وضع داكن
29-03-2024
Logo
العقيدة من مفهوم القرآن والسنة - الدرس : 09 - نواقض الإسلام - 2 من أنواع الكفر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

ما ذكر سابقاً :

أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس التاسع من دروس العقيدة، وقد كان موضوع الدرس الماضي نواقض الإسلام، وتحدثت بفضل الله تعالى عن أن الشرك أول ناقض للإسلام، وهو أنواع منوعة، هناك من يشرك في عبادة الله إلهاً آخراً، هناك من يصف نفسه بما لا ينبغي أن يصفها به، وهذا نوع من الشرك، والكفر أيضاً من نواقض الإسلام، فهناك كفر التكذيب، وهناك كفر الاستكبار، وهناك كفر الإعراض، ووصلنا إلى كفر الشك.

من خصائص هذا الدين :

من خصائص هذا الدين أنه يقيني، ودرجات الصحة تتراوح بين اليقين القطعي, وبين غلبة الظن، والظن، والشك، والوهم، من وهم إلى شك إلى ظن إلى غلبة ظن إلى قطع.
أعلى مستويات اليقين القطع مئة بالمئة، لأن الدين دين الله، ولأن الدين من عند الله، و لأن الله كماله مطلق, لا يقبل دين الله عز وجل أن يكون فيه خلل، أي شيء يمكن أن يكون فيه خلل إلا دين الله عز وجل:

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

[سورة المائدة الآية: 3]

هذه نعمة لا تعدلها نعمة، أنت مع الحق الصرف، أنت مع الحق المطلق، دين الله عز وجل من عند خالق السموات والأرض.

من بديهيات الإيمان :

الإيمان بالله كرؤية الشمس
قد يصدر قاض من بني البشر ألف حكم عدلاً، خمسة أحكام منها لم يكن الحكم فيها دقيقاً، هو عند الناس جميعاً قاض عادل، فكل أحكام بني البشر أحكام نسبية، أما لو أن الله عز وجل ظلم مخلوقاً من آدم إلى يوم القيامة، مخلوقًا واحدًا، ولأن أسماء الله وصفاته مطلقة لا يعد عدلاً، الإله له شأن، والعباد لهم شأن، شأن العباد أن أحكامهم نسبية، لكن شأن الله عز وجل أن أحكامه قطعية مطلقة، والله في أفعاله عدل ورحيم.
أيها الأخوة, قضية الإيمان لا تحتمل الشك، قضية الإيمان لا تحتمل النسبية، أي الله عز وجل واحد ربما، لا يوجد ربما، الله عز و جل رحيم إلى حد ما، لا يوجد إلى حد ما، هذه عبارات الناس؛ إلى حد ما، وبما، ولعله كذلك، هذه تصح مع البشر، أما مع خالق البشر فديننا كله يقين، فالذي لا يجزم بصدق هذا القرآن وثبوته أنه من الواحد الديان، والذي لا يعتقد أن كلام النبي الذي قاله فعلاً حق لا يساوره شك فليس مؤمناً، وهذا من بديهيات الإيمان.

هل يوجد في حياة المسلم ظنيات؟ :

﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾

[سورة إبراهيم الآية: 9]

يوجد شك، أي لم يكفروا كفراً قطعياً، ولم يكذبوا تكذيباً قطعياً:

﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾

[سورة هود الآية: 62]

ليس في حياة المسلم ظنيات.

 

ابحث عن اليقينيات :

أيها الأخوة, مسلمون كثيرون مترددون، هل أنت مؤمن إيماناً قطعياً أن هذا الدين حق ؟ هل أنت مؤمن أن هذه المعصية سوف تعاقب عليها؟ هل أنت مؤمن أن هناك آخرة؟ هل أنت مؤمن أن هناك جنة ونار؟ فكيف تفعل فعلاً يستوجب النار؟ معنى ذلك أنك لست متأكداً، لا يوجد حل وسط، بالدين لا يوجد حل وسط، إما أن تؤمن بكل ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من كتاب ومن سنة، أو أن إيمانك ببعض ما جاء به وعدم إيمانك بالبعض الآخر ليس ديناً، ولا ينطوي على إيمان دقيق، ولا يمكن أن تقطف ثمار الدين بهذه الطريقة، لذلك قال بعض الشعراء وأظنه المعري:

زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قــلت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما

أي هناك من يتندر، ويقول: أخي إن كان هناك جنة فنحن عملنا لها، وإذا لم يكن ثمة جنة, فنحن كسبنا في الدنيا سمعة طيبة، هذا ليس إيماناً، لا يمكن أن يقبل إيمان بهذه الطريقة، هذا إيمان الشك:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾

[سورة الحجرات الآية: 15]

لذلك ابحث عن اليقينيات.

 

قصة فيها مغزى :

قصة قديمة من عشر سنوات، مرة قال لي شخص: أنا أتمنى أن أحضر درسك، لكن أخاف أن يأخذوا اسمي، قلت له: الإله الذي تعبده إن لم تكن واثقاً أنه يحميك لا تعبده، أنت في حمى الله عز وجل، أنت في طاعته، أنت في طلب العلم، أنت فيما يرضيه، ويسلمك لغيره، أهكذا تظن بالله عز وجل؟ وأنت في قمة الطاعة يسلمك إلى أعدائه؟ هذا مستحيل.
أيها الأخوة, كفر الشك أن تكون متردداً في قبول بعض الحقائق الإيمانية أو بعض الإخبارات الربانية.

سألني سائل :

سألني أخ, قال لي: يوجد سؤال كبير جداً سُئِلته وأنا في مجلس، ولم أستطع أن أجيب عليه، قلت: ما هو؟ قال: يقول الله عز وجل:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾

[سورة الفيل الآية: 1]

ما أحد رأى هذا الذي حدث، أي بشكل دقيق: من منكم رأى ما فعل أبرهة بالكعبة؟ ما أحد رأى ذلك، ما معنى هذه الآية؟ قلت له: معنى هذه الآية: أنه كمؤمن ينبغي أن تستقبل خبر الله عز وجل الذي أخبرك به، وكأنك تراه بعينيك، يقتضي إيمانك بالله أنه إذا أخبرك عن شيء تستقبل هذا الشيء، وكأنك تراه بعينك.

هذا الصحابي وصل إلى ذروة الإيمان :

أحد أصحاب رسول الله قال للنبي عليه الصلاة و السلام: أصبحت وكأني أرى أهل النار يتعذبون، وأهل الجنة يتنعمون.
الله عز وجل أخبرنا عن نعيم أهل الجنة، وعن عذاب أهل النار، فقال: كأنني أرى أهل النار يعذبون، وأرى أهل الجنة يتنعمون.
يقاس على ذلك إنسان ماله حرام، وهو يتنعم بدنيا عريضة؛ بيت فخم، ومركبات، ومكانة، وولائم، وإنفاق، المؤمن الصادق يرى أن هذا المال سوف يتلف، وكأنه يعلم الغيب، هو لا يعلم الغيب أبداً، لكن يعلم قوانين الله عز وجل، المتكبر سوف يذله الله، هو لا يعلم الغيب، ولكنه يعلم قوانين الله عز وجل، أي مثلاً إذا كنت عالم فيزياء، وأنشِئ بناء، ولم يترك فيه فواصل تمدد، ماذا تتنبأ لهذا البناء في فصل الصيف؟ أن يتصدع، هذا ليس علماً بالغيب، ولكن علم بالقوانين، ما دام البناء أنشئ، ولم يؤخذ بفواصل التمدد، لم يؤخذ بقانون تمدد المعادن, فلا بد من أن تتصدع أركان هذا البناء.
نحن في صحن هذا المسجد، بلِّط هذا الصحن ببلاط متلاصق إلى أقصى درجة، في الصيف تكسر هذا البلاط، وانتفخ، فسألت: فقال: بفعل التمدد، لم تترك فواصل، مع أنه حجر، وآخر شيء يتمدد هو الحجر، الذي يعلم قوانين التمدد، ثم يتنبأ بانهيار بناء, لم يؤخذ في أثناء بنائه لهذه القوانين، هذا ليس علماً بالغيب، ولكنه علم بالقوانين، أما حينما أرى إنساناً غارقاً في المعصية أقول: أمامه حياة ضنك، هذا ليس علماً بالغيب، أما حينما أرى شاباً مستقيماً يخشى الله عز وجل, أتنبأ له بكل مستقبل زاهر، وليس علماً بالغيب، ولكنه علم بالقوانين، فلذلك يجب أن تؤمن أن قوانين الله عز وجل كالقوانين الفيزيائية شاملة ومطّردة.

من سنن الله في عباده :

الحياة الطيبة للمؤمن الصالح
أيها الأخوة, أكبر ضمانة لك كلام الله، أكبر ضمانة لأي شاب مستقيم:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾

[سورة النحل الآية: 97]

أكبر تهديد للعصاة:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه الآية: 124]

أكبر عطاء من الله للذي يتبع هدى الله عز وجل:

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه الآية: 123]

لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه:

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 38]

ما الذي يُثَبت المؤمن؟ القرآن، قال تعالى:

﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ﴾

[سورة إبراهيم الآية: 27]

أنت معك آية لصالحك:

﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾

[سورة التوبة الآية: 51]

هذه البشارة لك أيها المؤمن:

﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾

[سورة سبأ الآية: 17]

رجل له ثقة بالله :

مرة أخ استيقظ صباحاً، فإذا ابنته مشلولة، فصرخت الزوجة بويلها، هو رجل مؤمن، وشاب مؤمن، ومنضبط انضباطًا تامًّا، أعرفه, ولا أزكي على الله أحداً، فصرخ، وقال: هذا المرض ما كان الله ليبتليني به، له ثقة بالله عز وجل، ثم اكتشف بعد حين, أن هناك مرضاً مشابهاً تماماً لمرض شلل الأطفال يزول بعد يومين، وبعد يومين شفيت ابنته من هذا المرض ، المؤمن له ثقة بالله عز وجل, هناك ابتلاء لا شك، لكن يوجد بلاء ماحق، والمؤمن يطمئن إلى أن الله يحفظه.
سمعت كثيراً من أناس كسبوا مالاً حلالاً محدوداً، ولم يتركوا لأولادهم شيئاً، وكانوا كلما عوتبوا على ذلك: لمَ لمْ تترك لأولادك شيئاً؟ لمَ لمْ تدع لأولادك شيئاً؟ يقول: الله يحفظهم.

شيء خطير :

مر معي بالأثر القدسي قولاً:

((إن الله يوقف عبداً يوم القيامة يقول له: يا عبدي, أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ يقول: يا ربي لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، فيقول الله له: ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، ويسأل عبداً آخراً يقول له: يا عبدي, أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ فيقول: يا ربي أنفقته على كل محتاج ومسكين, لثقتي بأنك خير حافظاً, وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله لهذا العبد: عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك))

إذا كان دخل الإنسان حلالاً، أطعم أولاده الطعام الحلال، الله عز وجل يتولى أولاده من بعده، وتجد أناساً كثيرين اتقوا ربهم في كسب أموالهم، وأطعموا أهلهم اللقمة الحلال، أولادهم من بعدهم في أعلى مقام، تولاهم الله بالحفظ والرعاية.

﴿وَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾

من التنبؤات :

أيها الأخوة، أقسم بالله مرة ثانية: إنني أتنبأ لكل شاب مستقيم يحب الله، ويخشاه، ويطيع أمره، ويتجنب معصيته، ويخطب وده بمستقبل في الدنيا باهر، ليس معنى كلامي أنه سيكون مليونيراً؟ لا، سيعيش حياة طيبة، وقد تعيش حياة طيبة بدخل محدود، وقد تكون أسعد الناس في بيت متر متواضع، وقد تكون أسعد الأزواج بزوجة عادية, وليست بارعة الجمال، لكن الله إذا ألقى السكينة على قلب المؤمن, سعد بها ولو فَقَدَ كل شيء، وإذا حجب عنه السكينة, شقي بها ولو ملك كل شيء.

من أنواع الكفر :

أيها الأخوة, هذا الدين لا يحتاج إلى التردد، ولا إلى الشك، ولا إلى الارتياب، من خصائص هذا الدين أنه يقيني قطعي، لذلك هناك كفر اسمه كفر الشك، لست متأكداً، متردد، وهناك كفر آخر هو كفر الجحود: وهو أن يجحد الإنسان ما أنزله الله جملة، أو أن يجحد شيئاً مما هو معلوم بالضرورة.

ابتعد عن هذا الوهم :

مرة أحاور إنساناً، قال لي مسلم: قطع اليد غير معقول هذا، هذا عمل همجي، يوجد آية قرآنية، في كل ثلاثين ثانية ترتكب في أمريكا من عام خمسة وستين جريمة قتل، أو سرقة ، أو اغتصاب، وثمة بلاد، لم تكن متحضرة كثيراً, لكن أقيم هذا الحد في هذه البلاد, هل تصدق يوم كان مطبقاً تماماً: أن الصراف يدع صندوق العملات الأجنبية بالملايين، يضع فوقها قماشًا، ويذهب ليصلي في الحرم، وهو آمن؟.
يوجد قصص سمعت بها في هذا البلد الذي يطبق حد السرقة، والله تكاد لا تصدق، يمكن أن تحمل رواتب محافظة في الجنوب الجنوب قبيل اليمن على سيارة شاحنة مكشوفة، كلها أكياس فيها مئات الملايين، هكذا في الطريق، بأوربا قطارات مصفحة، وحراسة مشددة، وطائرة هيلوكبتر، وشرطة، وتسرق، ما هذا الحد؟ أنت حينما تجحد حكماً شرعياً، قضية غض البصر, الله عز وجل ما كلفنا ما لا نطيق:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة الآية: 286]

حينما تتوهم أن هناك حكمًا شرعيًا مستحيل التطبيق فوق طاقة البشر، معنى ذلك: أن الله ليس خبيراً بعباده، كلفهم ما لا يطيقون، أو لا يعلم ما سيكون من عصر فتن, وانحراف, وتفلت أخلاقي، لا:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

[سورة البقرة الآية: 286]

أيّ أمر كلفنا الله به, هو في وسعك أن تطبقه قطعاً، هذا اليقين، الجحود أن تجحد حكماً شرعياً.

ما هو كفر الجحود؟ :

هناك شخص يقول: لو وضع ماله في بيته فهو مقتول حتماً، أما إذا وضعه في مصرف ربوي فهو آمن، الله عز وجل كأنه إله في السماء لا في الأرض، مفهوم هذا الكلام لأنك خفت من الله، وخفت أن تضع مالك في بنك ربوي، في مصرف ربوي، فقد اقتحم بيتك وانتهت حياتك، والذي وضعه في فائدة ربوية ينام ناعم البال، آمناً مطمئناً، هكذا يعامل الله عباده؟:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة الآية: 18]

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية الآية: 21]

يجب أن تفسر الأمور تفسيراً توحيدياً، بالإسلام لا يوجد شك، لا يوجد ريب، لا يوجد تردد، لا يوجد إلى حد ما، لا يوجد نوعاً ما، لا يوجد معقول, لكن لا أدري مبلغ هذا من الصحة، هذا كله مرفوض بالدين، أما كفر الجحود أن تجحد شيئاً علم من الدين بالضرورة.

ما مضمون هذه الآية؟ :

قال تعالى:

﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾

[سورة النمل الآية: 14]

هذه الآية دقيقة جداً تؤكد الإيمان الفطري، أنت حينما تجحد شيئاً عُلم من الدين بالضرورة, أنت في الحقيقة مؤمن به، لكنك تجحده لمصلحة، أو لمكسب، أو لرفعة في الدنيا، ثمة مثل واضح جداً أضربه دائماً:
إنسان يعمل عتالاً، وعنده دابة، فلما ماتت انقطع دخله كلياً، أصبح بلا دخل، خطرت في باله فكرة أن يدفنها، وبنى عليها بناء متواضعاً، ثم نصب قبة، وسماها ولياً من أولياء الله الصالحين، فأقبل الناس عليه بالهدايا, والذبائح، والدجاج، والسمن، وما إلى ذلك، فعاش في بحبوحة ما بعدها من بحبوحة، هل يمكن أن يقر أن في هذا المكان دفن دابة، وقد دفنها بنفسه؟ ، أي قناعته أنها دابة أشد من قناعة الذي يحاوره، لأنه دفنها بنفسه، لذلك المندفع لا يناقش:

﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾

[سورة النمل الآية: 14]

من مخلفات الكذب :

المؤمن لا يكذب
أيها الأخوة، آلاف آلافِ البشر يتكلمون كلاماً بصوت مرتفع، وهم لا يصدقون أنفسهم ، وهم يكذبون، لو ألغي الكذب من حياتنا فقط لكنا في حال غير هذا الحال، أكثر المواقف والكلمات ليست واقعية.
مرة قلت لكم: إن إنسانًا فقيرًا جداً, له قريبة تملك ملايين مملينة، هو وريثها الوحيد، فلما توفيت أطال لحيته، وارتدى قميصاً أسود، وأظهر أنه حزين جداً، فجاء الناس ليعزوه، له صديق ذكي، لما صافحه في التعزية قال له: مبارك، هنيئاً، هذا الصدق، والباقي كله كذب، لأنه اغتنى بموت هذه القريبة، فإذاً: لو ألغي الكذب من حياتنا لكنا في حال غير هذا الحال، الكذب فقط.
المؤمن قد يخطئ، وقد تزل قدمه، ولكن لا يكذب، يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة، لا يمكن لمؤمن أن يكذب أو يخون، فإذا خان أو كذب لم يبق مؤمناً، انتهى دينه كله:

﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً﴾

[سورة النمل الآية: 14]

لأنه يأتيه دخل كبير من هذا الكذب، أي منتفع؛ المنتفع لا يناقش، والغبي لا يناقش، و القوي لا يناقش، وقد يجتمعون في واحد:

﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾

[سورة النمل الآية: 14]

وقال تعالى:

﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾

[سورة الأنعام الآية: 33]

ما موضوع هذه الأحاديث؟ :

وفي الحديث الصحيح: عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:

((قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَغْيَ مَنْ بَطِرَ الحق أَوْ قَالَ: سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمَطَ النَّاسَ))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

وفي رواية أخرى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

بطر الحق؛ أي رده وجحوده، إنكاره، تكذيبه.
وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((سيكون في آخر أمتي أناسي يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

وعَنْ نَافِعٍ قَالَ:

((كَانَ لِابْنِ عُمَرَ صَدِيقٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُكَاتِبُهُ, فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أنه بَلَغَنِي أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ, فَإِيَّاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ, فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

من نواقض الإسلام :

1-الشرك والكفر :

أيها الأخوة, الشرك من نواقض الإسلام، والكفر من نواقض الإسلام, والكفر أنواع: كفر الجحود، وكفر الشك، وكفر الإعراض، وكفر الاستكبار، وكفر التكذيب.

2-الردة :

ومن نواقض الإسلام الردة، قال الله عز وجل:

﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 217]

ما تعريف المرتد؟ :

أخواننا الكرام, تعريف المرتد: هو من ترك دين الإسلام، وهو عاقل مختار غير مكره إلى دين آخر، أو إلى غير دين كالإلحاد.
الإنسان عندما ينحرف بحثاً عن توازن نفسي, يعتقد عقيدة فاسدة, كي تغطي هذا الانحراف، لكن أية عقيدة تغطي له جرائمه كلها؟ الإلحاد، العقيدة التي تغطي جرائم الإنسان كلها, أن يبني مجده على أنقاض الآخرين، أن يبني غناه على إفقارهم، أن يبني حياته على موتهم، أن يبني عزه على إذلالهم، أن يبني أمنه على خوفهم، هذا يحتاج إلى عقيدة كي تغطي هذا كله، وليس من عقيدة تغطي هذا كله إلا الإلحاد، فلذلك يرتد عن الدين.
أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة, أي أنكر بديهيات الدين.

ما معنى هذه الجملة من تعريف المرتد: ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟ :

ما معنى ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟ أي مثل طريف ذكرته مرة: إنسان مظلي, فقد يجهل شكل المظلة؛ بيضوي, مستطيل, مربع دائري، المظلة مطوية، وقد يجهل نوع القماش؛ خيوط طبيعية، صناعية، حرير بلدي، صناعي، وقد يجهل عدد الحبال، وقد يجهل أشياء كثيرة، لكن شيئاً واحداً لو جهله نزل ميتاً، طريقة فتح المظلة يجب أن تعلم بالضرورة.
يوجد بالدين أشياء كثيرة قد تجهلها، ولا يعنيك من جهلها شيئاً، وقد تصل إلى الجنة مع أنك تجهلها، إنسان فرضاً زواجه ناجح جداً، ولم يفكر بالطلاق في حياته، لو أنه جهل أحكام الطلاق لا يتأثر، إنسان موظف له دخل محدود يعيش به, لو جهل أحكام المضاربة لا يتأثر، لكن الفرائض والمحرمات هذه ينبغي أن تعلم بالضرورة، الأحكام الفقهية المتعلقة باختصاصه ومهنته, ينبغي أن تعلم بالضرورة.
فهناك الدين أشياء, ينبغي أن تعلم بالضرورة، من أنكرها، أو ردها، أو كذبها, فقد ارتد عن الدين، الصلاة هل هناك صلاة بالدين؟ هذا مرتد، الصلاة، الزكاة، الصوم، أو عمل عملاً نقيضاً للدين، قال قولاً لا يحتمل التأويل.

نقطة هامة :

الإكراه ليس من الدين
أخواننا الكرام, الحقيقة أن الإنسان مخير، قال تعالى:

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾

[سورة البقرة الآية: 256]

لكنك إذا دخلت في دين الله، ثم أردت أن تعتدي عليه, لتشويه صورته, ونقض تعاليمه، وكشف نقاط ضعف المسلمين, هذا عدوان على أقدس شيء في حياة الأمة، يوجب الحد، الدخول اختياري، أما الخروج من أجل أن تعتدي على هذا الدين، وأن تنشر ما يناقضه ، وأن تسفه أفكاره، وأن تحقر أعلامه, هذا عدوان على الدين، لكن لو ارتد إنسان فيما بينه وبين نفسه، ولم ينطق بكلمة، ولم يتصرف بتصرف, هل يناله عقاب الارتداد؟ لا.
الارتداد عقابه رد على عدوانه على الدين، إذا فيما بينه وبين نفسه لم يقتنع بأشياء كثيرة، وبقي صامتاً، ولم ينطق بكلمة، ولم يفسد على أحد دينه، ولم يهاجم الدين إطلاقاً، ولم يفعل شيئاً، كيف نكشفه نحن هذا؟ لا يكشف، الله عز و جل يستره, فلعله يتوب مما هو فيه.

 

أنواع الارتداد :

1-ارتداد اعتقادي :

هناك ارتداد عقائدي، ردة الاعتقاد، مثلاً: من اعتقد أن هذا القرآن ليس كلام الله، من اعتقد أن هذا الحديث وهو صحيح، وأجمع العلماء على صحته، ليس كلام النبي، ولو قاله النبي فليس صحيحاً، هذا ارتداد، لكن الارتداد الاعتقادي لا يكشف.

2-ارتداد أقوال :

عندنا ارتداد أقوال، من حلف بغير ملة الإسلام كاذباً.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حلف فقال: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ, فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ, وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فلن يرجع إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا))

[أخرجه النسائي وأبو داود في سننهما]

من أمثلة الارتداد الاعتقادي والقولي :

كنا في الارتداد الاعتقادي، أي بعد أن آمن ارتد، بعد أن آمن انتكس، بعد أن آمن قال: هذا شيء لا أقبله أبداً، فيوجد ارتداد اعتقادي، ويوجد ارتداد قولي، لو أنه قال: إني بريء من الإسلام, فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً, لم يعد إلى الإسلام سالماً، من سبّ الله تعالى، أو سبّ القرآن، أو الرسول، أو أحداً من أنبياء الله فقد كفر سواء أكان مازحاً، أو جاداً ، أو مستهزئاً، كفر وارتد.
من رمى أم المؤمنين عائشة، وصدق ما قيل فيها، مع أن الله برأها بالقرآن الكريم, فقد ارتد عن دين الإسلام، من طعن في الدين، هاجم الإسلام وطعن في الدين، أو دعا إلى مبدأ إلحادي أو كفري, فهو مرتد عن هذا الدين.

3-ردة الأفعال :

أما ردة الأفعال: فقد أجمع العلماء على أن مما يوجب كفر المسلم؛ إلقاء المصحف أو جزء منه، أو تدقيقه بالقدر، ومثله كتب الحديث القدسي والنبوي، وكذا من استخف بالقرآن.

من الارتداد أيضاً :

يوجد مقالات تستخف بالقرآن، من سجد من المسلمين لصنم, أو لشمس, أو قمر, أو أتى بقول, أو فعل صريح, يدل على استهزائه بالدين, فقد ارتد عن دين الإسلام، من هرب من المسلمين إلى دار الكفر، واحتمى بهم، وناصرهم، وتآمر على المسلمين, فقد ارتد عن دين الإسلام:

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾

[سورة المائدة الآية: 51]

من أمثلة الارتداد الفعلي :

وهذا حديث خطير جداً, ورد في معجم الطبراني، وهو في السلسلة الصحيحة:

((برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم))

لمجرد أن تنوي الإقامة الدائمة مع المشركين فهذا نوع من الارتداد، ارتداد الأفعال، من حارب الشريعة الإسلامية، واستبدلها بالقوانين البشرية تعطيلاً لهذه الأحكام فقد كفر:

﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾

[سورة المائدة الآية: 44]

ما حكم المرتد؟ :

أخواننا الكرام, الشرع واقعي، والشرع رحيم، المرتد يستتاب, فإن تاب ورجع إلى الإسلام, فلا شيء عليه، وإمام المسلمين ينبغي أن يفرز لهذا المرتد عالماً جليلاً, يقنعه إذا كان ارتداده عن اعتقاد بريء من المصلحة، فالمرتد يستتاب، وتجري له مناظرة, كي يعود عن خطئه، وإلا يقام عليه الحد.

نهاية المطاف :

بقي ناقض آخر من نواقض الإسلام: وهو النفاق، وسوف يكون الحديث عنه إن شاء الله تعالى في درس قادم.
هذه من أساسيات الدين أن تعرف ما الإيمان؟ ما هي مقتضيات الإيمان؟ ما هي نواقض الإيمان؟ ما هي نواقض الإسلام؟ ما هو الشرك؟ ما هو الكفر؟ ما هو الارتداد؟ ما هو النفاق؟ هذه من أساسيات الدين, وينبغي أن تكون معلومة بالضرورة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور