وضع داكن
19-04-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 17 - الأدلة على صدق رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم 3 ذكر النبي الكريم في الكتب السماوية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

من المعجزات التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام :

 أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس السابع عشر من دروس العقيدة، تحدثنا في دروس سابقة عن الأدلة التي تؤكد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الدرس السابق المعجزات العملية التي تمت على يديه صلى الله عليه وسلم, وقد وردت فيها آيات كريمة قطعاً، وهناك معجزات أيضاً وردت فيها أحاديث شريفة, من هذه المعجزات:
 تكثير الماء القليل بين يديه، وتكثير الطعام القليل بين يديه، وحنين جزع النخلة إليه، وتسبيح الطعام، وحماية النبي صلى الله عليه وسلم من أعدائه وكشف مؤامراتهم .

تعليق :

 أيها الأخوة, لكن لا بد من تعليق حول المعجزات أو الدلالات، الله عز وجل خالق السموات والأرض، الله عز وجل مقنن القوانين، فالذي قنن القوانين قادر في أية لحظة أن يقنن غيرها, والذي قنن القوانين قادر في أية لحظة أن يعطلها، أو أن يلغي وجودها إما بالإلغاء أو بالتعطيل، فالقوانين التي قننها الله عز وجل في أية لحظة قادر على أن يغيرها، فلذلك حينما نتحدث عن معجزات عملية تمت على يد النبي صلى الله عليه وسلم, ينبغي نعلم أن خرق العادات مقبول عقلاً, لكن قد لا نقبله عادة، هنا الإشكال .
 عامة الناس غير المتعلمين قد يستغربون خرق هذه القوانين، لكن العلماء الراسخين يؤمنون أن الذي خلق الجامد والغاز والمائع, قادر أن يبدل طبيعة كل شيء، لو سألتم أحد علماء الفيزياء، ولو سألتموه عن بعض أبحاث الذرة, لهالكم أن كل شيء ترونه بأعينكم, إنما هو ذرات, والذرة فيها نواة، وفيها كهارب, وفيها مسارات، وفي حركة دائبة، وهذه الحركة تتوافق مع حركة المجرات في الاتجاه نفسه, وأن لكل ذرة عدد من الكهارب, على مسارات متعددة، فبين عنصر هو غازي، وعنصر هو صلب, كهروب واحد، زيادة كهروب أصبح العنصر صلباً، فإذا ضرب سيدنا موسى البحر بعصاه, فأصبح طريقاً يبساً, هذا شيء هين على قدرة الله عز وجل, تعديل طفيف في عدد الإلكترونات أو الكهارب, تنقلب المادة من غاز إلى صلب.

كيف تتعامل مع الأسباب؟ :

 الله عز وجل أراد أن نصل إليه بلطف، فجعل لكل شيء سبباً، لكن ضيقو الأفق يظنون: أن السبب خالق النتيجة، لا السبب ترافق مع النتيجة، لكن الذي يخلق النتيجة هو الله, وتأكيداً لهذه الحقيقة, أنه قد يوجد السبب ولا تأتي النتيجة، قد يقترن شاب بشابة ولا ينجبان, وقد يأتي السيد المسيح من السيدة مريم ولم يمسها بشر، ففي الحالة الأولى عطل السبب, وفي الحالة الثانية ألغي السبب، عطل وألغي، ولكن المؤمن يعبد الله ولا يعبد السبب، أهل الغرب أخذوا بالأسباب، واعتمدوا عليها, وألهوها, وعبدوها من دون الله، وأهل الشرق في حقب تخلفهم لم يأخذوا بالأسباب، أهل الغرب وقعوا في الشرك، وأهل الشرق وقعوا في المعصية، بينما الموقف الكامل: أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .

ما وراء هذا الدليل من السنة :

 من أوضح الأدلة على هذا الكلام: أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما هاجر إلى المدينة, أخذ بكل الأسباب وكأنها كل شيء، الطريق نحو الشمال الشرقي, هو اتجه نحو الغرب, تضليلاً للمطاردين، وكمن في غار ثور أياماً ثلاثة، وهيأ من يأتيه بالأخبار، وهيأ من يمحو الآثار، ثم اختار خبيراً في الطريق, رجح فيه الخبرة على الولاء، أخذ بكل الأسباب, لكنه متوكل على الله، فلما وصل المطاردون إلى غار ثور, بقي النبي هادئاً، أخذ بالأسباب تنفيذاً لأمر الله, لكنه معتمد على الله .
 فقال سيدنا الصديق:

((يا رسول الله لقد رأونا، لو نظر أحد لموطئ قدمه لرآنا, قال يا أبا بكر: ما ظنك باثنين الله ثالثهم))

 لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذ بالأسباب, واعتمد عليها, ثم وصلوا إليه, لانهارت نفسه، أليس كذلك؟ أما الإنسان الآن قد يأخذ بالأسباب ويعتمد عليها, فإن لم تحقق هذه الأهداف هدفه, يصاب بخيبة أمل، فالذي لا يأخذ بالأسباب عاصٍ لله عز وجل .
 قال له: أأعقلها أو أتوكل؟ قال له: اعقل وتوكل .
 والذي يأخذ بها ويعتمد عليها فقد أشرك, والبطولة: أن تأخذ بها وكأنها كل شيء, وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .

 

هذه البطولة

 يعني مثل من حياتنا اليومية: عندك سفر إلى مكان بعيد، ومعك مركبة، الدين الإسلامي يأمرك أن تراجع المركبة مراجعة تامة؛ المكابح، الزيت، كل شيء فيها، وبعد أن تراجعها مراجعة تامة, تتوجه إلى الله مفتقراً يا ربي احفظني، يا رب سهل لي هذا السفر، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، هل تستطيع أن تأخذ بالأسباب بشكل تام وأن تفتقر إلى الله؟ هنا البطولة، لكن الذي يحدث أن الذي يأخذ بالأسباب يعتمد عليها دون أن يشعر، وينسى الله، والذي لا يأخذ بالأسباب, يعتمد على الله بخلاف ما أراد الله، يتواكل, كلاهما في خطأ كبير .

هذه عقيدة المسلمين :

 أيها الأخوة, السبب يرافق النتيجة، وليس خالقاً للنتيجة، هذه عقيدة المسلمين، فلذلك الذي خلق الأسباب يعطلها أو يلغيها، والذي قنن القوانين يعطلها أو يقنن غيرها، شيء طبيعي جداً .
 نحن وجدنا كوناً؛ في سموات, وفي أرض، وفي مجرات، وفي شمس، وفي قمر، وفي ليل, وفي نهار، لو أن الله سبحانه وتعالى خلق الأرض مكعباً، ثم قيل: سوف تصبح كرة, مستحيل, لماذا مستحيل؟ الذي خلقها مكعبة يخلقها كرةً، والذي خلق الماء سائلاً يجعله جامداً، فما دام الله هو المقنن, إلغاء القوانين أو تعديلها، أو الإضافة عليها، أو إلغاؤها, أمر على الله يسير، هذه عقيدة المسلم .

إليكم الفرق بين المعجزة والكرامة :

 بالمناسبة: خرق القوانين هذه تكون للأنبياء معجزات، والأنبياء لأنهم معصومون, مكلفون أن يتحدوا بها الناس، فإذا خرقت لولي فهي كرامة، والأولى أن يصمت، هي لك أيها الولي, لا تتاجر بها، ولا تتحدى بها، لأنك لو تحديت بها, وأنت لست معصوماً، كُذبت, يتكلم بالنصوص، بالقواعد، بالقوانين، أما هذه الكرامة التي أكرمه الله بها بينه وبين الله, وأروع ما قرأت في هذا الموضوع: أن أعظم كرامة هي كرامة العلم، هذه كرامة عالية جداً, ولا تحتاج إلى خرق القواعد والقوانين :

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾

[سورة النساء الآية: 113]

نصيحة :

 أنا حينما ألتقي بإنسان لم يؤمن بالله, بعد أنا أنصح كل أخ داعية, أن يبتعد عن خرق العادات والقوانين، لأن فكر هذا الإنسان الشارد غير مهيأ لقبول خرق العادات والقوانين، تكون قد أوقعته في مطب كبير، تكون قد أعنته على أن رفض هذا الدين، أنا أنصح كل داعية, ولو كان شاباً ناشئاً, أن يبتعد لمن يدعوهم عن خرق القوانين والعادات إطلاقاً, ابقَ بالتشريع، ابقَ بالقواعد الثابتة .
 أنا لا أصدق أن إنساناً يخطب ود الله عز وجل، ويرجو رحمته، ويطيعه، ويتقرب إليه، دون أن يريه الله تكريماً وخرقاً لبعض القواعد والعادات, هذه كرامة لك وحدك، اشكر الله عليها وازدد محبةً له، وازدد اعتقاداً بأنه إله في السماء وفي الأرض, وانتهى الأمر، أما أن تتاجر بهذه الكرامة, هذا يسبب للناس اضطراباً, ولاسيما بعصر كثرت فيه الفتن، وشاعت فيه الضلالات، وصار الحق متهماً، والباطل مسيطراً, فمن باب الحكمة: ابتعد عن خرق العادات التي قد تستمع إليها من بعض الناس .

من المسلمات عند المؤمنين :

 نحن كمؤمنين: خرق القوانين التي وردت بها نصوص, نسلم بها مئة بالمئة بكل قطرة في دمنا، وبكل خلية في جسمنا، أما أنا لست مستعد أن أصدق كرامة بلا دليل، لو صدقتها, لدخلنا في متاهة لا تنتهي، ولانتهى الدين، أما المعجزات التي وردت فيها نصوص هذه, نؤمن بها إيماناً قطعياًَ, لأن الله ذكرها في القرآن الكريم .
 أنا ذكرت لكم في الدرس الماضي، المعجزات العملية التي تمت على يد النبي صلى الله عليه وسلم, والتي ورد بها نص قطعي الدلالة وقطعي الثبوت، والمعجزات الأخر وردت بها أحاديث شريفة صحيحة في أصح الكتب .
 هذا ما يتعلق بخرق العادات، وقلت لكم: أن أفضل كرامة تركم بها أيها المؤمن كرامة العلم، والآية الكريمة:

﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾

 هذا بند من بنود معجزات النبي العملية، نصدقها بكل قطرة في دمنا، وبكل خلية في أجسامنا .

 

من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام :

9-أن وصفه ورد في كتب سماوية سابقة :

 شيء آخر: من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام: أن وصفه ورد في كتب سماوية سابقة, فقد قال الله عز وجل:

﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾

[سورة الشعراء الآية: 196]

 أي إن ذكر هذا النبي الكريم ورد في الكتب السابقة:

﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾

إليكم ما ورد في التوراة والإنجيل عن ذكر النبي محمد عليه الصلاة والسلام

1-في التوراة :

 ففي التوراة مثلاً: جاء أن نبياً سيظهر في مكة، ومكة شرحت الديار التي سكنها قيدار، وهو أحد أبناء إسماعيل، وقيدار سكن مكة، كما تحكي التوراة، وإن اسمه يرتفع فيها، وأنه يركب الجمل، وأنه يحارب بالسيف، وأنه ينتصر هو وأصحابه، وأنه يبارك عليه كل يوم ، وأن ملوك اليمن تأتيه بالقرابين، وأن علامة سلطانه على كتفه بقدر بيضة الحمام، هذا ما جاء في التوراة، فالذي جاء في التوارة دليل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، وفي دليل يؤكد هذا الدليل:

﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾

[سورة البقرة الآية: 146]

 هل في الأرض معرفة من أن تعرف ابنك؟ هل تجدون أباً في الأرض يقول لابنه: ما اسمك يا بني؟ ابنه يعرفه:

﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾

 كما جاء في التوراة: أن الله تجلى على الناس في أماكن ثلاث؛ هي سيناء, حيث أعطي موسى عليه السلام التوراة، وساعير جبال فلسطين، حيث أعطي الإنجيل لعيسى عليه السلام، ومكة اسمها أيضاً بالتوراة فاران، حيث نزل القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام.
 وجاء في التوراة أيضاً: أنه جاء الرب من سيناء, وأشرق لنا من ساعير، وتلألأ يعني في سيناء, وفي فلسطين, وفي مكة:

﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ﴾

[سورة التين الآية: 1]

 فلسطين:

﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾

[سورة التين الآية: 2]

 سيناء:

﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾

[سورة التين الآية: 3]

 مكة .
 هذه أماكن نزول الوحي في الأماكن الثلاثة، إذاً: ما في التوراة يؤكد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .

 

2-في الإنجيل :

 أما في الإنجيل: في إنجيل برنابا، في الباب 220, أن عيسى عليه السلام قال لأتباعه: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله, التي متى جاء, كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله، هذا في إنجيل برنابا .
 وفي إنجيل يوحنا: إن لي أموراً كثيرة أيضاً, لا أقول لكم, ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا, وأما متى جاء ذلك روح الحق, فهو يرشدكم إلى جميع الحق, لأنه لا يتكلم من نفسه, بل كل ما يسمع يتكلم, ويخبركم بأمور آتية، هذا ما جاءنا النبي به من أشراط قيام الساعة :

 

﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾

[سورة الصف الآية: 6]

 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 إذاً: ما جاء في التوراة، وما جاء في الإنجيل, يؤكد نبوة النبي عليه الصلاة والسلام .

10-أن أعداء النبي يشهدون له بالصدق :

 أيها الأخوة, بقي أدلة دقيقة لنبوة النبي عليه الصلاة والسلام وهي: أن الذين حول النبي بل أعداء النبي, يشهدون له بالصدق, والصدق من أولى صفات الأنبياء، حتى إنه كان يلقب بالصادق الأمين .
 وقد قال سيدنا جعفر للنجاشي: أيها الملك, كنا أهل جاهلية, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الرحم، ونسيء الجوار, حتى بعث الله فينا رجلاً؛ نعرف أمانته وصدقه, وعفافه ونسبه, فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده, ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان, وأمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وصلة الرحم, وحسن الجوار, والكف عن المحارم والدماء .
 فأعداء النبي عليه الصلاة والسلام يشهدون له بالصدق، حتى قال أبو جهل: إنا لا نكذبك, ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله قوله تعالى:

﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾

[سورة الأنعام الآية: 33]

11-كان صادقاً في أفعاله :

 بعد الصدق في الأقوال, كان صادقاً في أفعاله، فما من شيء دعا إليه النبي عليه الصلاة والسلام إلا طبقه في حياته .
 فقد أخرج البخاري ومسلم, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال:

 

((صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخَتْ قدماهُ, فقيلَ لهُ: أتَتَكلفُ هذا, وقد غُفِرَ لك ما تقدمَ من ذنبكَ وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً))

((كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم -أو تنتفخ- قدماه))

 وفي صحيح أبي داود, ورد من شمائله صلى الله عليه وسلم, عن عبد الله:

((رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلّي, وفي صَدْرِهِ أزِيزٌ, كأزِيزِ الرّحَى مِنَ الْبُكَاءِ))

