وضع داكن
20-04-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 10 - نواقض الإسلام - 3 أنواع النفاق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ما ذكر آنفاً :

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس العاشر من دروس العقيدة، ولا زلنا في موضوع نواقض الإسلام.
قلت لكم في درس سابق: إن الإنسان راضٍ عن عقله, وعن إيمانه، لكنه ليس راضياً عن رزقه، والبطولة أن تواجه حقيقة مرة، وهو أن الإيمان الذي أنت عليه لا يكفي، أو لا ينبغي لهذا الإيمان أن يحجزك عن محارم الله، فلذلك قد يقع من الإنسان ما ينقض إيمانه، وما ينقض إسلامه، وهو لا يدري.
وقد ذكرت في درس سابق: أن الإنسان قد يكفر كفراً اعتقادياً، وقد يكفر كفراً عملياً، وقد يكفر كفراً قولياً.

من البنود التي تنقض الإيمان وتنقض الإسلام :

أيها الأخوة, ننتقل اليوم إلى بند أخير من البنود التي تنقض الإيمان وتنقض الإسلام، هذا البند الأخير خطورته أنه شائع، وخطورته أنه خفي عن معظم الناس: إنه النفاق.
أيها الأخوة، في أدق تعريفات النفاق: أن يظهر الإنسان للمسلمين إيمانه، وهو في الحقيقة كافر مكذب، مصلحته أن يرضي المسلمين، هو كافر ومكذب، لكنه يعيش في بيئة إسلامية، وهذه البيئة صارمة، إذاً يظهر ما يرضيهم، ويخفي كفره وجحوده.
الآن النفاق في العقيدة كفر، غير أن صاحبه لا يعامل معاملة الكافرين لعدم إظهار كفره، لماذا قال الله عز وجل:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾

[سورة النساء الآية: 145]

لأنه أبطن كفره، وأظهر إيمانه, فحسب على المسلمين، وأخذ كل ميزات المسلمين، وفي الحقيقة أبطن كفره وجحوده، فكان مع الكافرين، فلما كان معهم أخذ أيضاً ميزاتهم، يظن نفسه ذكياً، أخذ ميزات الكافرين، وأخذ ميزات المسلمين، لذلك هو في الدرك الأسفل من النار.

 

ما معنى هذه الآية؟ :

مرة قلت: المسلم المؤمن واضح، واضح إيمانه، التعامل معه سهل، لأن الكتاب والسنة تحكمانه، صادق، أمين، عفيف، هدفه الآخرة، لا تأخذه في الله لومة لائم، الدنيا كلها لا تعدل عنده جناح بعوضة إذا حجبته عن الله عز وجل، المؤمن واضح، واضح جداً، والشيء المؤسف أن الكافر واضح، ولم يؤمن بالدين أصلاً، لم يعتقد بالدين، الدين يراه أفيون الشعوب ، الدين يراه تواكل، هو قد يستنبط من مجتمع المسلمين أخطاء كثيرة؛ تواكل، تقصير، عدم إتقان، خصومات، فهذه الأخطاء في مجموعها تجعله يعتد بكفره، أو تجعله يفتن بكفره، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾

[سورة الممتحنة الآية: 5]

الكافر واضح، يقول لك: أنا لا أؤمن إلا بالدنيا، الدنيا هي كل شيء، والمال هو كل شيء، وتحقيق شهواتي هو كل شيء.

 

شخصية مجهولة :


مرة قال لي أحدهم من بلد أجنبي، وهو مندوب شركة، حدثته عن الدين قليلاً، فقال: هذه الموضوعات لا تعنيني إطلاقاً، ولا ألتفت إليها، يعنيني في حياتي أشياء ثلاثة؛ امرأة جميلة، وبيت واسع، وسيارة فارهة، والكافر واضح، والتعامل معه سهل مكشوف، والكافر بإعلان كفره، وإظهار معصيته, لا يغش أحداً، فكل مسلم يتقيه، فصار المؤمن واضحًا والكافر واضحًا.أيها الأخوة, أما هذا الإنسان الثالث المنافق, فالبلاء كله منه، يتكلم كما تقول، يتكلم بكلامك، ويأتي معك إلى المسجد، ويصلي إذا كان في مجموع المسلمين، ويظهر إيمانه، ويبطن كفره وعدوانه، يتكلم بما تعرف، فإذا غبت عنه طعن فيك، هذا عليم اللسان، جاهل القلب، لذلك يقولون: نحن لا نخشى على الدين من أعدائه، بل نخشى على الدين من أدعيائه.

قف عند هذه الكلمة :

أقول لكم كلمة دقيقة جداً: الطرف الآخر أيقن أنه لا يستطيع أن يواجه الدين، لكنه يستطيع أن يفجره من داخله، الأسلوب الوحيد المتبع من قبل أعداء الدين: أن يصطنعوا جماعة إسلامية ترفع شعارات الدين، وتفعل عكس ما يأمر الدين، فهذه الجماعات الإسلامية التي تخالف أحكام الدين الصريحة، وترفع شعاراته بشكل صارخ, هي أخطر الفئات على الدين، لأنها تشوه صورة الدين.

ما حكم النفاق في العقيدة؟ :

ذكرت مرة: أنك إذا رأيت إنساناً, يعتنق دينًا أرضيًّا, لا علاقة له بدين السماء، ورأيته قذراً، يتسول، ذا هيئة مزرية، هل تفكر لثانية واحدة أن تقرأ كتاباً عن دينه؟ لا، مستحيل، لأن مظهره القميء غير المعقول حجبك عن دينه، وأحيانا يحجب المسلم الإسلام عن دينه إذا كذب، أو إن لم يتقن عمله، أو إن أخلف وعده، أو إن نافق، أو إن سار في طريق ملتو، ومسلم آخر كالبللور الشفاف الصافي, يشف لك عن دينه، إنسان يقربك، وإنسان يبعدك، إنسان يجذبك، وإنسان ينفرك، النفاق في العقيدة كفر، غير أن صاحبه لا يعامل معاملة الكافرين، لأنه لا يظهر كفره، قال تعالى:

﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾

[سورة المنافقون الآية: 1]

كاذبون في هذه الشهادة.

أنواع النفاق :

1-النفاق الاعتقادي :

الله عز وجل يقول:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾

[سورة المنافقون الآية: 3]

هذا النفاق الاعتقادي، يعتقد أن هذا الدين خرافة، هذا الدين لا شيء، هذا الدين من صنع أشخاص أذكياء، المنافق يعد النبي ذكياً عبقرياً، لا يعده رسولاً معه وحي من السماء، هذا النفاق الاعتقادي هو الكفر بعينه، لكن النفاق العلمي غير النفاق الاعتقادي، نحن في الكفر؛ هناك كفر اعتقادي، وهناك كفر قولي، وهناك كفر عملي.

2-النفاق العملي :

أيها الأخوة, أما في النفاق العملي: فأن يخون الأمانة، أن يكذب، أو يخلف الوعد، هذا نفاق عملي، لا يعد المنافق النفاق العملي كافراً، بل يعد عاصياً.
إنسان ضعفت نفسه فأخذ ما ليس له، ضعفت نفسه فأخلف وعده، ضعفت نفسه فكذب، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، هذه الصفات تجعل صاحبها عاصياً فاسقاً، ولا تجعله كافراً.

من صفات المنافقين :

1- الفساد في الأرض :

الآن صفات المنافقين: هناك ملمح لطيف، وهو أنني حينما أتحدث عن صفات المنافقين, ليست القضية أن ألمح لزيد أو لعمر إطلاقاً، ولكن القضية تخصني أنا، أي إن هذه صفات المنافقين، فإذا كنت متصفاً بإحدى هذه الحالات, فحالتي خطيرة تستدعي المعالجة، إذاً ينبغي أن أسارع إلى تطهير نفسي من هذه الصفة.
من صفات المنافقين: أن المنافق يفسد في الأرض، هذه الفتاة خلقها الله على فطرة سليمة، خلقها الله والحياء يشملها، خلقها الله عز وجل ورغبتها أن تكون زوجة، فهذا الذي يفسد فتاة, يخرجها عن طهرها، يخرجها عن عفتها، يخرجها عن طاعتها لله، ماذا فعل بها؟ أفسدها، هذا مثل صارخ، المنافق ديدنه الإفساد، يفسد النفوس، يفسد العلاقات، يفسد البيئة، الإفساد إخراج الشيء عن أصل فطرته، إخراج الشيء عن خصائصه، قال تعالى:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 11]

هو يفسد، يدعو إلى الاختلاط، ومع الاختلاط الفساد، يدعو إلى كشف الحجاب، ومع كشف الحجاب الفساد، يدعو إلى أن يخوض الإنسان في الدنيا مع الخائضين، ينبغي أن تعيش شبابك، طبعاً المنافق يختار عبارات مقبولة عند الجهلة، ينبغي أن تعيش شبابك، ينبغي أن تختبر الواقع، ينبغي أن تتفاعل معه، يا أخي تعلموا السحر ولا تعملوا به، هذا كلام المنافقين، يدعو إلى الفساد، يدعو إلى الاختلاط، يدعو إلى تبرج المرأة، يقول لك: هي نصف المجتمع، من حقها أن تظهر مفاتنها، هذا ما تعتز به، أنت حينما تمنعها من أن تظهر مفاتنها إنك تقمعها، كلام الجاهل يطرب له، لكن الذي أتاه الله العلم يراه كلاماً إبليسياً، يراه كلاماً مخرباً للعلاقات، يحب أن يكون هناك اختلاط في الحياة الاجتماعية، وما أدراك ما الاختلاط؟ وماذا يؤدي الاختلاط؟ .

 

مأساة :

أقول لكم هذه الكلمة: ما من مأساة كبيرة أو صغيرة، عامة أو خاصة تهلك الإنسان, إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل.
العبد الفقير من خلال هذه الدعوة التي أكرمنا الله بها، ما من حكم شرعي يحرم شيئاً, واللهِ الذي لا إله إلا هو إلا وعندي عشرات، بل مئات القصص التي وقعت في هذا المجتمع، والتي هي بسبب هذه المعصية.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: الْحَمْوُ الْمَوْتُ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

أخو الزوج، والله في جعبتي عشرات، بل بضع عشرات القصص التي تهز أركان المجتمع, بسبب أن المسلم لم يأخذ بهذا الحديث، وما من حكم شرعي خولف, إلا وجرَّ مآسٍ لا تعد ولا تحصى، الإفساد في الأرض.

أعمال فنية يقوم بها المنافق :

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 11-12]

أحيانا يقول لك: مطعم، ليس هناك أي حكم شرعي يمنع أن يكون عندك مطعم، كلام طيب، يقول لك: أكل حلال، أنا أطعم الناس أكلاً حلالاً، لكن المطعم أضواؤه خافتة، وفي حي راقٍ جداً، وكل إنسان معه فتاة, يحب أن يجلس معها جلسة طويلة، وأن يفعل أشياء لا ترضي الناس في الطريق, يأخذها لهذا المطعم، فالإعلان مطعم، أما الحقيقة فهو بؤرة للفساد، فهذا مثل، إن في تجارته، إن في حركته، إن في أعماله، يقول لك: سياحة، أحياناً مجموعات، أكثر المعاصي والآثام تقترف في هذه المجموعات، كلمات براقة، فن، ساعة فن، ساعة سياحة، ساعة سلوك عصري، سلوك واقعي، ساعة التعبير عن الحياة بكل معانيها، هو كله فساد في الأرض.

 

كيف يرى المنافق المؤمن حسب نص هذه الآية؟ :

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾

[سورة البقرة الآية: 13]

المنافقون يرون المؤمنين سفهاء، يعني محدودين، تفكيرهم محصور في المسجد، وكلمة الله، ما رأوا جمال الحياة، ما اطلعوا على بهجة الحياة، لم يستمتعوا بالحياة، محدودون، مغلقون، تفكيرهم مغلق، هؤلاء سفهاء معقدون، متزمتون، ديدنهم الله، الحياة فيها أشياء جميلة، فيها شهوات، فيها اختلاط، فيها أشياء تبهج النفس، هذا كلامهم، قالوا:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾

[سورة البقرة الآية: 13]

انظر إلى هذا الرد الإلهي لهذه الرؤية :

يقول الله عز وجل:

﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 13]

﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾

[سورة البقرة الآية: 130]

ما مِن إنسان يعرض عن الدين إلا وهو يحتقر نفسه، قد تعرض عن أشياء كثيرة لأنك تحتقرها، ولكن لمجرد أن تعرض عن الدين فإنك تحتقر نفسك:

﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾

[سورة يوسف الآية: 33]

هذا الذي يصبو إلى التي لا تحل له, هو عند الله جاهل، لأنه خسر الآخرة، خسر الأبد، خسر اتصاله بالله، خسر قربه من الله، لما عصى أبعد عن الله عز وجل.

 

2- خداع المؤمنين بإظهار الإيمان إذا قابلوهم ثم إظهار الكفر إذا خلوا

الصفة الثانية: خداع المؤمنين بإظهار الإيمان إذا قابلوهم، ثم إظهار الكفر إذا خلو بأوليائهم.
والله أحياناً تسمع كلمات من شخص معسولة؛ أهلاً وسهلاً، ومرحباً، نوّر البيت, تباركنا، ليست هذه الحياة، محدودون، مساكين، لم يروا شيئاً، الآن فقط مدحك، قال لك: نوّر البيت، تباركنا فيك، لذلك يقول الله عز وجل:

﴿لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 14-15]

هذه الصفة الثانية.

 

3- الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله وصد الناس عن الحكم بما أنزل الله

الصفة الثالثة: الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله، وصد الناس عن الحكم بما أنزل الله، أحياناً قضية من القضايا بالقوانين فيها مكسب كبير، أما بالشرع فما لها مكسب، فالمنافق يأتي طواعية إلى الحكم الوضعي، ويحتكم إليه، هو في الشرع ظالم، وهذا يظهر كثيراً في قضايا الطلاق في الجاليات الإسلامية، ترفع أمرها لا إلى قاضٍ مسلم، لأن القاضي المسلم يحكم لها بالمهر فقط، ترفع أمرها إلى قاضٍ غير مسلم, ليحكم لها بنصف ثروة زوجها، لا يحتكم إلى شرع الله، بل يحتكم إلى نظام وضعي:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾

[سورة النساء الآية: 60-61]

أيّ إنسان يحتكم إلى غير شرع الله فهو منافق، أي إنسان يحتكم إلى غير شرع الله تحقيقاً لمصالحه فهو منافق.

 

قاعدة عامة :

يروي ابن جرير بسنده إلى عامر الشعبي قال: كانت بين رجل ممن يزعم أنه مسلم، وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك, أو قال: إلى النبي، وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الرشوة في الحكم، فاختلفا، فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة، قال: فنزلت الآية:

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا﴾

قاعدة عامة: حينما تحتكم إلى نظام غير شرع الله عز وجل, فهذه صفة قد تتلبس بها النفس، وهي النفاق.

 

4- يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف :

المنافق من صفاته: أنه يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف، قال تعالى:

﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

[سورة التوبة الآية: 67]

معنى: بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ: من صنف واحد، ملة الكفر واحدة، الكافر هو الكافر، في أي زمان، وفي أي مكان, يأمر بالمنكر، وينهى عن المعروف.وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ؛ أي بخلاء لا ينفقون، وينهون عن أن تنفق، فعندنا فاسد مفسد لا ينفق، وينهاك أن تنفق. 

قصة قرابة :

حدثني أخ قبل أشهر عن قصة, جرت مع أحد أقربائه، رجل في الستين في بحبوحة، أراد أن يتقرب إلى الله بدفع مبلغ مليون ليرة لإنشاء مسجد، حال الإنسان إذا اقترب من الوفاة، وشارف على ترك الدنيا, أن يعمل عملاً يلقى الله به، الرجل حي يرزق، الذي حدثني هذه القصة، هم أقرباء له، دفع المليون، له زوجة، وبنت طبيبة، وولدان، الأربعة رفعوا قضية، واتهموه بالسفه، وشهدوا جميعاً شهادة زور أن أباهم مجنون، الزوجة والبنت والابن، فحكم بإرجاع المبلغ، حكم أنه سفيه، والمبلغ استرد من الجمعية التي دفعه إليها، وانتهى الأمر، والذي روى لي القصة حي يرزق، خلال ستة أشهر الأربعة ماتوا، بأشكال عديدة؛ واحد في حادث، والبقية بأمراض عضالة، وبقي هو وحده حياً، والمبلغ استدره، وأنفقه مرة ثانية.
أيها الأخوة, إياك أن تفتري على إنسان محسن لا ينفق، ويمنعك أن تنفق.

درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك :

أيها الأخوة, بحكم عملي في الدعوة, عندي عدد لا بأس به من الوصايا، والله الذي لا إله إلا هو, لم تنفذ منها وصية واحدة، واحد ترك ثلاث بنايات، وأوصى بمئة ألف، لم تنفذ هذه الوصية، لذلك: درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، لماذا هو خير؟ لأنه لن ينفق بعد مماتك،

﴿يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾

ينفقون على شهواتهم وحظوظ أنفسهم ملايين مملينة، أما إذا دعوا إلى إنفاق مبلغ بسيط لإنسان يعاني ما يعاني, ادعوا أنه لم يوجد سيولة معهم، إن أنفقوه أَنفقوه إسرافاً وتبذيراً، وإن أَمسكوه أمسكُوه بخلاً وتقتيراً، لذلك قال تعالى:

﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾

[سورة البقرة الآية: 195]

إن لم تنفقوا. 

5-يتخذ الكافر ولياً :

الصفة الخامسة: من صفات المنافقين أنهم:

﴿يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة النساء الآية: 139]

قد يكون الشخص محترمًا بمقياس الأرض؛ غني، قوي، ذو مكانة، ذو منصب، فالمنافق يعد هذا الإنسان مستشاراً له، يعده وليه، أنا لا أخالفه أبداً، انظر إلى وضعه كيف هو ، لو ما كان يفهم لما كان بهذه المكانة، يتخذ الكافر ولياً، يوليه أمره، ولياً يرجع إليه، ولياً يستشيره، ولياً يهتدي بتوجيهاته، ولياً ينفذ تعليماته، ولا يعبأ بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾

[سورة النساء الآية: 138-139]

هذا هو المؤمن :

أيها الأخوة, المؤمن يعتز بحاجب مؤمن، ولا يعتز بأكبر شخصية غير مؤمنة، يعتز بحاجب، هو أخي في الله هذا.
سيدنا الصديق, لما اشترى بلالاً من سيده, قال له سيده صفوان بن أمية: واللهِ لو دفعت به درهما لبعتكه، فقال له الصديق: واللهِ لو طلبت به مئة ألف لأعطيتك، هذا أخي، وضع يده تحت إبطه، وقال: هذا أخي حقاً.
كَانَ عُمَرُ يَقُولُ:

((أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا، يَعْنِي بِلَالًا))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

لعلك لا تعلم :

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:

((خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ, أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جولة وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ: يا ِرَسُولِ اللَّهِ! جِئْتُ ِأَتَّبِعَكَ لأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

اختلف رجلان على قطعة جبن، استعانوا بالثعلب، الثعلب رفع شعار العدل، جاء بميزان، وضع ثلثين وثلثًا، فلما رجحت كفة الثلثين أكل نصفها، فرجحت كفة الثلث، فأكل نصفها إلى أن أكل الجبن كله، هذا حكمه.
لما استعان المسلمون بغير المسلمين لحلِّ خلافاتهم ما الذي حصل؟ راحت كل الثروات، فإذا نقضوا عهد الله وعهد رسوله, سلط الله عليهم عدواً يأخذ ما في أيديهم.

قف عند هذه الأحاديث :

أيها الأخوة، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ قَالَ:

((أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا لنا, وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي، وَلَمْ نُسْلِمْ، فَقُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، قَالَ: أَوَ أَسْلَمْتُمَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: إِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَسْلَمْنَا، وَشَهِدْنَا مَعَهُ، فَقَتَلْتُ رَجُلًا، وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً، فتَزَوَّجْتُ بِابْنَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا عَدِمْتَ رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ، فَأَقُولُ: لَا عَدِمْتِ رَجُلًا عَجَّلَ أَبَاكِ إلى النَّارَ))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ:

((كَانَ مُحَمَّدٌ أَحَبَّ رَجُلٍ إلي من النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا تَنَبَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ, شَهِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ الْمَوْسِمَ وَهُوَ كَافِرٌ، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنَ تُبَاعُ، فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا, لِيُهْدِيَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ، فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً، فَأَبَى، قَالَ: إِنَّا لَا نَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخَذْنَاهَا بِالثَّمَنِ، فَأَعْطَيْتُهُ حِينَ أَبَى عَلَيَّ الْهَدِيَّةَ))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

((أنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلَ مَعَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ: إِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

إذاً المنافقون:

﴿يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾

نهاية المطاف :

المنافقون يعادون المؤمنين بإيمانهم، ويوالون الكافرين بكفرهم، قال تعالى:

﴿لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾

[سورة المجادلة الآية: 22]

لا تجد مؤمناً يؤمن بالله واليوم الآخر يودّ من حاد الله ورسوله:

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية: 8-9]

أنت حينما تبذل مودتك للكافر فأنت منافق، لا سمح الله ولا قدر:

﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾

[سورة المؤمنون الآية: 109-111]

عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ, فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإيمان))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور