنده وقت، يحضر ثلاث ساعات، يأتي إما في الأول، أو في الأخير، أنت اجعل وقتًا محددًا، ساعة ونصفًا، الكل يأتون، كثير من الحالات فيها تضييع وقت .
من الوقائع :
مرة نزلت إلى طريق الصالحية الساعة العاشرة والنصف، لا يوجد محل فاتح، لا ترى حركة، الحركة في الشام لا تتم قبل الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة، في غير بلادنا الساعة الخامسة فجرًا، لا تجد مكانا في الطريق، امتداد الوقت يضيع بلا ثمن، أنت وقت ، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت، لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت.
اعلم أنك سوف تسأل يوم القيامة عن هذه الأشياء :
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟))
النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين, قال تعالى:
﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾
العلماء الكبار تركوا مئات المؤلفات، أما الناس بتفاهة ما بعدها تفاهة, لا يعملون ولا يقدمون، إلا أنه يستمع، ويشاهد، ويعلق، وله موقف سلبي دائماً .
قف هنا :
أنا في الخطبة ذكرت, أنه من أدق معاني الهجرة: أن تكون إيجابياً، السلبية, والتلقي, والانسحاب, وعدم الاهتمام بقضايا المسلمين, هذا سلبية خطيرة .
((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟))
هذه الأسئلة مسربة، تفضلوا، الأسئلة التي سوف تسألون عليها يوم القيامة سربت .
قصة تائب :
مرة أخ يعمل في أعمال لا ترضي الله أبداً، طبعاً قبل أن يكون أخاً لنا، لكنه تاب عقب مرض، والمرض ألح عليه حتى أماته، لكن يقول لي: والله أشعر أنني أكاد أموت ندماً على هذا العمر المديد الذي أمضيته في المعاصي، أنا لا أغبط إلا شابًا نشأ في طاعة الله، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم، فيه سمو، فيه رقي .
((حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ؛ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ, وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ, وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ, وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِم؟))
2- من لوازم الإيمان بالله، ومن لوازم التوحيد الاستقامة :
هذه المراقبة، أما الاستقامة أيضاً؛ فمن لوازم الإيمان بالله، ومن لوازم التوحيد الاستقامة .
أيها الأخوة الكرام, الاستقامة تشمل صحة فهم الدين .
ابن عمر دينكَ دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم، خذ عن الذين استقاموا عقيدتهم وتصوراتهم، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا .
سيدنا أبو بكر قال: الاستقامة ألا تشرك بالله شيئاً .
سيدنا عمر قال: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب .
سيدنا عثمان قال: استقاموا أخلصوا العمل لله .
سيدنا علي قال: استقاموا؛ أدوا الفرائض .
تعريف الاستقامة :
الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين: هي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء، والاستقامة فضلاً عن صحة العقيدة الثبات على الحق، أول مجال أن تأخذ عقيدتك عن الذين استقاموا، أن تصح عقيدتك، والاستقامة أن تثبت على ما أنت عليه .
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا, لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ, وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ, قَالَ: قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ))
شيء آخر: أنه مع الاستقامة لا بد من المقاربة، سددوا وقاربوا، هذا رد على الغلو في الدين، ورد على التشدد، ورد على التطرف، ورد على المبالغة، سددوا وقاربوا.
من جوانب الاستقامة :
ومن جوانب الاستقامة: الاستقامة في القول والعمل، أول استقامة صحة العقيدة، ثاني استقامة الثبات على هذا الدين والاستمرار، وإن الله يحب من الأعمال أدومها وإن قلّ، وكان عمله ديمة .
والمعنى الثالث: استقامة في القول والعمل .
الآن: الاستقامة يمكن أن تكون في علاقتك مع الله، ويمكن أن تكون في علاقتك مع العباد .
ما مضامين هذه الأحاديث؟ :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
((لَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَنَاجَشُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا, الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ, وَلَا يَخْذُلُهُ, وَلَا يَحْقِرُهُ, التَّقْوَى هَاهُنَا, وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ, أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ, كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ؛ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))
في رواية أخرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ, فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ, وَلَا تَحَسَّسُوا, وَلَا تَجَسَّسُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا))
كما أمركم الله .
وفي رواية أخرى: عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقَاطَعُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَبَاغَضُوا, وَلَا تَحَاسَدُوا, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا))
ويوجد رواية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا تَهَجَّرُوا, وَلَا تَدَابَرُوا, وَلَا تَحَسَّسُوا, وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ, وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ, أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حبة مِنْ كِبْرٍ, فقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ, الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس))
أن ترد الحق، و أن تظلم الناس، هذا هو الكبر .
خلاصة القول:
أيها الأخوة, المراقبة والاستقامة من لوازم الإيمان، لعلي ألححت أكثر مما يجب: على أن العقيدة الصحيحة ليست أن تعلم ما ينبغي، لكن العقيدة الصحيحة الكاملة أن تعلم ما ينبغي أن تعتقد، وأن تكون على ما ينبغي أن تكون؛ من استقامة، ومن توكل، ومن توحيد، ومن مراقبة، ومن أعمال صالحة، دائماً اسأل نفسك: أين أنا من صفات المؤمن الناجي؟ .
أيها الأخوة الكرام, يقول عليه الصلاة والسلام:
((إنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم، وإنما الحلم بالتحلم))
وروعة هذا الدرس: أن ينقلب إلى سلوك، إلى سمت حسن، إلى صمت واع، إلى نطق بذكر الله، أمرت أن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرة, أي لا يكون المسلم مسلماً, إلا إذا كان متميزاً بأخلاقه، وسمته، وهيبته، وسكونه .
من أسئلة السائلين :
السؤال الأول: ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته؟ :
أخ كريم يسأل: ما معنى أن يكون الإنسان لا تختلف جلوته عن خلوته؟ .
الجلوة وأنت بين الناس، والخلوة وأنت وحدك، فإذا إنسان بين الناس أتقن صلاته, وحده لم يتقن صلاته, إذاً: يوجد نفاق، إذا بين الناس غض بصره, وإذا كان وحده بحلق بصره, هذه مشكلة كبيرة, معنى هذا يوجد نفاق، بين الناس بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين دائماً، أما وحده يأكل كالبهائم، الذي تختلف جلوته عن خلوته يوجد علامة نفاق، أما إذا كانت خلوتك كجلوتك, وسرك كعلانيتك, وظاهرك كباطنك, فهذا مظنة صلاح إن شاء الله .
السؤال الثاني: هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه؟ :
يقول: هل يحاسب المسلم على خواطره التي تخطر في نفسه؟ .
أولاً: لا يحاسب، لكن يوجد كلمة قالها مرة طبيب أعجبتني، كنت في أمريكا, قال لي مرة طبيب: هذا العمل كبير صغير؛ صغير إذا لحقته, وكبير إذا أهملته, خاطر كبير صغير إذا تابعته وقصمته, لا يوجد مشكلة أبداً، لا تحاسب إلا على العمل، أما خاطرة، تابعت الخواطر أصبحت فكرة، تابعت الخواطر أصبحت شهوة، تابعت أصبحت همة، تابعت أصبحت إرادة، تابعت أصبحت عملاً، تابعت أدمنت عليه:
﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
الخواطر كبيرة صغيرة؛ إن تابعتها صغيرة، إن أهملتها كبيرة .