 وكانت تقول السيدة عائشة: كان عليه الصلاة والسلام كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه .
 يعني ما في شيء دعا إليه إلا كان سباقاً إليه، أما سهل جداً: أن تدعو الناس إلى شيء وأنت مقصر فيه، من السهولة بمكان: أن تدعو الناس إلى شيء وأنت مقصر فيه، هذا في الصدق القولي والعملي .
 أما في الشجاعة: روى مسلم, عن البراء قال:

((كنا إذا احمر البأس, نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الشجاع للذي يحاذي به))

 يعني يحاذي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عليه الصلاة والسلام يؤكد أقواله بأفعاله، فقد قال مرةً:

 

((لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا))

 

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]

12-النبي قدوة للمسلمين :

 من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام: كانت أقواله تبليغاً, وكانت أفعاله قدوة، والله عز وجل أمرنا أن تأخذ من أقواله, وأن نتأسى بأفعاله، فقال:

﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

[سورة الحشر الآية: 7]

 وأمرنا أن يكون قدوة لنا، إذ يقول:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 21]

 بل كان عليه الصلاة والسلام مثلاً أعلى في كل شيء, كأنه جمع الكمالات في البشرية، واصطفاه الله من كل خلقه، وأمرنا أن نتبعه، وقد بين هذا في قوله تعالى:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

[سورة القلم الآية: 4]

13-نفذ النبي ما أمره الله به :

 الآن: النبي عليه الصلاة والسلام نفذ قول الله عز وجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾

[سورة المائدة الآية: 67 ]

 فبلغ أصحابه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة, وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد، إما باتصالاته الشخصية، أو بدعوة الناس إلى طعام، أو بعرض نفسه على القبائل، أو بالاجتماع إلى الناس، أو بالتصدي للناس، أو بإرسال الدعاة من أصحابه، أو بإرسال الرسل إلى الملوك والأمراء، أو بالجهاد القتالي، وتعرض هو وأصحابه للأذى أكثر من مرة .
 فقال:

((قد أخفت في الله عز وجل وما يخاف أحد, ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد, ولقد أتت عليَّ ثلاثون من بين يوم وليلة, ومالي ولا لبلال طعام يأكله ذو كبد, إلا شيء يواريه إبط بلال))

 وحينما وقف في حجة الوداع, قال بعض أن خطب خطبته الشهيرة:

((اللّهُمّ هَلْ بَلّغْتُ؟ قالُوا: نَعَمْ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، قالَ: اللّهُمّ اشْهَدْ ثَلاَثَ مَرّات))

[أخرجه أبو داود في سننه]

 ونحن إذا زرنا مقامه الشريف, بعد السلام عليه نقول: أشهد أنك بلغت الرسالة, وأديت الأمانة, ونصحت الأمة, وكشفت الغمة, وجاهدت في الله حق الجهاد, وهديت العباد إلى سبيل الرشاد .

14- أن هذا التشريع الذي جاء به يصلح لكل زمان ومكان:

 من دلائل نبوة النبي: أن هذا التشريع الذي جاء به, يصلح لكل زمان ومكان, وقد لا تصدقون للمفاجئة: أن القوانين الدولية اعتمدت الشريعة الإسلامية كأحد المصادر قوانين دولية، وهناك أقوال كثيرة تؤكد هذا, وشواهد كثيرة .

القرآن معجزة مستمرة إلى يوم القيامة :

 أيها الأخوة الكرام, الأدلة على نبوة النبي لا تنتهي ولا تنقضي, ولكن يكفي أن هذا القرآن الكريم المعجز الذي جاء به, يعد أكبر دليل على نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، وأبرز ما في القرآن الكريم آيات الإعجاز فيه .
 ففي القرآن الكريم 1300 آية, تتحدث عن الكون, وعن خلق الإنسان والحيوان والنبات، وهذه الآيات كلما تقدم العلم, كشف جانباً من جوانبها، وكأن هذا القرآن معجزة مستمرة, تنطق بأن هذا الإنسان الذي جاء بهذا القرآن, هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

ما مهمة الشبهات التي تلقى على المسلمين من هنا وهناك؟ :

 أنا حينما أفصل في هذه الموضوعات, أتمنى أن الأخ الكريم المسلم فيما بينه وبين المسلمين, لا يوجد هناك مشكلة، لكن لو أنه جلس في جلسة, وكان فيها أحد من ينكر بعثة النبي، وقال له: هذا ليس نبياً، هل يزلزلك أو تزلزله؟ هنا البطولة، البطولة أن تزلزله, لا أن يزلزلك، لذلك الاعتراضات التي نسمعها من حين لآخر, هذه سمح الله بها، من أجل أن ترفع حرارة الإيمان, من أجل أن ينطلق الناس للتثبت من حقائق هذا الدين .
 يعني: قد يقول لك قائل: هذا القرآن ليس كلام الله تتزلزل، تستنجد بالعلماء والدعاة إلى الله, يعطونك الأدلة القوية, هذا الذي قال لك: ليس كلام الله, ماذا فعل معك؟ ثبت إيمانك، دفعك إلى التثبت مما تعتقد .

لقاح قد لا يخطر في بالك :

 قال تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾

[سورة الأنعام الآية: 112]

 كيف أنه بالضبط الجرثوم, حينما يدخل إلى الجسم, يحرك أجهزته، وتتصدى له الكريات البيضاء، وتأخذ شيفرته، وتنقلها إلى الغدد اللمفاوية, ويصنع المصل, ويقضى عليه, ويودع في ملف، فإذا عاد ثانية أطاحت به هذه الكريات، كذلك الشبهات التي تلقى على المسلمين هذه كاللقاح تماماً، هي مواد تتناقض مع الصحة لكن مضعفة، فالجسم عنده مصل مضاد لها .

 

الشك طريق اليقين :

 حينما يأتي إنسان, ويزعم أن هذا القرآن ليس كلام الله عز وجل, هو من حيث لا يريد ولا يشعر, دفع طلاب العلم إلى التأكد من أدلة أن هذا القرآن كلام الله، إذاً: هو يفعل شيئاً ما أراده, ولكن الله سمح به, أن يقوي إيمان المؤمنين، لذلك الشك طريق اليقين، فإذا الإنسان تطاول على القرآن, أو على النبي العدنان، وتكلم كلاماً ولا سيما في هذه الأيام, فهذا سمح الله به, من أجل أن يقوي إيمان المؤمنين، وأن يدفعهم إلى أن ينتقلوا من إيمان تصديقي إلى إيمان تحقيقي، والإيمان التحقيقي يصمد أمام الإغراءات وأمام الضغوط، أما الإيمان التصديقي هش, ينخرق أمام أي ضغط, وينخرق أمام أي إغراء, هذا معنى قول الله عز وجل :

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

 أنت في الأعماق, وهذا معنى قول الله عز وجل:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 23]

هذا الذي حصل عقب أحداث العراق :

 أيها الأخوة, عقب أحداث العراق, هناك من ترك الصلاة، إيمانه هش، فلما رأى المسلمين لم ينتصروا، وأن الله وعدهم بالنصر, ترك الصلاة، فلما عاتبه أبوه، قال له: لا تقل لي كلمة واحدة: لمَ لم ينصرنا؟ إيمانه هش .
 فحينما تأتي الشبهات والضلالات هذه كاللقاحات تماماً, مهمتها أن تهيىء مصلاً مضاداً لهذه الجراثيم، فإذا سمح الله لبعض المضلين أن يضلوا, فمن أن يتقوى إيمان المؤمنين ، ومن حين لآخر يطلع علينا مؤلف بكتاب عجيب, فماذا فعل هؤلاء؟ قدموا خدمة للمؤمنين .
 فأسأل الله جل جلاله أن يهدينا لصالح الأعمال, وأن يرشدنا إلى سواء السبيل .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور